لا ندري كم عدد حلقات مسلسل القمم العربية منذ أن تأسست جامعة الدول العربية، لكن الذي نتوقعه أننا نقترب من الحلقة الأخيرة من مسلسل المهازل هذا، مستوحين افتراضنا هذا من القرار الأخير الذي قضى بتأجيل القمة العربية ولاسيما من المبرر الذي قدموه للأمة العربية لتزيين هذا التأجيل وتبرئته! لقد اعتذرت الجامعة العربية عن انعقاد قمة عربية أخرى لم يكن يتحمّس لها أحد انعقدت أو لم تنعقد. وبنت الجامعة هذا الاعتذار على حجة مقنعة جدا.. جدا.. وهي كثرة المشاكل!! وهنا تعود بنا الذاكرة إلى مقياس موازين الأعذار والذنوب، فنردد "ربّ عذر أقبح من ذنب"، ونسأل جامعتنا غير المحترمة الآن: متى إذن تجتمع القمم القيادية ولماذا تجتمع إن لم يكن الهدف مواجهة المشاكل وإيجاد الحلول الضرورية لها مستندين إلى ما يسمى "التضامن العربي" و"العمل العربي المشترك" و"صلوحية" مؤسسة جامعة الدول العربية ومبرر وجودها. في كل مناسبة وعند كل أحداث كبرى تهز استقرار العالم العربي وأمنه واقتصاده ووجوده، تذكرنا الجامعة والقيادات العربية ليس بالعجز الذي يتخبطون فيه فحسب، وليس فقط بالعقم في تصرفها السياسي لكي لا نقول النفاق السياسي، بل باللامعقول الذي يملأ رؤوس القيادات العربية وعلى أساسه يتصرفون. ويتبين لكم ذلك اللامعقول المفزع وأنتم تشاهدون ليلَ نهارَ مصائب الأمة العربية التي تنخر في جسم الإنسان العربي، وتأتي على الأخضر واليابس سواء في دول اشتعل فيها الحريق المدمّر مثل ليبيا التي يتصرف فيها "القائد" مع شعبه براجمات للصواريخ لا تميّز بين ثائر في الميدان وبين عائلات في بيوتها، "قائد" مسلح بأشد أنواع الأسلحة فتكا بالإنسان وتدميرا للعمران، هو أجبن من أن يستعملها ضد عدو للأمة العربية، بل ينشرح ويتلذذ بأن يبيد بها الشعب الذي يزعم أنه شعبه، ولكنه يمزقه كل يوم أشلاء في البيوت وفي الساحات المدنية! وأنتم تنظرون كذلك إلى الحريق الآخر في اليمن وفي سوريا وفي العراق، وتتوقعون الحريق الذي يستعر الآن تحت الرماد في دول عربية أخرى. هل عندنا في أمتنا العربية مشاكل يجب أن تعالج وبسرعة وبأقصى التأكد؟ الجامعة العربية تقول كلاّ، وهي في نفس الوقت تعترف بتبريرها السخيف لتأجيل القمة بأحد أمرين: إما أن هذه الأوضاع العربية الملتهبة جدا لم تصل بعد إلى درجة "مشاكل" حتى توليها قياداتنا المتبصرة بعض الاهتمام، وإما إن هذه القيادات المفترض أنها أمينة على أمن الشعوب العربية، ومن خلالها الأمة بأكملها هي أصغر بكثير من هذه المشاكل المعقّدة، وهذا صحيح لأن وجود هذه القيادات هو في حد ذاته معقّد. هنا يبرز "اللامعقول" العربي في كل شيء في حياة الأمة العربية تحت تصرف قيادات آخر همها الأمن العربي والإنسان العربي والمستقبل العربي والكرامة العربية التي لو كانت قائمة أو محسوبة لكانت الدول العربية هي أول من يهبّ لإخماد الحرائق وليس الدول الخارجية التي تأتي بالحلول وتصوغ هي آلية العمل وحماية الإنسان العربي في أوطانه، فهل تنقص الدول العربية وسائل المحاصرة والضغط بل وحتى السلاح الذي تكدسه بعضه فوق بعض وتنفق ملايين المليارات للحصول عليه ولم تستعمله يوما ضد عدو محيط بالأمة، بل هي تقدّر أن لا تستعمله إلا ضد بعضها البعض.. ولا يفوتنا هنا أن نشكر البديل الغربي الحازم الذي ملأ الفراغ العربي، إذ لولاه لسحق القذافي بسلاحه الجوي في يومين كامل الشعب الليبي، وأفرغه من كل محتوى حاضرا ومستقبلا. المشاكل العربية لا تستدعي في نظر الجامعة اجتماع القمة فهي الآن ليست من هموم قادتها، ويبدو أن أول الهم الذي يشغلهم اليوم ويؤرقهم هو وجودهم. فهل يُعقل في هذه الظروف أن تنتقل القيادات من عواصمها لتشارك في القمة إن في بغداد أو في أيّ عاصمة أخرى، فمن يضمن لهم الرجوع إلى وطن يلتهب وشعوب تغلي؟؟!! هذا وجه آخر للامعقول.