على إثر الندوة الوطنية التي عقدتها وزارة الشباب والرياضة والتربية البدنية يوم الاربعاء غرّة ديسمبر 2010 بأحد النزل الفاخرة بالحمامات وما ترتب عنها من قرارات وتوصيات تمسّ في العمق مادة التربية البدنيّة وتهمش دورها كجزء لايتجزأ من المنظومة التربوية. اتصلنا بالأخ المنصف بن حامد عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بصفاقس وكاتب عام النقابة الأساسية بساقية الدائر فمدّنا مشكورا بالتوضيحات التالية: نظّمت الادارة العامة للتربية البدنية والتكوين والبحث يوم السبت 4 ديسمبر 2010 ندوة وطنية حول التربية البدنية والخلايا التنموية في الوسط المدرسي استدعت لها عددا من المسؤولين المركزيين والجهويين في كل من وزارة الشباب والرياضة والتربية البدنية ووزارة التربية والصحة وعددا من متفقدي وإطارات القطاع لسنا ندري وفق أي مقياس اختيارهم. ومن الملفت للانتباه في هذه الندوة »الكبرى« التي تطرّقت إلى مستقبل مادة التربية البدنية هو غياب بل تغييب الاتحاد العام التونسي للشغل وبالتحديد النقابة العامة للتعليم الثانوي عن مثل هذا الملف الهام من ملفات السياسة التعليمية والذي تكدّس عليه الغبار وهو مدرج في رفوف الوزارة على امتداد سنوات عديدة. إنّ تغييب النقابة التي تمثّل مدرسي التربية البدنية كجزء من مدرسي التعليم الثانوي بمختلف أصنافهم واختصاصاتهم وتتكلّم باسمهم وتدافع على مطالبهم المشروعة والمزمنة يعني بالضرورة تغييب وجهة نظر المدرسين ومواقفهم من أمّهات القضايا التي طرحت في الندوة المشار إليها واستغلال مثل هذا الغياب لتمرير مواقف وقرارات لا علاقة لها بمصالح المدرسين ومادة التربية البدنية بصفة عامة بل ستكون لها انعكاسات كارثية على مستقبل القطاع وبالتالي فإنّ مثل تلك القرارات لا تعكس سوى وجهة نظر الإدارة وهي بالتالي لا تلزم في شيء قطاع التعليم الثانوي (ومدرسي التربية البدنية كمكوّن من مكوّناته) ولا نقابته العامة. ومن جملة ما تضمنته الندوة إجابة الحاضرين على عدد من الاستبيانات حول مسائل مختلفة وفي مقدّمتها وضع مادة التربية البدنية. ومن بين الأسئلة الواردة في الاستبيان المتعلّق باقتراحات لجنة هذه المادة التي لا تبعث على الاستغراب والاستياء فحسب باعتبارها صادرة عن الإدارة المسؤولة الأولى عن القطاع بل تعكس أيضا التوجّه الرامي إلى تسديد طعنة جديدة إلى هذه المادة التربوية الهامة اثر الطعنات السابقة المتعدّدة وآخرها تلك المتمثلة في إلغاء الامتحان الوطني في الباكالوريا رياضة من قبل وزارتي الشباب والتربية والمحافظة على الامتحانات الوطنية الأخرى في بقيّة المواد. ومن جملة الأسئلة المطروحة على المعنيين بالاستبيان نتوقّف أمام ثلاثة منها وردت في الاستبيان المتعلّق باقتراحات لجنة مادة التربية البدنية وهي: السؤال 6: »بعث لجنة وطنية مشتركة لوضع برامج تكوين وتأهيل معلّمي التعليم العام لتأمين تدريس مادة التربية البدنية والتنشيط الرياضي (وضع التوجهات العامة وكيفية بلوغها). بعث لجنة جهوية مشتركة لتكوين وتأهيل معلّمي التعليم لتأطيرهم ومساعدتهم ميدانيا«. السؤال 8: »اعتماد نظام التعاقد كما هو معمول به بوزارة التربية (في إطار تشغيل حاملي الشهادات العليا«). السؤال 9: »وضع برنامج تأهيل لحاملي الشهادات العليا المدرجين في قائمة الانتظار«. إنّ هذه الأسئلة ليست بريئة، ولكي نفهم جيّدا خطورة الخيارات الكامنة وراء طرحها لابد لكل غيور على هذه المادة وعلى منظومة تعليمية تخدم أبناء الشعب من معرفة الحقائق التالية: أوّلا: توجد في تونس أربعة معاهد عليا للرياضة والتربية البدنية وهي معاهد قصر السعيد وصفاقس والكاف وڤفصة وتخرّجت ولا تزال من هذه المعاهد أفواج تضمّ المئات من حاملي الشهادات الجامعية والأستاذية والإجازة الأساسية في التربية البدنية. ثانيا: إنّ عدد العاطلين عن العمل الحاملين للشهادات العليا في قطاع التربية البدنية المتخرجين من المعاهد المشار إليها يفوق الأربعة آلاف شخص ولا تسمح نوعية الشهائد المتحصل عليها لهؤلاء الأشخاص بالاشتغال في غير قطاع التربية البدنية والرياضة. ثالثا: يوجد عدد هام جدّا من التلاميذ في المدارس الابتدائية والمعاهد الثانوية والطلبة في مؤسسات التعليم العالي في المدن الكبرى (أمّا في المناطق الريفية فحدّث ولا حرج) الذين لا يتعاطون التربية البدنية ونحن لا نبالغ لمّا نقول أنّ عدد العاطلين عن العمل الحالي لا يكفي لتغطية حاجيات المؤسسات التربوية لمدرسي التربية البدنية. رابعا: يقوم معلّمو التعليم العام في عدد من المدارس الابتدائية رغم أنّ كاهلهم مثقل بمهامهم وبمشاكل التعليم في الابتدائية ب »تدريس التربية البدنية« وهم غير مختصّين ويفتقرون إلى التكوين الملائم في هذا الاختصاص. خامسا: إنّ الانتداب في قطاع التربية البدنية لا يتمّ بواسطة »الكاباس« وذلك لأنّ المتخرجين من المعاهد العليا للرياضة والتربية البدنية يتمّ أعدادهم عكس الجامعات الأخرى ما عدا دور المعلمين العليا خصّيصا لمهنة التدريس، ذلك أنّهم يقومون بالتدريس في معاهد الرياضة والمؤسسات التعليمية في إطار التربص البيداغوجي لمدّة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات قبل الحصول على الشهادة العليا. ولذلك يتمّ الانتداب عن طريق الملف وترتيب المترشحين باعتماد معدلات النجاح لسنوات الدراسة الجامعية واختيار المتحصلين على أفضل النتائج. سادسا: لا يوجد العمل بصيغة التعاقد في قطاع التربية البدنية وهو أمر كان له ولا يزال انعكاسات جدّ ايجابية على وضع القطاع باعتبار استقرار إطار التدريس وضمان حقّه في الشغل القار. فماذا يعني تكليف مدرسين من التعليم العام غير مختصين ومثقلين بأعباء تدريس المواد الأخرى وبمشاكل السياسة التعليمية بتدريس مادة ليست من مشمولاتهم ولا تكوين علمي لهم فيها وفي ظروف عمل كارثية ولا علاقة لها بأبسط شروط حفظ الصحة؟ وماذا يعني حرمان أعداد هائلة من أبناء الشعب في مختلف مستويات التعليم من تعاطي التربية البدنيّة في الوقت الذي يعاني فيه الآلاف من حاملي الشهادات العليا من البطالة وما ينتج عنها من فقر وخصاصة وتهميش؟ وماذا يعني إلغاء امتحان الباكالوريا في مادة التربية البدنية؟ إنّ ذلك لا يعني سوى سعي الإدارة العامة للتربية البدنية والتكوين والبحث المحموم ومن ورائها وزارة الشباب والرياضة والتربية للإجهاز كلّيا ونهائيا على مادة التربية البدنية من خلال الحطّ من قيمتها والتخفيض في ساعاتها ورفض تحسين ظروف العمل التي تدرس فيها والتعامل معها بمقاييس تختلف في اتجاه الأسوأ مقارنة ببقيّة المواد وحرمان أعداد هائلة من التلاميذ من تعاطيها وتهميش المدرسين وتغييبهم عن إبداء رأيهم في القضايا الأساسية التي تهمّ القطاع. ولا يغير في شيء من هذا الواقع المرير الخطاب الرسمي الديماغوجي للوزارتين حول أهميّة هذه المادة في المنظومة التربوية أو ما ورد في التوجهات الرسميّة للتربية البدنية أو في القانون التوجيهي للتربية وللتعليم. إنّ إلغاء امتحان الباكالوريا رياضة بالاستناد على التعلاّت التي قدّمها وزير التربية في ندوته الصحفية المشهورة لا يقصد به الدفاع عن مادة التربية البدنية بل هو موقف سلبي منها ورفض للتعامل معها على قدم المساواة مع بقيّة المواد وتقزيم لها وللمدرسين. فصانعي قرار الإلغاء تناسوا أنّ »المشاكل« التي اعتمدوا عليها لتبرير قرارهم هي صنيعة السياسة القائمة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلبس للمدرسين فهم بدورهم ضحيّة تلك السياسة. ولا يكمن الحلّ في إلقاء المسؤولين على المادّة والمدرسين وإلغاء الامتحان النهائي لهذه المادة دون غيرها بل في معالجة المشاكل المتعلّقة بالمادة التي ولدتها السياسة التربوية دون غيرها، وإذا نظرنا بأكثر عمق نقول أنّ الحل يكمن في معالجة أزمة السياسة التعليمية برّمتها وما أفرزته من مشاكل أتت على الأخضر واليابس في الحقل التربوي وانعكست بالسلب على مادة التربية في مستوى التكوين والتدريس والتقييم وظروف العمل وغيرها كما هو الشأن بالنسبة لبقيّة المواد وهذا ما يرفض رؤيته من يسعى إلى دفن التربية البدنية حيّة. وإنّ إحالة تدريس التربية البدنية على مدرسي التعليم العام وترك العديد من الأقسام بدون مدرس تربية بدنية عكس ماهو معمول به في وزارة التربية يعني مواصلة غلق باب الانتداب في القطاع وترك جحافل حاملي الشهادات العليا على قارعة الطريق، أمّا تبرير هذا الغلق بعدم توفّر اعتماد في الميزانية فهذه معزوفة لم تعدل تنطل على أحد فالميزانية ليست مسألة قدرية بل تحدّد وتقرّر في الأماكن المخصّصة لذلك ومن بيده سلطة القرار في هذا المجال هو الذي يحرم عمدا أبناء الشعب من تعاطي التربية البدنية، أنّه موقف آخر سلبي تمييزي من المادة. إنّ العمل بالتعاقد هو كارثة يعاني منها الشغالون بالساعد والفكر تجعلهم يشعرون بالغربة في بلدهم وقطاع التربية البدنية كان دائما ولايزال إلى حدّ تاريخ ندوة الإدارة العامة الأخيرة بمنأى عن صيغة التعامل هذه التي تتسبّب يوميّا في مآسي للأفراد والعائلات. فحاجيات القطاع للمدرسين العاطلين عن العمل كبيرة جدّا وإدارتنا العامة تلهث وراء صيغة التعاقد اقتداء بما يقع في وزارة التربية بغض النظر عمّا ستولّده صيغة الانتداب بالتعاقد من مشاكل للقطاع ومن أضرار للمدرسين كما هو الحال في وزارة التربية، وانتداب المدرسين المعاونين والوقتيين هو خير دليل على ذلك. انّه موقف سلبي آخر من مادة التربية البدنية. فإلى متى ستبقى وزارة التربية تقود وزارة الشباب والرياضة؟ ألم يقتنع صانعو القرار بعد أكثر من نصف قرن بأنّ التربية في وضعها الحالي هي في تقهقر وبأنّ الحل السليم لقطاع التربية البدنية لا يكمن في إتباع ما تقوله وزارة التربية بل في إلحاق هذه المادة التربوية ومدرسيها بالوزارة المسؤولة عن التربية كما هو معمول به في جلّ بلدان العالم. إنّ الحديث عن »برامج تأهيل لحاملي الشهادات العليا المدرجين في قائمة الانتظار« يبدو في ظاهره ايجابي للغاية ولكنّه يخفي في باطنه خطّة جهنميّة لتمرير مناظرة »الكاباس« نسجا على خطى وزارة التربية. إنّ مشاكل الكاباس في وزارة التربية لا تحصى ولا تعد والنقابة العامة للتعليم الثانوي ممثلة القطاع هي في خلاف جوهري مع وزارة التربية حول الكاباس والانتداب بصيغة التعاقد. فصيغة الكاباس ليست الصيغة المثلى للانتداب وقطاع التربية البدنية ليس في حاجة لها وحاملو الشهادات العليا في التربية البدنية يغادرون المعاهد العليا وهم مؤهلون للتدريس مثلما أكّدت ذلك خمسون سنة من التجربة التاريخية والميدانية وبالتالي فعلى الإدارة العامة أن تنظر في تحسين تكوين الطلبة في المعاهد العليا قبل الحصول على الشهادة وليس بعدها. والمطلوب هو انتداب حاملي الشهائد العليا مباشرة بعد تخرجهم وليس تأهيلهم. أمّا رسكلتهم فتتمّ بعد انتدابهم القار وليس بصيغة التعاقد السيئة الذكر وعلى امتداد حياتهم المهنية. ويبدو أنّ الادارة العامة أصابت في هذه المسألة بعد أن صرحت خلال الندوة بأنّها تعتزم وضع استراتيجية للتكوين المستمر لإطارات تدريس مادة التربية البدنية. هذا جزء من معاناة مادة التربية البدنية والمدرسين أمّا الجزء الآخر فهو ناتج عن تنصّل وزارة الإشراف من تطبيق الاتفاقات المبرمة معها كإتفاقية 24 مارس 2005 المتعلقة بالارتقاءات المهنيّة للمعلّمين الأول وكذلك انقلابها على حق النقابة حضور أشغال لجنة التصريح بالنتائج الخاصة بالارتقاءات حتى تبقى الوزارة دون رقيب، وهو ما يؤكده اصرارها على اصدار قوائم المرتقين دون التنصيص على مجموع النقاط لكل واحد على عكس ما كان معمولا به سابقا. وقد وصل بها الاستخفاف بحقوق المدرسين إلى حدّ قيامها بالغاء دورة الارتقاءات المهنية لسنة 2006 بتعلّة واهية وهي انعدام الموارد المالية، بالاضافة إلى ذلك فهي لا تزال تصرّ على رفض حضور اللجان الادارية المتناصفة الوطنية جلسات حركة النقل على عكس ما يحدث في وزارة التربية. لقد آن الأوان لكي نضع حدّا لازدواجية الخطاب في ميدان التربية البدنية وللمهازل المتأتية عنه. فالمشاغل الأساسية لوزارة الاشراف ليست التربية البدنية بقدر ماهي الرياضة أوّلا والشباب ثانيا ومادة التربية البدنية تقتل يوميّا وتدريجيا بعد ان حفر قبرها مسبقا. فإعادة الاعتبار لهذه المادة التربوية التي أثبتت البحوث العلمية والتجارب الميدانية أهميتها في تكوين الناشئة الحركي والمعرفي مسألة أساسية اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولا يكون ذلك إلاّ بالقيام بتقييم شامل لوضع المادة بتشريك فعلي للمدرسين عبر هياكلهم النقابية الممثلة والوقوف على المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المادة وفي مقدّمتها الانتماء إلى وزارة التربية وبناء برامج تدريس علمية وتطوير برامج التكوين على قاعدة إعادة النظر في منظومة »إمد« التي لا تتماشى وخصوصية التكوين في القطاع وتحسين ظروف العمل ورسكلة المدرسين على امتداد حياتهم المهنية وتطوير محتوى وطرق التفقّد والتعميم الفعلي لتدريس التربية البدنية من خلال ايجاد البنية الأساسية الضرورية في المؤسسات التعليمية وتشغيل حاملي الشهادات العليا وإعادة النظر في قرار إلغاء امتحان الباكالوريا رياضة والتخلّي عن التوجّه الهادف إلى إدخال صيغة العمل بالتعاقد وتمرير مناظرة »الكاباس« وتحسين أوضاع المدرسين المادية والمعنوية إنّها أهم المسائل التي يجب الانكباب عليها للنهوض بالمادة والمدرسين والقطاع. وإنّنا في النهاية حريصون على التأكيد بأنّ كل المحاولات الهادفة إلى الإجهاز علي مادة التربية البدنية ستبوء جميعها بالفشل.