على إثر إطلاع مجلس هيئة الحقيقة والكرامة على مشروع القانون الأساسي المتعلق « بالإجراءات الخاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي»، موضوع المبادرة التشريعية الصادرة عن رئاسة الجمهورية والتي صادق عليها مجلس الوزراء بتاريخ 14 جويلية 2015 ، أعتبر المجلس أن العدالة الانتقالية مسار متكامل ومترابط من الآليات المؤدّية لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الانسان في مفهومها الشامل، من خلال كشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر ضرر الضحايا، ورد الاعتبار لهم، بما يرسي ضمانات عدم التكرار، ويساهم في اصلاح المؤسسات والتشاريع ويحقق المصالحة الوطنية المنشودة ويدعم في بناء دولة القانون، وذلك وفقا للمبادئ والمعايير الدولية المتفق عليها. كما أكد المجلس على أن إرساء منظومة العدالة الانتقالية في تونس بموجب القانون الأساسي عدد53 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 هو استحقاق من استحقاقات ثورة الحرية والكرامة التي قامت أساسا على مقاومة الفساد والاستبداد، والتخلص من منظومتي الفساد والاستبداد، مشددا على انه استحقاق وضمانة من ضمانات الانتقال الديمقراطي السليم تم التنصيص عليه بدستور 2014 سواء بتوطأته أو بأحكامه الانتقالية، وخاصة منها النقطة التاسعة من الفصل 148 والتي ألزمت الدولة ” بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدّة الزمنية المحدّدة بالتشريع المتعلّق به. كما نبه المجلس، إثر إجتماعه إلى أن مشروع قانون المصالحة موضوع المبادرة التشريعية المذكورة، أفرغ منظومة العدالة الانتقالية من محتواها وأدى إلى التخلّي عن أهم آلياتها في كشف الحقيقة والمساءلة و التحكيم والمصالحة واصلاح المؤسسات لضمان عدم التكرار، وأكد على أن هذا المشروع يضمن الافلات من العقاب لمرتكبي أفعال وجرائم تتعلّق بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام. واستغرب المجلس إعداد قانون المصالحة المذكور دون استشارة أيّة من المؤسّسات والهياكل القائمة ذات العلاقة بموضوعه وخاصة منها هيئة الحقيقة والكرامة، منبها إلى أنه تم التنصيص به على مشاركة أعضاء الهيئة في تركيبة لجنة التحكيم المقترحة في حدود الثلث، وهو خيار علاوة على عدم وجاهته من الناحية القانونية ملاحظا أنه يتناقض مع صفة أعضاء الهيئة باعتبارهم منتخبين ضمن جهاز مستقل، ويشكّل ازدواجا في المهام والوظائف مع لجنة التحكيم والمصالحة المحدثة صلب هيئة الحقيقة والكرامة بموجب نص قانوني سابق الوضع، حسب ما أورده المجلس. واعتبر مجلس هيئة الحقيقة والكرامة أن المشروع يتعارض مع أحكام الدستور، ويهمل قواعد النظام العام الدستوري، إضافة إلى أنه لا يتماشى مع التزامات الدّولة التونسية في مجال مكافحة الفساد وانفاذ القوانين الواقية منه على غرار الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها تونس، كما نبه إلى أن أحكامه لا تضمن حيادية واستقلالية لجنة التحكيم المقترحة باعتبارها لجنة إدارية بحتة تخضع لتبعيّة ثنائيّة للجهاز التنفيذي من حيث التركيبة والإشراف، باعتبار أن آلية التحكيم والمصالحة في قضايا الفساد المالي والجرائم الاقتصادية من مهام لجنة التحكيم والمصالحة التابعة لهيئة الحقيقة والكرامة. واعتبرت هيئة الحقيقة والكرامة أن تهيئة مناخ ملائم للأعمال والاستثمار في البلاد تتطلب اطلاق استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد والتوقّي منه ولا يمكن البتّة اختزاله في معالجة ملفات مخصوصة للأفراد المتورطين في الانتهاكات المالية والاعتداء على المال العام. كما نبهت إلى أن التنمية الاقتصادية الحقيقية تتطلب إصلاح التشاريع والمؤسسات التي ساهمت في تكريس منظومة الفساد وفي تخريب الاقتصاد الوطني طيلة كامل الفترة المشمولة بقانون العدالة الانتقالية. كما اعتبرت هيئة الحقيقة والكرامة أن ما ورد ب«مشروع المصالحة» يمثل رسالة سلبية للمستثمرين الوطنيين والأجانب ولكل الدول والمؤسسات المالية العالمية التي تشترط توفّر مناخ ملائم خال من الفساد المالي والاداري يقوم على علويّة القانون واستقلال القضاء.