7 شريعة الذئاب: أزمة سوق الشغل «إلغوا الضرائب الجمركية، وادعموا التجارة، عندئذ سيهبط عمالنا في كل فرع من فروع الاقتصاد - كما هو الحال في أوروبا - الى مستوى رقيق وبؤساء» هذا الكتاب خطير.. خطير في معلوماته.. وخطير في دلالاته لأنه يكشف المستقبل الذي يحضره حكام العالم الخفيّين للبشرية.. أولئك الذين أوغلوا في عبادة المال الى درجة جعلت منهم وحوشا لا يتردّدون في تنفيذ مخططاتهم لوضع سكان المعمورة تحت أقدامهم.. عالمهم عالم متوحّش لا يرحم.. يستعملون للوصول الى غاياتهم كل الوسائل.. إله هؤلاء الوحيد هو الفلس والثروة.. أمّا البشر فهم عجين يطوّع حسب أهوائهم ورغباتهم ولا يهمّهم قتل شعب أو شعوب لنهب الثروة أو الثروات.. آخر ما تفتّقت عنه أذهان منظريهم سلاح العولمة التي تكسر كلّ الحدود وتدمّر بُنى كل الدول والحدود حتى يخلو لهم الجوّ ويفرضون حضارة السوق.. وحتى شعارات الديمقراطية والحرية التي يتستر وراءها بيادقهم فهي «شعارات الأسود» لأنهم يعتبرون العالم غابة يحكمها قانون القوي ولا مكان فيها للضعيف.. وسيكتشف القارىء في الفقرات المطولة التي اختارت «التونسية» نشرها من هذا الكتاب كيف يساق «قطيع البشر» الى مصير بائس يتمتع فيه 20 ٪ من سكان الأرض ب 80 ٪ من ثرواتها وخيراتها فيما يموت البقية جوعا وحرمانا. و«فخّ العولمة» كتاب من تأليف هانس بيترمارتين وهارالد شومان ترجمه الى العربية د. عدنان عباس علي وقدمه وراجعه د. رمزي زكي وصدر عن سلسلة «عالم المعرفة».في مدينة ديربورن Dearborn في ولاية ميتشغان الأمريكية، يعمل من خلف عدد لا يحصى من شاشات الكمبيوتر أثمن المهندسين لدى مؤسسة «فورد»، هذه المؤسسة التي تحتل المرتبة الثانية في قائمة منتجي السيارات في العالم. ويصور هؤلاء، دونما تكلف، التعايش المنسجم بين الإنسان والآلة. فها هو أحد مصممي هياكل السيارات يمر بقلمه المربوط بالكمبيوتر على لوحة الرسم الإلكترومغناطيسية المنصوبة على مكتبه. وبخط سريع هنا وخط سريع هناك، سرعان ما تظهر على الشاشة ملامح تلك العربة التي ربما ستتحول في ما بعد الى موديل فورد الجديد الذي يستقطب في قاعات العرض أنظار الزبائن. وعلى نحو مفاجئ يتعالى من مذياع لا يراه المرء إلا بالكاد ينتصب إلى جانب الشاشة صوت يقول: «إن هذا نال إعجابي كثيرا»، ويمضي هذا الشخص المجهول يعلق على المخطط قائلا: «ولكن أليس من الأفضل أن نغير المخطط على هذا النحو؟» وكما لو أن العمل يتم من خلال يد شبح، يتغير مخطط العربة على شاشة الكمبيوتر فتصبح العربة متكورة إلى حد ما وتغدو في جوانبها أكثر حُزُوزا. ويقيم المشارك في الرسم في مدينة كولون، مركز مؤسسة فورد الرئيسي في أوروبا. وفي سياق جهودهم للمواءمة بين الأفكار والتصورات الأوروبية والأمريكية واليابانية أيضا، يعمل المصممون في ألمانيا وفي Dearborn في بعض الأحيان في آن واحد، وفي أحيان أخرى بالتناوب، أي حسب مقتضيات دوريات العمل. وفي متناول أيديهم هناك أجهزة كمبيوتر من صنع Silicon graphics في كل مكان; كما تُشكل خمسة مراكر بحثية منتشرة في قارات العالم استوديو واحدا شاملا مختصا بتصميم السيارات، وبالقيام بفحوص حاذقة ورائعة لما ستتركه الاصطدامات من آثار في العربة وباحتساب آثار الرياح في توازنها. وخلافا لما كان سائدا لم تعد هذه الفحوص والأبحاث تميز بين الموديلات المختلفة حسب بلد الإنتاج، بل صارت سارية المفعول للموديل المصنع في كل مواقع الإنتاج المختلفة. ويشكل التصميم بواسطة الفيديو واستخدام الربط الإلكتروني المتخطي للمحيطات والفوارق الزمنية، جزءا من مشروع فاق بجذريته كل المشاريع الأخرى التي كانت مؤسسة فورد قد طبقتها في السابق، في سياق جهودها لإعادة هيكلة المؤسسة. فمنذ مطلع 1995 لم تعد كل شركة إقليمية تابعة تطور بنفسها الموديلات التي تنتجها، كما لم تعد هناك حاجة إلى أن يكون ثمة فريق عمل يضع التصميم وفريق عمل ثان يطوره وفريق عمل ثالث يقوم بالمواءمة. بدلا من هذا اتخذ رئيس مؤسسة فورد الراحل أليكس تروتمان Alex Trottman قرارا بدمج الشركات القديمة التابعة للمؤسسة في وحدتين كبيرتين، تُشبعان حاجة الأسواق في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية وفي آسيا وأمريكا اللاتينية أيضا. وبالتالي فما كان يبدو حتى زمن قريب بطيئا معقدا، أعني استخدام التقنية الحديثة للمعلومات( Informationstechnik)، قد فتح الباب على مصراعيه الآن لأن تتّحد وتتكامل أجزاء المؤسسة العالمية الطابع. وسواء تعلق الأمر بالتطور أو بالمشتريات أو بالتسويق، استطاعت مؤسسة فورد أن تحقق، عبر وسائل الربط الإلكتروني الحديثة، الحالة المثلى على المستوى العالمي وصار بوسعها تفادي الازدواجية في العمل حتى في أبعد فروعها. وتتمثل حصيلة كل هذه الجهود ب srac global (السيارات المعولمة)، التي وضعت مؤسسة فورد من خلالها معيارا عالميا يؤشر إلى الطريقة التي يُروض بها إنتاجُ السيارات ليصل إلى أعلى جدارة ممكنة التحقيق. فالتغييرات تقتصد تكاليف تصل إلى المليارات وتؤدي إلى احتمال أن يفقد آلاف كثيرة من الإداريين والمهندسين والباعة، ذوي الكفاءة والرواتب العالية فرص عملهم. وإذا كان المصممون لدى فورد قد احتاجوا إلى شهرين وإلى عشرين حلقة عمل دولية حتى ينتهوا من تصميم الموديل المسمى مونديو ( Mondeo )، هذا الموديل الذي كان قد بيع في كل أرجاء المعمورة، فإن خمسة عشر يوم عمل وثلاثة اجتماعات تداول، كانت كافية لكي يعطي مجلس الإدارة الضوء الأخضر للبدء بإنتاج الموديل الجديد المسمى تورو Tauru، الأمر الذي يعني ارتفاعا في الجدارة قد زاد على المائة بالمائة. إن ما وصفته المجلة الاقتصادية The Economist ب«الثورة لدى فورد»، لم يتحقق بسبب ضغوط أفرزتها مشكلة مالية معينة. فالمؤسسة كانت قد جنت في عام 1994 أرباحا تجاوزت ستة المليارات دولار. إن Trottman وفريقه الإداري في قيادة الموسسة، حققوا فقط ما أتاحه لهم استخدام أحدث تكنولوجية في شبكة الربط الشمولية. ولاشك في أن الجميع سيقتفون خطى هذا التطور وليس قطاع السيارات فقط. فبالنسبة لكل قطاع وكل مهنة هناك ثورة جذرية في عالم العمل، ثورة لن يسلم منها أحد إلا بالكاد. ولقد ضاعت سدى كل الجهود التي بذلها السياسيون والاقتصاديون، للعثور على بدائل لفرص العمل الضائعة في مؤسسة بناء السفن فڤولكان Vulkan ومصانع إنتاج الطائرات داسا Dasa، أو في مصانع فولس فاغن لإنتاج السيارات. كما انتشر الخوف من ضياع فرصة العمل بين العاملين في المكاتب أيضا، وراح يلقي بظلاله حتى على تلك القطاعات الاقتصادية التي كانت إلى حين من الزمن في منأى من مغبته. وأضحت الأعمال، التي كان المرء يرى فيها مهنة سيستمر العمر كله في تأديتها، فرصا مؤقتة. ومن كان في الأمس متخصصا بمهنة ذات مستقبل براق، صار مهددا بأن تتحول كل كفاءاته بين ليلة وضحاها إلى قدرات لا قيمة لها.