بقلم: جيهان لغماري مع اقتراب الانتخابات وخاصة مع بداية تحديد الأحزاب لقائماتها وأساسا لمن سيرأسها، بدأت في نفس الوقت حملات تكوين قائمات مستقلة وسترتفع وتيرتها في الأيام القليلة المقبلة بعد أن ييأس نهائيا بعض الأشخاص من إمكانية تواجدهم على رأس قائمة لأحد الأحزاب. فما هو مفهوم «الاستقلالية» إذا بقي مرتبطا بمكان تحت الشمس لم يجده صاحبه في خيمة حزبية، فاختار التخفي وراء هذا الشعار حتى لا يفضح طمعه الانتخابي غير الممنوع قانونيا؟. من الضروري طبعا عدم وضع كل «المستقلين» في سلة واحدة، فحق الترشح للانتخابات بأنواعها يكفله الدستور لكل مواطن سواء تحت يافطة حزبية أو خارجها مادام مستوفيا للشروط القانونية لممارسة هذا الحق. مع ذلك، فإنّ دعوات بعض الأشخاص إلى تكوين قائمات «مستقلة» تبعث على التساؤل: هل هي حقا مستقلة؟. تبرز هنا أسباب مختلفة لتكوّنها، منها الموضوعية ولو بنسبة ضئيلة وأغلبها ذاتية تتخذ من الاستقلالية لباسا فقط لضمان رئاسة القائمة فربما تكبر حظوظه في حساب أكبر البقايا. في هذه الحالة وهي التي سادت في انتخابات التأسيسي، تصبح القائمة شكلية تتمحور حول شخص رئيس القائمة أما بقية مكوناتها فهي صورية ولا يهم عندها نوعية أو وعي الأشخاص فيها لأنهم مجرد «كومبارس» ووجودهم ضروري فقط لاستيفاء الشروط القانونية التي تمنع الترشح خارج نظام القائمات. لقد أثبتت انتخابات أكتوبر 2011 عدم قدرة «المستقلين» على مواجهة الآلة الحزبية، فتكوين قائمات اللحظات الأخيرة وإن وقع تنميقها ببرنامج جذاب، لا يمكن أن يجد صدى لدى الناخبين الذين لهم «تخمة» من القائمات بكل الألوان وليست لهم القدرة والوقت للإطلاع الدقيق على كل البرامج. لذلك هم يكتفون بما علق بأذهانهم من أسماء حزبية بالأساس. في هذا التمشي، يبدو واضحا أنّ الأحزاب التي تحصلت على نسب ولو متفاوتة أهلتها للتواجد في المجلس التأسيسي، هي نفسها التي ستتقاسم المجلس التشريعي ولو بترتيب جديد أو قديم، فلماذا الإصرار على ممارسة حق الترشح خارج الأحزاب؟. يبدو هنا شعار الاستقلالية جذابا على المدى المتوسط حتى وإن كانت نتائجه الانتخابية هزيلة، فهو يترك الحرية لصاحبه في التمترس بعد الانتخابات حسب حساباته يمينا أو وسطا أو يسارا وفقا للنتائج وقد تكفل له وزارة أو إدارة أو حتى مكانا في القصبة أو في قصر قرطاج والأمثلة عديدة وموجودة حاليا. من هنا، نستنتج أنّ الاستقلالية وفق هؤلاء لا تعني بالضرورة عدم «المناورة» بل وجود تفاهمات غير معلنة مع الأحزاب خاصة ذات الحظوظ الوافرة على الأقل نظريا، ومن ثَمّ يصبح الحديث عن مفهوم قائمات غير متحزّبة (ولو بحسابات حزبية!) أكثر تعريفا للاستقلالية «الانتخابية»، بل إنّ البعض يترشح «مستقلا» فقط لتشتيت الأصوات ليصبح بهذا التشتيت، المحدّد الرئيسي لمآل الكراسي المتعلّقة بأكبر البقايا. إنّ الاستقلالية بمفهومها النظري وإن كانت لا تعني الاستقالة من الشأن العام، فإنها أيضا أرقى وأبعد من أن تصبح مجرد ورقة للمناورة والمتاجرة بها في مناولة سياسوية – طبعا دون تعميم لا تهدف إلا للكرسي بعيدا عن خدمة المواطنين.