«شاب يعتدي على والدته بالعنف الشديد ويتسبّب لها في كسر بيدها وساقها ...يقتل والدته من أجل المال .... يعتدي على جدته بالعنف ... يعنّف والده من أجل الرزق أو الإرث ... ابن متهم بالاعتداء على والدته من أجل تزويده بالمال ... فتاة اعتدت على والدتها واستولت على مصوغها ... إمرأة تعتدي على والدتها المسنة ... مدمن مخدرات يعتدي على والدته و يرميها من أعلى الدرج بسبب الميراث » قضايا أصبحت تعج بها محاكمنا التونسية، حيث عرفت قضايا الاعتداء على الأصول انتشارا فاق الحدود والمعقول، ولم يعد الاعتداء يقتصر على الضرب و الشتم فحسب بل وصل إلى حد القتل، حقائق نعيشها في واقعنا المر الذي أصبح يعامل به شبابنا أوصولهم ، وحسب ما أكدته الإحصائيات فإن الأمهات هن الأكثر تعرضا للعنف من قبل الفروع. وقد وضع القانون التونسي ترسانة ضخمة من القوانين التي تهم هذا الجانب، حيث كان الهدف الأساسي تنظيم سلوك الافراد والمجتمعات في جانب مهم منها انطلاقا من طبيعتها الاخلاقية وتأثرها من جهة اخرى بالقواعد الدينية، حيث نظم العلاقات التي تحكم السلف بالخلف أو بعبارة أخرى العلاقة بين الآباء والأبناء ورتب على السلوكات الشاذة التي يمكن أن تصدر عن الأبناء جزاءات متعددة فحرّم بذلك كل اعتداء يتسلط على الوالدين، ووضع عقابا على هذه الأفعال المشينة. وفي هذا السياق انتهجت احكام المجلة الجزائية في تونس نهجا متشددا وصارما في التصدي لظاهرة الاعتداء بالعنف، حيث نصّ الفصل 218 من المجلة الجزائية منذ تنقيحه بالقانون عدد 72 لسنة 1993 المؤرخ في 12 جويلية 1993 والمتعلّق بتنقيح وإتمام بعض الفصول من المجلة الجزائية على أنّ «من يتعمّد إحداث جروح أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف ولم تكن داخلة فيما هو مقرّر بالفصل 319 يعاقب بالسجن مدّة عام وبخطية قدرها ألف دينار. وإذا كان المعتدي خلفا للمعتدى عليه أو زوجا له، يكون العقاب بالسجن مدّة عامين وبخطية قدرها ألفا دينار. ويكون العقاب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار في صورة تقدم إضمار الفعل. وإسقاط السلف أو الزوج المعتدى عليه حقه يوقف التتبعات أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب. والمحاولة موجبة للعقاب». كما أضيفت بموجب التنقيح المذكور إلى الفصل 319 من المجلة الجزائية المتعلّق بالعنف الخفيف فقرة ثانية هذا نصّها: «... وإذا كان المعتدى عليه سلفا للمعتدي أو زوجا له، فإسقاط حقه يوقف التتبعات أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب». هكذا يمكن تتبّع الابن العاق الذي اعتدى بالعنف على أحد والديه بمجرّد رفع شكاية شفوية إلى أقرب مركز أمن، أو بموجب شكاية مكتوبة إلى وكيل الجمهورية تأسيسا على أحكام الفصلين المذكورين. ويبقى مصير الابن العاق متوقّفا على إرادة أحد والديه المعتدى عليه، إن شاء طلب معاقبته، وإن أراد صفح عنه وأسقط حقّه في تتبّعه جزائيا، وذلك حرصا من المشرع التونسي على المحافظة على الروابط الأسرية، ولذلك مكّن السلف أي الأب أو الأم من التحكم في الدعوى العمومية وهو توجه كرّسه المشرع من خلال ما نصّت عليه الفقرة الرابعة من الفصل 218 من المجلة الجزائية المنقحة بالقانون عدد 72 لسنة 1993 المؤرخ في 12 جويلية 1993 من أن « اسقاط السلف المعتدى عليه حقه يوقف التتبعات او المحاكمة أو تنفيذ العقاب ». وما يجدر ذكره أنه في حالة أدّى اعتداء أحد الأبناء الى سقوط أو عجز مستمر أو قطع عضو من البدن أو جزء منه او انعدام النفع به أو تشويه بالوجه، فإن إسقاط الأب أو الأم المتضررة يصبح دون تأثير، حيث يستمر التتبع والمحاكمة وتنفيذ العقاب الذي يصل الى 12 سنة وفق ما نصت عليه مقتضيات الفصل 219 من المجلة الجزائية، والذي نقح بالقانون عدد 34 لسنة 1964 المؤرخ في 2 جويلية 1964 وبالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989، والذي أقر صراحة أنه «إذا تسبّب عن أنواع العنف المقرّرة آنفا قطع عضو من البدن أو جزء منه أو انعدام النفع به أو تشويه بالوجه أو سقوط أو عجز مستمر ولم تتجاوز درجة السقوط أو العجز العشرين في المائة فالمجرم يعاقب بالسجن لمدة خمسة أعوام، ويكون العقاب بالسجن مدة ستة أعوام إذا تجاوزت درجة السقوط أو العجز الناتج عن الاعتداءات المذكورة العشرين في المائة، ويرفع العقاب إلى اثني عشر عاما إذا كان المجرم خلفا للمعتدى عليه مهما كانت درجة السقوط ولو في صورة إسقاط الدعوى»، أما إن نتج عن الاعتداء القتل، فإن العقاب يصل إلى الإعدام، على معنى الفصل 203 من المجلة الجزائية.