نظمت أمس جمعية القضاة التونسيين بنزل «الديبلوماسي» بالعاصمة بالاشتراك مع منظمة «هانس سايدل» المغرب العربي ندوة علمية بعنوان «القضاء العسكري في تونس: أي مستقبل؟» برئاسة القاضية روضة القرافي نائبة رئيس جمعية القضاة التونسيين. وأكدت القاضية روضة القرافي أن جمعية القضاة حرصت من خلال ندواتها العلمية على إصلاح المنظومة القضائية بفروعها العدلي والإداري والمالي لتصل اليوم إلى القضاء العسكري الذي أصبح يتصدر المشهد القضائي حيث أنه استأثر بجانب هام من قضايا المحاسبة (جرائم قتل الشهداء) مضيفة أنه تم تضخيم دور القضاء العسكري بعد ثورة 14 جانفي فأثار ذلك جدلا كبيرا حيث أنه لا تتوفر فيه ضمانات استقلالية القضاء والمحاكمة العادلة. وفي مداخلته التي جاءت تحت عنوان «القضاء العسكري والتحولات السياسية» أفاد القاضي فيصل المنصر نائب رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء أن المؤسسة العسكرية لعبت دورا خلال التحولات السياسية التي عرفتها تونس من ذلك أنها لعبت دورا كبيرا في محاكمة لزهر الشرايطي ومجموعته مشيرا إلى أن القضاء العسكري أصدر أحكاما بالإعدام دون توفير ضمانات محاكمة عادلة. وأضاف القاضي فيصل المنصر أن القضاء العسكري لعب دورا هاما في تصفية الخصوم السياسيين لبن علي من ذلك القوميون واليساريون والإسلاميون حيث أنه أصدر أحكاما ضدّ من هم الآن في السلطة. وأكد نائب رئيس المرصد المذكور أنه بعد ثورة 14 جانفي تمت إعادة الاعتبار للقضاء العسكري مضيفا أن ذلك لا يبرّر إحالة أغلب ملفات الثورة إليه وهو ما جعل بعض القضاة (ينتمون إلى المؤسسة القضائية العسكرية) يخشون هذه السياسة الجديدة والمتمثلة في توسيع وتدعيم وتكريس هيمنة القضاء العسكري مشيرا إلى أنه تم إصدار مرسوم 29 جويلية 2011 المتعلق بإتمام مجلة المرافعات والعقوبات السياسية وهو أول مرسوم يصدر بعد 14 جانفي. وفي ختام مداخلته قال القاضي فيصل المنصر إن هناك توجهات داخل السلطة وهي المرور إلى المصالحة أولا مبرّرا ذلك بتكليف لجان غير قضائية بالنظر في ملفات الفساد وتوجيه ملفات هامة للقضاء العسكري وإبعاد القضاء العدلي عن جميع القضايا الهامة. وقدّم القاضي سامي بن هويدة مساعد المدّعي العام بإدارة المصالح العدلية بوزارة العدل مداخلة تحت عنوان «نحو إلغاء المحاكم العسكرية وإرساء نظام قضاء عدلي موحد» أكد من خلالها أن تاريخ القضاء العسكري غير محمود حيث أنه أعدم وقهر وشرّد يوسفيين وقوميين ويساريين وإسلاميين وها هم أبناؤهم اليوم يبحثون عن رفاتهم.. وأضاف القاضي سامي بن هويدي أن مسألة توسيع صلاحيات القضاء العسكري وجدت انتقادا كبيرا من بعض رجال القانون ومن بعض المنظمات الحقوقية التي طالبت بالحدّ من تغوّل القضاء العسكري وتضييق مجال نظره في حدود الجرائم العسكرية أي الجرائم المرتكبة من طرف العسكريين المتعلقة بمخالفتهم للنظام العسكري والمرتكبة عادة داخل الثكنات والمعسكرات. وأكد القاضي سامي بن هويدة أن هناك توجها واضحا بعد الثورة يرمي إلى الإبقاء على المحاكم العسكرية من خلال سن مراسيم وإنشاء محاكم استئنافية عسكرية قائلا: «إن الملفت للانتباه في قضائنا العسكري أنه متعهد الآن بالعديد من القضايا الهامة وخاصة منها قضايا الثورة وجرحاها، وقد بلغ عدد تلك القضايا ما يقارب 275 قضية وهي تتعلق بجرائم القتل والمشاركة في ذلك ومحاولة القتل»، مشيرا إلى أن العديد من المحاكم العدلية قد تخلّت عن قضايا تهمّ الشهداء والجرحى لفائدة المحكمة العسكرية. وطرح القاضي سامي بن هويدي سؤالا مفاده: هل يمكن اعتبار تخلّي المحاكم العدلية لفائدة المحاكم العسكرية عن قضايا كبرى اعترافا بالأهمية المتميزة للمحكمة العسكرية أم هو إذعان لمقتضيات القانون وخاصة مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية؟ وأجاب عن هذا الإشكال قائلا: «إنه من الضروري الاعتراف بأن الحكومة المؤقتة الأولى المنبثقة عن الثورة والفاقدة للشرعية، كانت متمسكة بإيلاء القضاء العسكري الأهمية القصوى وتطويره وتوسيع مجال نظره». وأشار أيضا إلى أن المدافعين عن القضاء العسكري يرون أن المحكمة العسكرية لا تختلف عن المحاكم العدلية وذلك من خلال تحقيقها للمحاكمة العادلة والمحافظة على حقوق المتقاضين وحماية أموالهم وأعراضهم مستندين في ذلك إلى صدور المرسومين عدد 69 و70 لسنة 2011 المؤرخين في 29/07/2011 والمتعلقين بتنقيح وإتمام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية وبتنظيم القضاء العسكري وضبط النظام الأساسي للقضاة العسكريين. وأوضح القاضي بن هويدة أن المرسوم عدد 69 ذهب نحو توسيع ولاية المحاكم العسكرية وتخويلها البتّ في الجرائم التي يرتكبها العسكريون أثناء أدائهم لوظائفهم العسكرية وحتى جرائم الحق العام التي لا علاقة لها بالوظيفة العسكرية ولا تنال من النظام العام العسكري والتي يرتكبها عسكري خارج الخدمة، مشيرا إلى أن هذا التوجه لم يلق استحسان رجال القانون وفقهائه. وأفاد مساعد المدّعي العام بإدارة المصالح العدلية أن تحقيق محاكمة عادلة يستوجب توفر جملة من العوامل منها تطهير المحكمة العسكرية من رموز الفساد الذين يباشرون وظائفهم إلى حدّ اليوم بالمحاكم العسكرية، وإلغاء خطة وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري واعتماد شَرْطي النزاهة والكفاءة عند إلحاق القضاة العدليين بالمحاكم العسكرية واستبعاد بعض الإلحاقات المشبوهة. وصرّح القاضي بن هويدة أن الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي ساهم في إنجاح عمليات تصفية الخصوم السياسيين لبورقيبة باعتباره مدير الأمن سنة 1962 كما تولى منصب وزير الداخلية وهو محل تتبع جزائي في قضايا تعذيب مشيرا إلى أنه يوجد مسؤول هام في القضاء العسكري الآن تولى مهمة حاكم تحقيق سابقا وقام بتعذيب أشخاص ينتمون إلى حركة «النهضة» وأمنيين (براكة الساحل) وكان يملي على كاتبه عكس ما يصرّح به المتهمون إلى جانب أنه أصدر بطاقة جلب آنذاك في حق فيصل بركات والحال أنه توفي جراء التعذيب. وختم القاضي بن هويدة كلامه قائلا: «إن القضاء العسكري واصل انتهاكاته حتى بعد الثورة في بعض القضايا، من ذلك قضية سمير الفرياني وفرحات الراجحي عندما حاولت السلطة إحالته على القضاء العسكري».