تمثّل المعارضة في الأنظمة الديمقراطية السلطة المضادة وتعمل على مراقبة عمل الأغلبية الحاكمة كما أنّها تعكس من خلال برامجها وفي خطابها هموم المواطنين وهي في نفس الوقت قوّة ضغط حتى لا يزيغ الحكم عن المسار الديمقراطي وبالتالي فهي إحدى الركائز الأساسية للمسار الديمقراطي فهي تقوم بدور النقد البناء بهدف تطوير أداء الحكومة دون عرقلة عملها وتسعى من خلال الطرق المشروعة و السلمية وباعتماد آليات الديمقراطية أي الانتخابات للوصول إلى السلطة. وفي هذا الإطار لا وجود لديمقراطية دون معارضة كما أن وجود أحزاب سياسية لا يعني بالضرورة وجود الديمقراطية و لعلّ حقبة ما قبل الثورات العربية خير دليل على ذلك إذ كانت الأحزاب غير الحاكمة تلعب دور المساند أو المعاضد للحزب الحاكم لذلك سمّيت «بأحزاب المعاضدة». ولعلّ دور المعارضة يكبر كلّما كان الحكم قويّا و يتعاظم في الديمقراطيات الناشئة مثل الديمقراطية التونسية التي دخلت بعد انتخابات 23 أكتوبر الأخيرة منعرجا حاسما يتوجّب على الجميع استشعار خطورته واستحضار المبادئ التي قامت عليها الثورة واستشراف الطرق المثلى لتجسيمها على أرض الواقع في هذا الظرف بالذات الذي تدخل فيه بلادنا مرحلة دقيقة بكلّ المقاييس يتّفق الجميع على خطورتها كما تتفق كلّ الأطراف على أنّ البلاد قد دخلت مرحلة الشرعية وعلى أنّ كلّ التحركات لا بدّ أن تندرج في هذا الإطار. إن الجدل القائم اليوم بين الحكومة والمعارضة حول تقييم أداء هذه الأخيرة والذي يصل أحيانا إلى حدّ العقم وأنّ الاحتجاجات و الانتقادات والمناورات السياسية من هذا الطرف أو ذاك من شأنها أن تعرقل عملية البناء الديمقراطي وأن تطيل أمده. فلا الأغلبية الحاكمة لها الحق في التفرّد بكل القرارات والمبادرات ولا المعارضة لها الحق في عرقلة عملها والدعوة إلى إسقاطها بطرق غير شرعية. فلا يجوز المعارضة من أجل المعارضة بل على الأحزاب المتواجدة خارج السلطة أن تعمل على تقديم البدائل أمام الناخبين وتستفيد من أخطاء الحكومة لتوطيد مكانتها لدى المواطنين وهو ما سيضطر الائتلاف الحاكم إلى إيلاء مقترحاتها الأهمية التي تستحق خاصة إذا كانت هذه المقترحات مرتكزة على بحوث علمية ودراسات استشرافية وفي هذه الحالة يمكنها تحسين أداء الحكومة ودفعها إلى توجيه سياستها وفق هذه المقترحات. لقد عرفت جلّ الأحزاب السياسية إن لم أقل كلّها باستثناء حركة النهضة حالة من الانشقاقات والركود بعد انتخابات المجلس التأسيسي حتىّ أنّ العديد منها قد اندثر أو هو في طريقه إلى الاندثار. كما أنّ محاولات الاندماج وإعادة التنظّم و التشكّل لم تتضّح بعد للعيان ممّا جعل المشهد السياسي يتسّم بالضبابية التي قد تخلق نوعا من الفراغ الذي يصعب ملؤه وقد ولّد هذا المخاض العسير نوعا من الشعور بالغبن لدى مناصري هذه الأحزاب و منخرطيها ومناضليها و أقصد بالخصوص تلك الأحزاب التي ساهمت على مدى سنوات من خلال معارضتها وانتقاداتها ومواقفها السياسية ضدّ النظام السابق وساعدت بإمكانياتها المحدودة المتاحة على إطلاق شرارة الثورة والتي لم تعكس نتائج الانتخابات الأخيرة طموحاتها مما أثّر على أدائها وجعلها غير قادرة على تجاوز مخلفات هذا الاستحقاق. إنّ محاولات القفز على الواقع من قبل البعض وادعاء الوصاية على هذه المرحلة من خلال تقديم نفسه خارج أطر الشرعية التي تمثّل في حدّ ذاتها الإرادة الشعبية مثل ما هو الحال بالنسبة لهذه المجموعات التي لازالت تتحدّث باسم الثورة وتدّعي حمايتها من كلّ زيغ هو عمل مرفوض يجب على الجميع التصدّي له كما أنّّ مهمّة الأحزاب سواء كانت في المعارضة أم في الحكم، هي تطوير القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومساندتها وحمايتها في صفوف الأحزاب ذاتها. فالحكومة و المعارضة تقفان اليوم و على حدّ السواء أمام تحدّيات كبرى ولا تختلفان في المبادئ الأساسية بقدر ما تختلفان في الطرق والأساليب الكفيلة بتحقيقها و كذلك في تفاصيل الأولويات وبالتالي فإنّ التوافق ضروري في هذه المرحلة ولن يتمّ التوصل إليه إلاّ من خلال التواصل و الحوار لأنّ سلامة المسار الديمقراطي يتوقّف على هذا التمشي المتوازن والعمل على إيجاد رؤى مشتركة لوضع أسس الديمقراطية والمشاركة السياسية فلا الانفراد بالحكم حتىّ وإن اكتسب بصفة شرعية ولا المعارضة من أجل المعارضة يساهمان في بناء الديمقراطية.