العبروقي: الانتخابات لن تتجاوز هذا التاريخ    مرتكزات الاستراتيجية الطاقيّة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    بوكثير يؤكد ضرورة سن قوانين تهدف الى استغلال التراث الثقافي وتنظيم المتاحف    ذهاب نهائي كاس رابطة ابطال افريقيا – الترجي الرياضي يكتفي بالتعادل السلبي في رادس وحسم اللقب يتاجل الى لقاء الاياب في القاهرة    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    صفاقس انقاذ 52 مجتازا وانتشال 5 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    قريبا: اقتناء 18 عربة قطار جديدة لشبكة تونس البحرية    مديرو بنوك تونسية يعربون عن استعدادهم للمساهمة في تمويل المبادرات التعليمية في تونس    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    عاجل/ مصر: رفع أبو تريكة من قوائم الإرهاب    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    ليبيا: اشتباكات مسلّحة في الزاوية ونداءات لإخلاء السكان    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد (حفيد المنصف باي) ل «التونسية»:بعنا أثاثنا ومصوغ نسائنا لنعيش
نشر في التونسية يوم 08 - 06 - 2014


عشنا سنوات قهر طويلة في عهد بن علي
لم نكن من أثرياء المجتمع بقدر ما كنّا من أشرافه
بورقيبة ظلم البايات وأهاليهم لكنه أعطى حياته لتونس
«حريم السلطان» حرّف التاريخ
«الدنيا مع الواقف، لكن مازال الخير فيها»
المرزوقي أعاد الاعتبار لجدّنا المنصف باي

حاورته: صباح توجاني

قد لا يعني لعابري السبيل شيئا، فهو منزل كبقية المنازل ولكن متساكني المرسى يعرفون جيدا ان ذاك البيت هو جزء من تاريخنا جميعا، وان العبق الذي يفوح في أرجائه يجد صداه في موروثنا وحضارتنا العربية الإسلامية...بعد الباب الخارجي مباشرة يعترضك «المجلس» العتيق وهو عبارة عن استراحة في الحديقة التي ازدانت مؤخرا بقدوم بطة لم تستأنس فراق اهلها بعد...الأزهار هاهنا تحكي غرام اهل البيت وولعهم بالنباتات الطبيعية...وبكل ما يربطهم بتاريخهم...تاريخنا الواحد...
منزل السيد خالد....يشع بالصور الحائطية الكبرى التي تروي حقبة هامة من تاريخ الحركة الوطنية ومن قبلها من تاريخ البايات الذين حكموا تونس على مدى مئات السنين...ثم اطيح بآخرهم فتشردت اسرته وذاق اطفاله الفقر والخصاصة بكبرياء وعزة نفس لا يوصفان...فالكل اعتاد حياة القصور والقناعة...ودون ذنب اقترفوه، وجد الأطفال الصغار انفسهم في بيت صغير لا يكاد يتسع لهم بعد رحيل الأب ابن المنصف باي...واضطرتهم الحاجة الى بيع محتويات الدار ليواصلوا تعليمهم..دون ان يمدوا ايديهم الى كبار القوم الذين كانوا قبل ذلك لا يغيبون عن مائدة الوالد رحمه الله،،،ثم اندثروا وانفضوا من حول الأم رحمها الله التي وجدت نفسها في الثامنة والثلاثين من العمر مسؤولة عن توفير لقمة العيش والحال ان العائلة بلا مورد رزق البتة.
«التونسية» نزلت ضيفة بمنزل السيد خالد فكان معه الحوار التالي:
يقول السيد خالد إن جده الأول هو علي التركي الذي يعتبر من «صلاح» الإيالة التونسية في القرن السابع عشر وماتزال زاويته موجودة بمدينة الكاف ويؤمها الزوار الى اليوم..ويضيف محدثنا : «شاءت الأقدار ان تحصل نزاعات وحروب وكان الناس والقبائل يتقاتلون في ما بينهم فاتفقوا ان تؤمهم شخصية عادلة تحكم بينهم فاختاروا الحسين ابن علي التركي الذي رأوا فيه خصالا قلّما تتوفر في شخص واحد وتتمثل في الثقة والصبر والعدل والصراحة والتقوى والعلم والمعرفة...فقدموه عليهم واصبح يحكم في الأمور الدنيوية والدينية والسياسية ...وظل في الحكم من عام 1705 الى عام 1757 حيث تغير نظام الحكم وتكونت الدولة التونسية بعد ان كانت مناطق تحكمها القبائل والعروشية...ثم جاء حكم «سيدي المنصف باي» الذي قرر عام 1802 اجراء اول احصائية حددت بمقتضاها مساحات حكم القبائل والأماكن التي تتصرف فيها.. ويذكر التاريخ انه سجلت اثر اقرار نظام الأداءات على الأراضي الدولية انتفاضات ولم تستقر الأوضاع الا في القرن التاسع عشر مع الغاء العبودية وارساء عهد الأمان، فكان ان تأسست المدرسة الحربية والبوليتكنيك والمبيتات بالمعاهد لتلاميذ القرى والأرياف والمناطق البعيدة والمأذن والقصور...
وقد حكمت العائلة الحسينية تونس 252 عاما وتوالى على البلاد 19 ملكا كان لديهم ارتباط كبير بالباب العالي أي العائلة العثمانية ثم تدريجيا اتخذت مكانة جيدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وبفضل علمائها من مختلف الإختصاصات ذاع صيتها...»
وأنت تتجول في ردهات البيت وغرفه الكثيرة ومستوياته المتعددة ينتابك احساس بانك في زيارة الى تاريخ تونس القديم ...في كل ركن حكاية وفي كل حكاية تفاصيل مترابطة تروي زمنا جميلا جار عليه من كان من المقربين...وما جار عليه الزمن...
يقول السيد خالد متحدثا عن البيت «عمره اكثر من 100 عام وهو في قلب مرسى المدينة التي اتخذت اسمها من اللاتينية بحكم ان سكانها الأوائل كانوا من المعمرين الفرنسيين ومن التونسيين ذوي الديانة اليهودية ومن المسيحيين...وقد اشتراه جدي وهو يقع على بعد امتار قليلة من قصر السعادة ودار الباي اي دار التاج سابقا...فقد تغيرت المعطيات في القرن التاسع عشر وانتقلت سكنى البايات الى المرسى بدل باردو.
أتساءل في سري كيف تقدر على مسايرة العالم الخارجي وانت تعيش عالما مغايرا تماما داخل بيتك..؟
قديما قيل «رحم الله امرءا عرف وقته فعاش زمانه».. فنحن أي أنا وزوجتي فاطمة الزهراء وابني سيف ومحمد وابنتي حسن الوجود نساير العالم الخارجي عند مغادرتنا باب البيت ونندمج في المجتمع ولا نختلف عنه في شيء أما اذا عدنا الى مواقعنا فنعيش كما نحب نحن....مثلا نجتمع كل ليلة ونتسامر بعد ان ينهي الأبناء مذاكرة دروسهم،فلا وقت لدينا لمشاهدة التلفزيون الذي اعتبر انه سبب الفرقة صلب العائلة الواحدة...نقرأ القران ويتلو الأولاد بعض السور... ونستمع الى شواغلهم ويعرضون علينا احلامهم وطموحاتهم ويأخذون عن امهم وعني تجربة العمر مع الناس ومع الأحداث..فانا حريص على تربية ابنائي كما ربّاني ابي وامي رحمهما الله تعالى، واسعى الى زرع المحبة والمودة والتراحم بين ابنائي حتى تحلو لهم الحياة مع بعض وينشؤوا وهم «حنينين على بعضهم»...
الا تفتقد التبجيل الذي كانت تقابلكم به الرعية ايام حكم جدك ؟؟
(بابتسامة عريضة عليها مسحة من الحسرة) التبجيل ايتها الأخت لم نجده الا في المعاملات السيئة التي كان البعض يخصنا بها بعد انتهاء عهد البايات...لما كان الباي يحكم كانت «البيت تملا وما تفرّغشي» كان الجميع يتدافعون ليجلسوا الى مائدة الوالد او الجد رحمهما الله...كان البيت لا يكاد يخلو من الزوار ليلا نهارا والكل يتدافعون لتقديم الولاء...ولكنّنا ولله الحمد فقد تربينا تربية صحيحة قوامها التواضع والقناعة..ولذلك لما ضاقت بنا السبل لم نبتئس ولم يصبنا الإحباط ولا الإنهيار ..ظلت الوالدة رحمها الله ثابتة كالشجرة المباركة سخرت حياتها لنا جميعا وحتى من أعرض عنها لم تأبه به.
فالزعيم بورقيبة وضعنا على خط الفقر وتناسى انه كان وزيرا أول لدى سيدي الأمين باي ومن بعد ذلك انقلب عليه وعلينا واذاقنا العذاب الوانا ولكننا ظللنا بكرامتنا متشبثين وعلى اصلنا مصرين..
كيف عشت «الإنقلاب العام» على العائلة ؟؟
كنا عائلة وفيرة العدد واضطررنا الى بيع كل ما ورثنا وما كسبنا بعرق جبيننا...لم يكن احد منا يتصور ان الأمر سيصل بنا الى الفقر والجوع والخصاصة.
بعد العز والبذخ؟
هذا هو الخطأ الشائع بين الناس..كانوا يتصورون اننا كنا نعيش بذخا مفرطا،، والحقيقة اننا كنا مبسوطين في عيشنا لا اكثر ولا اقل ولم يكن لدينا داع لتكديس الأموال في البنوك الأجنبية . والجميع يعلم انه كانت تعيش معنا عائلات نحن مسؤولون عن اعالتها يوميا باعتبار انهم منا والينا...ولذلك لم نكن من اثرياء المجتمع بقدر ما كنا من اشرافه...دفعتنا الحاجة في ما بعد الى بيع مصوغ النساء العادية ...ثم اشتدت الأزمة فاضطررنا الى تسويغ المنزل الكبير واكتفينا بكراء غرفتين في الكرم...ولكن مما يحز في انفسنا اننا بعنا نيشان العائلة وهو مصنوع من الفضة والألماس..من فرط الفقر افرغنا الألماس ونزعناها عن النيشان وبعناها واحتفظنا بالقالب فارغا...فمع كل فاتورة ماء وكهرباء كانت تصلنا كنا نضطر في كل مرة الى بيع قطعة من الألماس تقينا مشقة السؤال...والمؤلم في العملية ان السعر الذي كنا نبيع به هو في الحقيقة عشر السعر الحقيقي...ولكن ما باليد حيلة وقد اوصدت الأبواب في وجوهنا..
لا تقل لي انكم عشتم طيلة سنوات عديدة على مقابل بيع ألماس النيشان ؟؟؟
لا طبعا. بعد ان انتهت الألماس التفتنا الى الزرابي فبعناها ثم الى المطبخ فبعنا الأواني الفضية التي كانت لها قيمة معنوية كبيرة لدينا ولكن للضرورة لم نجد حلا اخر يغنينا عن طلب المعونة، فكبرياؤنا لا يسمح لنا بذلك...كما بعنا الأطر الممتازة التي تحمل صور اجدادنا الأوائل للأسف.
اذن ما يعرض في بعض الأسواق هي اواني بيتك الفضية وليست محاكاة لها ؟؟
لا، ما نراه في الأسواق ليس سوى تقليد لما كان لدينا اما الصحيح «فمشى مع اماليه» ولكن لا بد من التاكيد هنا انه طيلة حكم جدي كان النظام والقانون مرتبطا اشد الإرتباط بالدين الإسلامي وبمبادئه السمحة فلم نكن نسمح لأنفسنا بامتلاك اوان فاخرة مثلا..كل ما في الأمر انه لدينا اوان فضية نعتز بها وتمثل حقبة من تاريخ العائلة ولكن للأسف الشديد لم يكن بمقدورنا الحفاظ عليها..سامح الله الفقر..
ولكن وقع الفقر في قلوبكم لم يكن بنفس القوة كوقع الجفاء الذي قابلكم به المقربون اللاعقون للأحذية قبل ان ينفضّوا من حولكم؟
(بابتسامته العذبة التي تخفي حسرة كان يكابر حتى لا تظهر) لقد نفرنا اغلب الناس ولم يعودوا يتدافعون امام باب بيتنا «الدنيا مع الواقف» لقد لحقنا الكثير من الكلام الخاطئ ولم نجد من سبيل لتصحيحه..سيشهد التاريخ بالضرر الذي لحقنا ...ضرر مادي وضرر معنوي..نحن كنا ملوكا وامراء وكان الكل يمتدحنا ويشدو بخصالنا وبين ليلة وضحاها وجدنا انفسنا تحت خط الفقر ... «قد ما نقلك تعبنا وشوية»..
وفي المدرسة كيف سارت الأمور؟؟
لقد عشنا مع ابناء المجتمع التونسي جنبا الى جنب في تمام المساواة..كنا نقف في الطابور مع ابناء العائلات الفقيرة لنأخذ نصيبنا من الخبز والزبدة والملابس المستعملة القادمة من الخارج..أي نعم عشنا الفقر ولكننا عشناه ونحن اغنياء بتربيتنا الجيدة وبمستوى اخلاقنا الراقي وبدرجة تحضرنا العالية وبقلوبنا العامرة بالإيمان..وللأسف الشديد لم تسمح ظروفنا الصعبة كي نواصل جميعنا الدراسات العليا ... «ان شاء الله وليداتنا يعوضولنا».
نعم كان لدينا قدر كبير من عزة النفس فلم نمد ايدينا لأحد ولا اشتكينا حالنا بفضل جهود الوالدة رحمة الله عليها، استطعنا اجتياز كل المحن بالرغم من ان اغلب الناس والعائلات الصديقة قد انقلبت علينا وادارت لنا ظهورها..نحن كنا عائلة تحترم «اللقمة» وتعطيها مكانتها السامية في ظرف عزت فيه اللقمة...
ابنتك تحمل اسما مميزا «حسن الوجود»، ماهي الأسماء التي كانت متداولة في العائلة آنذاك؟
اخترت لابنتي هذا الإسم لإقتناعي بان الإسم يؤثر على شخصية حامله..كانت الأسماء المتداولة في الأسرة الموسعة تحيل الى تاريخنا القديم على غرار «عين الحياة» و«حياة النفوس» اسوة باسماء أبناء الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
كيف كانت علاقة العائلة بالعائلات الأجنبية التي كانت تعيش في المرسى؟
كانت علاقات جيدة بالرغم من ان العائلة كانت تعيش ازدواجا وتزاوجا بين الحضارات ..فالعبيد سابقا كانوا يعيشون بيننا ..وما اذكره ان اليهود التونسيين كانوا جد محافظين على عاداتهم وتقاليدهم وكان يتميزون بالذكاء التجاري والسياسي مما مكنهم من الإقتراب من الحكام.
كيف تسنى لكم استرجاع أملاككم؟؟
_ في الحقيقة ولئن جوّعونا واضطرونا الى بيع المجوهرات وأواني الطبخ والأكل، فإننا تمكنا من الحفاظ على هذا البيت العائلي الذي تركناه على مضض لأننا لم نكن قادرين على الإيفاء بتعهداتنا كسائر التونسيين او على الأقل كالعائلات العريقة...عدنا اذن الى البيت بفضل ايماننا بالله سبحانه وتعالى وقناعتنا بأن الدنيا الى زوال ولا يصح الا الصحيح . كل ما ترينه من اثاث اعدنا شراءه من السوق التونسية الشعبية تحديدا وراعينا ان يكون شبيها باثاثنا القديم الذي بعناه لنقتات ولنعيش بكرامة، والحمدلله تمكنا من اعادة ارساء بيت محترم يفوح منه عبق التاريخ وكل ركن يحكي قصة نضالنا من اجل ان نعيش ..نؤمن بالعمل كقيمة ونكره الظلم ونعتقد انه مهما طال الزمن فلابد ان ياتي يوم ينجلي فيه الظلم ويعود الحق لأصحابه.
وهنا استسمح قراء «التونسية» في توجيه رسالة شكر الى رئيس الجمهورية الدكتور المنصف المرزوقي الذي مهما اختلف معه الناس فإن هناك ثوابت ووقائع تحسب له. فقد اعاد الإعتبار لجدنا سيدي المنصف باي..وكنت من المبجلين في الحضور مرتين الى قصر قرطاج...وبذلك اقام الرئيس الدليل على ان تونس اليوم تحترم تاريخها وتجل مناضليها.
دعيني اقول إنني مع حق الإختلاف في الرأي ولكني أنبذ العنف اللفظي والمادي واكره ما اراه اليوم من تجاذبات سياسية عقيمة لا تضيف شيئا سوى التوتر والكره والبغضاء بين افراد الشعب الواحد...
واجابة على سؤالك اقول إننا عملنا واشتغلنا وشمّرنا عن ساعد الجد تتبعنا دعوات الوالدة رحمها الله التي تعلمنا منها المبادئ السمحة لديننا الإسلامي واصول الحياة الصالحة والصبر ...نعم الكثير من الصبر ..فما عشناه تنوء بثقله الجبال...ونحن كنا على صغرنا رجالا صناديد ...لقد كنا نتمنى ان يتعامل معنا الناس على اساس اخلاقنا وتصرفاتنا وسلوكنا لا على مرجعية انتمائنا الى اسرة سيدي المنصف رحمة الله عليه...
قلت ان اغلب الناس اداروا لكم ظهورهم بما يعني انك تستثني اقلية منهم من هم ؟؟
الحمد لله ان الخير ما زال في الدنيا..فخالاتي لم يتأخرن يوما عنا بالإضافة الى اصدقاء الوالد رحمة الله عليه.. اذكر منهم بالخصوص المرحوم العربي الحامدي الذي كان قائما على اشعال الكهرباء بفنار سيدي بوسعيد ..وبالرغم من انه كان اميا فإنه كان يصر على الوقوف على مذاكرتنا اليومية للدروس حيث كان يوهمنا بانه يقرا ويكتب..وانطلت علينا ...
كما اذكر المرحوم حمد شقرون الذي كان يعمل بنّاء ويحرص على زيارتنا دوما ..والشيخ حمادي غرس اطال الله في انفاسه...هو الذي علمني حب البلاد وله فضل كبير في تعليمي شؤون الحياة...لقد وقف الى جانبنا في كل المحن التي مررنا بها ..كان وقتها يشغل منصب اطار سام في شركة «رينو» للسيارات وكان يوسفي الإتجاه وعذبه بورقيبة وحكم عليه بالإعدام وقتها.
انا دوما اقول بان معاناتنا بدأت مع بورقيبة ثم تواصلت في عهد بن علي ..
اذن لابد انك من المعارضين لبورقيبة ولبن علي ؟؟
بورقيبة ظلم البايات وأهاليهم ولكنه اعطى لتونس حياته ..وبن علي ظلم تونس كلها..وهذا هو الفرق بين زعيم خدم البلاد ورئيس خان البلاد...وعلى عكس ما يظنه البعض نحن لا نحمل لبورقيبة اية ضغينة في قلوبنا ...
لقد كان للوالد رحمه الله دور في الحركة الوطنية حيث كان هذا البيت فضاء مناسبا لطباعة المناشير التي توزع على التوانسة تحثهم على النضال من اجل الإستقلال..ولأنه لا يمكن للبوليس دخول بيت الباي فقد كنا في مأمن وكان المناضلون يأتوننا متخفين من اجل اخذ المناشير بنية توزيعها في المظاهرات مثلما اشار الى ذلك سعيد المستيري في كتابه «المنصف باي.. الحكم والمنفى»..وهذا اكبر دليل على نضالية العائلة ...
كيف عشتم يوم 14 جانفي 2011 ؟
يوم 14 جانفي 2011 احسست انني ولدت مرة اخرى ، انا لا أدّعي التسيّس ولكني احسست بالحرية التي عشت طوال عمري احلم بها ..وكم تعجبني كلمة «بن علي هرب»..لأن الناس عادة تهرب من الحيوان المفترس ..وبن علي هرب خوفا من الشعب التونسي..
لقد عشنا سنوات قهر طويلة على مدى حكم بن علي فكنا كلما غادر قصره الا واغلق علينا الأمن النوافذ والأبواب ونظل حبيسي البيت طيلة بقائه خارج قصره القرطاجي...نحن سكان وهذه بيوتنا لكن تصوري ان الأمن الرئاسي كان يغلق الدكاكين والمحلات التجارية بما فيه من قطع للأرزاق..
لو سألتك عن العادات والتقاليد التي حافظت عليها الى اليوم؟؟
في الحقيقة لدينا محبة خاصة للأعياد الدينية وربما كنا نبالغ في فرحتنا بعيد الإضحى وعيد الفطر وعاشوراء التي نطبخ فيها القمح بعد عصره ورحيه ثم نرش عليه ماء الورد والسكر والفواكه الجافة والتمر..
كما اننا نحتفل بليلة نصف سيدي شعبان وليلة رأس العام الهجري وليلة بدر حيث نجتمع ونستعرض مسيرة 312 شهيدا مسلما سقطوا في واقعة بدر ونترحم على ارواحهم..
( هنا يدخل التوأم محمد وسيف الله فيقبلان الوالد من جبينه ويلثمان يديه في حركة طبيعية عادية يومية لا تثير استغراب الحاضرين في الغرفة...).
ولكنك تتابع الشأن المحلي بما يعني أنك مرتبط بالعالم الخارجي ارتباطا وثيقا؟؟
أجل أجل...انا ومجموعة من الأصدقاء نلتقي دوما على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم نتناقش حول الشأن المحلي السياسي تحديدا بالرغم من عدم تسيسنا ونحن على اطلاع تام على الأوضاع هنا خاصة منذ الثورة وبفضل حرية التعبير وحرية تلقي المعلومات ولو انني أرى أننا أسأنا استغلال حرية التعبير...
نحن ندعو الله تعالى دوما ان يصلح امورنا وان يزرع المحبة في قلوبنا لبعضنا ..نعم نحن نحتاج ان نحب بعضنا البعض وان نرتقي بخلافاتنا الى مستوى أرقى وأن نترفع عن السلوكات التي نراها اليوم في كل المنابر... فالعلمانيون والإسلاميون لم يجدوا ما يفعلوا غير احياء خلافاتهم خلال سبعينات القرن الماضي التي كانت تسيطر على الجامعة التونسية آنذاك، وهم اليوم لا يغيبون عن وسائل الإعلام يوما واحدا وكلما حضروا الا وعبثوا بنا من خلال احياء العداوة التي بينهم...هم يستغلون المنابر لتمرير اجنداتهم والشعب مطالبه اجتماعية بحتة يريد العيش بكرامة يريد التنمية يريد الشغل...وهم يصمون اذاننا بالكثير من التفاهات التي مللناها خاصة انها تقتحم علينا بيوتنا كرها عبر وسائل الإعلام المرئية.
التلفزية بالخصوص ..
في هذا البيت تكاد تكون علاقتنا بالتلفزيون مقطوعة ..فنحن لا نسهر امام جهاز التلفزة كل ليلة بل حال انتهاء الأبناء من مراجعة دروسهم نلتقي جميعا في غرفة الجلوس العائلية فنتسامر ونتبادل الأحاديث والخرافات ايضا وبعض الحكم...فالحياة العائلية اهم بكثير مما تبثه القنوات التلفزية التي تلوث الأبصار والأسماع.
وأنا أرى ان التلفزة هي احد اسباب التفكك الأسري الذي تعيشه الكثير من العائلات التونسية ولذلك حرصت مع زوجتي على السير على نهج الوالدة رحمة الله عليها، التي كانت تحرص على التحادث معنا والإصغاء الى شواغلنا وبذلك نشأنا ونحن عطوفين «حنينين» على بعضنا نحس بآلام الآخر ونعيش معه فرحته وغضبه..
هل يعني عزوفكم عن التلفزيون انه بالرغم من الإرتباط الأسري القديم جدا بينكم وبين العائلة العثمانية التركية فانك لا تتابع مسلسل «حريم السلطان» ؟؟
وما العيب في ذلك ؟؟؟ نعم لا اتابع «حريم السلطان» ولا يهمني ان اعرف تفاصيل حياة حريم السلطان سليمان،، لو كان مسلسلا يحكي عن التاريخ العثماني الصحيح لكنت اول الأوفياء له، ولكنه يقتصر على الحروب النسائية بين حريم السلطان...زيدي على ذلك ان فيه تحريفا خطيرا للتاريخ العثماني ..
ولكن مجريات السيناريو اقتضت بعض التحريف؟
يذكرني هذا التحريف بما قامت به مفيدة التلاتلي عندما اخرجت فيلم «صمت القصور» لقد جانبت الحقيقة تماما وهو ما نستغربه منها باعتبار انها كانت صديقة للعائلة وتعرف الحقيقة كلها، ولكنها للأسف الشديد اختارت ان تزيفها.
كيف ترسم شجرة العائلة بالكلمات؟
انا خالد ابن سيدي الناصر ابن صلتاح الدين ولد سيدي منصف ولد سيدي الناصر ولد سيدي محمد ولد سيدي الحسين الثاني ولد سيدي محمود ولد سيدي الشريف ولد الحسين ابن علي التركي.
وبطبيعة الحال لا تحتفلون بأعياد الميلاد...؟
بالعكس تماما نحن في هذا البيت حريصون على احياء السنّة النبوية ومنها الإحتفال بالمولد باعتبار ان ذلك وارد في سنن الرسول صلى الله عليه وسلم...وهذه ابنتي «حسن الوجود» تحدثك عن حبها للعادات السمحة التي سعيت الى ترسيخها في قلوب اطفالي..».
تتدخل «حسن الوجود» وهي بنية في الرابعة عشرة من عمرها آية في الجمال والرقة، تقول:» انا واخويا التوام نحرص على الإستعداد جيدا للأعياد الدينية التي تعودنا على الإحتفال بها وتزيين البيت وارتداء الملابس الجديدة...اعتز كثيرا بهذه المناسبات التي تجمعنا مع ابناء الأعمام والعمات والعائلة الموسعة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.