ضحكت في هذا العيد ضحكات كثيرة ومنعشة وممتعة من أعماقي. أقسم بالله العظيم أنها كانت ألذ ألف مرة من لحم العلوش ومن المشوي.. وحتى من «العصبان» الذي يعتبره معظم التوانسة «أم المعارك» و«مخ الهدرة» في عيد الإضحى.. لقد أضحكتني التعاليق التي كنت أسمعها من الأهل والأصدقاء والأحباب عندما كنت أتقدم لهم بتهنئة العيد قائلا لكل واحد منهم: «إن شاء الله كل عام وأنت تذبح».. إنهم ما إن سمعوا هذه العبارة حتى انطلقوا في الضحك ثم أخذوا يعلقون تعاليق كثيرة ومختلفة. وغالبا ما تكون تعاليقهم في منتهى الطرافة ولكن هناك نقطة يشتركون فيها جميعا وهي خوفهم من «الذبح» بكل صوره ومعانيه.. وكانت تلك التعاليق تضحكني وتنعشني ولكنها في نفس الوقت كانت تقدم لي صورة تكاد تكون فوتوغرافية وناطقة عن ظروف الناس.. وتفكيرهم.. وحال المجتمع الذي أصبح يقوم على التنافس الشديد والشرس والذي كثيرا ما يتسبب في حالات من التوتر يشعر بها الفرد على مستوى نفسيته وأعصابه ومزاجه.. أحد الأصدقاء الأعزاء ما إن قلت له: «إن شاء الله كل عام وأنت تذبح».. حتى ارتجّ.. وانتفض وقال لي: «أنا كيف نمنع من الذبح يكفيني».. فقلت له: ولكن عليك أن تبادر أنت بالذبح حتى لا يذبحوك.. ففي هذا العصر: إمّا ذابح.. وإمّا مذبوح.. والذبح هنا ليس بمعناه المادي وليس بإسالة الدماء.. ولكن بطرق وأساليب أخرى لا يعاقب عليها القانون وتندرج ضمن لعبة العصر.. لقد ضحكت كثيرا باستعمالي لعبارة: «إن شاء الله كل عام وأنت تذبح».. ولكن عليّ أن أعترف أنني لم أجد من بين المئات الذين استخدمت معهم هذه العبارة من لم يرحّب بهذه الأمنية.. لقد كانوا جميعا يتمنون أن يذبحوا كل عام.. وأن تتوفر لهم الظروف المناسبة والطيّبة التي تسمح لهم بإقامة عملية الذبح في العيد.. أما ما أتمناه لك أيها القارئ العزيز بصدق وجدية ومحبة فهو الضحك الصافي النابع من القلب. أتمنى أن تتوفر لك الراحة النفسية وراحة البال والصحة والعافية والطمأنينة لأنها هي صميم الحياة.. فاللهم إحمنا من الغمّ والهمّ والأحزان.. وأتمنى لك ما هو أكثر: أتمنى لك من أعماقي أن لا تنسى أيها العزيز أنك إنسان.