مضى أسبوع على بدء اللجان التشريعية بالمجلس الوطني التأسيسي النقاش العام حول مقترح القانون عدد 9 لسنة 2014 المتعلّق بمكافحة الارهاب وغسل الأموال، تأرجح خلاله نواب الشعب بين ضرورة التشدد في العقوبات الزجرية لترهيب الإرهابيين بقوة القانون مع توفير آليات الاستباق النوعي لقطع السبل والقضاء على الإرهاب في مهده، وبين التخوفات من ضرب منظومة حقوق الإنسان وعودة الاستبداد وفتح المنافذ القانونية لدولة البوليس. ولئن يهدف مشروع القانون الذي أعدته قبل سنة ونصف لجنة فنية صلب وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية إلى الوقاية من الإرهاب وتمويله وغسل الأموال وردع الجناة ناهيك عن دعم للمجهود الدولي الرامي إلى مكافحة كلّ مظاهر الإرهاب والتصدي لمصادر تمويله ومنع غسل الأموال المتأتية من الجريمة في إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية، وتعويض مشروع القانون عدد 75 لسنة 2003 الجاري به العمل حاليا في محاربة الارهاب، وتميزه بتحديد المفاهيم بدقة أكبر وسحب الإختصاص في النظر للجرائم الإرهابية من المحاكم العسكرية واحالتها للمحاكم العدلية، وتحديده لكل جريمة عقوبة خاصة عكس القانون القديم الذي يعمم مفهوم الإرهاب، فقد شكّكت بعض الأطراف من داخل المجلس الوطني التأسيسي في مآرب المقترح وفي الغايات الدافعة لتشريعه، حتى أنّ بعضهم ربطه بمنظومة الدكتاتورية. سلاح ذو حدّين وفي هذا الاطار، صرّح النائب أزاد بادي رئيس كتلة «حركة وفاء» أن مشروع قانون الإرهاب الذي تم تقديمه هو إمتداد لقانون 10 ديسمبر 2003 الذي قدمه بن علي لمعاضدة الجهود الدولية في ما يسمى ب«محاربة الإرهاب» وإستعمله ليروع الشعب وليكون أداة لتركيع كل مخالف. وأكد بادي أن وزارة العدل لم تقم سوى بتجميل القانون وحافظت على محتواه، مستهجنا في ذلك تقديم حكومات ما بعد الثورة لمثل هذه القوانين في تهديد صريح وواضح لحقوق الإنسان، مشيرا الى أن الحرص على محاربة الإرهاب والسعي للقضاء عليه لا يجب أن يكون على حساب الحقوق والحريات، مبيّنا أنه سيتم التصدي لكل محاولة لإخضاع الشعب وإعادته إلى مربّع الدكتاتورية، وهو تقريبا نفس التمشي الذي عبّر عنه ل«التونسية» النائب بشير النفزي عن كتلة «المؤتمر من أجل الجمهورية»، والذي أفاد أنّ وجه الخشية في القانون تكمن في عدم ضمانه لاحترام الحريات والمبادئ الانسانية، وفي أن يكون مطية لعودة ما أسماها بالممارسات القديمة، باعتبار أنّ القانون حسب وصفه يمثّل سلاح ذو حدين، ومن الضروري استبيان مآخذه قبل مكاسبه، مشيرا الى أنّ كتلته «المؤتمر» النيابية ستسعى جاهدة في اللجان التشريعية الى أن يكون نص المقترح متطابقا كل التطابق مع النص الدستوري، بينما عبّر النواب المستقلون على غرار فيصل الجدلاوي وأحمد عن رفضهم المطلق والمسبق لهذا المشروع جملة وتفصيلا، حيث أكّد الأول أنّ الأمنيين أنفسهم سيكونون ضحايا للقانون الذي اعتبره يرمي الى استئصال فئة معينة من الشعب وينسف باب الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور داعيا إلى الكفّ عن المساومة بين الأمن والحرية والمتاجرة بحقوق الانسان، بينما شدّد الثاني ومن منطلق نزعته القومية على أنّ محتوى القانون غير سيادي وذو اتصال مباشر بأطراف خارجية حدّدها في الولاياتالمتحدةالأمريكية لمواصلة أجندة هيمنتها على الشعوب عبر سقف محاربة الارهاب وما عقبه من غزو لبعض الدول العربية والإسلامية في انتهاك صارخ للقانون الدولي. الصرامة واللارحمة في المقابل من ذلك، لايزال شق آخر من النواب في اللجان التشريعية وخصوصا منهم المنتمين للكتلة الديمقراطية على غرار فاطمة الغربي وسليم عبد السلام عن «نداء تونس» ونادية شعبان عن المسار الديمقراطي الاجتماعي يشدّدون على ضرورة الصرامة في مقترح القانون في ظل استفحال وتفاقم ظاهرة الارهاب وما سبّبه من ارتباك على المستوى السياسي والأمني، وعدم الرحمة مع كل شخص تتوفّر فيه صفة «الارهابي» على معنى الفصل 4 من المشروع المعروض على اللجان التشريعية، من خلال إلزام عقوبات تتراوح بين 5 سنوات سجنا والمؤبد، وضمان عدم العود لمن يمكن له أن يتمتع بالسراح الشرطي، ومراقبة ظاهرة غسل العقول في المساجد والتي اعتبرها البعض بمثابة نواة لتفريخ الإرهاب في تصور متقارب مع وزير العدل حافظ بن صالح ووزير الداخلية لطفي بن جدو اللذين يشتركان في مطلب الابقاء على الجانب الزجري والردعي وعدم التخفيف في العقوبات المتعلقة بقضايا الإرهاب، بعد أن سبق أن أكّدا لنواب الشعب أنّ هذه الظاهرة استثنائية ويجب التعاطي معها استثنائيا نظرا لخطورتها، وأنّه لا سبيل لمقاومة الإرهاب واجتثاثه دون ردع الإرهابيين، وهي رؤية تتعارض مع نواب كتلة حركة «النهضة» صاحبة الأغلبية النيابية والرّافضين جملة وتفصيلا للطابع الزجري في مشروع قانون الارهاب، والتي تريده وقائيا ونصحيا وفاتحا لباب التوبة للمغرّر بهم عبر آلية الحوار، ويفسح المجال أمامهم للتراجع عن سلوكهم الإرهابي الذي أرغمتهم الظروف على انتهاجه، والاقتداء ببعض التجارب في معالجة الظاهرة كتجربة الوئام الوطني في الجزائر، من دون اللجوء الى تنقيح وتفعيل قانون 2003 كما تطالب به النقابات الأمنية بالرغم من تصاعد ظاهرة الارهاب بعد الثورة.