من المنتظر أن تنظر إحدى الدوائر الجناحية بمحكمة الاستئناف بتونس يوم 18مارس الجاري في جريمة تحيّل تورطت فيها امرأة عمدت إلى التحيّل على المتضررة وأعلمتها أنّ منزلها مسكون وأنّ الجنّ سيتملّك ابنتها فصدقت اقوالها وطلبت منها مساعدتها على التصدي للخطر قبل وقوعه ثم سلبتها 3 آلاف دينار على مراحل وتحصنت بالفرار. وقد أدينت المتهمة التي ثبت أنّ لها سوابق بالسجن مدة 14شهرا فاستأنفت الحكم الصادر ضدها أملا في التخفيف من العقوبة المسلطة عليها. تفاصيل هذه القضية انطلقت في شهر اكتوبر 2014 عندما تقدمت امرأة بشكاية الى السلط الامنية افادت ضمنها انها تعرضت الى عملية تحيّل من قبل امرأة في نهاية عقدها الخامس طرقت بابها وطلبت منها ان تمكنها من كوب ماء فلبت طلبها وتجاذبت معها أطراف الحديث واستفسرتها عن مقر سكناها فأعلمتها أنها تقطن بولاية بن عروس وأنها قدمت لتونس لزيارة امرأة مريضة لعلاجها بالقرآن وبعض الاعشاب وشرعت تحدثها عن إمكانياتها الباهرة في العلاج وقراءة الطالع وإزالة العراقيل ونجحت في شد انتباهها بخزعبلاتها، ثم فجأة أخذت تسير خطوات إلى الأمام وأخرى إلى الوراء في الحديقة واعلمتها ان منزلها مسكون وأنّ الجنّ سيلحق بأفراد المنزل اللعنة إن هم لم ينفّذوا طلباته. فتظاهرت صاحبة المنزل في البداية بعدم الاكتراث إلاّ أنه سرعان ما تملكها الخوف على عائلتها خاصة بعدما أسرّت لها المرأة أنّ الجنّ سيتملّك ابنتها. حينها طلبت منها ان تساعدها للخروج من هذا المأزق فطلبت منها أن تمكنها من ألفي دينار حتى تتولى شراء بعض البخور والأعشاب (الحشائش) باهظة الثمن وكذلك خروف لذبحه وتوزيع لحمه على الفقراء والمساكين كقربان عن ابنتها حتى لا يؤذيها الجن الذي أعجب بها كثيرا. فصدقت كلامها وطلبت منها القدوم في اليوم الموالي لتمكنها من المال المطلوب. وفعلا عادت إليها في اليوم الموالي ومكنتها من المال فسلمتها بعض الحشائش وطلبت منها أن تغليها جيدا وتسكبها في الأماكن المنزوية بالمنزل، فضلا عن «حرز» لتضعه ابنتها تحت وسادتها حتى يطرد عنها الجن ووعدتها بشراء الخروف لذبحه وتقديمه قربانا لابنتها ثم انصرفت على أن تعود اليها بعد أسبوعين. طبقت المتضررة خلال هذه المدة الوصفة التي أمدتها بها «العرّافة» وظلت تنتظر قدومها فعادت اليها وظلت تستفسرها عن التغيرات الواقعة في هذه الفترة الا انها اعلمتها انها لم تلاحظ شيئا وان ابنتها عادية تتوجه الى الجامعة وتعود الى المنزل وأنّها في قمة نشاطها وحالتها النفسية طبيعية فطمأنتها حينها ان الامور تسير على احسن ما يرام وأن الأزمة سائرة نحو الانفراج لكن لابد من إعادتها للمرة الثانية للتأكد نهائيا من أن المنزل والفتاة قد حررا نهائيا من خطر الجن. وكالمعتاد صدقت أقوالها ومكنتها هذه المرة من ألف دينار فسلمتها نفس الأدوية المزعومة على غرار المرة الأولى ثم غادرت المكان لكن هذه المرة بلا رجعة، إذ ظلت الشاكية تنتظر قدومها لكنها لم تلتزم بالموعد المتفق عليه فاتصلت بها هاتفيا غير أنّ هاتفها الجوال كان مغلقا فعاودت الاتصال بها مرارا على مدار ايام متتالية الى أن بدأ الشك يساورها في أنها تعرضت الى عملية تحيّل وان المشتكى بها تلاعبت بخوفها وحبها المفرط لابنتها وغنمت الملايين دون تعب وقررت في نهاية المطاف التقدم بالشكاية أعلاه ضدها طالبة تتبعها عدليا من اجل ما نسب اليها مدلية بأوصافها بكامل الدقة. وعلى ضوء هذه الشكاية تم تكثيف التحريات وانحصرت الشبهة في امرأة ثبت أنها محل عدة شكايات ونجح أعوان الأمن في التوصل الى مكان اختفائها وألقي عليها القبض. وباستنطاقها أنكرت ما نسب اليها كما انكرت معرفتها بالشاكية غير أنه بمواجهتها بسلسلة من الشكايات المقدمة ضدها من اجل التحيّل بنفس الطريقة تراجعت واعترفت بما هو منسوب اليها وأكدت أن ظروفها الاجتماعية الصعبة ورغبتها في تحسين دخلها هو الذي جعلها تنخرط في هذه اللعبة التي كانت في كل مرة تتفنّن في نسج خيوطها للإيقاع بالمتضرّرات اللاتي كنّ ينسقن وراء كلامها. وأعربت المتهمة عن استعدادها لإرجاع أموال المتضررة وبقية المتضررات على دفوعات والتزامها بذلك كتابيّا، غير انهن تمسكن بتتبعها عدليا من أجل ما نسب إليها. وباستشارة النيابة العمومية أذنت بالاحتفاظ بالمظنون فيها ثم أحيلت على انظار احدى الدوائر الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس التي قضت بإدانتها على النحو المذكور سابقا فاستأنفت المتهمة الحكم الصادر ضدها بينما تسعى عائلتها الى جمع الاموال المتخلدة بذمتها حتى يطلق سراحها في الطور الاستئنافي .