تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    نيويورك: الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات المؤيدين لغزة    تونس: الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتّش عنه    علم تونس لن يرفع في الأولمبياد    جبل الجلود تلميذ يعتدي على أستاذته بواسطة كرسي.    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الفيلم السّوداني المتوّج عالميا 'وداعًا جوليا' في القاعات التّونسية    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    دعما لمجهودات تلاميذ البكالوريا.. وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    عاجل: وفاة معتمد القصرين    انطلاق فعاليات الاحتفال بعيد الشغل وتدشين دار الاتحاد في حلتها الجديدة    بنزرت: وفاة امرأة في حادث اصطدام بين 3 سيارات    اليوم: طقس بحرارة ربيعية    تونس: 8 قتلى و472 مصاب في حوادث مختلفة    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للاواسط : المغرب يتوج باللقب    الهيئة العامة للشغل: جرد شركات المناولة متواصل    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    جولة استكشافية لتلاميذ الاقسام النهائية للمدارس الابتدائية لجبال العترة بتلابت    نتائج صادمة.. امنعوا أطفالكم عن الهواتف قبل 13 عاماً    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    اتفاق لتصدير 150 ألف طن من الاسمدة الى بنغلاديش سنة 2024    الليلة في أبطال أوروبا... هل يُسقط مبابي «الجدار الأصفر»؟    الكرة الطائرة : احتفالية بين المولودية وال»سي. آس. آس»    «سيكام» تستثمر 17,150 مليون دينار لحماية البيئة    أخبار المال والأعمال    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    لبنان: 8 ضحايا في انفجار مطعم بالعاصمة بيروت وقرار عاجل من السلطات    موظفون طردتهم "غوغل": الفصل كان بسبب الاحتجاج على عقد مع حكومة الكيان الصهيوني غير قانوني    غدا الأربعاء انطلاقة مهرجان سيكا الجاز    قرعة كأس تونس للموسم الرياضي 2023-2024    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    تعزيز أسطول النقل السياحي وإجراءات جديدة أبرز محاور جلسة عمل وزارية    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    ناجي جلّول: "أنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية.. وهذه أولى قراراتي في حال الفوز"    الاستثمارات المصرح بها : زيادة ب 14,9 بالمائة    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أمير لوصيف يُدير كلاسيكو الترجي والنادي الصفاقسي    إصطدام 3 سيارات على مستوى قنطرة المعاريف من معتمدية جندوبة    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتحاد الشغل يُبادر بقراءة تقييمية وتصورات
نشر في السياسية يوم 01 - 06 - 2009


قريبا انطلاق المفاوضات بشأن إصلاح أنظمة التقاعد
كشف السيد الناصر الغربي وزير الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج خلال لقاء صحفي جرى الخميس 8 أفريل 2010 أن المفاوضات بشأن إصلاح أنظمة التقاعد مع الأطراف الاجتماعية المعنية ستنطلق قريبا. وقال أن إصلاح أنظمة التقاعد بلغ درجة متقدمة جدا للقيام بدراسة الفرضيات الممكنة. مشددا على أن الهدف من الإصلاح هو إقرار حلول تضمن توازن الصناديق الاجتماعية حتى 2030، وأن الأمر لا يتعلق بإجراءات سريعة.
"السياسية" ومُساهمة منها في إثراء الجدل حول هذا الملف الاجتماعي الهام تنشر نص مذكّرة تقييميّة حول:" أنظمة التقاعد" من إعداد الأمانة العامة المساعدة المسؤول عن التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية في الاتحاد العام التونسي للشغل:
مذكرة تقييميّة حول:
"حول أنظمة التقاعد"
من إعداد: الأمانة العامة المساعدة المسؤول عن التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية
المقّدمة:
يمرّ صندوقا الضمان الاجتماعي (الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي) بوضعية مالية صعبة قد تتفاقم في المستقبل القريب والبعيد إذا ما استمرت مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وتلك المتعلقة بهيكلة أنظمة الضمان الاجتماعي على ما هي عليه اليوم. مع العلم و أن تأثير هذه المؤشرات على الحالة المالية للصناديق مزدوج. فهي تساهم في تقليص الموارد وتفاقم العجز من جهة كما أنّ نتائجها السلبية تجعل مختلف الأطراف تطالب الصناديق بمزيد من التدخل لامتصاص هذه الآثار من جهة ثانية.
إذن هذه هي الإشكالية الكبرى والمعادلة الصعبة التي يواجهها الضمان الاجتماعي في بلادنا والتي تتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والمسؤولية والإرادة السياسية لتشخيص الوضع من ناحية (وهوما قمنا به مع قسم الدراسات والتوثيق من خلال دراسة تحت عنوان: ”صناديق الضمان الاجتماعي في تونس: الواقع والآفاق“ والصادرة في ديسمبر 2005) وتحديد الأسباب بكل دقة وموضوعية واقتراح الحلول الآجلة والعاجلة لضمان توازنات أنظمة الأجراء وديمومتها على الأقّل في أفق سنة 2030 من ناحية ثانية.
ولاستعراض الوضعية المالية الراهنة لصندوقي الضمان الاجتماعي وكذلك الأرقام الخاصة بأنظمة التقاعد سوف نعتمد على آخر الإحصائيات المدققة والنهائية لسنة2007

الوضعية المالية العامة:
وهكذا نلاحظ أنّ الوضعية المالية العامة للصندوق قد تدحرجت في فترة وجيزة (2002-2007) من نتيجة إيجابية ب49,310 مليار إلى نتيجة سلبية ب 28,647 مليار وذلك رغم الترفيع في الاشتراكات بعنوان النظام العام للتقاعد.
الترفيع في الاشتراكات بعنوان النظام العام للتقاعد في القطاع العمومي :
زيادة ب 2،2 c/o سنة 1994 : 1 c/o بداية من غرة جويلية 1994 بالنسبة للأجير و 1،2 c/o بداية من غرة جويلية 1995 بالنسبة للمؤجر
زيادة ب 2,5 c/o ابتداء من غرة جويلية 2002 : 1,5 على كاهل المؤجر و 1 على كاهل الأجير.
زيادة تدريجية على امتداد 3 سنوات ب 3 c/o: 1,8 على كاهل المؤجر بداية من غرة جانفي 2007 و 1,2 على كاهل الأجير بداية من غرة جويلية 2007 .
اي زيادات ب 7،7 c/o منها 3،2 c/o على الاجير و 4،5 c/o على المؤجر
كما أقرت الحكومة مراجعة شرطي الإحالة على التقاعد لتوفر الاقدمية والسن (35/55) من خلال الترفيع بسنتين في كل شرط ليصبحا 57 بالنسبة للسن و 37 سنة بالنسبة للاقدمية في العمل ، وكذلك تحديد سقف للجراية القصوى الممنوحة للبنت العزباء حتى لا يتجاوز في كل الحالات 50 c/o من جراية الاصل مع دراسة افتتاح الحق في هذا الصنف من الجرايات عند وفاة المنتفع الأصلي.هذا واتخذت الحكومة أيضا إجراء يتمثل في تحميل المنتفع بجراية كامل المساهمات بعنوان التعديل الآلي للجرايات طيلة مدة صرف الجراية بعد استيفاء 36 شهرا من القسط المحمول على كاهل المؤجر .
والملاحظ أن الزيادة في الاشتراكات بعنوان التقاعد لم تكن الأولى من نوعها بحيث اقرت الحكومة سنتي 1994 و 2002 زيادتين على التوالي ب 2,2 c/o و2,5c/o.
والملفت للانتباه هذه المرة هو أن الزيادة الجارية ب 3 c/o في اشتراكات أنظمة التقاعد وخلافا للزيادتين السابقتين لم تمتص العجز المسجل في التوازنات المالية العامة بحيث استقر العجز سنة 2007 حسب الأرقام المالية النهائية في حدود 28,647064 مليار وذلك رغم تخلي الصندوق عن نظام الحيطة الاجتماعية لفائدة الصندوق الوطني للتامين على المرض.

وهكذا يمكن الاستنتاج ان الزيادة بعنوان اشتراكات التقاعد سوف يكون لها في أحسن الحالات انعكاس على تخفيض مبلغ العجز لا غير وأنّ التوازنات المالية العامة للصندوق تتجه نحو تفاقم العجز و أنّ أنظمة التقاعد تتسبب بدرجة كبيرة في اختلال هذه التوازنات وأنّ أسباب كل ذلك عديدة سوف نستعرض أهمّها فيما بعد.
في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:
بلغت المداخيل الجملية لكافة الأنظمة سنة 2007 ما قدره مبلغ 1216,841 مليار (دون اعتبار المبالغ المحولة للصندوق الوطني للتأمين على المرض) في حين بلغت التكاليف الجملية لنفس السنة1287,762 مليار بحيث أفرزت هذه السنة نتيجة سلبية ب 70,921 - مليار مقابل عجز ب109,011 مليار سنة 2006 وعجز ب9,014 مليار سنة 2005 وفائض إيجابي ب43,736 مليار سنة 2004 ( مع الملاحظة وأن هذا الفائض ناتج أساسا عن تصرف الصندوق آنذاك في فرع التأمينات الإجتماعية ونظام حوادث الشغل والأمراض المهنية الذّين احيلا سنة 2005 إلى الصندوق الوطني للتأمين على المرض ) ويعزى العجز المسجّل أساسا إلى إنخرام التوازنات المالية لنظام الجرايات للأجراء غير الفلاحيين ( وهو أكبر نظام يتصرف فيه الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي إذ يمثل أكثر من 70 % من منخرطيه) والذّي بلغ العجز فيه 220,399 مليار سنة2007 مقابل عجز ب 224, 457 مليار سنة 2006.
وهكذا فإن نسق العجز في أهم نظام يتصرف فيه الصندوق (نظام الاجراء في القطاع غير الفلاحي ) يعتبر خطيرا جدا من الناحية الفنية العاجلة والآجلة وقد يمثل تهديدا مباشرا لديمومة هذا النظام ومن وراءه بقية الأنظمة للمنخرطين في الصندوق.
وإذا بقينا في إطار الصندوق والعوامل الداخلية والهيكلية المتعلقة بمختلف الأنظمة التي يتصرف فيها فإنّ العجز العام المذكور والنسق الخطير لتفاقم عجز نظام الجرايات للعملة في القطاع غير الفلاحي يصبح مفهوما لكنّه غير مبرّر، ذلك أن بعض الأنظمة مثل نظام الأجراء في القطاع الفلاحي وخاصة نظام المستقلين في القطاع الفلاحي يعيشان عجزا مزمنا منذ إحداثهما أي لمدّة تزيد عن 25 سنة فقد تم تسديد عجز نظام المستقلين الفلاحيين بمعدل 25 مليار سنويا من موارد وفوائض نظام الأجراء غير الفلاحيين دون أن يسعى المسؤولون عن الصندوق وفي الدولة إلى إيجاد الحلول الملائمة لمعالجة هذا الوضع غير الطبيعي وإتخاذ الإجراءات المستوجبة لتحقيق التوازنات المالية لمختلف الأنظمة، فالتضامن الذّي يقوم عليه النظام التوزيعي لا يعني أبدا أن تعيش عديد الأنظمة برمتها على كاهل نظام واحد.

الأسباب العامة المشتركة:
إنّ الوضعية المالية لصندوقي الضمان الاجتماعي تشترك في أسباب عامة إلى جانب خصوصيات كل نظام من الأنظمة التي يتصرف فيها الصندوقان. وتتمثل هذه الأسباب خصوصا في :
الإنعكاسات السلبية للإختيارات الإقتصادية الليبرالية للدولة وما نتج عنها من تراجع كبير في قدرة الاقتصاد الوطني على إحداث مواطن شغل جديدة.
تواصل التفويت وخصخصة المؤسسات العمومية وتأثير ذلك خصوصا على الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.
تسريح أعداد كبيرة من العمال وإحالتهم على التقاعد قبل السن القانونية في القطاعين العمومي والخاص في إطار برنامج إعادة إصلاح وتطهير المنشآت العمومية CAREP ولجنة مراقبة الطرد CCL ويتعلق الأمر بمؤسسات عادة ما لم تعد قادرة على المنافسة ودخول الأسواق فتضطر إمّا إلى التخفيض في عدد عمالها أو الغلق النهائي وعلى سبيل المثال فقد بلغت نسبة المحالين على التقاعد قبل السن القانونية في القطاع العمومي 59,12 % من مجموع المحالين على التقاعد سنة 2005 في حين بلغت نسبة هؤلاء 32,8 % في نظام الأجراء غير الفلاحيين في القطاع الخاص لنفس السنة.
تحسن مؤمل الحياة عند الولادة في تونس والذي يبلغ حاليا 74 سنة مقابل 46 سنة إبّان الاستقلال سنة 1956. وهو العنصر الإيجابي الوحيد لكنّ له كلفة بالنسبة لأنظمة التقاعد.
ارتفاع نسبة التغطية الاجتماعية في تونس حيث أصبحت تناهز 90 % سنة 2007 مقابل 77,04 % سنة 1996 وهو أمر إيجابي جدّا يضاهي ما هو موجود في أكثر البلدان تقدما. إلاّ أنّ الإشكالية الكبرى والهيكلية التي يطرحها توسيع مظلة الضمان الاجتماعي حاليا هي أن الفئات والشرائح الاجتماعية والمهنية التي شملتها التغطية خلال السنوات الأخيرة ذات قدرة تمويلية ضعيفة وغير قادرة على ماهو أكثر أبدا ( نظام الأجراء محدودي الدخل من عملة منازل وحظائر، نظام المبدعين والمثقفين المستقلين..الخ).وهو ما يجعل هذه الأنظمة تشكو عجزا هيكليا و مزمنا يزيد في انخرام التوازنات المالية للضمان الاجتماعي
النقص في التصريح في أنظمة المستقلين (في القطاع الفلاحي وغير الفلاحي).
الديون المتراكمة لفائدة الضمان الاجتماعي والتي أصبح جزء هام منها غير قابل للإستخلاص خاصة في القطاع الخاص بسبب الإفلاس او اندثار المؤسسة نفسها وغيرها من الأسباب.
تصرف غير رشيد في فوائض الأنظمة والاحتياطات المالية من حيث التوظيفات والإستثمارات وهو ما حرم صناديق الضمان الاجتماعي من عائدات مالية هامة.
وأخيرا وليس آخرا تحميل الضمان الاجتماعي أعباء ومهام جديدة تخرج عن مهامه الأساسية سواء لفائدة المنخرطين أو أخرى لفائدة غير المنخرطين من الفئات الاجتماعية ذات الاحتياجات الخصوصية وهي مهام وأعباء تدخل في إطار التضامن الاجتماعي وليس في إطار الضمان الاجتماعي.

هذه الأسباب الأساسية التي ذكرناها وغيرها دفعت بالضمان الإجتماعي في خضم أزمة أصبحت مبعث انشغال و قلق خصوصا في ضوء التوقعات المستقبلية للتوازنات المالية. فقد جاء في الدراسة التي أنجزها الإتحاد سنة 2005 أن التوقعات التي تهم الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية تشير إلى أنّ هذا الصندوق سوف يلتهم بالكامل مجمل مدخراته في أفق 2015 في حالة استمرار الوضع على ماهو عليه الآن. وتشير التوقعات المتعلقة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى أنّه في صورة إستمرار الوضع كما هو الآن فإنّ هذا الصندوق سيسقط في عجز مفزع بداية من سنة 2007 وهو ما حدث وأشرنا إليه في البداية كما أنّه سيلتهم بالكامل مجمل مدخراته في أفق سنة 2014.
وتتجلى خطورة الأزمة وأهميتها وصبغتها الإستعجالية أيضا فيما تعيشه أنظمة التقاعد وخاصة النظام العام في الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية ونظام الأجراء غير الفلاحيين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي باعتبار أنّ الجرايات تعدّ أهم و أكبر فرع يتصرف فيه الضمان الاجتماعي و الذي يستأثر بأكثر من 70 % من النفقات الجملية للصناديق.

أنظمة التقاعد:
يقوم نظام الضمان الاجتماعي في بلادنا على الطريقة التوزيعية أي على التضامن بين مختلف أصناف و أجيال الأجراء والمضمونين الاجتماعيين عموما، وعلى هذا الأساس فإن الخدمات التي تسديها الصناديق وتوازناتها المالية و ديمومتها شديدة الحساسية لكل المؤشرات الإقتصادية والاجتماعية الذّي ذكرنا أهمها فيما سبق.
وفي هذا الإطار فإنّ أنظمة التقاعد تتأثر بشدّة بمستوى التشغيل وأنماطه وبالإجراءات المصاحبة في تسريح العمّال وخاصة منها المتعلقة بالتقاعد المبكر أو قبل السنّ القانونية. ومن خلال التحليل التالي للوضعية المالية لأنظمة التقاعد في القطاع العمومي و في القطاع الخاص نتبيّن مدى الخطورة التي أصبحت تعيشها هذه الأنظمة والتوقعات المستقبلية المتعلقة بها.
في القطاع العمومي:
أصبح العجز سمة بارزة و مزمنة لأنظمة التقاعد في القطاع العمومي وخاصة منها النظام العام ماعدا بعض السنوات التي أفرزت ناتجا إيجابيا نتيجة الزيادة في نسب الاشتراك بعنوان التقاعد كما ذكرنا سابقا ويبيّن الجدول التالي الحالة بين 2001 و2007.
وعلى هذا الأساس أكدّنا و نؤكد من جديد أنّ الإجراءات الاستعجالية المتمثلة في الترفيع في الإشتراكات بعنوان التقاعد و الحلول الترقيعية لايمكن أن تحل الأزمة أبدا. هذا إضافة إلى أنّ الاحتياطي الفنّي لأنظمة التقاعد( وهي الأموال الاحتياطية الموجودة في السّوق المالية والاقتصاد والمخصّصة لمجابهة الحالات الصعبة والأزمات) لسنة 2007 لا يغطي شهرا واحدا من تكاليف الجرايات مع العلم وأنّ الحدّ الأدنى لهذه التغطية كما تنص عليه معايير منظّمة العمل الدولية هو 36 شهرا. كما أنّ المؤشر الديمغرافي ( عدد المباشرين مقابل منتفع بجراية) ما فتأ يتدهور في القطاع العمومي إذ بلغ 3,2 سنة 2007 مقابل 3,26 سنة 2006.
في القطاع الخاص:
تعيش أنظمة التقاعد في القطاع الخاص وضعا ماليا مشابها لكنّه يختلف من حيث أبعاده وخطورته على منظومة الضمان الاجتماعي ككل ذلك أنّ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يتصرف في عشرة أنظمة اجتماعية تضم غالبية المضمونين الاجتماعيين في القطاع الخاص في تونس. لكن يمثل نظام الأجراء في القطاع غير الفلاحي أهمها ( أكثر من 70 % من المنخرطين بالصندوق) وحالته الصحية تؤثر بشكل واضح على الحالة العامة للتوازنات المالية للصندوق.
فمنذ سنة 2002 بدأت التوزانات المالية لنظام التقاعد للأجراء غير الفلاحيين تشكو من العجز الذّي تفاقم منذ ذلك الحين ليصل إلى 220,399 مليار سنة 2007 مقابل عجز ب 224,457 مليار سنة 2006 و 161,535 مليار سنة 2005 في حين كانت التوقعات سنة 2002 تحصر هذا العجز في حدود 35 مليارا. إذن نسق تطور العجز خطير وخطير جدّا وقد يؤدي بنا إلى وضعية كارثية قبل سنة 2014 ذلك أنّ بقية الأنظمة تقريبا تشكو عجزا مزمنا وليس باستطاعتها تحقيق توازناتها المالي بصفة ذاتيّة. إذن النتيجة هي أنّه إذا غرق النظام الذّي يحمل على كاهله بقيّة الأنظمة فسوف تغرق السفينة برمتّها
وقد أدت هذه الوضعية إلى تدهور المؤشر الديمغرافي في نظام الأجراء غير الفلاحيين الذّي انخفض إلى 4,44 % سنة 2007 مقابل 4,56 % سنة 2006. أمّا الاحتياطي الفنّي بالنسبة لهذا النظام فهو يمثل 30 شهرا من تغطية تكاليف التقاعد إلاّ أنّه من المتوقع أن يتدهور بسرعة كبيرة إذا استمر نسق العجز على ما هو عليه الآن.

آفاق أنظمة التقاعد:
بعد استعراض الوضعية في القطاعين العمومي والخاص يمكن القول أنّ آفاق أنظمة التقاعد مفزعة إلى حدّ كبير وقد دعا الإتحاد منذ سنوات عديدة إلى الاهتمام بهذا الموضوع و دراسة الحالة الراهنة والمستقبلية بصفة علمية مدققة ( وقد أنجزنا الدراسة التشخيصية والإستشرافية سنة 2005 كما ذكرت سابقا) إلاّ أنّ الحكومة دقّت ناقوس الخطر بصفة متأخرة عندما أصبحت الأزمة تزن بثقلها خاصة في القطاع العمومي حيث أصبحت أنظمة التقاعد فيه وخاصة النظام العام غير قادر تقريبا على دفع الجرايات.
ونؤكد في هذا الإطار أنّ الحلول الاستعجالية والترقيعية كما رأينا و خاصة تلك المتعلقة بالزيادة في الاشتراكات بعنوان التقاعد لا تحل المشكلة كما أنّ المقترحات الرسمية فيما يتعلق بالدراسة الاستشرافية الإستراتيجية والتي تركز بالأساس على مراجعة العناصر الهيكلية الخاصة بأنظمة التقاعد ( سن التقاعد، مردود الاشتراكات، نسبة التقاعد ..الخ) لا تحل المشكلة أيضا بل سوف تزيد المنتفعين بالجرايات فقرا واحتياجا وقد تنعكس بصفة سلبية أكثر على التشغيل.
إنّ المسألة أكثر تعقيدا وتشعبا وتقتضي النظر في كل المؤشرات العامة الاقتصادية والاجتماعية (التشغيل و أنماطه، البطالة، تسريح العمال والتقاعد قبل السن القانونية، ديون الضمان الاجتماعي، توازنات الأنظمة القديمة والمحدثة أخيرا...الخ). كما يتعيّن النظر في موضوع على غاية من الأهميّة بصفة متريّثة وعميقة وهو تمويل الضمان الاجتماعي وقد أكدّنا على أنّ الطريقة التقليدية ( مساهمة المؤجرين والأجراء) قد بلغت حدودها القصوى تقريبا وأصبحت تضرّ بالمقدرة الشرائية للأجراء والتوازنات المالية للمؤسسات ودعونا إلى تنويع مصادر تمويل الضمان الاجتماعي في تونس حفاظا على التوازن والاستقرار الاجتماعي وتحقيقا للعدالة الاجتماعية.
لأجل ذلك ندعو كافة الأخوة إلى إيلاء هذا الموضوع أهمية كبرى و مدّنا بملاحظاتهم و اقتراحاتهم لنستفيد منها في مهمتنا هذه.

توصيات الندوة الوطنية للقسم:
التمسك بالنظام التوزيعي التضامني بين كافة أصناف وأجيال الأجراء المضمونين الاجتماعيين عامة و الرفض القطعي لدعاوي إدخال الرسملة جزئيا او كليّا لما في ذلك من تهديد خطير لمنظومة الضمان الاجتماعي ككل و لمكاسبنا الوطنية في الاستقرار والتوازن.
الدعوة إلى التفاوض حول إصلاح أنظمة التقاعد بما سيضمن حقوق الأجراء ويوفر تقاعد يحفظ كرامتهم ومستوى عيش يقيهم من الغبن والحاجة.
تدعيم فرص العمل والتشغيل ووضع حد لأشكال العمل الهشّ والسمسرة باليد العاملة وهو ما يمثّل حلا جذريا واستراتيجيا في زيادة موارد الضمان الإجتماعي وتحقيق توزاناته المالية.
الحزم في ملاحقة النقص في التصريح بالأجور والمداخيل الحقيقية وكذلك استخلاص ديون الضمان الاجتماعي لتوفير السيولة المالية الضرورية لإيفاء الصناديق بالتزاماتها تجاه منخرطيها.
التعجيل بالتفاوض والحوار حول تمويل الضمان الاجتماعي في تونس نظرا للوضعية الحرجة التي تمر بها مختلف الأنظمة وإدراج ذلك في نطاق المراجعة الشاملة والإستراتيجية على ضوء مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية في تونس.
تنظيم ندوات إقليمية وقطاعية لتوسع الاستشارة النقابية حول واقع ومستقبل أنظمة التقاعد في تونس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.