بدأت ملامح الاتفاق المبدئي بين صندوق النقد الدولي و الحكومة التونسيّة تتضح بخصوص القرض الائتماني الجديد الذي وعد الصندوق بتقديمه في إطار مساعدة الاقتصاد التونسي على تخطي المرحلة الصعبة حيث أعلنت بعثة صندوق النقد الدولي أوّل أمس أن الصندوق سيستكمل خلال الأسابيع القادمة تفاصيل اتفاق قرض لفائدة تونس بقيمة 2.8 مليار دولار أي ما يعادل نحو 5,6 مليار دينار سيقع سحبها على مدى السنوات الأربعة القادمة . ويعد القرض الائتماني الجديد الذي تتطلع الحكومة التونسية للحصول عليه الأكبر في تاريخ تعامل تونس مع صندوق النقد الدولي بل أن «سخاء» المؤسسة المقرضة فاق التوقعات خاصة وان انتظارات الحكومة وحتى المراقبين للشأن الاقتصادي كانت تشير إلى أن البرنامج الجديد لن يتجاوز 1,7 مليار دولار . ويعتبر الخبير الاقتصادي والمختص في المخاطر المالية مراد الحطاب أن الرفع في قيمة القرض بنحو 900 مليون دولار دليل على أن الاقتصاد الوطني وصل إلى مرحلة التعثر التام وأنه لم يعد لدى تونس أي هامش تحرك للخروج على السوق الدولية للاقتراض وان ذلك دعا صندوق النقد الدولي إلى إسعافها بقرض فاقت قيمته التوقعات مشيرا إلى أن الدولة في حاجة ماسة إلى هذا القرض حتى تتمكن من تسديد خدمة الديون السابقة والإيفاء بتعهداتها من نفقات تصرف ومشاريع استثمارية وغيرها ... وأشار مراد الحطاب الى أنّ البرنامج الائتماني الجديد سيكون مصحوبا ببروتوكولات واتفاقيات تفرض على تونس الإلتزام بمنوال التنمية الذي سيحدده الصندوق لافتا إلى أن التعديلات الاقتصادية والاجتماعية الهيكلية قادمة لا محالة . وكان ممثل صندوق النقد الدولي في تونس «روبرت بلوتيفوغل» قد دعا السلطات التونسية إلى إعادة النظر في نموذجها التنموي، موضحا في حوار مع وكالة « فرانس براس» أنّ المؤشرات الأولى لا تنبئ بحصول انتعاش كبير» في قطاع السياحة الذي يشكل أحد أعمدة اقتصاد بلادنا. وأشار بلوتيفوغل إلى أنّ نسبة النمو الاقتصادي المتوقعة في 2016 «لا تستجيب لتطلعات الشعب التونسي وليست قوية بما يكفي لإحداث فرص عمل للحد من البطالة . ويحتاج الاقتصاد التونسي إلى برنامج إنقاذ بكلفة 25 مليار دولار، على مدى خمس سنوات، يخصص لتطوير البنية التحتية ودعم السلم الاجتماعي وتقوية الأمن وسد العجز في الميزانية في حين ترتفع احتياجات الحكومة من التمويل الأجنبي في 2016 الى 3.6 مليارات دينار. من جانبه أكد محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري أنّ وفد صندوق النقد الدولي إطلع في جولته بتونس على حاجات الاقتصاد التونسي ونقاط ضعفه وقوته مشيرا إلى أن حصيلة هذه الجولة ستضمّن في التقرير الذي سيرفع الشهر القادم لأصحاب القرار في صندوق النقد الدولي. ويأتي اعلان صندوق النقد الدولي عن قيمة القرض الائتماني الجديد بالتوازي مع تأكيد وكالة «موديز» ان التصنيف الإئتماني السيادي لتونس فى مستوى «ب أ 3» مع آفاق مستقبلية مستقرة وهو ما وصفه الخبير الإقتصادي فتحي النوري بالمقبول تماشيا مع الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد. وأكد النوري فى تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء «وات» ان التوجه العام نحو التحكم في المؤشرات والتوازنات الإقتصادية الكبرى قد أدى الى استقرارها، من ذلك انخفاض نسبة التضخم الى 3.2 بالمائة في 2016 (5.7 المائة في 2013) وحصر عجز الميزانية فى حدود 4 بالمائة واستقرار عجز الميزان الجاري. كما أشار النوري الى ان القيام بالإصلاحات الهيكلية اللازمة في القطاع البنكي والشروع في إعداد مجلة استثمار جديدة وارساء منوال تنموي جديد مثلت جمعيها بوادر ايجابية للخروج من الأزمة، حسب ذات الخبير. واعتبر النوري ان بلوغ احتياطي تونس من النقد الأجنبي حدود 123 يوم توريد حاليا (تجاوز الحد الادنى 90 يوما) يدلّ على أن الاقتصاد التونسي قد تجاوز مرحلة الخطر الى مرحلة الاستقرار والإصلاحات ليمر لاحقا الى مرحلة الانجاز. وفي المقابل وصف النوري الوضع الاجتماعي في تونس ب «نقطة الضعف» أمام تواصل الضغط الاجتماعي على الحكومة والاعتصامات رغم انخفاضها.