كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة: اعداد خطة عمل بكافة الولايات لتفادي توسع انتشار الحشرة القرمزية ( فيديو )    انس جابر تغادر بطولة مدريد من الربع النهائي    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    عين دراهم: إصابات متفاوتة الخطورة في اصطدام سيارتين    الحكومة تبحث تقديم طلب عروض لانتاج 1700 ميغاواط من الطاقة النظيفة    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    كمال دقّيش يُدشن مركز إقامة رياضيي النخبة في حلّته الجديدة    باقي رزنامة الموسم الرياضي للموسم الرياضي 2023-2024    القصرين: ايقافات وحجز بضاعة ومخدرات في عمل أمني موجه    تراجع عدد الحوادث المسجلة ولايات الجمهورية خلال الثلاثي الأول لسنة 2024 بنسبة 32 %    طلبة معهد الصحافة في اعتصام مفتوح    بمناسبة عيد الشغل: الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية مجانا    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    على متنها 411 سائحا : باخرة سياحية أمريكية بميناء سوسة    نجلاء العبروقي: 'مجلس الهيئة سيعلن عن رزنامة الانتخابات الرئاسية إثر اجتماع يعقده قريبا'    القبض على شخص يتحوّز بمنزله على بندقية صيد بدون رخصة وظروف لسلاح ناري وأسلحة بيضاء    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع الماء بهذه المناطق    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    تحذير رسمي من الترجي التونسي لجمهوره...مالقصة ؟    الترجي الرياضي: نسق ماراطوني للمباريات في شهر ماي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    بنزرت: حجز أكثر من طنين من اللحوم    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    سوسة: حجز كمية من مخدر القنب الهندي والإحتفاظ بنفرين..    أسعار لحم ''العلوش'' نار: وزارة التجارة تتدخّل    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    خبراء من الصحة العالمية يزورون تونس لتقييم الفرص المتاحة لضمان إنتاج محلي مستدام للقاحات فيها    اتصالات تونس تفوز بجائزة "Brands" للإشهار الرمضاني الأكثر التزاما..    عاجل/ تلميذ يعتدي على أستاذته بكرسي واصابتها بليغة..    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    تفاقم عدد الأفارقة في تونس ليصل أكثر من 100 ألف ..التفاصيل    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    عاجل : الأساتذة النواب سيتوجّهون إلى رئاسة الجمهورية    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخبير الأمني مازن الشريف ل «التونسية»:إلى متى نكتفي بتنكيس العَلم والإرهابيون يقتلون؟
نشر في التونسية يوم 19 - 03 - 2014

مطلوب الاستشراف والتوقع للعيش في عقل العدوّ واجهاض مخططاته
وحدها استراتيجية الأمن الشامل قادرة على استئصال جذور الإرهابيين
التهريب شريان الإرهاب
حاورته: صباح توجاني
تظل معركتنا مع الإرهاب ومع الجماعات المسلحة منقوصة في أوجه عدة منها ما يتعلق بغياب استراتيجية واضحة لمكافحة هذه الأفة العابرة للقارات ومنها ما يتصل بغياب التنسيق مع الدول الصديقة والشقيقة، وما الضربات التي توجهها من حين الى اخر هذه العصابات الى وطننا الا تأكيد على وجود ثغرات في جدار صدنا لهذه الظاهرة الخطيرة التي تعاني منها كافة دول العالم.
الخبير الأمني مازن الشريف في حديثه ل«التونسية» يبين نقاط ضعف أسلحتنا الدفاعية والإستباقية في حربنا على الإرهاب، كما يشرح معالم نظريته التي تعتمد على ثلاثة محاور اساسية يرتكز عليها العدو الإرهابي في معركته ضد البلاد والعباد، كما يطرح مقترحات عملية يرى انه يجب على اولي الأمر فينا اخذها بعين الإعتبار حتى نتوفق الى وضع استراتيجية امنية شاملة للقضاء على الإرهاب واستئصاله من جذوره على اراضينا.
قال الأستاذ مازن الشريف عضو معهد دراسات الأمن الشامل والخبير الأمني، في بداية حديثه ل «التونسية» إن عمليتي جندوبة وسيدي بوزيد كانتا متوقعتين منذ اكثر من عامين ونصف بالنظر الى المنظومة العلمية التي تعتمد التنظير والتكفير والتفجير ...وكنا اعددنا دراسة مقارنة للفكر الإرهابي سواء الفردي أو المنظم...كما درسنا التاريخ الحديث وما حدث في العراق وفي الصومال وفي لبنان، فاتضح امامنا ان الإرهابيين ينتهجون نفس التمشي: ينظّرون ثم يكفّرون ثم يفجّرون...
نحن بلغنا المستوى التفجيري المتقدم منذ عمليات جبل الشعانبي وقلنا وقتها انّ اختفاء العدو لا يعني انتفاءه، وهذه احدى القواعد العسكرية المعروفة، الا ان مشكلة بعض الرموز انها مصابة بما يسميه علماء الإستراتيجيات العسكرية ب«العمى الكارثي» او «العمى الإستراتيجي».
والتاريخ يشهد ان ما ولد نجاح ثورة 14 جانفي هو «العمى الكارثي» لنظام بن علي ...فهو عمى يجعلك لا تبصر الخطر حتى وان كان قريبا وحتى في حال ابصرته فانك لا تتعامل معه التعامل المناسب...وهذا ما حدث بالضبط في تونس مما ادى الى قيام الثورة ثم في مرحلة ثانية الى انتشار الإرهاب وتوسع خلاياه.
بالإضافة الى «العمى الإستراتيجي» نجد العناد لدى اولي الأمر ...فلما تحدثت منذ عامين واكثر واكدت ان حرق زوايا الأولياء الصالحين وافتكاك المساجد والسيطرة على ادارتها سيجرنا الى كوارث حقيقية وخطيرة واعددت دراسات علمية مستندة الى نتائج واقعية سابقة ونبهت من خلالها الى الخطر الإرهابي القادم لم يقع الإنصات اليّ...
للأسف اليوم وصلنا الى مرحلة خطيرة جدا ويمكن ان تتطور الى ما لا تحمد عقباه ...ولكن هذا لا يمنعني من توجيه الشكر والتحية الى المؤسستين الأمنية والعسكرية اللتين ابلى أعوانهما واطاراتهما البلاء الحسن في تعقب العناصر الإرهابية ....
ولكن جهود الأمنيين والعسكريين لم تعد تكفي وحدها للقضاء على آفة الإرهاب، يجب ان تكون لدينا استراتيجية أمنية فعلية لمقاومة الإرهاب بمفهوم الأمن الشامل في بُعده الثقافي والحضاري والإجتماعي والنفسي والبعد الذي يضرب مباشرة أعماق الظاهرة في جذورها.

كنت قدمت من خلال برامج تلفزية استراتيجية وصفتها بالشاملة لمكافحة الإرهاب، ما هي ابرز ملامحها وهل وجدت اذانا صاغية لدى اولي الأمر فينا؟
أهمّ المحاور للخطة التي اقترحتها للقضاء على الإرهاب تتمثل في ان نعي جيدا مفهوم الأمن الشامل والمنظومة الزمنية للمعرفة. فمنظومة الأمن الشامل تعني البعد النفسي والإجتماعي والتربوي و الإقتصادي والإعلامي والأمني والعسكري والثقافي والعقائدي الى غير ذلك من الأبعاد المتلاصقة. كل هذه المنظومة يمكن حصرها وتحديدها عدديا، والعلاج عندئذ يكون شاملا في هذا المستوى، فلا يمكن القضاء على الإرهاب دونما القضاء على ثقافة الإرهاب على فكر الإرهاب وعلى الذي ينظّر له والذي يموّله ويدعمه...
وهذا يحيلنا مباشرة الى الضرب في الأعماق وهو مستوى يوضح لنا اين نحن من شبكة تهريب الشباب الى سوريا مثلا ...اين نحن من التعامل مع الجهاديين والتكفيريين والمتشددين وكل من يدعمهم...اين نحن من ملف تهريب الأسلحة من الدول المجاورة...؟
ثم لنتساءل أين المسألة الزمنية ؟؟؟ في البداية كان التعامل الأمني مع الظاهرة هو تعامل «ماضوي» بمعنى انه بعد كل عملية ارهابية نرد الفعل، ولكن بمقدورنا اليوم ان نواجه الإرهاب من خلال منظومة اليقظة واٌلإستعلام والتصدي والردع ...وهذه هي منظومات الحاضر في معركتنا ضد الإرهاب.
ولكن غابت عنّا أهم منظومة وهي منظومة المستقبل أو ما أسميه بعلم ادارة المعركة في المستقبل، فوفق الخبراء الحربيين، فان الإستشراف والتوقع وعلم المستقبليات، جُعلت لإستشراف المعركة والنظر في الإمكانات والإحتمالات وفي ما يمكن فعله وما لا يمكن فعله، وفي تحديد هوية العدوّ وحجم قواته ، وبناء منظومة مستقبلية للتصدي له بعد أسبوع أو شهر أو سنة يتم العمل وفقها.
ففي العلوم الحربية، يعلم الناس كيف تستعد لمواجهة العدو حتى قبل ان يعلن عن تحركاته، وتقول احدى القواعد الحربية انّ الذي بمقدوره ان يعرف تحركات الخصم هو الذي ينتصر في الأخير وهذا يعني ان استشراف المستقبل يمكننا من العيش داخل عقل الخصم.
صحيح أن البعض يذهل من توقعاتي التي تتم بالحرف، الا انني اؤكد باني لست عرافا ولا منجما لأتنبأ بالمستقبل، ولكنّ العلوم العسكرية علمتنا ان نستشرف الأمور وان نبني منظورا كاملا لمثل هذه المسائل، فهل يمكن ان نكون قد توفقنا في تاسيس مدرسة في هذا الباب، ولا يستمع الينا المسؤولون في بلادنا ؟؟؟؟
انها كارثة بجميع المقاييس..فلماذا لا يؤخذ برأينا كخبراء أمنيين نمثل حقيقة ثروة وطنية لأننا نضع خبراتنا على ذمة الوطن دون انتظار المقابل....ولكن من يسمع ؟؟؟
كان من الأجدر بالسلطة ان تجمع كافة الخبراء كل في اختصاصه ليضعوا مشروعا استراتيجيا دقيقا منظما ونسمي الأشياء بمسمياتها.. فهل الإرهاب هو مجرد وجهة نظر؟؟؟
هل من حق وسائل الإعلام البصرية ان تستدعي الارهابي الى برامجها وتمنحه المصدح ليعبر كما يشاء ويمرّر رسائله وفق ما يريد؟؟؟
هل ان الإرهاب مسألة حقوقية وهل من المنطقي ان أبكي وأتباكى على حق الإرهابي أم على حق المواطن البريء او تلك الأم المكلومة التي تركها ولدها ومضى والقت به الأيادي الآثمة في اتون حرب سورية وتوفي وهو لا يعلم لماذا قتل؟
هل الإرهابي انساني في المنظومة الفكرية والمنطقية ؟ هل الذي يذبح اخاه الإنسان هو بشر في نهاية الأمر ؟
اعتقد ان من يفعل ذلك يكون قد فقد صبغة الإنسانية ...فكيف نتعامل معه اذن ؟ هل بمصطلح الأمن القومي وهيبة الدولة الحقيقية وبمفردات عسكرية : الردع... اليقظة... التصدي... الإنضباط ...الحماية... الإستباق ... ام نتعامل معه باساليب فلكلورية ؟؟ هنا الإشكال.

التعاطي الأمني الحالي وبالرغم من النجاحات التي حققها الأمنيون في القضاء على بعض المجموعات المسلحة والقبض على عدد من العناصر الإرهابية، هل هو كاف حسب رأيك لقطع دابر هذه المعضلة الحقيقية؟
هو ناجح تكتيكيا بشكل جزئي، ولكنه منقوص من التنسيق مع المؤسسة العسكرية، وهو جانب مهم جدا لا يجب التغافل عنه، ففي ظل عدم التنسيق الميداني مع الجيش وادارة عمليات مشتركة بينهما وفي غياب استراتيجية وطنية عامة لمقاومة الإرهاب، وفي عدم الإستماع الى مواقف الخبراء الأمنيين يظل التعاطي الوطني مع الإرهاب أعرج وضعيفا من حيث المردودية.
فقد كنت التقيت بأعضاء جمعية قدماء ضباط الأمن التونسي وتحادثت مع خبراء معهد الدفاع الوطني والنقابات الأمنية وخبراء المراكز المختصة على غرار خبراء مركز دراسات الأمن الشامل الى جانب الخبراء المستقلين، وأجمع جميعهم على أنه لو استمع الى آرائهم والى آراء ونصائح جميع الخبراء من مختلف الإختصاصات لكان في مقدور الدولة وضع استراتيجية شاملة للتصدي للإرهاب.
فلماذا لا نجمع هذه الخبرات العالية من شتى المجالات ،التي يتسابق الغرب من اجل الإستفادة من دراساتهم وتجاربهم، ونتناقش في المسالة في اطار السعي المشترك من اجل انتاج مشروع استراتيجي شامل يقع تفعيله مباشرة وياخذ بالتالي صبغة عليا اكبر من منظومة الحرية ومن منظومة حقوق الإنسان، باعتبار ما قاله « جيمس كلميرون» انه لا مكان للحياد في معركة الإرهاب ولا ينظر اليه من منظور الحرية وغيرها ...هناك اعتبار لمقومات واحتياجات الأمن القومي فحسب.
هذا لا يعني بطبيعة الحال ان الأمر مفتوح لقتل الناس والتنكيل بهم واقامة محاكم تفتيش ولكن هناك منظومة واضحة ورادعة بسلطة القانون وفق مبادئ الجمهورية.
هناك خيط رفيع جدا بين الإرهاب والتهريب، فالخبراء يؤكدون انه ما لم يقع التصدي للتهريب فان الإرهاب سيظل سيفا مسلطا على الرقاب...
ما لم نناقش مسألة الإرهاب نقاشا علميا لن نصل الى الحل الشافي، هناك ثلاثة اعمدة اساسية للملف الإرهابي: الإرهاب والتهريب والفكر المتشدد... فالفكر التكفيري يصنع مع كل صلاة جمعة عشرة ارهابيين، وهذا باب ما لم يغلق نهائيا لا يمكن الحديث عن هزم الإرهاب.
فما دامت الأفاعي تعيش بيننا وسمّها نافذ، فكيف نوقف المسمومين ونمنع هذا السم من التغلغل في الدماء، وهو اليوم اساسي في بعض خطب الجمعة التي تلقى في مساجدنا وامام اسماعنا وابصارنا ..عوضا على ان تملأ الخطب الدينية قلوب الناس بالمحبة والتعاون والقيم السمحة للإسلام والروحانيات والجمال وحتى الجهاد بمفهومه الحقيقي مع الله ولله وفي سبيله، واقصد حتى الجهاد البيئي من تنظيف للشوارع وللأدمغة على حد سواء.. فكيف تكون جهاديا وشوارع بلادك متسخة وفي وطنك من ينام جائعا ومن يعيش ويموت فقيرا بائسا؟؟؟
فلو تم استغلال الأسلحة التي وظفت لضرب سوريا، في تل ابيب لنسفتها من الأرض نسفا...لماذا لا يتجه المجاهدون الى فلسطين للجهاد هناك؟
بعد ذلك تأتي منظومة كاملة لضرب التهريب وباروناته، فاذا كانت روح الإرهاب هو الفكر المتشدد فان طاقته ودمه وشريانه هو التهريب. فتهريب المخدرات مثله مثل تهريب الأسلحة، فالمختار بن مختار يسمونه ملك «المارلبورو». و«القاعدة» في افغانستان زرعت المخدرات ووزعتها باعتبار أن لا مشكل في كلّ ما يباع لكافر...
ولابد من اعتبار ان تسفير الشباب الى سوريا هو ايضا تهريب للأبناء من احضان اسرهم وامهاتهم والإلقاء بهم الى الموت... فكل شاب يكلف قرابة 10 آلاف دولار ..
صحيح ان وزارة الداخلية منعت قرابة 8 آلاف شاب من السفر الى سوريا،ولكن الذين وصلوا الى هناك 7 آلاف مات منهم قرابة ألفان واختفى ألف منهم وما يزال قرابة 4 آلاف هناك...
أما الذين بقوا هنا، فالأقرب الى المنطق ان عددهم يتجاوز اضعاف 8 الاف بسبع مرات، والتاريخ يؤكد هذا الكلام. فالولايات المتحدة الأمريكية التي تعاني من الهاربين من المكسيك الراغبين في دخول اراضيها، تقر بأنها اذا قبضت على مائة منهم واعادتهم الى بلادهم، فان هناك الفا اخرين ينتظرون الفرصة للتوغل في امريكا...وبالتالي فاذا منعنا 8 الاف من خيرة شبابنا من السفر الى سوريا، فيجب ان نكون متأكدين من أن هناك اضعاف اضعافهم في انتظار المغادرة في اتجاه الأراضي السورية.
وعليه، لابد من البحث والتحقيق في الأطراف التي تقف وراء هذه المعضلة وتستخرج لهم جوازات سفر وتمدهم بالمال وتستغل جمعيات خيرية في ظاهرها وتستغل مواقع انترنات واماكن عمومية مثل المطاعم والمقاهي من اجل استقطاب الشباب ...
ولذلك كله، وجب ان نعتمد في دراستنا لظاهرة التهريب على مراقبة النقطة الحدودية من «رأس جدير» الى «الذهيبة» الى البحر في الجانب الليبي ومن القصرين والكاف في الجانب الجزائري. كما يتعين علينا وضع خطة محكمة تشمل كافة التقنيات الوقائية من خنادق واسلاك شائكة وخلايا مراقبة ورصد...
والحقيقة ان وضعية النقاط الحدودية مع الجارتين ليبيا والجزائر، تظل مزرية جدا، فقد زرتها شخصيا في اطار وفد متعدد الإختصاصات، فمنطقة الحدود بالجنوب منطقة منبسطة سهلة الإختراق في الليل ولدى المهربين شبكة من المتعاملين معهم، حيث انطلقوا في البداية بتهريب سلع عادية ثم تطورت المنتوجات المهربة الى أن وصلت الى تهريب الأسلحة .
ونحن كخبراء ميدانيين نتحرك ميدانيا وننفق على دراساتنا المال الكثير والجهد المضني ولا نعيش ولا نعتاش من هذه البحوث.. فالبعض يعيش على فتات الكلام وهو أمر مؤسف حقا وأقصد هنا التشدق بالتجارب كذبا وبهتانا... وكما قالت زليخة في سورة يوسف عليه السلام «الآن حصحص الحق وبلغ السيل الزبى»...
فلم يعد المجال للتشدق بالكلام الفارغ ولا للإدعاء ولا للإتهام من هنا وهناك.
يبدو ان التنسيق المغاربي والعربي شبه مفقود على مستوى الجهود المبذولة من طرف كل دولة من اجل القضاء على آفة الإرهاب بالرغم من الكلمات الرنانة التي يتباهى بها اولي الأمر؟ ...
نحن نظمنا مؤخرا ندوة شارك فيها خبراء من الجزائر والمغرب ومالي وليبيون وتشاديون ، واتفقنا على ان الإشكال الكبير الذي نواجهه يتعلق بقرار حل منظومة الأمن القومي الذي نعتبره كارثة حقيقية، ثم ان الحكومات السابقة، وهنا احمل رئاسة الجمهورية التونسية جانبا من المسؤولية الديبلوماسية، لم تنسق مع الجيران ولا مع الدول التي مدت يدها لنا في هذا المجال...فالليبيون لاموا تونس على عدم مساعدتها لهم في بناء الدولة الليبية .
والواقع ان التنسيق مع الإخوة الجزائريين والإستفادة من خبرتهم في مكافحة الإرهاب لم يكن بالمستوى المطلوب، وكذلك الشأن في ما يتعلق بالتنسيق مع باقي دول المغرب العربي، واذا أغفلنا الجانب القضائي أو المحاسبة الشعبية لبعض القرارات التونسية المملاة من الخارج بخصوص علاقاتنا مع بعض الدول العربية، فان المهم مع حكومة السيد المهدي جمعة، وهي حكومة عمل آنيّ وليس على المدى البعيد، ان هناك مشاريع استعجالية وجب التنسيق فيها مع الجانب الجزائري حالا.. كما انه من الضروري التنسيق مع السلطة الليبية القائمة في انتظار ان يتجاوز الأشقاء هناك الوضع المحلي الموجود ...بالإضافة الى وجوب الإسراع بالتنسيق مع إخواننا في المغرب الشقيق.
وكلام من يؤكد ان هناك تنسيقا مع الأشقاء في ليبيا والمغرب والجزائر، مردود عليه وهو كذب وافتراء، فنحن كخبراء مطلعون على اسرار الإتفاقيات المشتركة ونحن ننسق اعمالنا في التصدي للإرهاب مع خبراء اقوى الدول في العالم وهذا ليس من باب الكلام المجاني بل حقيقة .
يجب الإقرار بان هناك تقصيرا في مجال التنسيق بشأن مكافحة الإرهاب ونعرف جيدا ان هناك ثغرات ظاهرة للعيان وسؤالنا هو: كيف لم تلاحظه دولتنا ومسؤولونا ؟
فمحاربة الإرهاب تستوجب تنسيقا اقليميا ودوليا للإستفادة والإستعانة بخبرات الأشقاء والأصدقاء مع الحفاظ على مبادئ الجمهورية والسيادة الوطنية ...
فالجزائريون مثلا لديهم خبرة عالية جدا في مجال مقاومة الإرهاب وعلينا الإستفادة منها ... وحتى مجلس وزراء الداخلية العرب المجتمع مؤخرا بمراكش أقرّ بوجوب ايجاد منظومة تنسيق حقيقية بين الدول العربية من اجل وضع اليد في اليد والوقوف صفا واحدا في وجه العصابات الإرهابية.
ولا يفوتني هنا الإشارة الى ان بعض القرارات والتصريحات لمسؤولين تونسيين كانت غير مسؤولة بالمرة، حيث تدخلوا في مسائل لا تعنينا اطلاقا، واعتقد ان زيارة وزير الخارجية الروسي الأخيرة الى بلادنا تطرقت الى هذه المسألة، فالمنطق يفرض علينا ألّا نتدخل في قضية نحن بعيدون عنها.
ومثال ذلك قطع علاقاتنا مع سوريا، والحال اننا غير معنيين مباشرة بما يقع هناك بالرغم من الروابط التي تجمعنا.. المسألة تجاوزت مداها ونحن دخلنا في معركة نحن في غنى عنها ...
واعتقد جازما ونحن نتحدث عن القرارات غير المسؤولة، انه لم يكن من المنطق تغيير العُمد وحراس الغابات مثلا في وقت نحتاج فيه الى خبرات من كانوا موجودين، واتخاذ قرارات ديبلوماسية خاطئة اساءت الى مصالح الشعب، واتهام الجهاز الأمني بأكمله بما ليس فيه، فاغلب الأمنيين نزهاء وطنيون يعملون من اجل حماية الشعب وصيانة مكاسبه..
ثم ان العناد الذي تحدثت عنه في اول الحوار يدفع الساسة في بلادنا الى عدم التنازل عن غرورهم عندما يتأكد خطا القرارات التي اتخذوها على الصعيد العربي بالخصوص. ولنسمي الأشياء بمسمياتها ونتساءل كيف عنَّ للمسؤولين ترك 3 آلاف تونسي يعيشون في سوريا رفقة اسرهم ونقطع العلاقات مع النظام السوري دون ان نفكر في ما سيحصل لأبناء وطننا هناك ؟
ان ما اسميه شخصيا ب«السياسيين مصادفة» لم يزر أغلبهم سوريا ولا يعرفون عنها شيئا وتعمدوا قطع العلاقات معها دون مراعاة لمصالح التونسيين هناك.
نحن الذين تغرّبنا وكتبنا عن معاناة الشعب التونسي خلال نظام بن علي ونحن الذين نزلنا الى الشارع يوم 14 جانفي 2011 وطالبنا برحيل الدكتاتورية ولم نكن نفعل ذلك من اجل السياسة بل من اجل الوطن، وعندما نسعى الى خدمته فان لا احد من المسؤولين يستمع الينا في وقت تتسابق فيه الدول الى الإستفادة من خبراتنا...

هل تتوقع ان تتواصل العمليات الإرهابية في الفترة القادمة استنادا الى البحوث والدراسات المعمقة التي قمت بها؟
أتوقع ان تتواصل بأكثر حدة ، اذا لم نستشرف إدارة المعركة المستقبلية، يعني انه في العلوم الحربية، هناك ما يسمّى توازن القوى فكل فراغ يرنو الى الإمتلاء، وكل امتلاء يرنو الى الفراغ كما تقول القاعدة ..فاذا تركنا ثغرة، والثغرات كثيرة، فالإرهاب سيضرب منها.
والإرهاب بدأ حربه في بلادنا منذ حرق أول زاوية، سيدي الباجي والسيدة المنوبية...كما بدأها في الحجاز منذ مائتي عام ..ولن يتوقف ابدا فالذين يعتمدونه هم اشخاص برمجوا على اساسه وهم مرضى نفسيا واجتماعيا وحضاريا ...والعائدون من سوريا هم قنابل موقوتة خاصة في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة ومضبوطة خاصة بهم...
اقولها صراحة: اليوم لا وجود في تونس لمشروع استراتيجي واضح وعملي لمكافحة الإرهاب ...وهذا باعتراف رئيس الحكومة مهدي جمعة.
فكيف لا تكون لدينا خطة واضحة المعالم في الغرض والحال ان لدينا افضل الخبراء الدوليين في مجال مكافحة الإرهاب وانا شخصيا منهم ؟؟؟
الحقيقة وللأسف الشديد ان دراساتنا وخبراتنا في هذا المجال ونظرية التنظير والتكفير والتفجير التي اثبت الواقع المرير صحتها، لم تجد دعما لا ماليا ولا سياسيا لها عدا جلسة استماع من طرف وزير الداخلية الحالي ؟؟؟؟
واني اتساءل بعد ان التقيت اولي الأمر هنا : الى متى هم يقتلون ونحن نكتفي بتنكيس العلم ؟؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.