لن يهدأ الحديث عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وسيتواصل سنوات طويلة، كما ستحفّ به الشكوك والتأويلات والخرافات والأساطير، كما حفّت، من قبل، بانتحار هتلر واغتيال شي غيفارا، وكل الذين ألهبوا عقول الناس بإيديولوجياتهم وسلوكياتهم وحروبهم وثوراتهم. فانتحار الزعيم النازي أدولف هتلر مازال محلّ جدال منذ ثُلثي القرن، بالرغم من التأكيدات الموثّقة التي أبرزت، بالدليل القاطع، توقيت ومكان وطريقة انتحاره. لكن الناس، ومنذ القِدم، تستهويهم سيناريوهات الاثارة التي تُحاك حول الشخصيات التي سيطرت بكثافة على مجالات اهتمامهم سلبا أو إيجابا. فكل الناس في جميع مناطق العالم يتساءلون، اليوم، عن اغتيال أسامة بن لادن، وبين مؤكد لمقتله ومشكّك، تتناسل التأويلات وتتباين المواقف، وتتعدد الاشاعات، يغذّيها إعلام مسكون بمزايدات الاثارة، وصفحات اجتماعية الكترونية تتقن ترويج الخبر ونقيضه على إيقاع هستيري محموم. لقد انفجر هذا المدّ منذ اللحظة الأولى التي أعلنت فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية عن مقتل عدوّها الأكبر الذي توصّل الى ضربها في عُمق أراضيها يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 وهي المرّة الأولى التي تتعرّض فيها الدولة الأكبر في العالم الى اعتداء سافر، منذ السابع من ديسمبر 1941 عندما تعرّض الأسطول الأمريكي في قاعده «بيرل هربور» لهجوم ياباني عجّل بدخول الولاياتالمتحدة ساحة الحرب العالمية الثانية الى جانب الحلفاء. كانت الواقعة مدوية تلتها حرب مدمّرة في أفغانستان وأخرى أكثر تدميرا في العراق، ومطاردة مكلفة ومثيرة وطويلة، فرضت على سكان العالم ايقاعها الجهنّمي، حتى نزل خبر الاغتيال ليؤجج المشاعر المتباينة، ويطلق العنان للخيال المجنّح ليروّج لأكثر السيناريوهات غرابة وإثارة، قد زادت المواقف المترددة والمتضاربة، والتعتيم المتعمّد، والصور المركبة، في تغذية شحنات التأويل وتكثيف الاشاعات، أما ذروة التحريض على إطلاق الشكوك فقد كانت عملية دفن زعيم القاعدة في بحر العرب، فقد تساءل الناس عن أسباب كلّ هذا الخوف من جثة، قيل انها تشوّهت بالرصاص والصواريخ، وعن مبررات التعتيم الاعلامي الذي طوّق اجراءات إلقائها في البحر، ورفضوا كل الأجوبة الجاهزة التي قُدّمت إليهم، وحتى تلك الصور التي بثتها الفضائيات العالمية حول متابعة الرئيس الأمريكي لوقائع عملية الاغتيال مباشرة على الأقمار الصناعية لم تكن قد أقنعتهم، بل بالعكس زادت في إضرام أسئلة الحيرة لديهم، فشريحة هامة من الناس يعتقدون أن بن لادن مات موتة طبيعية منذ سنوات بسبب مرضه المزمن، وحين تأكدت المخابرات الأمريكية من موته وضعت سيناريو اغتياله لتركب سرجا بطوليا لم تكن قد أعدّته، ولتمسح سجلاّ مخجلا من الخيبات خلال العشرية الأخيرة، ومنها، بالخصوص، فشلها في إحباط ضربات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وترويجها المبيّت لامتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل، ظهر، بكل وضوح، أنها لم تكن موجودة مطلقا. ومازال جانب آخر من الناس على اقتناع تام بأن زعيم القاعدة حيّ يرزق، وخبر اغتياله ماهو إلا «فبركة» إعلامية مقصودة للترفيع في أسهم باراك أوباما والحزب الديمقراطي، خاصة وأن المدّ اليميني والانجيلي يتنامى في الولاياتالمتحدة بشكل مطرد. الآن، الكل ينتظر أدلّة دامغة، تؤكد الادارة الامريكية انها ستقدمها للرأي العام الأمريكي والعالمي، لكن لا أحد يعتقد أن حرب التأويلات والاشاعات ستنتهي بسرعة!!