الاحتفاظ برئيسة جمعية ''منامتي'' سعدية مصباح    البنك المركزي: ارتفاع عائدات السياحة بنسبة 8 بالمائة موفى شهر افريل    اتحاد الفلاحة بمدنين : الأضاحي تفي بحاجيات الجهة    ولاية رئاسية ''خامسة'' : بوتين يؤدي اليمين الدستورية    Titre    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    الاحتفاظ بمسؤولة بجمعية تعنى بشؤون اللاجئين و'مكافحة العنصرية'    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    لأول مرة في تونس.. البنك الفلاحي يفتح خط تمويل لمربي الماشية    أبطال أوروبا: ريال مدريد يستضيف غدا بايرن ميونيخ    عاجل : صحيفة مصرية تكشف عن الحكم الذي سيدير مباراة الاهلي و الترجي    هذه الآليات الجديدة التي يتضمنها مشروع مجلة أملاك الدولة    المتلوي: حجز 51 قطعة زطلة بحوزة شخص محل 06 مناشير تفتيش    تالة: ايقاف شخص يُساعد ''المهاجرين الافارقة'' على دخول تونس بمقابل مادّي    وزيرة الأسرة تعلن عن احداث مركز جديد للاصطياف وترفيه الأطفال بطبرقة    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بأحواز برقو    هام/ الليلة: انقطاع المياه بهذه المناطق في بنزرت    وزير السياحة : قطاع الصناعات التقليدية مكن من خلق 1378 موطن شغل سنة 2023    انقلاب "تاكسي" جماعي في المروج..وهذه حصيلة الجرحى..    حماس: اجتياح الكيان الصهيونى لرفح يهدف لتعطيل جهود الوساطة لوقف إطلاق النار    ليبيا تتجاوز تونس في تدفقات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا في 2023    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    أبطال إفريقيا: الكاف يكشف عن طاقم تحكيم مواجهة الإياب بين الترجي الرياضي والأهلي المصري    مخاوف من اختراق صيني لبيانات وزارة الدفاع البريطانية    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    يومي 10 و 11 ماي:تونس تحتضن بطولة إفريقيا للجمباز.    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    وزارة التربية تنظم حركة استثنائية لتسديد شغورات بإدارة المدارس الابتدائية    لاعبة التنس الأمريكية جيسيكا بيغولا تكشف عن امكانية غيابها عن بطولة رولان غاروس    باكالوريا: كل التفاصيل حول دورة المراقبة    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    «فكر أرحب من السماء» شي والثقافة الفرنسية    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    الرابطة الأولى: النجم الساحلي يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة الترجي الرياضي    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    أولا وأخيرا .. دود الأرض    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024 الى 2ر7 بالمائة في ظل ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سمير عبد الله (محام وديبلوماسي) ل«التونسية»:«ثورة الياسمين» تحوّلت إلى «ثورة البرويطة»
نشر في التونسية يوم 26 - 12 - 2015

المرأة أكبر حزب معارض في تونس
المشهد السياسي الذي ولد بعد 14 جانفي فشل
التونسيّون جرّبوا المرزوقي.. ولا يلدغ المؤمن من جُحر مرّتين
«النداء» انتهى لحظة تحالفه مع «النهضة»
حوار: أسماء وهاجر
التونسية (تونس)
بعد 5 سنوات على قيام الثورة وما صاحبها من انبهار وانفلات وتصفية حسابات مع رموز العهد السابق تراجع بريقها خاصة في أوساط المواطنين لتتكدّس الأسئلة أمام بوّابتها ونحن نقترب من ذكرى جديدة ل14 جانفي 2011 يوم هروب رأس النظام السابق فأين وصلت الديمقراطية والحريات على ضوء التوافق السياسي وعلى ضوء الحديث عن انتهاء مشروع «نداء تونس»؟ وماذا تحقق من معركة استقلال القضاء في ما يعرف بالملفات الخطيرة والسياسية؟ما حقيقة الاتهامات الموجهة للمحاماة؟ وماذا فعل المال السياسي الملوث بالإعلام وبالديمقراطية برمتها؟ هذه بعض الأسئلة التي شكّلت محور لقاء «التونسيّة» بالديبلوماسي السابق سمير عبد الله – سفير تونس بلبنان-الناشط الحقوقي المستقل والمحامي لدى التعقيب الذي أكد لنا أن تونس اليوم تعيش فترة مخاض عسير وأن التونسي ينتظر الحسم في ملفات معاناته اليومية ورهاناته المستقبلية مشيرا إلى أن الإعلام بقي أسير قضايا أصبحت في حكم التاريخ لان هم البعض فيه ليس سوى ال«Buzz».
من «ثورة الياسمين» إلى «ثورة البرويطة» أيّ من المدح الى الهجاء. هل هي إحدى التعبيرات عن مواقف التونسيين من الثورة اليوم؟
القضية لسيت قضية تسمية. السؤال المحوري هو ماذا تحقق بعد خمس سنوات؟ هذا الحدث الكبير الذي حدث في جانفي 2011. «ثورة الياسمين» هي تسمية أجنبية فحتى رائحة الياسمين لم نعد نشتمها.. نشتم رائحة المزابل والنفايات. من ابتدع كلمة «ثورة البرويطة» يريد أن يقرأ هذه الحصيلة بنوع من التهكم والتونسي جُبل على هذا الأسلوب. «البرويطة» إحالة على العربة التي كان يشتغل عليها البوعزيزي والحصيلة كارثية.. ثورة تعود بالبلد إلى الوراء وهذا البلد أصبح يطمح إلى تحقيق معدلات نمو كانت موجودة سنة 2010 والخبراء يقولون إننا مطالبون بالعمل الدؤوب للوصول إلى نسبة نمو سنة 2010. خاصية ثانية لهذه الثورة هيّ أنها أول ثورة طالبت بالحريات لكنها نظام حكم ديني سلفي مجسم في «الترويكا». وهي أول ثورة في التاريخ تنتج ظاهرة غير مسبوقة هي الإرهاب والتشدد الديني فجملة هذه المقاييس تجعلنا لا نتحدث على الثورة لان الثورة قطع مع الماضي والتوق لقيم الحرية والتقدم وهي سمة الثورات التاريخية كالثورات الفرنسية والبولشيفية والايرانية.
هل انتهى مشروع «نداء تونس» على ضوء الانشقاقات؟
مشروع «النداء» انتهى فكريا وسياسيا وهذه الانشقاقات لم تعد تعني الرأي العام الوطني وخاصة ناخبي «النداء». فكرة النداء برزت على يد الباجي قائد السبسي في لحظة تاريخية فارقة لحظة احباط سادت البلاد بسبب التركة الجسيمة التي خلفها حكم «الترويكا» لمدة ثلاث سنوات: خراب اقتصادي واجتماعي واقتصادي وديبلوماسي.. الاغتيالات السياسية.. الإرهاب.. العنف الديني.. تفشي الفساد فكان ذلك المشروع بمثابة الحلم الوطني الجماعي ونجح السبسي وحزب «النداء» بشعارات أساسية تقوم على انقاذ الدولة الحديثة والرجوع الى الفكر البورقيبي والتصدي للظلامية ومن هنا برز شعار الخطين المتوازيين ومن لم يصوت ل«النداء» صوت ل«النهضة» و«النداء» كمشروع لم ينته بسبب الانشقاقات الحاصلة داخله وانما انتهى مباشرة بعد اعلان نتائج الانتخابات والدخول في تحالف استراتيجي مع الاسلاميين. انا لست ضد الائتلافات باعتبارها صيغة للحكم بين احزاب تشكل الاغلبية البرلمانية ولكن الائتلافات تقوم في العالم على أساس برنامج سياسي وخيارات تحدد اولويات المستقبل والسؤال هنا ما هو برنامج الحكم في تونس؟ هل أن للحكومة برنامجا؟ هل أن لها خيارات؟ هل تصدت الحكومة للقضايا العاجلة خاصة الاجتماعية والاقتصادية البطالة والتضخم المالي وغلاء الاسعار وتفشي الفساد وظاهرة الافلات من المحاسبة وملفات الاغتيالات السياسية؟ هذا الائتلاف فشل الآن ولا يمكن لأحد أن ينكر هذه الحقيقة ائتلاف بدون خيارات وبدون برامج إلى حد أن الملاحظين يطرحون السؤال من يحكم الآن «النداء» أم «النهضة» أم رئيس الجمهورية؟ هل هو الشيخ راشد الغنوشي؟ الخلاصة هي ضبابية تلف المشهد السياسي برمته وحالة اليأس التي نلمسها في حياتنا اليومية.. انتظارات كبيرة سقطت في خيبة امل كبيرة واعتقد أن المشهد السياسي الذي ولد بعد 14جانفي 2011 فشل برمّته وأن الطبقة السياسية التي برزت بعد ذلك التاريخ فشلت هي الأخرى وأثبتت عجزها عن الاستجابة لتطلعات الشعب الذي ثار بالأساس على الظلم الاجتماعي والظلم السياسي والنتيجة أن دار لقمان لم تبق على حالها بل أن الاوضاع تعكرت على جميع المستويات وأصبحت فئات من الشعب مهددة بالجوع وتآكلت الطبقة الوسطى لتلتحق بشعب المستضعفين.
هناك من يعتبر أن هذه الخلافات لا يمكن أن تخدم إلا مصلحة «النهضة»؟
الواقع أشدّ تعقيدا من ذلك والذي حصل ب«النداء» لم يكن مفاجئا بالمرة. هناك أولا خلل في تركيبته الاصلية حيث جمع بين ما يسمى بروافد يسارية ونقابية وتجمعية لا يربطها أيّ شيء سوى المصلحة الآنية للفوز بكرسي في البرلمان وعند قسمة الكعكة بدات بوادر الانفجار الداخلي. ولكني لا اعتقد أن «النهضة» هي المستفيد حيث جربت «النهضة» الحكم وكانت تظن أنه فسحة وقسمة غنائم واليوم هناك اقتناع لدى قيادات «النهضة» أن أكبر خطإ هو استلامها الحكم في فترة انتقالية عصيبة ونتيجة الحكم كانت كارثية بعد سقوط حكومة علي العريض تحت ضغط المجتمع المدني في «اعتصام الرحيل» ثم تراجعت نتائجها في الانتخابات, ولننظر في العالم إلى الاسلام السياسي فعندما ارتقى إلى السلطة كان مصيره الفشل في السودان وفي افغانستان وفي مصر وفي سوريا الآن واعتقد أن عصر الاسلام السياسي بسبب المتغيرات الاقليمية والدولية الآن هو في افول وبالتالي فإنّ مصير الأحزاب الايديولوجية والعقائدية الفشل لذلك فإن «النهضة» ليست المنتصرة في أزمة «النداء» وحتى ان تحولت إلى حزب أغلبي في البرلمان فليس بوسعها الحكم مباشرة لأنّه ليس لها ما تقدمه للشعب اذ لا يمكنها مواجهة الأزمة الشاملة المستعصية التي تشهدها البلاد وبالتالي فإنها ستعمل على الإبقاء على «النداء» في السلطة حتى تعزز مواقعها في انتظار الانتخابات القادمة ولتقول لجمهورها انظروا إلى حصيلة حكم «النداء» ونحن براء منها باعتبارنا لسنا في السلطة.
ما ذا تقصد بعبارة ان «النهضة» ستعمل على الابقاء على «النداء» في السلطة؟
«النهضة» ليس من مصلحتها أن تحكم الآن لأن العبرة بالنتائج الشعب جرب «النهضة» في السلطة. فالتونسي مثل غيره ينظر الى جيبه.. إلى قوته ومستقبل ابنائه وهو لم ير شيئا و«النهضة» الآن تشهد حراكا فكريا داخلها فهي ليست بجيش موحد مثلما يعتقد البعض هناك صراعات فكرية بعد اربعين سنة من تأسيسيها. هل ستتحول إلى حزب سياسي مدني ينخرط في العملية السياسية ويتبنى قيم الجمهورية؟ أعتقد أن «النهضة» التي بقيت تقريبا في حدود وزنها الديمغرافي الذي لا يتجاوز في كل الحالات ٪15 لا يمكنها أن تتحول إلى حزب حكم إلا متى نجحت في إحداث هذه النقلة التاريخية والقطع مع الفكر الإيديولوجي الديني باعتبار أن الشعب التونسي مسلم وان الدستور ضامن للاسلام باعتباره دين الدولة ولا يمكنها أن تواصل في هذا المنهج كناطق رسمي باسم الدين ونحن رأيناها في تحرك انصارها أثناء عزل الأيمّة وفي جامع اللخمي فوجودها مرتبط بمدى قدرتها على التحول إلى حزب مدني يتقاسم معنا قيم الجمهورية ولا خيار لها فالأحزاب المسيحية في اوروبا نجحت عندما انخرطت في هذه القيم المشتركة.
التحالف الواقع باركه البعض على أساس أننا اليوم في تونس بحاجة إلى الاستقرار في حين يعتبره البعض الآخر تمويتا للمعارضة وأنه ليست لدينا اليوم معارضة قوية؟
نحن كتونسيين كأننا مطالبون بصنع العجلة من جديد فالديمقراطية لها تعريف كوني واحد: أغلبية تحكم ومعارضة تنتقد وتقترح البدائل. ابتدعنا في القاموس السياسي مصطلحا جديدا وهو التوافق وراينا نتيجة هذا التوافق اشتداد عود الإرهاب وضربات إرهابية قاتلة في ظرف زمني قصير وفي ظل هذا التحالف شاهدنا انهيار الاقتصاد وازدياد معدلات البطالة والمديونية والفساد. هل هذه هي الديمقراطية التي ننشدها؟ فالمعارضة ليست فقط احزاب وتونس تتميز عن بقيّة الدول العربية بمجتمع مدني قوي والدليل على ذلك أن جائزة نوبل لم تسند إلى مؤسسات دستورية أو إلى احزاب بل اسندت إلى القوى الرئيسية الفاعلة في المجتمع التونسي والتي احدثت التحولات الكبرى في البلاد منذ الاستقلال كما لا ننسى دور المرأة التي هي اكبر حزب معارض في البلاد فهي التي انجحت الباجي وهي التي تصدت للمشروع الرجعي وهي الحاملة الحقيقية لمشروع الحداثة وهي صاحبة المصلحة الأولى في ترسيخ هذا المشروع.
«حراك تونس الارادة» يطرح اليوم نفسه كبديل وكمعارضة مسؤولة مبنية على اقتراحات لاستقطاب كان مغشوشاً قام على أساس نمط مجتمعي. إلى أيّ مدى يمكن أن يكون البديل الفعلي والحقيقي؟
«حراك تونس الارادة» ليس إلا مجرد تبديل لتسمية هو في تقديري «المؤتمر من أجل الجمهورية» مكرّر لا أكثر ولا أقلّ. سمعنا في قصر المؤتمرات نفس الخطاب بنفس الشعارات التي تريد أن تقصي شريحة هامة من التونسيين وهم الدساترة بناة الدولة الحديثة بقيادة الحبيب بورقيبة. هذا هو برنامجه الوحيد وكنت اصدق المرزوقي لو طرح نفسه كبديل لو لم يكن في الحكم طيلة ثلاث سنوات وفتح قرطاج لشيوخ الوهابية ورعاة الإرهاب والكتاب الاسود الذي نشره دون أن يبت القضاء في ما نسبه لمئات الاسماء الواردة به. التونسيون جربوا المرزوقي وجربوا «المؤتمر من أجل الجمهورية» ولا يلدغ مؤمن من الجحر مرتين, وأعتقد أن مبادرة المرزوقي هي اللاحدث والغريب انه كان رئيسا للجمهورية أي لجميع التونسيين وعوض أن يقوم بالمراجعات النقدية الضرورية لحصيلته في الحكم واذكر في هذا الإطار وبالخصوص تلك التي تركها على جبين تونس وصمة عار ذاك المؤتمر المسمى «أصدقاء سوريا» والآن نشهد أن القوى الكبرى أمريكا المانيا وفرنسا تتحالف مع بشار الاسد لمواجهة المد الداعشي الذي ضرب اوروبا وتحديدا باريس. واعتقد أن كراهيته للدساترة ستحكم عليه بالموت سياسيا لان التونسيون فهموا اللعبة وادركوا أن شيطنة الدساترة وما يسمى بالنظام القديم أصبحت اسطوانة مشروخة وهو ما يفسر النسب العالية لاستفتاءات الرأي التي جعلت أغلبية من التونسيين يحنون للماضي ويدركون أن ماضيهم احسن بكثير من حاضرهم وهذه مفارقة أخرى من مفارقات الثورة التونسية.
«حزب المبادرة» بدوره دعا إلى مبادرة لتوحيد كل الدستوريين وطرح نفسه كبديل في المعارضة والحكم ما هي حظوظه في النجاح هل يمكن في الاتهامات التي تحاصر الدساترة جميعا؟
ما يروج من اتهامات هو أصل تجاري صنعه الثورجيون لتأليب الرأي العام على تاريخ البلاد. اولا تاريخ البلاد فيه مكاسب تاريخية لولاها لما كانت تونس التي نعرفها اليوم دولة وطنية مستقلة شامخة مهابة في الخارج. عندما كان التونسي يسافر إلى الخارج ويدلي بجواز سفره كان يقابل بالاحترام والابتسامة والتقدير. الآن التونسي في المطارات الاجنبية يمر عبر بوابات خاصة واقترن به الإرهاب باعتبار أن تونس أصبحت بوابة للإرهاب. وثانيا حرية المرأة التي تشكل العنوان الابرز للحداثة التونسية وللاستثناء التونسي في العالمين العربي والاسلامي والتعليم كذلك كان يخصص له الزعيم بورقيبة ثلث الميزانية والصحة والتنظيم العائلي والبنية الاساسية وشبكة طرقات سيارة وجسور هي ليست مكاسب النظام القديم بل هي مكاسب الشعب التونسي ومكاسب تونس المستقلة التي ضحت من أجلها اجيال من الشهداء والمناضلين. وأنا ليس لي وهم في خصوص هذا الشعار حول توحيد الدساترة لأن الدستوريين لم يكونوا عبر التاريخ كتلة سياسية وفكرية موحدة باعتبار أن الدستور لم يكن حزبا ايديولوجيا بل حزبا براغماتيا التصق بسياسات الدولة. كان اشتراكيا في الستينات ثم أصبح ليبراليا في السبعينات مع الهادي نويرة ثم حزبا عروبيا مع مزالي وبالتالي لا يمكن جمع هذه التيارات الفكرية والسياسية في إطار تنظيم موحد إضافة إلى أن «التجمع» المحلّ كان يضم في صفوفه شريحة من الانتهازيين من ذوي المصلحة المرتبطة بالحكم وهو ما يبرر انهياره السريع بمجرد صدور قرار سياسي بحله. والسؤال المطروح ماذا يعني أن تكون دستوريا اليوم ونحن على أبواب سنة جديدة بالنسبة للشباب والقوى الحية؟ اعتقد انه لا بد من القطع مع الماضي وكلمة دستوري تاريخيا مرادفة لكلمة وطني والاغلبية الساحقة للتونسيين كانوا دساترة ابان معركة التحرير وكلمة الدستور برزت باعتبارها مكرسة لاستقلال التونسيين..ومع هذا تبقى العائلة الدستورية مكونا رئيسيا للمشهد السياسي الذي يتشكل من عائلتين العائلة الإسلامية والعائلة الدستورية وجميع الأحزاب القائمة تخطب ودّ هذا المخزون الانتخابي الكبير المسمى العائلة الدستورية والمطلوب اليوم ألاّ تبقى عجلة خامسة وعلى الدساترة الاخذ بزمام المبادرة وافتكاك موقعهم الطبيعي في المشهد السياسي الجديد باعتبارهم بناة هذا الوطن وباعتبارهم يشكلون الكفاءات الوطنية الحقيقية وهو ما يفسر عودة الكفاءات خاصة في المواقع القيادية بوزارة الداخلية كفاءات اثبتت وبرهنت عن جدارتها وقيمتها والبديل في اعتقادي يتجاوز إطار الدساترة الضيق لتنصهر فيه جميع الارادات الوطنية حول مشروع سياسي كبير قائم على الوطنية أي إعادة الاعتبار للسيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني والقائم كذلك على الحداثة أي التمسك بالخيارات الحداثية الكبرى بالبلاد منذ القرن 19ومشروع قائم على المستقبل أي الارتقاء بتونس إلى كوكبة الدول الصاعدة في جميع المجالات واقتراح الحلول الناجعة للقضايا الاجتماعية والاقتصادية الملحة في البلاد.
وماذا عن مبادرة منذر الزنايدي هل ترى فيها بديلا حقيقيا في المشهد السياسي، هي بدورها تتحدث عن توحيد للدساترة؟
هناك مبادرة كبرى تشق طريقها بثبات وجدية حول السيد المنذر الزنايدي باعتباره وجها سياسيا يتميز بصدقية كبيرة في الشارع التونسي. مبادرة قامت حول قوة دستورية كبيرة تحركت مؤخرا بتنظيم ملتقيات وندوات جهوية ومحلية بمبادرة من الشباب والطلبة الذين كانون منضوين في حزب الدستور وهو مشروع كبير منفتح على حساسيات سياسية مستقلة أو وافدة من اليسار الاجتماعي أو من التيار الانتخابي واعتقد أن هذا المشروع الوطني الكبير الذي انطلق من قراءة نقدية للمشهد السياسي القادم والانصات إلى تطلعات الشارع التونسي يتمتع بحظوظ جدية في النجاح باعتبار أنّه لن يكون إعادة انتاج للماضي وان توجهاته الاساسية منصبة على الحاضر والمستقبل .وهو مشروع وطني حافظ لجميع الارادات الوطنية التي تلتقي حول الخيارات الوطنية والديمقراطية الحداثية وتقدم البدائل الاجتماعية والاقتصادية انطلاقا من برنامج عملي وبعيدا عن الشعارات وسيقع الاعلان عن هذه المبادرة قريبا وهي تأمل بالأساس إلى ارجاع الأمل للتونسيين والثقة في نخبهم السياسية وتجاوز حالة الاحباط والياس باعتبار أن واقعنا المتردي الآن يتطلب صحوة وطنية قصد انقاذ البلاد وتعزيز المؤسسات الديمقراطية القائمة وستكون هذه القوة السياسية مساندة للخيار الديمقراطي الحداثي التونسي.
كمحام أين وصلت واقعيا معركة استقلال القضاء على ضوء الفصل في بعض الملفات الخطيرة؟
استقلال القضاء في تونس هو أم المعارك منذ الاستقلال القضاء كان اداة للقمع السياسي محاكمة اليوسفيين وأجيال من الطلبة اليساريين والقوميين والسجل الاسود لمحكمة امن الدولة بعد 14جانفي. معركة استقلالية القضاء ظلت كذلك ام المعارك لأن الديمقراطية والحرية لا تستقيمان دون قضاء عادل ومستقل. ومن المؤسف أن هذه السلطة بقيت محل تجاذبات سياسية ولكن من المجحف كذلك الحكم بصفة إطلاقيه على القضاء. القضاء المدني والجزائي هو مفخرة لتونس والمحاكم تنظر يوميا في آلاف القضايا المدنية والتجارية والجزائية في ظروف صعبة جدا ورغم ذلك تصدر احكاما أقرب الى الانصاف والعدل. بقيت القضايا السياسية وتلك المتعلقة بالجرائم الإرهابية. ففي خصوص الجرائم السياسية فإن القضاء التونسي وفي المدة الأخيرة أنصف أغلبية رموز النظام السابق واصدر احكاما بالحفظ وبعدم سماع الدعوى بعد أن اتضح أن التهمة المنسوبة إليهم باطلة. الاشكال يبقى أساسا في القضايا المتعلقة بجرائم الاغتيالات السياسية والجرائم الإرهابية. هناك تباطؤ يلحظه الرأي العام في البثّ في هذه القضايا والكشف عن اسرارها وخلفياتها والرأي العام يتطلع الى قضاء مستقل وعادل يكون حصنا لحماية الحقوق والحريات واعتقد أنه اذا توفرت الارادة السياسية وبعث مجلس أعلى للقضاء يحقق استقلالية القضاء ويوفر لهم ظروف عمل بعيدا عن كلّ الاكراهات السياسية والمادية فإن القضاء التونسي سيسترجع عافيته ولنا من الكفاءات القضائية ما يشكل فخرا لتونس وهي تعتبر من المرجعيات التي تدرّس في الكليات. والرأي العام يبقى في حيرة عندما يسمع صدور احكام قصوى بالسجن والابعاد عن الاقامة لمدة سنوات على مثليين في حين انه في القضايا الإرهابية تصدر احكام مخففة إن لم تكن أحكاما بحفظ القضايا لعدم ثبوت التهمة. أعتقد أننا في حاجة إلى ارسال رسائل قوية وواضحة لطمأنة الرأي العام وانه لا إفلات من الجريمة ولا إفلات من العقاب وانه لا وجود لأيّة حصانة فوق القانون وسيادة القانون وان من يرتكب جرما في حق الوطن واستقراره يجب أن يعاقب بالأشد حتى يصبح عبرة لغيره وتلك قيمة الاحكام وهي زجرية للمجموعة الوطنية بالأساس.
موضوعيا هل هناك اختراق للمحاماة؟ هناك من يتّهم جمعيات مشبوهة بالتدخّل في خلاص بعض المحامين عند انابتهم للارهابيين؟
المحاماة بطبعها جهاز مسيّس أي به جميع التيارات السياسية والمحاماة اعطت اكبر رجالات تونس في السياسة بورقيبة ونويرة... لكن في نفس الوقت قوة المحاماة في تحييدها عن الصراعات السياسية في البلاد واعتقد أن المحاماة كانت دائما حريصة على استقلاليتها وبقيت في ظل النظام السابق القلعة الوحيدة للحرية. نحن كرجال قانون لنا قاعدة أن الحجة على من أدعى والا أصبح الكلام جزافا فالقول بأن المحاماة مخترقة فيه تهويل وتضخيم تونس تعد أكثر من8000 محام وعدد المحامين الذين ينوبون في القضايا الإرهابية لا يتجاوز أصابع اليد وأغلبية المحامين الساحقة من المهنيين الغيورين على استقلالهم وعلى رسالة المحاماة في الدفاع عن الارملة واليتيم. وأعتقد أنه وإلى أن يثبت خلاف ذلك هناك مخطط ممنهج لتشويه صورة المحاماة بصفة عامة وأعتقد أن هذا المخطط سيكشف لأن المواطن أي كان رجل أعمال أو أجير أو امرأة أو سياسي لن يجد غير المحامي في الوصول الى استرجاع واثبات حقوقه ومثلما يقول المثل «الشاذ يحفظ ولا يقاس».
في نظركم أين وصلت حرية التعبير في ظل الحديث عن سيطرة لوبيات سياسية على جانب هام من قطاع الاعلام؟
حرية الاعلام هي رافد أساسي من حرية التعبير وهي المكسب الوحيد الذي تحقق طيلة السنوات الخمس الأخيرة وهذا مكسب هام. هناك اعلام تعددي مرئي ومسموع واعتقد ان حرية التعبير هي نتيجة مسار تاريخي طويل. نحن لازلنا في السنوات الاولى من الديمقراطية والحرية والنضج هو وليد التجربة وحتى الصحف الفرنسية أو الاوروبية تقع في العثرات. صحيح هناك قضية كبرى في تونس التي تفسر عديد الظواهر السياسية في البلاد هي قضية المال الفاسد ومحافظ البنك المركزي تحدث عن مئات الجمعيات التي تتلقى اموالا طائلة من الخارج. السؤال الى اين يوجه المال الفاسد: لشراء الذمم؟ لتغذية الإرهاب؟ لشراء الاعلام؟ والمشهد الاعلامي في تونس مع الايجابيات التي ذكرناها فيه الكثير من السلبيات وهناك انفلات اعلامي تشهده بعض وسائل الاعلام وخصوصا التلفزية التي لازالت تتحدث عن شيطنة النظام السابق بل اصبحنا نتحدث عن جريمة موجودة ما يسمى بتمجيد بن علي في حين أن المجلس التاسيسي حسم في الأمر ورفض قانون الاقصاء والعزل السياسي. منابر أخرى تمجد الإرهاب وهناك من وصل به الأمر الى اعتبار الارهابيين شهداء الى درجة أن كثير من التونسيين اصبحوا يقاطعون تلك البرامج وهو ما يفسر تدني نسب المشاهدة. التونسي ينتظر ملفات حول معاناته اليومية وقضاياه الاقتصادية ورهاناته المستقبلية لا يجد اثرا لذلك وبقينا أسرى قضايا أصبحت في حكم التاريخ وهمّ بعض القنوات الأول هو الصدى أي ال«Buzz» بأيّة طريقة وتحقيق نسب مشاهدة وهذا عيب كبير فأعلى نسب المشاهدة في اوروبا تحققها الافلام الاباحية التي تبث عند منتصف الليل وهذا المال الفاسد والحديث المتواتر عن اختراقات أجنبية يمس من هذا المكسب -حرية الاعلام واستقلاليته- فكل حزب من الأحزاب الكبرى أصبح له اعلام ونقول تلك القناة وراءها الحزب الفلاني والقناة الأخرى لها الحزب الفلاني وأخشى أن نسقط في اللبننة. ففي لبنان كل طائفة وحزب سياسي له قنواته التلفزية واصبحت حرية الاعلام مرهونة في أن تسب طائفة الطائفة المقابلة والضحية الكبرى هي الحرية الحقيقية واعتقد أن هذا الملف هو اخطر ملف مطروح وهو التصدي لهذا المال الفاسد الذي يضرب السيادة الوطنية ومصداقية المؤسسات بما فيها الاعلام وهنا دائما أؤكد على القطع مع التعميم لأنه لنا وسائل اعلام جادة ولها قدر كبير من المصداقية والمسؤولية وأنا أتابعها يوميا واعتبرها مصدر موثوق به للمعلومة وللتحليل السليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.