مع نهاية كل شهر، يطل علينا السيد وزير المالية ليبشرنا بأن الأور ستصرف في موعدها، واغلب الظن اننا سنبقى على هذه الحالة من الشك الى ان يفرجها الله، على الاقل بالنسبة لأجراء القطاع العام وللمتمتعين بجرايات التقاعد من صندوقي الضمان الاجتماعي والتقاعد والحيطة الاجتماعية. بالنسبة للاجراء، صارت نهاية كل شهر فترة حيرة وتساؤل على ضوء تواتر الاخبار والتحاليل غير السارة اقلها في ما يتعلق بالتوازنات المالية والاقتصادية الكبرى عموما وبمؤشرات ميزانية الدولة خصوصا وما تشير اليه من اخلالات بيّنة ومن ترد مستمر على جميع المستويات. لا يزال الجميع ينتظر من وزير المالية خبرا/ اجراء مفرحا وسارا يعيد بعض الطمأنينة ولكن دون جدوى، فالسيد الوزير الذي لا حول له ولا قوة يتمادى في مسار تعميق شعور المواطن بالإحباط وفقدانه ما تبقى من ثقة في المستقبل القريب. وبصرف النظر عن عجز السيد وزير المالية في اقناع مستمعيه بصحة ارقامه وبوجاهة تبريراته وتوقعاته وعن تحاليله السطحية للمسائل التي هي من اختصاص وزارته فإن اخطر ما تحدث عنه السيد الوزير في آخر تصريحاته لإحدى الاذاعات الخاصة هو اطلاع صندوق النقد الدولي على ميزانية 2012 وموافقته عليها ومطالبته بالحفاظ على نفس التمشي سنة 2013 وهكذا دواليك بالنسبة لسنة 2014.. طيّب، فإذا كان الامر على هذا النحو، لمالا يكون مفاوض صندوق النقد الدولي مع الدولة التونسية هو وزير المالية المعلن والرسمي في حكومة الترويكا ونكفي المجموعة الوطنية مشقة تحمل اجور وامتيازات وزير وفيلق من المستشارين في خطوة اولى على خط سياسة التقشف؟ يضع السيد وزير المالية سنة 2014 تحت شعار التقشف دون توضيح القليل من ملامح سياسة التقشف باستثناء ما أمكن له الاعلان عنه من تجميد الاجور سنة 2014. واذا كان الاسبوع المنقضي اسبوع الحسم السياسي بتمترس حكومة «الترويكا» في موقعها وبوقوف جبهة المعارضة وراء الحدّ الأدنى من مطالبها في انتظار اثار ونتائج اللقاء الذي جمع رئيس حركة «النهضة» بسفير الولاياتالمتحدةالامريكية بتونس يوم الخميس الماضي، فإن وزير المالية بتصريحه هذا اعطى، فضلا عن انغلاق الحوار السياسي، اشارة واضحة على عزم حكومة «الترويكا» غلق الحوار الاجتماعي باتخاذها لقرار بمثل هذه الاهمية والحساسية من جانب واحد. ففي اعدادها لمشروعية ميزانية 2014 ومثلما لم تستشر وزارة المالية منظمة الاعراف في خصوص الاجراءات المقترحة ذات العلاقة باهتمامات وبمشاغل رجال الاعمال وبالسبل الكفيلة بتعبئة جهدهم وطاقاتهم وقدراتهم في تحريك وتنشيط مبادرات الاستثمار الخاصة، فإنها لم تستشر كذلك المنظمات الشغيلة وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل اكبر قوة اجتماعية في البلاد في ما يتعلق بالاجراءات ذات التأثير المباشر على معيشة الاجراء وعلى ابسط مقومات حياتهم اليومية، او لعل السيد الوزير اكتفى باستشارة المنظمة التونسية للشغل وليمت البقية بغيضهم! واذا كانت حكومة «الترويكا» قد اوصلت بالحوار السياسي الى طريق مسدود، فإنها شرعت في تعبيد الطريق الى انسداد الحوار الاجتماعي لتكتمل منظومة الانسداد. لم يجد السيد وزير المالية حرجا في الاستقواء بصندوق النقد الدولي وبتوصياته بكل «فخر واعتزاز» واذا كان السيد الوزير على قناعة بأن صندوق النقد الدولي يمتلك عصا سحرية لانتشال الحكومات من ازماتها وان صندوق النقد الدولي يمنّ على الغير بإكراماته المجانية فهو مخطئ، فهذا الصندوق هو كما عهدناه يملي ويمتصّ والباقي على الله! قد تكون الحالة اليونانية هي افضل مثال والاكثر تعبيرا للسيد الوزير ليستخلص بعض الدروس، حيث انتهى الامر بصندوق النقد الدولي الى تقديم اعتذاراته للشعب اليوناني بعد الفشل الذريع لاملاءاته المؤلمة في انقاذ اليونان، هذه هي آخر التجارب المخبرية لصندوق النقد الدولي اما ما سبق من تجارب له في امريكا اللاتينية وفي المنطقة العربية فهي تغني عن كل تعليق، والنتيجة انه فضلا عن مسؤوليتها في الاحتقان السياسي القائم، تضع حكومة «الترويكا» وبكل اريحية من خلال وزير ماليتها لبنة جديدة على خط الاحتقان الاجتماعي. فالسيد الوزير لم يتحدث بعد عن تداعيات سياسة التقشف على مساهمة القطاع العام في مجهود التشغيل خاصة في ظلّ تراجع الاستثمار الوطني والاجنبي والسيد الوزير لم يتحدث عن قرار الشركة التونسية للكهرباء والغاز برفع معاليم الاستهلاك على اصناف معينة من حرفائها وانعكاساته مثلا على التوازنات المالية للمؤسسات الصناعية المستهدفة وعلى قدرتها التنافسية الخ.. طبعا، ليس في مقدور السيد وزير المالية ان يثير او ان يتعرض في تصريح او في حوار اذاعي الى مجمل النقاط المطروحة، والاكيد اننا سنكون مستقبلا على مواعيد اذاعية وتلفزية منتظمة مع السيد وزير المالية للإتيان على ما خفي من اجراءات وعلى الاخطر منها غير المعلنة الى حدّ الآن. ويظهر ان وزارة المالية ومن ورائها حكومة «الترويكا» اختارت سياسة المراحل لتمرير «حرابيشها» الواحدة تلو الاخرى وخاصة ما تسرب من معلومات حول «الاصلاحات الهيكلية» التي املاها صندوق النقد الدولي على صندوق الدعم والتي لا يفهم منها ولا ينتظر منها سوى تثبيت الفقراء في فقرهم الابدي ومزيد تفقير الطبقة الوسطى التي أنهكتها الانجازات التاريخية لحكومة «الترويكا». فأيها الاجراء تقشفوا وشدوا احزمتكم جيدا، فطائرة «الترويكا» ستقلع بكم في آخر الأمر الى الهاوية.