التونسية (تونس) أكد قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري ل«التونسية»، أن مشروع قانون المصالحة الوطنية يتعارض مع الدستور التونسي، في العديد من أحكامه، بما فيها مقتضيات الفقرة 9 من الفصل 148، الوارد تحت عنوان الأحكام الإنتقالية، حيث أوضح سعيد أن هذه الفقرة اقتضت التزام الدولة بتطبيق منظومة العدالة الإنتقالية في جميع مجالاتها، والمدة الزمنية المحددة للتشريع المتعلق بها، معتبرا انه تم تنزيل هذه المنظومة، بمقتضى هذا الحكم الدستوري، منزلة دستورية، مضيفا «المدة الزمنية المحددة لها، صارت لها بدورها منزلة دستورية، علما أن العدالة الانتقالية تم إرساؤها قبل وضع الدستور، وتقوم على مبادئ واضحة، وهي المساءلة، ثم المحاسبة، ثم بعد ذلك المصالحة، كما أن المدة لا تتعلق بعمل الهيئة التي تم إنشاؤها، وهي «هيئة الحقيقة والكرامة»، بل تنسحب على المدة التي ستشملها العدالة الإنتقالية». ونبه سعيّد إلى أن مشروع المصالحة الوطنية يتعارض مع مقتضيات الفصل 110 من الدستور، «الذي منع، إحداث محاكم استثنائية كما منع سنّ إجراءات إستثنائية من شأنها المساس بمبادئ المحاكمة العادلة مشيرا إلى أنّ ما ورد في نص المشروع هو اجراءات استثنائية تتعارض مع هذا الحكم الدستوري. وقال سعيد إنّ الهيئة التي نص القانون على إنشائها للنظر في مطالب المصالحة لا يمكن أن تعتبر هيئة قضائية، لا من جهة تركيبتها، ولا من جهة وظيفتها، ولا من جهة الإجراءات المتبعة أمامها، معتبرا إياها هيئة إدارية. ونبه إلى أن مشروع القانون نص على نزع القضايا من أمام «هيئة الحقيقة والكرامة»، وخاصة هيئة التحكيم والمصالحة، وإسناد النظر فيها إلى هذه الهيئة، معتبرا ذلك مخالفا ومتعارضا مع مبدإ الفصل بين السلط الذي نصت عليه توطئة الدستور، مضيفا «على إعتبار أنها هيئة إدارية، فإنه يفترض ان تعمل وفق قواعد الشفافية، كما ينص على ذلك الفصل 15 من الدستور، في حين أن ما ورد في المشروع، يجعل المصالحة تتم داخل اللجنة التي تم التنصيص على إحداثها دون أية شفافية، بل داخل الغرف المغلقة». ونبه سعيّد إلى خطورة قرارات هذه الهيئة الغير قابلة للطعن، على إعتبار أنها محصنة قضائيا، ولا تقبل الطعن بأي وجه من الوجوه، في الوقت الذي تخضع فيه القوانين لمراقبة دستوريتها، كما تخضع كافة القرارات الإدارية لمراقبة المحكمة الإدارية، متسائلا عن سبب إقصاء هذه القرارات لرقابة أية لجنة، معتبرا إياها مفتقدة للشفافية من جهة، ومحصنة قضائيا، من جهة أخرى. وذكّر سعيّد بمقترحه الذي قدمه في مارس 2012، حول مشروع كامل للعدالة الإنتقالية، حيث اقترح إحداث دائرة خاصة تنظر في ملفات من تم تحجير السفر عليهم، وهم 460 شخصا، حيث كان المبلغ المطلوب حينها يترواح بين 10 و13 مليارا، مقترحا في هذا الإطار أن يتم إبرام صلح جزائي معهم، بناء عل تقارير الخبراء، مضيفا « كنت قد اقترحت وقتها ان يتم ترتيبهم ترتيبا تنازليا، بناء على المبالغ المحكوم بها عليهم، من الأكثر تورطا إلى الأقل تورطا، كما يتم ترتيب المعتمديات في تونس وعددها 264، ترتيبا تنازليا من الأكثر فقرا إلى الأقل فقرا، وأن يتعهد الأكثر تورطا بالمعتمدية الأكثر فقرا، لا للإستثمار، ولكن للإستجابة لمطالب الأهالي، من بنية تحتية (طرقات، ماء صالح للشراب، تصريف المياه، المؤسسات الإستشفائية والتربوية)، ولا يتم إبرام صلح نهائي مع هؤلاء، إلا بعد أن يقدّموا للدائرة المذكورة ما يفيد قيامهم بتلك المشاريع في حدود المبالغ المحكوم بها عليهم»، مشيرا إلى أنه اقترح إنشاء هيئة جهوية في كل ولاية تتولى المراقبة والتنسيق في مختلف الجهات، وهذا المقترح تمّ رفضه وقتها، مضيفا «من رفض هذا المقترح في الأمس القريب، صار اليوم من دعاة المصالحة، تغيرت المواقع، وتغيرت التوازنات، فتغيرت المواقف». وأكد سعيّد ان المصالحة الوطنية يجب أن تكون تتويجا لمسار، لا منطلق له، معتبرا أن المصادقة على هذا المشروع ضرب للعدالة الإنتقالية، منبها إلى أنّ يوم المصادقة على هذا المشروع إن تمّت سيكون يوم جنازة العدالة الإنتقالية، التي ستنطلق من أمام قصر باردو، وسيكون من صادقوا عليه في مقدمة المشيّعين، على حد تعبيره.