وضعية مزرية للمدارس وتراجع في ميزانية التربية ال 25 بالمائة في معدل الباكالوريا من أسباب الفشل التربوي من أجل تعليم يخلق مواطنا متعلما ومثقفا نظّم قسم الوظيفة العمومية بالاتحاد العام التونسي للشغل جملة من الندوات في إطار حرصه على فتح ملف المنظومة التربوية وفك رموز وأسباب تراجعها وكيفية الإعداد للإصلاح التربوي الذي سينطلق قريبا في إطار حوار بين وزارة التربية والاتحاد العام التونسي للشغل وبقية مكونات المجتمع. واقترح القسم بعث مجلس أعلى للتربية والتفكير في ربط نسق التطور التعليمي بنسق التطور الاقتصادي من خلال مراجعة مشاريع التنمية وتجاوز مقولة العدالة الى مقولة الانصاف مع مزيد الاهتمام بالموارد البشرية من حيث التكوين الأساسي والتكوين المستمر. وشخّص قسم الوظيفة العمومية الوضع الحالي للمنظومة ككل مبرزا مكامن القوة والضعف داخلها. فعلى المستوى الاداري والمالي كشف قسم الوظيفة العمومية عن وجود هيكلة ادارية مهمة لها تقاليد قديمة تغطي كافة مناطق البلاد وتشمل كل مستويات التعليم من الابتدائي إلى العالي وتتميز بمركزية مفرطة خاصة في وزارة التربية ملاحظا أن ذلك مثل عائقا امام محاولات الاجتهاد والابتكار والمبادرة وجعل المؤسسة التربوية فاقدة للذاتية.وكشف الملف الذي أعده خبراء قسم الوظيفة العمومية لاتحاد الشغل عن وجود إدارة غير محترفة بسبب غياب التكوين الاداري للمديرين والنظّار وغياب مقاييس موضوعية للتعيين وأساسا في الإعدادي والثانوي مع نقص التكوين في كفايات التواصل وتسيير المجموعات .كما تم تسجيل غياب فرق مساعدة المديرين بالمدارس الابتدائية والاقتصار على مساعد واحد في بعض المدارس الكبرى مع فقدان موسسات التعليم الابتدائي للشخصية المعنوية والمالية .وعلى المستوى المالي تم تسجيل تراجع هام في ميزانية وزارة التربية سنة 2015 من 17 بالمائة إلى 13 بالمائة وما لذلك من انعكاس مباشر على مستوى اداء المؤسسة التربوية ونوعية الخدمات المقدمة ، ولاحظ القسم أنه يتم حرمان موسسات التعليم الابتدائي من ميزانية خاصة بها مما يفسح المجال امام محاولات التدخل الخارجي تحت غطاء المساعدات.وقدم قسم الوظيفة العمومية جملة من المقترحات في المجال المالي والاداري تتمثل في ضرورة تجاوز الهيكلة الهرمية ومراجعة موقع المؤسسة التربوية من الجانب التشريعي واعتماد مشروع المؤسسة كأداة تمكن من تشريك الأطراف التربوية داخل المؤسسة تشريكا فاعلا يمكن من صياغة التصورات ورسم الاستراتيجيات وتقييمها .ونبه قسم الوظيفة العمومية باتحاد الشغل إلى مشكل التمويل العمومي للمدرسة وتخلي الدولة عن دورها وبالتالي فسح المجال امام التعليم الخاص في منافسة غير شريفة. وضعية خطيرة للبنية التحتية بالمدارس سجل خبراء قسم الوظيفة العمومية في اتحاد الشغل تقادم بنايات المؤسسات التربوية العمومية وغياب قاعات المراجعة وتدهور ظروف المبيتات المدرسية والجامعية وتقلص جودة الخدمات المقدمة في المطاعم المدرسية والجامعية إلى جانب وجود قاعات تدريس غير ملائمة خاصة في الإعدادي والثانوي لا تستجيب لاستعمال الطرق الحديثة في التدريس وتم تسجيل افتقاد العديد من المؤسسات التربوية وخاصة في الارياف للماء والكهرباء اضافة الى تردي الطرقات المؤدية للمدارس وانعدامها احيانا. وتم اقتراح مزيد دفع الدولة لتحمل مسؤولياتها والاستثمار في مجال البنية التحتية وكذلك إيجاد شراكة حقيقية مع المجتمع المدني لدعم المؤسسات التربوية في إطار ما ينص عليه القانون. تجهيزات تنتظر بيروقراطية الادارة وكشفت دراسة قسم الوظيفة العمومية عدم مواكبة تجهيزات المدارس والمعاهد للجديد في قطاع التربية ووجود تفاوت كبير بين الجهات وداخل الجهة الواحدة مع غياب الصيانة نظرا لغياب فرق الصيانة داخل المؤسسات التربوية والمندوبيات الجهوية مع كثرة العراقيل البيروقراطية عند إصلاح او اقتناء التجهيزات. أسباب الفشل الدراسي والرسوب أكدت دراسة قسم الوظيفة العمومية لاتحاد الشغل أن أسباب الرسوب في الابتدائي والثانوي عديدة أهمها وجود علاقة متينة بين ظاهرة النجاح والفشل المدرسيين والمستوى الاقتصادي والاجتماعي مع هيمنة مدرسة اعادة الانتاج الاجتماعي. وتم التاكيد على ان هيمنة البعد التراكمي للبرامج لا يسمح ببناء التفكير الذاتي وتحويل المهارات والقدرات الى مواقف مع غلبة الطرق التقليدية القائمة على التلقين مع تدريس المواد بصفة منفصلة عن بعضها البعض مما يساهم في تكريس تجزئة المعارف وجعل المكتسبات التلميذية تفتقر الى الشمولية والتأليف كما تم التاكيد على غلبة البعد النظري في تدريس العلوم الدقيقة. 25 بالمائةفي معدل الباكالوريا والتعليم وأكد خبراء الاتحاد ان احتساب 25 بالمائة في معدل الباكالوريا خلق العديد من المشاكل أهمها تضخم الأعداد وتزايد دروس التدارك وازدهار نشاط المعاهد الخاصة دون تأمين مستوى تعليمي جيد . كما ارجع قسم الوظيفة العمومية تراجع مستوى التعليم الى غلق معاهد ترشيح المعلمين ودُور المعلمين العليا مما اثر نسبيا في تكوين المدرسين كما بيّن الخبير رضا الشتيوي المستشار الأول في الاعلام والتوجيه عدم تطابق الزمن المدرسي مع الزمن الاجتماعي ونسق الحياة اليومي مع كثرة ساعات التدريس وغياب التناسق في جداول أوقات التلاميذ.وكشفت الورقات الدراسية لقسم الوظيفة العمومية انغلاق المؤسسة حول نفسها حيث لا يوفر المحيط نفس الحظوظ لكل المؤسسات التربوية بمختلف مراحلها مع غياب النصوص التشريعية التي تنظم العلاقة في ظل غياب المبادرة في اغلب الحالات بسبب المركزية المفرطة في التسيير مع غياب التقاليد في الغرض.وتم تقديم جملة من المقترحات تتمثل في مراجعة المقاربة من الحلول الاستعجالية الى المقاربة المنظومية مع وضع خطط استراتيجية وتحديد الغايات وتم اعتبار أزمة النظام التربوي التونسي بمختلف مراحله من قبيل الأمراض المزمنة وليس من صنف الأمراض العرضية التي تتطلب حلولا استعجالية مع التاكيد على الارتباط الوثيق بين أزمة المدرسة العمومية وفشل خيارات التنمية. كما تم اعتبار أزمة المدرسة العمومية أزمة مجتمعية تفرض تشريك جميع الأطراف في اتخاذ القرارات في إطار ندوات وطنية وتم اقتراح تحديد الملمح العام للمخرجات وعدم الاقتصار على خلق المهارات الاستعمالية. واقترح قسم الوظيفة العمومية مزيد الاهتمام والتفكير في علاقة المدرسة بمبادئ حقوق الانسان في بعدها الكوني من أجل نشر قيم الحرية والمساواة واحترام التنوع والاختلاف وتمت دعوة الجميع الى فتح المدرسة على كل الفئات الاجتماعية مع الملاحظة بأن ذلك لا يكون إلاّ بإرساء مدرسة موحدة مجانية وإجبارية في كافة مراحل التعليم وتم اقتراح ادخال التكوين العملي في المناهج التربوية حتى لا تبقى التربية المدرسية تربية نظرية واعتماد اللغة العربية كأداة لها.وتم التاكيد على ضرورة أن يكون الإصلاح لتأسيس مدرسة المستقبل التي تضمن قيمة المواطنة وتؤسس لمجتمع ديمقراطي تسوده القوانين المنظمة والضامنة لمحددات المواطنة والمؤمنة للحقوق الاجتماعية والسياسية .وأكد قسم الوظيفة العمومية بإتحاد الشغل أن هدف الإصلاح التربوي هو خلق مواطن متعلم مثقف متمسك بما هو نيّر في تراثه ومتفتح على ما انجزته الانسانية في مجال المعرفة وتم التأكيد على ضرورة عدم التمييز بين التونسيين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو المال أو الثروة أو الانتماء السياسي مع تنمية الشخصية التونسية في ابعادها المختلفة والتأكيد على مدنية التعليم وعلى أن يضع المجلس الأعلى للتربية المنتخب الخطط ويشرف على صياغة البرامج وإعداد الكتب المدرسية والتقييم وانجاز البحوث التربوية على ان تتولى كلية التربية إعداد المدرسين وتكوينهم لمختلف المراحل التعليمية.