بقلم: مصطفى قوبعة يعود إلينا عيد الأضحى المبارك في إطلالته السنوية مثقلا بالجراح وبالمآسي وبالمعاناة. العيد هو فرحة وبهجة الجميع، ولكن سرقتهما شؤون الحياة ومطباتها ومصاعبها من عشرات الآلاف من العائلات التونسية، حتى أنّ هذه الشؤون والمطبات والمصاعب لا تبدو في جزء كبير منها على علاقة باختبار الله تعالى لصبر عباده. عيدنا فرحة جماعية لم تكتمل لدى عشرات الآلاف من التونسيين من الصغار ومن الكبار ممّن غلب عليهم الحزن في أيام الفرح وغصة القلب في أيام الانشراح. في هذا العيد، نستحضر النظرات المثقلة بالمعاني الحزينة لطفولتنا وهي تتساءل بكل براءة عن سبب حرمانها من الفرحة ب«علوش العيد» أسوة بأطفال الأهل والأقارب والجيران، والمأساة هنا أن يعجز الأب عن تقديم تفسير مقنع يناسب إدراك وفهم ابنه في سنّ لا يستسيغ فيها التفريق بين السنّة المؤكدة والفرض، وبين دخل العائلة وكلفة العلوش، وبين آليات العرض والطلب ودخول المضاربين والمحتكرين على الخط، وهلمّ جرّا... تستحضر كذلك عائلات لقياديين سياسيين ولعسكريين ولأمنيين غدرت بهم أيادي الإرهاب وتفتقد اليوم أحبتها، وتتساءل إلى اليوم بأي ذنب أهدر دم ذويهم ولا تجد من إجابة مقنعة سوى رواج ثقافة الحقد الأعمى الدخيلة عن مجتمعنا فكرا وممارسة وغاية. ونستحضر أيضا حالة الآلاف من عائلات شبابنا المرحّل للقتال في سوريا مئات منهم قتلوا، وآخرون سقطوا جرحى وآخرون أسرى وآخرون تائهون بين ربوع دولة «العراق والشام»، في هذا العيد تذرف هذه العائلات التونسية دموع الحزن على حال أبنائها المعلوم والمجهول، أمّا دولتنا فلم تكلف نفسها حتى عناء ذرف دمعة واحدة على مصير شبابها في محرقة مجانية وكأنها ترى فيهم أبطال حرب «مقدسة»، ولست أدري ما سيكون موقف دولتنا إن صحت أول التسريبات في خصوص بدايات اعتذار إلى نظام بشار الأسد قدمته الدولة العربية التي كانت الأكثر حرصا على العدوان على سوريا سياسيا وماليا ولوجيستيا. وبنفس المناسبة نستحضر حالة الإحباط الشديد التي هم عليها العشرات من الذين أرادوا أداء فريضة الحج وقعوا في فخ مسالك الحج الموازي في ظاهرة غير مسبوقة شكلا وحجما هذه السنة وأغلب الظن أنه سيتمّ التعاطي مع هذه الحادثة بمنطق «اللي حج حج واللي عوّق عوّق»، والله المعوّض. كما أنتم كثيرون من الصغار والكبار من سرقت منكم فرحة العيد، أو من حرمتم منها لسبب أو لآخر، معكم جميعا نتضامن ومعكم جميعا نتقاسم أحزانكم ومآسيكم ومشاعركم الإنسانية، على أمل أن تكون أعيادنا الدينيّة القادمة أفضل، وأفراحها أعمّ وأشمل ومعانيها أعمق في أذهان الجميع. معكم متضامنون، ورغم كل الألم كل عام وأنتم وجميع التونسيين بخير.