دأب الأمين العام للأمم المتحدة، الكوري الجنوبي، «بان كي مون» على التجني الصارخ والمفضوح على القيم والمبادئ المؤسسة للمنتظم الذي يشرف عليه، والمحددة لوظائفه وأهدافه. فهو يتعامل مع القضايا العربية الاسرائيلية بمكاييل مختلفة، إذ كلما تعرضت اسرائيل الى احراج أو قذفت بحجر، انبرى منددا ومتوعدا ويلوذ بالصمت أو يدعو الى «ضبط النفس» إذا ما بادرت بارتكاب أبشع الجرائم ضد الانسانية، كما حدث، أخيرا، عندما استعملت الأسلحة الثقيلة لمهاجمة المتظاهرين على حدود الأرض المحتلة. أما الثورات العربية المضطرمة حرية وكرامة وانعتاقا فيبدو أنها لا تعني شيئا بالنسبة إليه، ولم يفكر لحظة واحدة، في إمكانية دعمها ومساندتها رمزيا ومعنويا على الأقل. ولا غرابة في ذلك فهذا الديبلوماسي الذي وجد نفسه، فجأة، على رأس أهم جهاز أممي، هو «صناعة أمريكية» خالصة. ولد ونشأ في كوريا الجنوبية، المحمية الأمريكية، التي تعيش تحت الحراسة المشددة لعشرات الآلاف من جنود العم سام، ودرس بجامعاتهم وتدرج في المناصب الديبلوماسية بدعم من البلد الحامي، وأثناء عمله ارتبط، ارتباطا وثيقا، بزعماء اللوبيات الصهيونية والمنظمات الانجيلية المتطرفة، أمثال «مايكل لاندو» زعيم أهم منظمة صهيونية في مدينة نيويورك و«مالكوم هوينلين» نائب رئيس مؤتمر المنظمات اليهودية الأمريكية، و«غاري باور» الزعيم المتطرف في تيار المسيحيين الصهاينة، ومؤسس تحالف «القدس» الذي يضم العديد من المنظمات العنصرية. وقد تعمد «بان كي مون» قبل أسبوعين فقط من توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وتحديدا يوم الرابع عشر من شهر ديسمبر 2006، حضور افتتاح مؤتمر المنظمات اليهودية الأمريكية، مطمئنا المشاركين فيه بأنه سيكون نصيرا لكيانهم المنتصب على أرض فلسطين. ولم يكتف بكل ذلك بل قرر تكليف «مايكل لاندو» بالإشراف على تنظيم لقاءاته بالديبلوماسيين المعتمدين لدى المنتظم الأممي. لذلك لم يكن حرصه على وضع قضايا الشرق الأوسط في مقدمة اهتماماته، ضربا من ضروب الحرفية السياسية، أو إيمانا بأهمية استقرار المنطقة في إرساء السلم العالمي، بل هو تلميح خفيّ الى أن مهمته تتمثل، أولا، في تطبيق المخططات الاسرائيلية وتنفيذ أهداف الانجيليين والصهاينة المتطرفين. يحدث كل هذا وأهل العروبة والاسلام في سبات عميق، بل إن بعض ديبلوماسييهم يشيدون، ليلا نهارا ب «الصديق بان كي مون» وينصحون حكامهم ببسط السجاد الأحمر تحت أقدام رفيقه الحميم ومستشاره و«عقله المدبر» المتطرف والعنصري «مايكل لاندو». وهكذا كان لابد ل: «بان كي مون» أن يرفض إدانة الحصار على غزة، والجريمة النكراء ضد باخرة الحرية، وغيرها من الجرائم التي ترتكبها اسرائيل باستمرار، وآخر وليس آخرا قتل المتظاهرين العزل على حدود الأرض المحتلة والتي لم يجد من تعليق عليها إلا المطالبة ب «ضبط النفس». وهكذا، أيضا، كان لابد له أن يتجاهل الثورات العربية خاصة وأنها لن تكتفي بإسقاط الطغاة العرب بل ستتواصل حتى إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية.