عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    أحدهم حالته خطيرة: 7 جرحى في حادث مرور بالكاف    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    يروّج للمثلية: تنديد واسع بكُتيّب تم توزيعه بمعرض الكتاب    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    تخفيض أسعار: وزارة التجارة تصدر إعلاما هامّا    بودربالة والسفير الإيطالي: ضرورة تكثيف جهود مواجهة الهجرة غير النظامية    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة    معتز العزايزة ضمن قائمة '' 100 شخصية الأكثر تأثيراً لعام 2024''    عاجل/ في ارتفاع مستمر.. حصيلة جديدة للشهداء في غزة    تم انقاذها من رحم أمها الشهيدة: رضيعة غزاوية تلحق بوالدتها بعد أيام قليلة    شركة النقل تتفاعل مع "الشروق": نحرص على عودة النسخة الشعبية ل "إيبيزا" في أقرب الأوقات    سيدي بوزيد: انطلاق ورشة تكوينيّة لفائدة المكلّفين بالطاقة بالإدارات والمنشّآت العمومية    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا    70 بالمئة من الأمراض تنتقل من الحيوانات ..مختصة في الثروة الحيوانية توضح    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    كم تبلغ معاليم مسك الحساب بالبريد التونسي؟    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    سوسة: الاطاحة بمنحرف خطير من أجل ترويج المخدرات    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    بن عروس: انتفاع 57 شخصا ببرنامج التمكين الاقتصادي للأسر محدودة الدخل    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    أريانة: القبض على منحرف محكوم ب 6 سنوات سجنا    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواجه صن داونز .. من أجل تحقيق التأهل إلى المونديال    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. فراس جبلون (القيادي ب «التحالف الديمقراطي») ل «التونسية»:التشرذم أهم أسباب هزيمة العائلة الديمقراطية
نشر في التونسية يوم 04 - 05 - 2015

«نداء تونس» الحالي نتيجة طبيعية للتصويت المفيد
حوار: أسماء وهاجر
مازالت نتائج التصويت المفيد تلقي بظلالها على الأوضاع في تونس. فبعد هزيمة الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية في الانتخابات الأخيرة انطلقت بوادر تجمع هذه الاحزاب وتحالفها في هيكل واحد لمجابهة مخاطر الانزلاق نحو سيطرة حزب واحد على الساحة خاصة مع ظهور بوادر تفتت حزب «النداء» ولضمان تمثيل الطبقات الوسطى والضعيفة التي ضاعت في ظل توجهات الاحزاب اليمينية المسيطرة على المشهد التي واصلت نفس منوال التنمية القديم معتمدة التداين وسياسة الاجراءات الموجعة في حل المشاكل الخانقة دون أن تكون من اولوياتها محاربة الرشوة والفساد والتهرب الضريبي أو مراجعة السياسة الجبائية ...هذه القضايا وغيرها كانت موضوع حوارنا مع الدكتور فراس جبلون القيادي بالتحالف الديمقراطي الذي أكد أن الاتحاد اليوم هو القوة الوحيدة لدعم الطبقات الفقيرة لإحداث التوازن في المشهد مبينا أن تونس اليوم بحاجة إلى ضخ دماء جديدة لتدارك ما اضاعته حكومات ما بعد الثورة من إصلاحات كانت على صعوبتها ممكنة في ظل الزخم الثوري الذي أفرزته الثورة في بداياتها.
ماذا وراء محاولات توحيد المعارضة الديمقراطية الاجتماعية ؟هل تعتقدون أنها الحل ؟
- هي فكرة قديمة لم يكتب لها النجاح لكن بعد الانتخابات والنتائج التي أفرزتها يبدو أن الجميع قد استوعب الدرس وأصبح هذا الاتحاد ضرورة بل يمكن القول انه كان على هذه الأحزاب أن تكون متحدة لا فقط بعد الثورة بل أيضاً قبلها خاصة أن الخصم كان وقتها واحدا وواضحا للجميع. إذن اليوم بعد تجارب مريرة أصبح واضحا أن هذه الاحزاب يجب أن تتحد حتى تكون فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي وحتى تتفادى الهزيمة الكارثية في الانتخابات الاخيرة التي أدت إلى سحق تام للأحزاب الديمقراطية الاجتماعية وبروز جبهة يمينية متكونة أساسا من «النهضة» و«النداء» في مقابل انعدام جبهة مقابلة تحدث التوازن وذلك رغم تواجد «الجبهة الشعبية» التي يبقى وزنها ضعيفا. إذن المحصلة هي أن الطبقات الوسطى اليوم أصبحت تقريبا غير ممثلة لا في الحكومة ولا في المعارضة.
الحل إذن في التوحد ونحن في «التحالف» لا نرى الحل في جبهة بل ذهبنا إلى ابعد من ذلك حيث اقررنا في مجلسنا الوطني الأخير مهمة أساسية وحيدة كلفت هيئة تنفيذية جديدة بالعمل على تنفيذها وهي العمل على تأسيس كيان حزبي جديد يمثل التوجه الديمقراطي الاجتماعي ينصهر فيه حزب «التحالف» مع احزاب وشخصيات مستقلة اخرى، فالجبهة تبقى اضعف الإيمان في الوقت الراهن في حين أن الحل في نظرنا هو أن تكون لدينا الشجاعة والإرادة الكافية لإنجاز هذا المشروع وهو أكبر من جبهة سياسية وحتى من جبهة انتخابية.
وجود بعض الوجوه التي ترمز إلى «الترويكا» في هذه الكتلة التي ترومون تكوينها هل هو في صالح هذا التحالف المزعوم ؟
- ليس المشكل في الوجوه التي عرفت في وسائل الإعلام وحسبت على هذا الطرف أو ذاك فما وقع في السابق هو عملية تقسيم للشعب التونسي وفق أسس غير موضوعية وبالتالي لا يجب التركيز عليها وأخذها بعين الاعتبار لبناء الكيان السياسي الجديد.
نحن في «التحالف الديمقراطي» أصدرنا بيانا اثر الانتخابات وقيمنا فيه الوضع وأكدنا أن التشرذم في العائلة الديمقراطية كان من أهم أسباب الهزيمة وأضفنا أن المطلوب، إلى جانب التوحد، هو أن يقع أيضاً تجديد القيادة لبث روح جديدة وأفكار وأساليب مختلفة وتغيير الصورة التي لم يعد يثق فيها المواطن. فمع الأسف بعد الثورة هذه القيادات التاريخية لم تحسن استثمار رصيدها النضالي الذي راكمته بتضحيات سنين طويلة قضتها في مقارعة الاستبداد فقاموا مع الأسف بأخطاء سياسية أوصلتنا وأوصلت البلاد لما هي عليه اليوم ففقدوا ثقة الناس الذين أصبحوا، رغم التقدير والاحترام لتاريخهم المشرف، لا يرون أنهم قادرون اليوم على بعث الأمل من جديد وتقديم الحلول اللازمة للبلاد.
ما هي الضمانات التي يمكن أن تجعل عمل هذه الجبهة ناجعا اذا وصلت يوما الى السلطة؟
قبل الحديث عن الوصول للسلطة يجب التركيز على شروط النجاح في التأسيس أولا ثم شروط البقاء والتطور. فمن شروط النجاح لدى أي حزب أولا أن تكون له رؤية أو حلم يحرك المشاعر ويبعث الحماس في القلوب، هذا الحلم يجب أن يتبلور في شكل مشروع محسوس وقابل للتحقيق ثم توضع له استراتيجية واضحة وبخطوط عريضة للمدى المتوسط والبعيد، في شكل خطة عمل دقيقة وبأهداف وآجال محددة الخ. حين توجد هذه الخطة وخارطة الطريق يمكن أن نمر الى مرحلة التنفيذ. مع الأسف ما وقع بعد الثورة هو أن هذا التمشي كان دائماً مفقودا وكانت الأحزاب، ومنها «التحالف الديمقراطي»، فقط تتفاعل مع الأحداث يوما بيوم أي مجرد ردود أفعال آنية غير مبنية على خطة واضحة وبالتالي غلب عليها الارتجال وقلة الحرفية ومن هنا جاءت الأخطاء التي أدت إلى الهزيمة.
اضافة إلى ذلك ولتحقيق النجاح المطلوب ولبناء حزب قادر على الصمود والبقاء يجب أن تتوفر فيه ثلاثة عناصر أساسية. أولا، المضمون الذي ينقسم إلى جزءين، الأرضية الفكرية التي تحدد أسس المشروع حتى يجتمع حولها المناضلون وينتج عنها ما يسميه إبن خلدون «العصبية» وتضمن للمشروع العمق والصلابة اللازمين. أما الجزء الثاني من المضمون فهو ترجمة هذه الأرضية الفكرية إلى برامج تقدم حلولا لمشاكل الناس بدءا بالحاجات الأساسية كلقمة العيش والأمن وصولا إلى تحقيق طموحهم لبناء دولة عصرية ومتقدمة.
أما العنصر الثاني فهو بناء الهيكل التنظيمي الذي يحدد آليات اتخاذ القرار بطريقة ديمقراطية شفافة وناجعة تضمن تشريك كل مناضلي الحزب في أخذ تلك القرارات سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة عبر الهياكل القيادية للحزب. هذه الآلة التنظيمية هي أيضاً التي ستمكن الحزب من الانتشار والوصول للمواطنين للتواصل معهم سواء للاستماع لهم أو لإيصال برامج الحزب إليهم وإقناعهم بها. الآلة التنظيمية هي أيضاً التي ستمكن الحزب من توفير الموارد المالية التي يحتاجها دون الارتهان للمال السياسي المشبوه.
أما العنصر الثالث فهم الناس الذين سيقومون بكل هذا وسينفذون هذا المشروع إذ يجب أن تتوفر فيهم شروط الكفاءة والقدرة على البناء وأيضاً الوطنية والصدق.
- هذه العناصر الثلاثة هي ضرورية لكن للأسف لم نصل الى تجسميها واقعا وظلت في مجملها غائبة. فأغلب الأحزاب الديمقراطية، و«التحالف الديمقراطي» أحدها، رفعت شعار أنها أحزاب برامج فأهملت الجانب الفكري في مشروعها والذي كان سيمنحها العمق اللازم وفي نفس الوقت فشلت في تقديم برامج لأنها كانت تعمل دون خطة هذا طبعا إلى جانب غياب البناء التنظيمي الصلب وما انجر عنه من تشتت المجهود وغياب الموارد، وأخيرا ولأسباب تاريخية جعلت الخصال الأساسية في مناضلي هذه الأحزاب هي أساسا الصمود والاستبسال والتضحية في حين لم يكن هناك مناضلون بأعداد كبيرة وكافية تضيف إلى هذه الخصال القدرة على البناء وهو ما كان مطلوبا بعد الثورة وبعد النجاح في الإطاحة بالدكتاتورية.
التحالف يوصف بأنه حزب معتدل ليس له مواقف واضحة وبأن هذا كان سبب فشله في الانتخابات. هل ستغيرون من هذا الأسلوب لضمان شروط النجاح؟
- أما في ما يتعلق بتهمة الاعتدال التي نسبت الى «التحالف الديمقراطي» سابقا بكونه يفتقر الى المواقف فهذا قد يكون ساهم في هزيمتنا ولكن ليس لكونه خيارا سياسيا خاطئا ولكن في اعتقادي لأننا لم نحسن أو لم يكن لنا القدرة التنظيمية للتسويق له كما يجب. فنحن لا نريد أن نستعمل «اللا إعتدال» أو اللاّتوافق فقط للفوز في الانتخابات فنساهم في تقسيم الشعب التونسي تقسيما خطيرا ثم بعد الفوز نتراجع ويصبح التوافق عنوان المرحلة فنساهم هذه المرة في خلط الأمور على الشعب التونسي حتى يفقد ثقته في السياسيين وخطابهم وهذا أيضاً خطير جداً لأنه يفتح الباب أمام الاستبداد. نحن أردنا التوافق منذ البداية وقبل الانتخابات واخترنا أن لا نستعمل اللا توافق كأصل تجاري فقط للفوز في الانتخابات.
ماذا عن تورط احزاب وجمعيات في المال السياسي ؟
هذا موجود أكيد. العلة تكمن أساسا في أن النظام القديم خلق فراغا كبيرا حوله ليضمن بقاءه وعندما انهار كانت هناك فوضى قد تكون سهلت وصول هذا المال السياسي للجمعيات والأحزاب ثم إن الاطراف التي قادت مرحلة ما بعد الثورة لم تتمكن من التصدي لهذا إما لغياب الكفاءة أو لغياب الإرادة اللازمة. الجنوح نحو الفساد والانحراف جزء من الطبيعة البشرية إذا لم يكن هناك رادع. فالمدينة الفاضلة غير موجودة على أرض الواقع لذلك تبقى المؤسسات هي الضامن الوحيد وهي صمام الأمان ضد الفساد لكنها كانت ومازالت غير موجودة.
وحتى اليوم، ورغم أن الدستور الجديد حدد الأسس التي ستبنى عليها هذه المؤسسات فإن ما نراه هو التلكؤ والتباطؤ في ترجمة أحكام الدستور إلى واقع.
أيضاً العقليات بدورها غير جاهزة لأنها تحمل جينات العقلية السابقة فحين يكون رأس النظام فاسدا فذلك لا يمكن إلا أن يؤثر سلبا على كامل المجتمع وما نراه اليوم هو درجة مفزعة من الانحطاط الاخلاقي التي تستوجب وقفة كبيرة ومرة أخرى أقول أضعنا الزخم الثوري الذي كان يمكن من القيام بتغييرات جذرية والأمل الوحيد اليوم هو التسريع ببناء المؤسسات الديمقراطية والبدء في القيام بإصلاحات عميقة وشجاعة.
كيف تنظرون الى معضلة التهريب الضريبي في حين يرزح «الزوالي» تحت عتبات الفقر وبات مهدّدا بإجراءات «موجعة»؟
- تونس تمرّ فعلا بصعوبات اقتصادية كبيرة وبالتالي قد لا يكون هناك مفر من إجراءات موجعة لكن أن تتحملها الطبقات الاضعف في المجتمع وحدها فهذا غير مقبول بالمرة فالمطلوب أن يتقاسم الجميع هذا الحمل الثقيل وأساسا الطبقات المترفهة قبل أي طرف آخر. ما يقع اليوم في الاعلام هو التسويق فقط للوضع الاقتصادي الكارثي وأخشى أن يكون ذلك خطوة نحو تبرير «الاجراءات الموجعة» دون الحديث عن حلول أخرى أقل وطأة على الطبقات الضعيفة كالقيام بإصلاحات جبائية تكون أكثر عدلا. أنا اوافق الحكومة أن الوضع الاقتصادي صعب للغاية لكن من غير المنطقي أن تتحمّل «الاجراءات الموجعة» الطبقات الضعيفة والمتوسطة دون مقاومة الفساد والتهرب الضريبي ودون عدالة جبائية. اليوم في تونس تم تفقير الطبقات الوسطى بطريقة مفزعة ثم يتساءلون عن سر هذه الاحتجاجات المتواصلة. ألم يكن ذلك سببا في اندلاع ثورة 2011؟ هل يعقل أن نواصل على نفس النهج؟ ما اقوله وانه من مصلحة رجال الاعمال أنفسهم أن يتحسن مستوى الطبقات الوسطى وليس العكس وإلا فإن الخسارة ستشمل الجميع لأن الاستقرار الاجتماعي ضروري للاستثمار الذي سيجلب لهم الربح، والطبقة الوسطى هي اليد العاملة التي تشتغل وتنتج وهي أيضاً في آخر الأمر السوق التي ستباع فيها منتجاتهم كي يتحقق الربح. الطبقة الوسطى هي صمام الأمان والضامن للاستقرار لأي مجتمع.
وماذا عن التداين المتواصل ؟
هذا خطير جدا لأننا سنصل إلى ما لا نهاية له من القروض وبدون انتاج لن نتمكن من خلاص تلك الديون ولا حتى تسديد فوائدها وسندخل في حلقة مفرغة وتتراكم الديون ككرة الثلج ليحدث لنا ما حدث لليونان. قبل اللجوء للتداين هناك حلول اخرى يمكن اللجوء إليها وهي أساسا محاربة الفساد ومحاربة التهرب الضريبي واسترجاع الاموال المنهوبة وأيضاً القيام بإصلاحات جبائية عادلة. هذا يمكن أن يوفر مصادر تمويل مهمة للدولة ولكن أيضاً سيخلق مناخا أفضل للعمل فيتحسن الإنتاج وأيضا سيخفف من المطلبية ويخفف من الاحتجاجات وبالتالي ستنقص الحاجة للترفيع في الأجور خاصة، وهذا مؤسف، أن جزءا هاما من هذه الديون سيذهب لتغطية الزيادات في الأجور. أعتقد أن المواطن حين يشعر أن هناك عدلا في توزيع أعباء هذه المرحلة فإن المطلبية ستتقلص بنسبة كبيرة. ثم إن تواصل التداين يحيلنا الى التساؤل في ما ستستعمل الدولة هذه القروض: هل في تنفيذ برنامج فعلي وخلق فرص انتاج حقيقية؟ الاجابة قطعا لا فهي على ما يبدو قروض لتصريف اعمال الدولة وتغطية الزيادات في الأجور في محاولة للسيطرة على الاستياء والاحتجاجات الاجتماعية. والادهى ان الحكومة تعتبر الحصول على هذه القروض بمثابة الانجاز والنجاح الباهر دون ان تأخذ في اعتباراتها انها بذلك ترتهن مصير البلاد وسيادتها الوطنية وكلنا يسترجع تاريخيا سبب استعمار تونس.
مع العلم ان سياسة التداين ليست جديدة بل هي بدأت منذ حكومة «النهضة» وتقريبا لنفس الأسباب ونفس الأسلوب الذي تتبعه حكومة «النداء» اليوم. وللتنويه فإن نظام بن علي أيضاً انتهج سياسة التداين لكن نسبة التداين بقيت في حدود معقولة اقتصاديا ولكن ليس بفضل سياسات أكثر حكمة ونجاعة بل لأنه اختار نهج بيع مؤسسات الدولة وهذا ولئن دل على شيء فهو يدل على ان منوال التنمية كان خاطئا والسياسات المتبعة أثبتت الأحداث أنها كانت فاشلة ومفلسة.
ما تعليقك على التصريح الأخير لياسين ابراهيم ؟
- هو تصريح غير مقبول وأتمنى أن يكون خطأ في التعبير لا غير. فالأكيد في السياسة أن الاجنبي لا يعطي النصيحة لله عملا بالمثل الشعبي «إذا نصحك الاجنبي فشطر النصيحة ليه، أو ربما أكثر!». نحن طبعا لا نمانع بل نطلب أن يساعدنا أصدقاؤنا، بالاستثمار مثلا، وعلاقتنا يجب أن تكون جيدة مع كل أصدقائنا بما في ذلك الاتحاد الأوروبي لكن هذه المساعدة لا يجب أن تصل حد التدخل في مخططاتنا الاقتصادية إذ يجب أن نحافظ على سيادتنا الوطنية واستقلال قرارنا مهما كان وضعنا صعبا وهذه مسائل على رمزيتها هي أيضاً مسائل أساسية ومصيرية ولا تحتمل المساومة ولا حتى التنسيب.
ماذا جنى «التوانسة» من آلية التصويت المفيد ؟
- التصويت المفيد صنع للتصدي ل «النهضة» وما يسمى بخطر الاسلام السياسي والإرهاب الخ. لكنه في نفس الوقت خلق أيضاً تصويتا مفيدا غير مباشر لصالح «النهضة» التي رغم فشلها الكبير في الحكم وحالة الاستياء الكبيرة ضدها فهي لم تخسر كثيرا في الانتخابات رغم خسارتها المرتبة الأولى بل ها نحن نراها اليوم تشارك في الحكم الذي هدف التصويت المفيد لإزاحتها منه. هذا التصويت المفيد خلق حزبين كبيرين أحدهما بني على أسس غير صلبة وتبين قبيل الانتخابات ثم وخاصة بعدها أنه غير متماسك وقد يكون مجرد فقاعة وهو إذن مهدد بخطر الانهيار في اية لحظة. وبالتالي قد يكون هذا فتح المجال لاكتساح حزب «النهضة» مرة اخرى للانتخابات القادمة دون أن يجد حزبا آخر قويا يحدث التوازن باعتبار أن الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية تم محقها بسبب هذه الآلية التي وقع التسويق لها على أساس أنها تصويتا مفيدا. ولا استبعد انتخابات مبكرة قبل أوانها على ضوء هذه المعطيات.
نحن في التحالف رفعنا شعارا نقول فيه «لا تصوت لتهدم ما تكره، فصوتك أجدى أن تبني به ما تحب». أرجو أن نكون اقتنعنا كتونسيين أن عقلية البناء هي أسلم وأنجع من عقلية الهدم.
كل موظف عمومي يضرب يحال على التقاعد وينتدب مكانه عاطل عن العمل هل نحتاج إلى قرار كهذا لتأطير الاضرابات وحماية المصلحة الوطنية ؟ماذا نحتاج في تونس ؟
لابد ان نكون بداية واعين ان الدستور يضمن حق الاضراب ومن موقع مبدئي الحق في الإضراب هو مكسب لا يجب التنازل عنه تحت أية ذريعة كانت لأنه أحد عناصر المناعة لهذا الوطن. لكن التساؤل الذي يفرض نفسه هل ان طرد المضرب وتعويضه بعاطل يمكن أن يكون الحل؟ هل هناك ضمانات فعلية ان المعوض –أي العاطل –قادر على تقديم نفس المردودية بالنظر إلى الفرق في الخبرة؟ وهل هناك ضمانات أن هذا المعوض لن يضرب هو الآخر بعد حين إذا لم تعالج الأسباب الأصلية للإضرابات؟ ومن لا يضرب فقط خوفا من الطرد، هل هناك ضمانات أنه حين يعمل تحت سيف هذه الآلية الردعية سيكون له نفس المردود ونفس الإنتاج؟ الحل إذن لا يمكن ان يكون بالطرد بل الحل يكمن في خلق الامل وتوضيح الرؤية واقناع المضرب انه ليس هو فقط من يتحمل رداءة الأوضاع وتبعات الظروف الاقتصادية كما قلت سابقا. فعلى الحكومة ان توضح توجهاتها وتبعث الأمل والطمأنينة والثقة فيها لا ان تقف موقف المشاهد العاجز عن الحل. وهذا التذبذب والتردد والعجز أجده في الحقيقة نتيجة طبيعية لحكومة «ملفقة» تفتقر للرؤى والبرامج المشتركة ورئيس الحكومة ضعيف يفتقر للشرعية الانتخابية التي تمنحه القوة اللازمة أمام الشعب وأمام أعضاء حكومته لأنه ليس من الحزب الفائز وما وجوده في هذا المنصب الا رهين رضاء هذا الحزب عنه -وهذا يفند حجة الاستقلالية التي قيل إنها تميزه- والحزب الأول كان قدم وعودا في الحملة الانتخابية لم يجسمها وظلت مجرد وعود ومن المنطقي إذن ان تكون ردة الفعل ازاء ذلك هي هذه الاحتجاجات. فقد مرت تقريبا المائة يوم الأولى دون نتائج ملموسة بل قضى الوزراء جزءا هاما منها وهم يبحثون عن خمس أولويات لوزاراتهم. هذه الأولويات حددها كل وزير بمعزل عن البقية ما يعكس غياب الرؤية المشتركة لهذه الحكومة ناهيك أن الأحزاب الحاكمة تفطنت بعد أكثر من شهرين الى أنه قد يكون من الصالح أن تجتمع لتنسق في ما بينها!
إذن والحال تلك وأمام ضبابية الرؤية وانعدام الثقة والقلق على المستقبل فإن قوانين الطبيعة البشرية تفرض مع الأسف أن «كل واحد باش يجبد ليه».
هل هو اعفاء ضمني لاتحاد الشغل من المسؤولية ؟
- نحن لنا تحفظات على بعض مواقف الإتحاد وأسلوبه لكن في نفس الوقت نرى أنه يحاول ان يؤطر هذه الاحتجاجات ويسيطر عليها على الاقل. هناك طرف يفاوض الحكومة أما أن نحمله المسؤولية وتقع شيطنته فهذا غير معقول بالعكس هناك أسباب موضوعية وتراكمات أدت الى هذه الاحتجاجات لا ناقة ولا جمل للاتحاد فيها. علينا ألاّ نجعل منه «كبش فداء» خاصة ان الاحزاب الاجتماعية غائبة. اتحاد الشغل هو الوحيد اليوم الكفيل والضامن بألاّ تتحول هذه الاضرابات الى اضرابات عشوائية وعامة قد تؤدي إلى ثورة ثانية قد تأتي على الاخضر واليابس.
ما رأيك في «حنين» البعض لأيام بن علي اثر تدهور الأوضاع ؟
- هذا أمر محزن حقاً ومؤسف أن يسوق البعض إلى أن الشعب التونسي «ندم» على هذه الثورة لأن الثورة لم تكن خيارا لدى الشعب التونسي حتى يندم عليه. فانهيار نظام بن علي هو نتيجة منطقية لفساده وسياساته ولخياراته الفاشلة .ومنظومته هي التي أدت إلى فشله والتي نتحمل تبعاتها إلى اليوم لأنها تركت البلاد بلا مناعة ودون دفاعات قوية.
لكن رغم ذلك دعنا نجيب على السؤال، هل أن وضع التونسيين كان أفضل؟ اغلب ندم هؤلاء المتأسفين مرده أساسا الوضع الامني والاقتصادي الذي يعتبرونه كان افضل بكثير من الوضع بعد الثورة.
اقتصاديا الانهيار الاقتصادي بدأ في عهد بن علي بسبب منوال التنمية المتبع والذي بدأ يترهل خاصة مع استفحال درجات الفساد والعفن في هذا الاقتصاد فعجز عن مجابهة تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت سنة 2008 فجاءت أحداث الحوض المنجمي لتعبر عن ذلك ثم طبعا الثورة نفسها بعد ذلك فكانت مهمة حكومات ما بعد الثورة إيقاف هذا الانهيار لكنها فشلت في ذلك، بسبب قلة الكفاءة، لكن أيضاً بسبب قوة الانحدار الذي ما كان ليقع التصدي له بسهولة.
اما امنيا فالإرهاب انطلق منذ ايام بن علي و«احداث سليمان» خير دليل على ذلك وكانت إيذانا ببدء حقبة جديدة بدأ التحضير لها في المشرق منذ سنوات بما في ذلك العملية الإرهابية في جربة سنة 2001. واليوم هناك تطورات كبيرة على الصعيد الاقليمي فليبيا منهارة تماماً فأصبحت سوق سلاح مفتوح على مصراعيه ومعسكرات تدريب وهذا لا يقارن البتة مع ما حصل في الجزائر في فترة التسعينات لأن الدولة وقتها كانت قائمة وجيشها موجود وقوي. فضلا عن الحروب في كل من مالي وسوريا واليمن والصعود الصاروخي ل «داعش» الذي لم يعد مجرد تنظيم بل هو دولة قائمة الذات لها قدرات تمويل كبيرة ووسائل استقطاب مهولة تستعمل فيها أحدث وسائل الاتصال التي لم تكن موجودة منذ بضعة سنوات ... وبالتالي حتى لو بقي بن علي فلن نكون في مأمن من الارهاب اليوم بل بالعكس فإن الالتفاف الشعبي ضد الارهاب لن يكن بالقوة التي نراها اليوم ولكانت نظرية المؤامرة ستلقى رواجا كبيرا بسبب الشكوك وانعدام الثقة في ذلك النظام مما يجعل المجتمع أكثر عرضة لتغلغل سرطان التطرف فيه وبالتالي يجعل البلاد مكشوفة أكثر للإرهاب.
أيضاً جزء مما يحدث اليوم هو نتيجة لتراكمات سابقة وأخطاء استراتيجية كبيرة في التعامل مع هذا الورم الذي بدأ يكبر ويترعرع تدريجيا لكن بثبات. فعقيدة الارهابيين تكونت على مر كل هذه السنين واليوم بلغت مرحلة النضج في حين أن نظام بن علي تعامل معها فقط أمنيا ففشل في إيقاف تطورها بل ساعدها على ذلك.
ففترة التسعينات شهدت انضمام العديد من التونسيين تباعا للفكر الجهادي العنيف والقاعدة أساسا وتشبعوا بهذا الفكر التكفيري وأصبح بعضهم من القيادات الميدانية واكتسبوا خبرة قتالية هامة حتى وقع اعتقال العشرات منهم بعد اجتياح أفغانستان وتسليمهم للسلطات التونسية. هذا تزامن مع تطبيق نظام بن علي لقانون الإرهاب 2003 واعتقاله بطريقة عشوائية لمئات الشباب الطائش والذي بدأ يتحسس طريقه نحو التطرف فمثل السجن مكاناً ممتازا ليلتقوا مع رموز القاعدة القادمين من إفغانستان (أبو عياض مثلا والكثير من الأسماء التي نسمع عنها اليوم من قيادات أنصار الشريعة) وليتتلمذوا على أيديهم ويصبحوا قنابل موقوتة نعاني تبعاتها اليوم.
صحيح أن «الترويكا» تتحمل جزءا من المسؤولية خاصة على مستوى التساهل في التعامل مع الإرهابيين وتسهيل تحولهم إلى سوريا لكن الحلول الأمنية المفلسة بالإضافة للتصحر الثقافي الذي خلفه بن علي كان وراء نجاح دمغجة الشبان وغسل دماغهم بتلك السهولة التي جعلت المقاتلين التونسيين في صفوف «داعش» من أكثر الجنسيات عددا.
«حراك شعب» المواطنين الذي اسسه الدكتور المرزوقي هل تراه قادر على التواجد في الساحة السياسية وتقديم الحلول؟
- «حراك شعب المواطنين» لا ارى فيه شخصيا الحل لتونس فهو يقوم في نسبة عالية منه على قواعد «النهضة» التي اختارت أن تصوت للمرزوقي في الرئاسية أي ليس على جمهور التوجه الديمقراطي الاجتماعي، وخطابه شعبوي لا يقدم حلولا للبلاد على غرار التسمية التي تبعث على التساؤل والاستغراب وكأنه يتوجه الى فئة معينة من الشعب فيختزل فيها صفة المواطنين وينزعها عن التونسيين الذين لم يصوتوا للمرزوقي وهذا تقسيم آخر للتونسيين، بعد تقسيمنا لكفار ومسلمين، وهذا مرفوض في رأيي وهو توجه لا يمكن أن يؤسس لمستقبل أفضل لتونس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.