بقلم: جيهان لغماري الطيب البكوش الأمين العام لحزب «نداء تونس» بدا متجهّما حين كان محمد الناصر رئيس الهيئة التأسيسية بالنيابة يصرح لوسائل الإعلام في قصر قرطاج أنّ الحزب قدّم اسم مرشحه لترؤس الحكومة إلى رئيس الدولة «قائد السبسي» الذي ليس إلا مؤسس الحزب!. «البكوش» شخصية عُرِفت بالتحفّظ وحتى عند التصريحات الإعلامية، وإن يعطي مواقفه بوضوح فإنه يغلّفها دائما بأنها آراء شخصية على أن تكون أطر الحزب هي المحددة للموقف الملزم والنهائي وهكذا فإنّ تَرْكَ الباب مفتوحا دائما أمام مواقف أو قرارات أخرى مخالفة لرأيه، قد يُفْهَم بطريقتين: إمّا أنه يلتزم دائما بالانضباط الحزبي ويعمل على رص الصفوف داخله مهما حصلت التباينات في المواقف، أو ربما هو يدرك جيدا اختلاف رؤاه كثيرا عن القرارات النهائية. في الحالتين، لا ننسى أننا أمام أمين عام لحزب فائز، لا مجرد قيادي فحسب!. هنا، تبرز المفارقة: أمين عام في واد والبقية التي تقرر في واد آخر، في تشابه مع اختلاف في التفاصيل مع الحالة التي عاشها حمادي الجبالي في حركة النهضة والتي انتهت باستقالته من الأمانة العامة ثم من الحركة ككل!. «البكوش» قبل تكليف «الصيد»، وفي بعض حواراته، اعتبر أنّه من الأجدى أن يكون رئيس الحكومة من «النداء» وهو ما رأى فيه وفاء لاختيارات من انتخبه في المرتبة الأولى ولكن وبعد أن حُصّل ما في الصدور، يُضاف إلى ذلك تكليف محمد الناصر برئاسة الهيئة التأسيسية بالنيابة للنداء، ماذا بقي للبكوش من اختيارات؟ وبين الجانب الذاتي الذي لا يمكن إنكاره حتى إن ولم يعبّر عن ذلك صراحة (اسمه كان مطروحا بقوّة لكرسي القَصَبة)، وبين الجانب السياسي الذي عُرِفَ فيه بالهدوء والاتزان وتغليب مصلحة الحزب، هل يستطيع مواصلة طريقه وكأنّ شيئا لم يحصل؟. تبدو الإجابة صعبة، فالرجل ليس من طينة الذين يمارسون السياسة بطريقة الترضيات وإن كانت شخصية، أي لن يقبل بمنصب وزاري لمجرد ترضيته والحالة الوحيدة لقبوله هي اعتقاده من عدمه في تقديم الإضافة وقبول برامجه في هذه الوزارة أو تلك. وفي الحالتيْن أي رفضه أو قبوله، ما هي علاقته المستقبلية بحزب النداء وهو أمينه العام؟. المسألة حساسة جدا، فالحزب لم يعقد مؤتمره الأوّل ونتائج هذا المؤتمر المرتقب موضوعيا يجب أن تكون متناسقة مع التوجهات والاختيارات والتكتيكات التي خلصتْ إلى قرار تكليف شخصية من خارج النداء لرئاسة الحكومة حتى لا يصبح المشهد لدى الحزب الفائز سرياليا: قيادة جديدة يفرزها المؤتمر تكون قراراتها أو رؤاها متناقضة مع الحكومة التي اختارها نفس الحزب!. بهذا المعطى وقياسا على آراء «البكوش» الحالية التي وإن بدت مجازيا «صامتة» لكنها تسبح في باطنها ضد التيار الذي اختار «الصيد» للحكومة ، لذلك يبقى حضوره الفاعل في المشهد المستقبلي للحزب «غائما» إن لم يكن غائبا أو مغيَّبا بحُكم ما يحدث اليوم على أرض الواقع من قرارات. الحكومة القادمة مهما كانت تسميتها كحكومة وحدة وطنية أو توافقية أو ائتلافية، فإنها تعبّر أوّلا وأخيرا عن خيارات الحزب الفائز ويتحمّل «أوزار» برامجها ونتائجها سلبا أو إيجابا. وعليه، فإنّ تعاطي القيادة الأولى لحزب نداء تونس قبل وبعد مؤتمره مع هذه الحكومة يفترض تناغما تاما لا نقدا أو رفضا لتوجهاتها. طبيعة المرحلة ربما لها «إكراهاتها» التي اقتضت اختيار هذا المسار من طرف «السبسي» أساسا في محاولة للوصول إلى توافق واسع مع أغلب الفاعليين السياسيين يضمن حدا أدنى من الاستقرار الذي يكفل الشروع في الإصلاحات الكبرى بعيدا عن أجواء الاحتقان والأزمات المتتالية ولكن! «البكوش» لعب دورا رئيسيا في «تجذير» نداء تونس في المشهد السياسي خاصة عند التأسيس، فتاريخه النقابي والحقوقي جعله محلّ ثقة واطمئنان لدى النخبة وأيضا العامة. كما أنّ تزعّمه المشهد وقتها (الفترة الأولى بعد الإعلان عن التأسيس) أبعد «تهمة» رسكلة «التجمّع» عن «النداء» مما زاد في استقطاب الكثير من الكفاءات المستقلة والحقوقية والنقابية. القرار الأخير في ظاهره سيكون بيد الطيب البكوش: هل يقبل بوزارة؟ هل يغادر «نداء تونس»؟ وإن بقي، فبأي طريقة وبأيّ نفوذ، ولكن «السبسي» الذي يدرك جيدا دور «البكوش» في تأسيس «النداء» قد يعمل على «إرضائه» بطريقة أو بأخرى في لعبة تعتمد المحافظة على التوازنات السياسية وأيضا الشخصية دون قطيعة مع أحد!