بقلم : مصطفى قوبعة شارفت الحملة الانتخابية الرئاسية على غلق أسبوعها الأول ولكنها فترة كافية لاستقراء بقية مسار هذه الحملة وأثره على حظوظ أبرز المترشحين أصالة عن أحزابهم أو عن أنفسهم والمرشحين عن جهات سياسية كلفتهم بهذه المهمة. فالمكلفون بالترشح هم أساسا السادة عبد الرزاق الكيلاني وحمودة بن سلامة ومحمد الفريخة والمنذر الزنايدي والعربي نصر، أما الآخرون فهم مترشحون بصفتهم السياسية أو بصفتهم الشخصية دون ارتباط سياسي مباشر أو غير مباشر مع جهة سياسية ما، وأهم هؤلاء هم الساد الباجي قائد السبسي وأحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر ومحمد الحامدي وحمة الهمامي، وعبد الرؤوف العيادي والمنصف المرزوقي والهاشمي الحامدي وسليم الرياحي وكمال مرجان فضلا عن الشخصيات المستقلة فعلا على غرار السيدين مصطفى كمال النابلي ونور الدين حشاد والسيدة كلثوم كنّو والسيد محرز بوصيان والبقيّة...لقد طرأ تغير طفيف على قائمة المترشحين ال 27 من خلال الانسحاب المنطقي والذكي للسيد عبد الرحيم الزواري مباشرة بعد الاعلان عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية ثم تلاه انسحاب ثان بعد أربعة أيام من انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية همّ السيد محمد الحامدي مرشح التحالف الديمقراطي بعد أن وصلت مشاورات الثلاثي مصطفى بن جعفر وأحمد نجيب الشابي ومحمد الحامدي في خصوص التوافق على شخصية واحدة تمثل العائلة الوسطية إلى طريق مسدود بتمسك كل مترشح من هؤلاء الثلاثة بأحقيته في الترشح، ولحفظ ماء الوجه اتفق قطبا هذا الثلاثي مصطفى بن جعفر وأحمد نجيب الشابي على الترشح منفردين في الدورة الأولى مقابل الدعوة للتصويت لمن يترشح منهما إلى الدورة الثانية في حين خيّر محمد الحامدي الانسحاب من السباق ودعوة أنصار حزبه إلى عدم التصويت لأي مترشح، وهذان الانسحابان المسجلان حتى اللحظة يبقيان الباب مفتوحا أمام انسحابات محتملة لاحقة. وكما هو معلوم لم تضمّ القائمة مرشحا رسميا عن حركة «النهضة» على الأقل إلى حدّ كتابة هذه السطور ويبدو أن هذه الأخيرة وقعت في فخ تقديراتها الخاطئة لنتائج الانتخابات التشريعية أولا ولافتقار قياداتها إلى شخصية مشعة ومقبولة قادرة على جلب اهتمام جمهور الناخبين التونسيين عموما، فإكتفت بتبنّي وباحتضان وبالانفتاح على مجموعة من الشخصيات من مشارب مختلفة دون أن يمتلك العديد منها آلة انتخابية مناسبة ولا حتى على قاعدة انتخابية في حدها الأدنى. ومن أهم الشخصيات التي تدور في فلك حركة «النهضة» نجد السادة المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر وأحمد نجيب الشابي. أما الشخصيات الأخرى التي تتجاوب معها الحركة فهم السادة حمودة بن سلامة وعبد الرزاق الكيلاني والمنذر الزنايدي وبدرجة أقلّ الهاشمي الحامدي ومحمدالفريخة. والملاحظ أن حركة «النهضة» إنساقت في تنويع وفي إثراء قائمةالمترشحين للرئاسة كتكتيك انتخابي يهدف بدرجة أولى إلى محاصرة الباجي قائد السبسي مناطقيّا وإلى تفتيت الأصوات لحرمانه من أكبر عدد ممكن منها. ولكن حركة «النهضة» تجد نفسها اليوم أمام حتمية حسم خيارها بدعم رسمي لأحد من هؤلاء المترشحين وهو ما عجزت عن البت فيه خلال آخر اجتماع لمجلس الشورى المنعقد نهاية الأسبوع المنقضي، وهو ما يعقد وضع الحركة ويحرجها أكثر تجاه من تطمئن إليهم أكثر مثلما يعقّد أكثر وضع هؤلاء المترشحين الذين أصبح مصيرهم السياسي عموما وحظوظهم الانتخابية خصوصا رهين الموقف النهائي للحركة وخاصة منهم السادة المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر وأحمد نجيب الشابي وحمودة بن سلامة وعبد الرزاق الكيلاني والهاشمي الحامدي الذي سبق أن أعلن عن انسحابه من السباق الرئاسي ثم سرعان ما تراجع بما يوحي أنه ليس سيّد نفسه. يدخل السيد المنصف المرزوقي الحملة الانتخابية بقوة آلة وخطابا، ولكن رجع الصدى لبداية حملته في شكلها وفي مضمونها لم يكن ايجابيّا بالمرة، مثلما أن شقّا في حركة «النهضة» لم يستضع على ما يبدو تطويع حزب «المؤتمر» لجزء من جمهورها وهي التي تفضل حتى اللحظة أن تقف على نفس المسافة من جميع متشرحيها المفضلين وهم كثر، فضلا عن أن قيادة الحركة ترى أن خطاب التهديد والوعيد الذي رافق بداية حملة الرئيس المؤقت لا يلزمها ولا حتى ينسجم مع مجهودها في تطوير وتسويق خطاب هادئ ومطمئن ومسؤولة يتناقض تماما مع ما صدر من بعض المحسوبين عليها والناشطين ضمن فريق الحملة الانتخابية للسيد المنصف المرزوقي. يبدو السيد سليم الرياحي يعمل في خفاء وفي صمت معتمدا أساسا على قدراته المالية الضخمة وعلى خلايا احباء النادي الافريقي المنتشرة في كامل أنحاء الجمهورية ولكن يبدو كذلك أنه في وضع عزلة سياسية لم تحلحلها لقاءاته الأخيرة مع الشيخين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي، وفي حالة السيد سلم الرياحي وحزب الاتحاد الوطني الحرّ فالأكيد أن مسار الانتخابات الرئاسية سيختلف عن مسار الانتخابات التشريعية، ذلك أن السباق الرئاسي تحدده أساسا صورة المترشح المترسخة في ذهن جمهور الناخبين وهي الصورة الشخصية التي لم يتوفق بعد السيد سليم الرياحي في رسمها بشكل جيّد أو لائق، وبالتالي فإن حظوظه في المرور إلى الدور الثاني ليست مضمونة 100 ٪. السيد كمال مرجان لم يكن مرتاحا لمحصول حزبه في الانتخابات التشريعية وهو محصول انتخابي شهد تراجعا مقارنة بانتخابات أكتوبر 2011 وقد نفى ما راج حول نيته الانسحاب من سباق الرئاسية. الأستاذ عبد الرؤوف العيادي يتعرض إلى ضغوطات قوية من حزبه الأم حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» لدفعه للانسحاب من السباق والالتحاق بصف الداعمين لترشح الرئيس المؤقت، وإذا كان الأستاذ العيادي لا يزال صامدا أمام هذه الضغوطات فإن احتمال انسحابه قد يتأكد خلال الأيام القليلة القادمة في صورة توسع رقعة المنادين بذلك من داخل حركته. ويعود الهشامي الحامدي إلى أرض الوطن مدفوعا أما بوهم أو بحلم الرئاسة معولا على ما تبقى له من حظوظ ضئيلة في احتضان حركة «النهضة» لابنها الضال بعد الخيبة المدوية لقائماته في الانتخابات التشريعية، وبذلك يلعب السيد الهاشمي الحامدي ورقته السياسية الأخيرة قبل الاعلان عن اعتزاله العمل السياسي نهائيا. السيد المنذر الزنايدي الذي تباين مع الحركة الدستورية لأسباب ذاتية أكثر منها موضوعية يسعى إلى تحقيق مفاجأة الانتخابات الرئاسية معولا على جمهور من التجمعيين وعلى الجمهور الانتخابي المتردد وعلى امتدادات أبناء عشيرته الذين يرون فيه فيها من الكفاءة ومن نظافة اليد ما يغفر له ارتباط إمسه بالنظام القديم وبخدمته له، ولكن هذا الرصيد يبقى كذلك غير كاف لتأمين مرور المنذر الزنايدي إلى الدور الثاني على خلاف الرصيد الذي يتمتع به السيد مصطفى كمال النابلي في نفس الأوساط والذي قد يرشحه للمرور إلى الدور الثاني. أما نجما الأسبوع الأول من حملة الانتخابات الرئاسية فهما بلا منازع السيدان الباجي قائد السبسي وحمّة الهمامي وأغلب الظن أنهما سيبقيان النجمين على الأقل حتى الاعلان عن نتائج اقتراع الدور الأول. النجم الأول، الباجي قائد السبسي يعزز مكانته في قلوب التونسيين وهي المكانة التي أكدها التصويت الملاذ le vote refuge الذي طبع الاداء الانتخابي للأغلبية في سباق التشريعية، ولأن الباجي قائد السبسي حريص بفطنته على تدعيم هذا المكسب الانتخابي بقدر حرصه على تماسك حركته ووحدتها على المدى القصير وعلى استمرار إلتفاف الناخبين من خارج حزبه حول شخصه، فإنه لم يغامر على الأقل علنا بما من شأنه أن يزعزع هذا الوضع المريح إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية كل الخيارات المتعلقة بالحكومة القادمة بما تحمله بعض هذه الخيارات المتداولة من وقع مؤلم على جمهور «نداء تونس» الواسع فيعبّد بذلك السيد الباجي قائد السبسي طريق مروره إلى الدور الثاني دون صعوبات تذكر. النجم الثاني هو قطعا حمة الهمامي مرشح «الجبهة الشعبيبة» في حراكه الميداني وفي ظهوره الاعلامي يفاجئ الجمهور ويتألق بخطاب يجمع بين الوضوح و«الواقعية» والطموح والشمولية والانسجام والصدق والثبات والطمأنة والتسامح في المضمون وفي المشروع يجد فيه كل تونسي ما يستجيب لتطلعاته مضفيا إلى هذا الخطاب مسحة من الأنسنة افتقدها التونسيون في خطاب غيره من المترشحين. بهذا الظهور المتميز يكتسح المترسح حمة الهمامي مواقع جديدة غير متوقعة وبخطابه الراقي ينفذ إلى قلوب شرائح جديدة من التونسيين الذين تجاوبوا وتفاعلوا بكل عفوية وتلقائية مع عفويته وتلقائيته. وإذا كان السيد الباجي قائد السبسي يتمثل إرث وذاكرة الدولة البورقيبية بانجازاتها وبأخطائها فإن السيد حمة الهمامي يتمثل مشروع الدولة الجديدة الحاضنة لجميع التونسيين بلا استثناء، الدولة القوية العادلة القادرة، دولة الأنسنة والتضامن والانصاف. وبهذا الخطاب الراقي يثبت حمة الهمامي أنه لوحده قادر على تحقيق نتائج في الانتخابات الرئاسية أفضل بكثير من النتائج التي حققتها «الجبهة الشعبية» مجتمعة في الانتخابات التشريعية. فهل ستنصف صنادق الاقتراع المرشح حمة الهمامي ؟ ممكن جدا لأن موقعه الانتخابي أفضل بكثير من بقية المترشحين رهائن حركة «النهضة» التي لا تزال تمتلك بعض مفاتيح الرئاسيات : فإن اختارت الحياد بصفة رسمية ونهائية فهذا يعني حسم السباق منذ الدور الأول لصالح الباجي قائد السبسي ولكن بأي ثمن وبأي مقابل سياسي؟ وإن اختارت دعم مترشح ما منذ الدور الأول فهذا يعني ترحيل الحسم إلى الدور الثاني فضلا عن مزيد الحرج الذي يسبّبه لها دعم مرشح معين سواء من داخل الحركة أو من خارجها وتباعد وجهات نظر قياداتها ورموزها حول هذا الموضوع على قناعة منهم بأن لا أحد من المترشحين القريبين من الحركة يتوفر على حظوظ جدية للفوز ويضمن أنه لا يصبح عبئا ثقيلا عليها، فالكثيرون من داخل حركة «النهضة» المتيقضين يرون في النهاية أن خسارة محطة انتخابية (التشريعية) أفضل بكثير من خسارة محطتين (التشريعية والرئاسية).