"تسعة نواب تقدّموا بمقترح إلى رئيس المجلس ليتم تخفيض رواتب النواب بنسبة 30 % دعما للخزينة العامة .ويأتي الاقتراح في أعقاب قرار اتخذه مجلس الوزراء بتخفيض رواتب الوزراء بنسبة 20 % لصالح الخزينة، وقرّر مجلس الوزراء تشكيل لجنة تضم وزارات المالية والنقل والأشغال العامة والمياه لتقدّم تصوّرا خلال 10 أيام أي قبل موفى الشهر الجاري حول موضوع السيارات الحكومية تشمل تصوّرا للنفقات والحاجات للسيارات المستخدمة من قبل الفئات الإدارية العليا والوزراء". لا تستعجلوا الأمر بعدم تصديق هذا الخبر فهو ليس دعابة ولا هو «نكتة بايخة» بل هو خبر يقين ولكن لا يتعلّق بتونس بل ... بالأردن. نعم يحدث هذا في المملكة الأردنية الهاشمية التي أقرّت حكومتها يوم 19 ماي الجاري حزمة من الإجراءات التقشّفية عملا «بمبدإ المسؤولية الجماعية العامة» وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد. وقد صادق مجلس النواب الأردني منذ يومين على هذا المقترح مع تعديله «باقتطاع 15% من رواتب النوّاب لمصلحة خزينة الدولة اعتبارا من شهر ماي الحالي ولمدة 6 شهور»، في نفس الوقت كان أوّل قرار اتخذته الحكومة الفرنسية الجديدة في أوّل اجتماع لها برئاسة الرئيس المنتخب «فرنسوا هولاند» التخفيض بنسبة 30 بالمائة في رواتب رئيس الجمهورية والوزير الأوّل وأعضاء الحكومة. أمّا في تونس فقد أثار الحديث عن الترفيع في «شهرية» أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، وأقول الحديث لأنّه في ظل التكتم الشديد والتصريحات المتضاربة أحيانا لا شيء يفيد رسميا أنّ قرارا تمّ اتخاذه في الغرض، جدلا كبيرا في جميع الأوساط السياسية والإعلامية ولدى شرائح عديدة من المواطنين في ظرف تتّسم فيه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بنوع من الاحتقان نظرا للصعوبات التي تمرّ بها البلاد وتدعو فيه الحكومة إلى تجميد الأجور خلال هذه السنة في حين يرفض الاتحاد العام التونسي للشغل مقترح «السنة البيضاء». ولا ندري بالضبط ما هي نسبة الزيادة المقترحة لأعضاء المجلس الوطني التأسيسي ولا المبلغ الذي سيضاف إلى «شهريتهم» ولا طبيعة المنح التي ستدرج في بطاقة الأجر خلال هذا الشهر أو في الأشهر القادمة. ولكن التسريبات تفيد أنّه تمّ التداول حول إضافة منحة السكن تقدر ب900 دينار في الشهر (خام أم صافي ?) ومنحة تنقل بقيمة 600 دينار (خام أم صافي ?) لتصل «الشهرية»إلى حدود 4.800 خام تقريبا، إضافة إلى امتيازات خصوصية لرؤساء اللجان تتمثّل في سيارات وظيفية وما يلزمها من وقود ومكاتب وكتبة ومساعدين...وهي زيادات إن تمّت المصادقة عليها فستثقل بلا شك كاهل الميزانية. صحيح أنّ راتب النائب التونسي من أضعف الرواتب في المنطقة العربية ولكن هل يتحمل الظرف الحالي مثل هذه الزيادة غير المسبوقة في تونس ? وهي زيادة لا نجد لها مثيلا إلا في الجزائر سنة 2008 عندما قرّر الرئيس عبد العزير بوتفليقة مضاعفة المنحة البرلمانية وهي السنة التي سجّل فيها هذا البلد الشقيق مداخيل نفط قياسية وكان بوتفليقة يستعد حينها للفوز بعهدة رئاسية ثالثة بعد إدخال تعديلات على الدستور سمحت له بترشيح نفسه لفترة زمنية ثالثة بدلاً من فترتين فقط كما في السابق، لكن المقارنة لا تجوز إطلاقا بالنظر إلى إمكانيات البلدين. إنّ طرح مسألة الترفيع في رواتب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي في وقت ما زال الشعب التونسي يتطلّع إلى إنجاز ما انتخبوا من أجله أي صياغة دستور جديد للبلاد وقد مرّت أكثر من 6 أشهر على انتصابهم في المقرّ السابق لمجلس النواب بباردو الذي شهد ميلاد أوّل دستور للجمهورية التونسية ، تكتسي في حدّ ذاتها بعدا أخلاقيا، لأّنه وبحسب عديد الملاحظين بمن في ذلك البعض من النواب الذين رفضوا الإمضاء على العريضة المطالبة بالتحسينات المادية لا يجوز لمن أأتمنوا على أوضاع البلاد أن يطالبوا بامتيازات استثنائية وبالحصول على رواتب تضاهي رواتب الوزراء في حين تشهد فيه نسب البطالة ارتفاعا كبيرا والظروف الاجتماعية لشرائح عديدة من التونسيين تدهورا مستمرا والمعيشة غلاء غير مسبوق...وفي وقت دعا فيه رئيس الحكومة حمادي الجبالي «كافة الوزراء وكتاب الدولة والإطارات العليا في الوظيفة العمومية لأخذ المبادرة والتبرّع بخمس رواتبهم لفائدة صندوق الكرامة» الذي ستخصّص عائداته «لدعم موارد الدولة من أجل مجابهة معضلة البطالة وإيجاد حلول جذرية لأزمة التشغيل». أم أنّ أعضاء المجلس التأسيسي غير معنيين بهذه الدعوة ولا بالانسجام مع الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتّخاذها لخفض النفقات ? أم هم «محصّنون» ضدّ كل اقتطاع من أجورهم?