مجهول يلقي قنبلة يدوية على السفارة الإسرائيلية في بروكسل    بمناسبة انتهاء مهامه ببلادنا.. سعيد يستقبل سفير قطر بتونس    رئيس الجمهورية.. حرية التعبير مضمونة ونحن أكثر حماية لحقوق العمال ممن يدعون أنهم يحمونهم (فيديو)    نجاح طبّي جديد بالمستشفى الجامعي فطومة بورقيبة بالمنستير    رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة حسن التصرف في الأملاك المصادرة    بينها سما دبي: رئيس الجمهورية يدعو إلى إيجاد حلّ نهائي للمشاريع المعطّلة    قيس سعيد يشدد على ضرورة ترشيد النفقات العمومية وحسن التصرف في الموارد    بلغت أكثر من 4700 مليون دينار إلى حدود 20 ماي عائدات تحويلات الجالية والسياحة تساهم في توازن احتياطي العملة الأجنبية    في قضية رفعتها ضده هيئة الانتخابات.. 5 أشهر سجنا ضد جوهر بن مبارك    «هدية» ثمينة للمنتخب ..«الفيفا» تخصم 6 نقاط من رصيد غينيا الإستوائية    «لارتيستو»...الممثلة عزيزة بولبيار ل«الشروق» نصيحتي للجيل الجديد الغرور عدو النجاح    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 2 ...لأول مرة حفلات فنية ومعرض للصناعات التقليدية... بالحديقة العمومية    مناطق صناعية ذكية وذات انبعاثات منخفضة للكربون    تأجيل إستنطاق رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين    المعهد العربي لرؤساء المؤسسات يدعو إلى التسريع في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية    مجلس وزاري للنظر في ملف توفير الدعم اللوجستي للتعداد العام الثالث عشر للسكان والسكنى    العدل الدولية تأمر بإيقاف العدوان الإسرائيلي فورا..صفعة جديدة للكيان الصهيوني    بعد تأجيل مواجهة الصفاقسي.. الإتحاد المنستيري يشكر وزير الرياضة    عاجل/ اتفاق مصري أمريكي فلسطيني على ايصال المساعدات لغزة من معبر كرم أبو سالم    طقس الليلة    المرسى: 03 قصّر يعمدون إلى خلع مستودع والسرقة من داخله    سعر "الدوّارة" يصل 100 دينار بهذه الولاية!!    2500 تذكرة مقابل 8000 مشجّع: السلطات التونسية تعمل على ترفيع عدد تذاكر جمهور الترجي في مصر    مدرب الترجي قادرون على العودة باللقب    صفاقس: الكشف عن شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة.    الحرس الديواني : رفع 5474 محضر بقيمة 179 مليون دينار    رئيس قسم الأعصاب بمستشفى الرازي يوجّه هذه النصائح للتونسيين    المنستير: انطلاق أوّل رحلة للحجيج من مطار المنستير الحبيب بورقيبة الدولي    باجة : حجز 6 أطنان من السميد    نابل: يوم إعلامي حول التجربة المغربية في المقاومة البيولوجية للحشرة القرمزية بمزارع التين الشوكي    تسع مدراس ابتدائية تشارك في الملتقى الجهوي للكورال بسيدي بوزيد    سجنان: حجز 5500 كغ من الحبوب وقرابة 1 طن من الفارينة    سيدي بوزيد: 5450 مترشحا لامتحانات الباكالوريا بالولاية اغلبهم في شعبة الاداب    توافد 30 ألف سائح إلى تونس سنويا بهدف جراحة التجميل ..التفاصيل    العدل الدولية تبت في قضية وقف هجوم الاحتلال على غزة    سفارة تونس بفرنسا تفند ما أوردته القناة الفرنسية « ال سي إي » حول وجود عناصر من « فاغنر »    الحماية المدنيّة: 12 حالة وفاة و 409 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    جرحى في حادث اصطدام بين سيارة ودراجة نارية..    أبرز ما ورد في الصحف التونسية لليوم الجمعة 24 ماي 2024    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    حُبّ أبي بكر للرّسول صلى الله عليه وسلم    دجوكوفيتش يتأهل لنصف نهائي بطولة جنيف للتنس    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يلاحق أمام الأهلي المصري في القاهرة نجمته الخامسة    المديرة العامة للإذاعة الوطنية : 60 ألف دينار معلوم كراء إذاعة الزيتونة    الفنان محمد عبده في أحدث ظهور بعد إصابته بالسرطان: أنا طيب    اليوم : الترجي ينهي تحضيراته لمواجهة الأهلي    منبر الجمعة ..لا تقنطوا من رحمة الله    محمد الشاذلي النيفر نشأته ومؤلفاته    عاجل/ مقتل 100 شخص في انهيار أرضي بهذه المنطقة..    نتائج التحقيق الأولي في أسباب تحطم مروحي الرئيس الايراني الراحل ابراهيم رئيسي    المغرب: انهيار مبنى من 5 طوابق    انطلاق بث اذاعة الزيتونة من مقر الاذاعة الوطنية    جميلة غربال أرملة رشيد العيادي في ذمة الله    الاتحاد المنستيري يرفض اجراء مباراة النادي الصفاقسي قبل النظر في مطلب استئناف العقوبة    محمد رمضان يحيي حفل نهائي دوري أبطال أفريقيا بين الأهلي والترجي    تونس نحو إدراج تلقيح جديد للفتيات من سن 12    اتفاقية تمويل بين تونس و الصندوق العربي للانماء الإقتصادي والاجتماعي بقيمة 10 مليون دينار كويتي    4 ألوان "تجذب" البعوض.. لا ترتديها في الصيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضا الجندوبي (التيّار الشعبي) ل«التونسية»:«نداء تونس» يشهد «ثأر الأغصان من الجيران»
نشر في التونسية يوم 05 - 01 - 2016


البيروقراطية باتت عبئا على سيولة القرارات
لا يمكننا انتظار النجاح ممّن يعيشون الحاضر بعقل الماضي
حوار: أسماء وهاجر
من يحكم تونس اليوم؟ هل كره التونسي ثورته أمام ما لوحظ من تهجّم على بعض رموز الثورة وبعض حالات الحنين إلى الماضي إلى أيّ مدى يمكن اعتبار القصبة 1 والقصبة 2 والمجلس التأسيسي مقدمات لفشل تحقيق اهداف الثورة؟ وما هيّ نسبة أمل نجاح كل من محاولات لم شمل العائلة الدستورية و«حراك الارادة» في خلق التوازن داخل المشهد السياسي أمام الاجماع الحاصل حول فشل المعارضة الحالية بكل ألوانها؟ أين وصلت الحرب على الإرهاب وهل نجحت حكومة الائتلاف في الاستجابة لبعض تطلعات الشعب.. هذه الأسئلة وغيرها كانت موضوع حوار «التونسية» مع رضا الجندوبي أستاذ فلسفة وباحث في العلوم السياسية وعضو المكتب السياسي في «التيار الشعبي» والقيادي في «الجبهة الشعبية» الذي أكد لنا من خلال حواره أن أكبر خطإ ارتكبته حكومات ما بعد الثورة أنها تقتفي نفس المسالك والخطوات التي ثار عليها الشعب.
يجمع المحلّلون على أن المعارضة في تونس هي معارضة ضعيفة بعد دخول «النهضة» الائتلاف الحاكم. فهل هو اخفاق ل«التيار الشعبي» و«الجبهة الشعبية» كرمز من رموز المعارضة في خلق التوازن المفقود داخل الساحة السياسية؟
مبدئيا النظام الانتخابي القائم على أكثر البقايا لا يسمح بفرز أغلبية مطلقة لحزب بعينه مهما كانت قوته وهو ما يدفع عمليا نحو اقامة تحالفات غالبا ما تقوم إما على مشاريع مشتركة أو محاصصات حزبية وهو ما يجعل المعارضة عاجزة عن قلب الأوضاع والمعادلات السياسية داخل البرلمان باعتبار أن الحكومة تحظى بأغلبية مريحة لكن هذا لا ينفي عمل «الجبهة» من الناحية السياسية في اطار المتاح والممكن لخوض معارك سياسية من نوع الدفاع عن الحريات والسيادة الوطنية والكرامة والتشغيل التي اسقطت من اهتمامات الحكومات المتتالية.
التجارب التاريخية تقودنا إلى القول بأنه لا وجود لأغلبية أبدية ومعارضة دائمة وبالتالي يمكن لأقلية الأمس أن تتحول غدا إلى أغلبية ونحن نأمل في «الجبهة الشعبية» أن يمنحنا شعبنا ثقته في ظل الفشل المتواصل لمنظومات حكم ما بعد الثورة.
اليوم هناك لدى البعض حنين إلى الماضي وكره للثورة ولرموز الثورة. هل يعدّ ذلك إحدى علامات فشل الطبقة السياسية برمتها؟
لنتّفق أولا على أن تونس اليوم أفضل في غياب بن علي وإن عملت بعض الجهات المشبوهة على تجميل صورة قبيحة واشعال الحنين إلى الماضي وكأنّ حكم بن علي قدر محتوم. وهذه الجهات هي كمن يريد أن يحيي ميّتا ومع ذلك لا يمكن لعاقل أن يغمض عينيه أمام ما يعاني شعبنا من تفقير واحساس بالحيف وخاصة الكذب ونفاق بعض النخب السياسية لا سيما بوعودها الزائفة لذلك لا يمكن الانتصار على الماضي الا ببناء آفاق مستقبلية أفضل تتيح للجميع الحياة الكريمة وهو ما لا يحصل الا بتجاوز أشكال الخطاب الشعبوي وبيع الأوهام وان تصاغ البرامج لا بناء على ما يجب ان يكون وانما قياسا على ما يمكن أن يكون.
الطبقة السياسية ليست وحدة منسجمة وهي قائمة على التنوع والتناقض وفي اعتقادي تتحمل أحزاب الحكم القسط الأكبر من هذا الفشل فهي تمتلك آليات الحكم ومؤسسات الدولة وهي قادرة لو توفرت ارادة سياسية صادقة أن تغير وجه حاضرنا ليكون أكثر نصاعة من شبح الماضي.
في قراءة الأحداث السياسية ومنجزاتها هناك مدرستان الأولى تختزل النجاح والفشل في شخص والثانية ترجعهما إلى منظومة وأنا أميل الى القراءة الثانية فما تحقق من انجازات أو كوارث في عهد بن علي لا يمكن ربطه بالمطلق إلى شخصه وإن كان يتحمل المسؤولية الكبرى في ذلك وعليه فإن فترة حكمه لم تكن كارثية في المطلق خاصة في المستوى الأمني رغم انه يستند الى قوة الحديد والنار ولكن تبقى نقطة الضعف الرئيسة في استبداده بالقرار السياسي واستبعاد الشعب ونخبه من المشاركة الفعلية في الحياة السياسية. بقي ان اشتعال الثورة كان محملا بانتظارات كبرى ومشروعة إلاّ أن تحققها لم يكن آنيّا ولن يكون في ظل الهشاشة الاقتصادية والأزمة المالية العالمية ويمكننا في هذا السياق أن نتحدث عن عقبة يمكنها أن تقض مضاجع الثورة وهي التسرع الثوري l'impatience révolutionnaire فالطبيعة كما في الوجود البشري كل ظاهرة تحتاج الى مدى زمني يسمح بنموها ونضجها وفي اعتقادي ليس المشكل في ان الثورة لم تحقق للشعب أحلامه وانتظاراته لأن هذا الأمر منتظر خاصة اذا استأنسنا بتجارب الانتقال الديمقراطي المختلفة الاّ أن مؤشرات النجاح في المستقبل في ظل استنساخ القديم واعادة انتاجه لا تؤشر على امكان صباح جديد.
ما ردّك على من يرى أن سبب كوارثنا اليوم هي القصبة 1 والقصبة2 والمجلس التأسيسي؟
أعتقد أن التنسيب أمر ضروري لأنّ تجارب الانتقال الديمقراطي بوجه عام تحتاج إلى الصبر من جهة والتخطيط الجيد وصدق الوعود من جهة ثانية وفشل بعض هذه التجارب تحكمه اعتبارات مركبة فيها ما هو داخلي وما هو خارجي ويتواشج معها الاقتصادي بالسياسي وبالثقافي وما وقع في تونس مع بدايات الثورة كان مفتوحا على احتمالين أولهما نجاح الثورة ولهذا النجاح مقتضيات وشروط وثانيهما الانقضاض على الثورة والعودة إلى ما قبلها. في هذا السياق اعتبر أن ظهور القصبة 1و2 والدعوة إلى مجلس تأسيسي كان تعبيرا عن الدفاع عن ثورة مستهدفة وتتعرض لشتّى ضروب السطو والالتفاف ولأن الثورة تعريفا هي القطيعة أو نقطة اللاعودة إلى النظام القديم كان لا بدّ من صياغة دستور جديد يستجيب لأهداف الثورة ويثبت مضامينها الديمقراطية والاجتماعية لذلك يكون من خطل الرأي وخطإ القول الاعتقاد بأن أحداث القصبة 1و2 والدعوة إلى مجلس تأسيسي من الأسباب المباشرة للفشل.
هناك من يرى الحل في العودة إلى نظام رئاسي قوي وديمقراطي تجنبا لتعطيل سير مصالح الدولة والمؤسسات. ما تعليقك على ذلك؟
في تصوّري يبقى نظام الحكم أيّا كان رئاسيا أو برلمانيا أو قائما على الخلط مسألة شكلية لأننا نجد تجارب ناجحة في كل نظام وبالمثل نجد تجارب يحكمها الفشل. وبودّي أن أعلّق عن مسألة القوة فنظام بن علي كان قويا فعلا لكنها قوة متسلطة وقهرية اسست لنظام كليبتو كراسي cleptocratie أي نظام لصوصي يقوم على السرقة والفساد لمقدرات الشعب في حين ان القوة في التصور الديمقراطي هي القوة الشرعية التي تمثلها سيادة دولة القانون والمؤسسات، يقول بول فلري «اذ كانت الدولة قوية فهي تقهرنا واذ كانت ضعيفة مآلنا الهلاك» المعادلة هنا في كيفية احداث التوازن بين القوة والحقّ وبين السيادة والمواطنة وبين القانون والحرية.
وان نجاح أيّ نظام حكم يحتاج ضمن ما يحتاج إلى وضوح في الرؤية يصاغ في استراتيجيا التغير الاجتماعي والسياسي ورسم الخطوات المتعاقبة لتحقيق الاهداف مع الاحتكام الى الشفافية درءا لكل فساد وأعتقد أن البيروقراطية أصبحت اليوم تشكل عبئا ثقيلا على سيولة القرارات ويُسر تحققها بحيث تحتاج ادارتنا إلى ثورة.
مبادرات عدة من أجل لمّ شمل العائلة الدستورية التي يرى البعض أنه ينتظر أن تكون البديل الأقوى؟
سأجيب عن هذا السؤال بتقديم ثلاث ملاحظات: أولها ان القوى التي جربها شعب هي قوى ثورية مزعومة وخير دليل على ذلك ما ترتب عن حكمها من كوارث تتناقض مع انتظارات شعبنا في الشغل والكرامة والعدالة الاجتماعية والجهوية أنهم «يربطون في موضع ويحلون في آخر» أي أنهم ثوريّون قولا ورجعيّون فعلا. ثانيها ما يسمى بالعائلة الدستورية ومشاريع التجميع هو شأن يخصّ أصحابه ويبقى شعبنا هو صاحب القول الفصل في اختيارهم من عدمه مع ملاحظة أنه لا يمكننا أن نأمل النجاح مع «من يعيشون الحاضر بعقل أُعدّ للماضي» كما يقول هيغل. ثالثها لو نطبق مسألة تكافؤ الفرص بين الأحزاب سواء في الظهور الاعلامي أو في عدالة التمويل ويتحول الصراع الى صراع برامج ومشاريع ستكون «الجبهة الشعبية» الرقم الصعب في المعادلات السياسية لتونس.
كيف تقرؤون مبادرة المرزوقي و«حراكه» الجديد خاصة أن البعض يعتبره نسخة جديدة من حزبه السابق؟
من جهة المبدإ من حق السيد منصف المرزوقي كما من حق غيره من التونسيين أن ينخرط في الفعل السياسي الحزبي سواء انتماء أو إحداثا لأن الأمر مكفول دستوريا. أما مسألة نجاحه أو فشله فإنها تحتاج إلى عرّاف أو منجّم وأنا لست كذلك.
ونحن في «الجبهة الشعبية» وبقطع النظر عن آرائنا ومواقفنا من الرموز والأحزاب نعتقد أن الشعب يظلّ صاحب الاختيار وليس لنا أن نصادر حقه في ذلك.
كان هناك اعتراض كبير على مشروع الميزانية من طرف «الجبهة الشعبية» في حين أن المتخصّصين في المالية اعتبروا أن قيادييها يركزون على الهوامش ويهملون الخطوط الأساسية والمقاصد العامة التي في مجملها حميدة، ما رأيك؟
نحن في «التيار الشعبي» و«الجبهة الشعبية» لا ننظر عموما بعين الرضا لمشاريع الحكومة لأنه ليست لنا أوهام في سياسات مملاة من مؤسسات «بريتن وودز» سيئة الذكر وأن فلسفة الميزانية وقانون المالية يؤبدان نموذجا تنمويا أثبت افلاسه فهو لا يختلف عن سياسات النّظام السابق التي كرّست الحيف الاجتماعي والجهوي وهو ما يجعلني اتهم من صاغها بالحمق, فالأحمق حسب انشتاين «هو ذاك الذي يقتفي نفس المسالك والخطوات وينتظر نتائج مغايرة».
ينضاف إلى ذلك أن اعتراض المحكمة الدستورية المؤقتة على بعض فصول قانون الماليّة هو فشل آخر للطاقم الحاكم ودليل على أن الدولة التي لا تحترم جميع أبنائها ولا تكون عادلة إلى حدّ ما في توزيع الثروة وتوزيع الاهتمام يجعلها دولة فاشلة لذلك تدعو «الجبهة الشعبية» إلى مراعاة الحدّ الأدنى للعيش الكريم لجماهير شعبنا الذين طال انتظارهم.
مخاوف كبيرة من تواصل تمزق الحزب الأول في البلاد. هل هي مشروعة؟ هل هي مبالغ فيها؟ أيّة تداعيات لذلك سياسيا على المدى القريب؟
يعرف الحزب في العلوم السياسية على أنه تنظيم سياسي يهدف إلى الحكم تنفيذا لسياساته ورؤاه وهو وحدة فكرية وتنظيمية وأعتقد أننا لا نجد صدى لهذا التعريف في «نداء تونس» لأنه قد تبلور نشأة وبناء على مركزية مؤسسه كرمز لوحدته وعنوان للتسويق السياسي فائتلفت معه جموع جاءت من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق متنوعة المشارب والأفكار والتجارب ولم تنجح في تحويل تنوعها إلى رافد يثري وحدة الحزب لأن أغلبها كان مهرولا للحكم وهو أمر مصاحب لكل حزب لا يحمل مشروعا مجتمعيا واضحا. لذلك بقدر ما كان النجاح سريعا كان التصدع والانقسام أسرع ولسائل أن يتساءل هل هو صراع برامج وتوجّهات يتخفى وراءها البعض اليوم؟ الاجابة حتما بالنفي والدليل أن كلا الشقين أعلن مساندته اللامشروطة للحكومة. اذن الصراع من قبل ومن بعد هو صراع حول المواقع ومن يكون من الوارثين؟ ولعلّني أستحضر في هذا السياق واقعة الصراع بين المهاجرين والأنصار عشية وفاة الرسول الكريم فاتجه عمر بن الخطاب إلى العباس عم الرسول ليقنعه بمبايعة أبي بكر حتى تبقى الخلافة في قريش فأجابه هذا الأخير «محمد شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها» واذ كنا نشهد في هذه الحالة انتصارا للجيران على الأغصان فإننا مع «نداء تونس» نشهد ثأر الأغصان من الجيران وتمترس السيد الباجي قائد السبسي مع شقّ الابن.
هناك سؤال يتكرر دائما: من يحكم تونس اليوم؟
ضمنيا يحيلنا هذا السؤال على أن من يحكم في الظاهر وهو في الواقع ليس سيّد أمره وكأننا بصدد حكومة للعلن وحكومة ظلّ تمارس نفوذها على الخيارات السياسية للدولة ولنا في ذلك مؤشرات تعاظم التهريب ولوبي المهربين يصاحبه عجز الدولة على المواجهة رغم قناعة الجميع بترابط التهريب بالإرهاب وما يشكله من اضرار على الاقتصاد والأمن. بعض رجال الأعمال الذين يغطي وجودهم مجالات الفضاء العمومي فيمتلكون القنوات التلفزية والاذاعات والأحزاب وبعضهم ينتمي إلى مجلس الشعب والبعض الآخر جزء من الحكومة وهذا الحضور ليس برئيا بقدر ما يشكل مدخلا للتأثير وفرض الوصاية على الدولة برامجا وتوجهات. في سياق متّصل يمكننا الحديث عن التأثيرات الخارجية بدءا بفرض حكومة التكنوقراط الفارطة مرورا بالائتلاف الحاكم بين «النهضة» و«النداء» ووصولا الى مشروع التحالف الاسلامي التي اعلنت عنه العربية السعودية واتفاقية محسن مرزوق حول مكافحة الارهاب كل هذه المعطيات تجعلنا نقر بما لا يدع مجالا للشك ان سيادتنا على القرار الوطني أمر مظنون فيه.
لماذا تصرّون على اتهام القضاء بالتقصير في ملف الشهيدين بلعيد والبراهمي؟
تحكمنا مفارقة في هذه المسألة. فبقدر ثقتنا في عدالة القضاء التونسي بقدر ما تنتابنا بعض الشكوك حول جدية الأبحاث وقدرتها على احقاق الحقّ. فالسيد قاضي التحقيق 13المكلف بملف الشهيد شكري بلعيد تغافل عن الملف البالستي ولم يستدع الخبراء لما يحمله من أهمية في إنارة التحقيق. كما أنه لم يتفاعل ايجابيا مع طلبات الدفاع في إعادة سماع وبحث المتهمين الذين يقدر الدفاع أهميتهم في فك طلاسم القضية. أما في ما يتعلق بقاضي التحقيق12 المكلف بملف الشهيد محمد البراهمي فبقدر ما يحسب للقاضي ايداع المتهم عبد الكريم العبيدي وهو من القيادات الأمنية السجن بقدر ما لم يتحقق ذلك مع قيادات أمنية أخرى والتعامل معها بنفس الكيفية بناء على شبهات تورطها في قضية البراهمي ينضاف إلى ذلك أن الوثيقة المسرّبة من المخابرات الأمريكية إلى وزارة الداخلية تجعلنا نتهم في المستوى الأدنى وزير الداخلية ورئيس الحكومة بالتقصير وبالمسؤولية السياسية والأخلاقية للائتلاف الحاكم.
أين وصلت الحرب على الإرهاب اليوم في تونس؟
اذ كانت الحرب على الارهاب هي حرب غير عادية فإنّ التعاطي معها لا بد أن يكون بشكل استثنائي لا نمطيّ لأننا لا نواجه عدوّا نراه بقدر ما نواجه أعداء بعضهم ظاهر وأغلبهم متخفّ لذلك يتعيّن على الدولة أن تبني استراتيجية مواجهة أكثر جدية مما هي عليه اليوم. فالإرهاب ظاهرة مركبة يتقاطع فيها ومعها الاجتماعي بالثقافي والسياسي ويتعيّن أن نقطع جذور الارهاب من منابعه وهي محاربة الظلم والحيف الاجتماعي وإحداث ثورة ثقافية تكرس ثقافة التعدّد والاختلاف وتسمح للناس بالتعبير والانخراط في اللعبة السياسية بعيدا عن منطق العنف والتكفير إلى جانب استراتيجية دينية تدفع نحو تثقيف ديني يعادي كلّ منابع التفكير التكفيري واصلاح المنظومة التربوية بإدارج برامج تعليمية محيّنة تمنح فرصة للعلوم الاجتماعية بأن يكون لها موقع مهمّ في المنظومة التربوية وفسح المجال واسعا امام الابداع الفني ومساعدة الشباب على تفجير طاقاتهم في الخلق وتعزيز وعيهم بالانتماء الى تونس, هذا دون أن نتغافل عن الردع الأمني الذي يبقى حاسما وضروريّا في بعض الظروف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.