أثار إعلان وزارة العدل عن إعفاء 82 قاضيا ردة فعل عنيفة من طرف جمعية القضاة ونقابة القضاة، إذ لوحت النقابة بالدخول في إضراب مفتوح كرد فعل على هذا الإجراء الذي اعتبرته تعسفا على القضاء. «التونسية» سألت وزير العدل الأستاذ نورالدين البحيري في الموضوع وحصلت على الاجابة. ما تعليقكم على ردود الفعل العنيفة من جمعية القضاة ونقابتهم بعد قرار إعفاء 82 قاضيا؟ نحن نؤكد على أننا جميعا في الوزارة وجمعية القضاة ونقابة القضاة متفقون على ضرورة استمرار مرفق العدالة وضرورة مساءلة كل من يشتبه في ارتكابه لتجاوزات بما يحمي هيبة القضاء وجعله بعيدا عن الشك والريبة وهذا الأمر لا يختلف حوله أحد ولكن الاختلاف يتعلق بآليات الإصلاح في نقطتين هما الإعفاء والهيئة المؤقتة للقضاء العدلي وتركيبتها. ويهمنا التأكيد هنا أن الإعفاء مخوّل قانونا طبق الفصل 44 من القانون الأساسي للقضاة وهي آلية لعلاج أوضاع من يصل بهم الأمر إلى عدم الإتصاف بالمواصفات الدنيا للقاضي بكل ما تحمله صفة القاضي من قيم الحياد والشفافية والنزاهة ونظافة اليد والاستقامة والشرف. وما يعزز شرعية إعتمادنا لآلية الإعفاء هو الحالة الإستثنائية التي تمر بها البلاد في غياب آلية مجلس التأديب لأن المجلس الأعلى للقضاء بصيغته القديمة مشكوك في مصداقيته ولا يمكن لنا اليوم العودة إليه ، كان لزاما علينا إذن أن نتخذ بعض الإجراءات لحماية القضاء والقضاة ومؤسسات الدولة لأن إعفاء من ثبت تجاوزه لا يعني فقط أن يتحمل المخطئ مسؤوليته بل كذلك أن نفرّق بين من أخطأ ومن لم يخطئ حتى لا يظل الإلتباس محيطا بالسلطة القضائية وتتهم في كليتها بالفساد والحال أن القضاة التونسيين هم في أغلبيتهم شرفاء وهذا مبعث افتخار لنا ولا نريد لأحد أن يؤخذ بخطإ غيره. هل توقعتم ردة الفعل العنيفة من جمعية القضاة ونقابة القضاة؟ لا بد ان نفرق بين جمعية القضاة والمكتب التنفيذي لنقابة القضاة وقطاع واسع من السادة القضاة ، أما بالنسبة إلى الجمعية فلم يكن قرار الإعفاء محل خلاف كبير معها بقدر ما كان الخلاف بخصوص الهيئة المؤقتة للقضاء العدلي وأما بالنسبة إلى موقف النقابة فأعتقد أنه من باب التنافس في ساحة القضاة هل تقصد أن نقابة القضاة زايدت على الجمعية بتصعيد اللهجة والتلويح بإضراب مفتوح؟ أنا لا أقول هذا، ولكن المسألة أخذت حجما أكبر من حجمها الطبيعي بكثير لأن مطلب إصلاح القضاء وحتى تطهير القضاء هو مطلب نشترك فيه مع الجمعية ومع النقابة التي عبرت عنه أكثر من مرة في بياناتها. لا تنس أن الرأي العام داخل القضاة يجمع على استبعاد «الفاسدين» قبل أي عملية انتخاب للهيئة المؤقتة حتى لا يصبح الانتخاب بابا لعودة من أخطأ في حق القضاء وحق التونسيين والتطهّر من تجاوزاتهم وأؤكد لكم أن الإعفاء ليس هدفا في حد ذاته ونحن لا نريد أن نخسر أي قاض ولكن الأهم ألا نخسر القضاء .فالإعفاء جزء من عملية إصلاح شامل يمس القوانين والمكانة الدستورية للقضاء والوضع المادي للسادة القضاة والبنية الأساسية للمحاكم وقد تحدثنا عن تطوير الوضع المادي للسادة القضاة مع الجمعية كما مع النقابة وتسريع إقرار الهيئة المؤقتة للقضاء العدلي وهذا التزام منا نسعى إلى تحقيقه في أقرب الآجال حتى تشرف هذه الهيئة المنتخبة على حركة النقل القادمة للقضاة. نحن نتفهم بعض ردود الفعل الآنية فنحن بشر نتأثر ولكن ثقتنا كبيرة في السادة القضاة من نساء ورجال شرفاء حتى لا يتعطل مرفق العدالة ونحن سنعرض مشروع قرار الإعفاء على السيد رئيس الحكومة بعيدا عن أي حسابات فئوية أو سياسية. هل قرار الإعفاء قابل للتراجع؟ السيد رئيس الحكومة هو الذي يمضي أوامر التعيين والإعفاء ونحن نمنح الفرصة لكل من مسّه قرار الإعفاء لشرح بعض الوضعيات أو طلب مراجعة بعض الحالات. سنعرض على السيد رئيس الحكومة مشاريع الأوامر وملفات المعنيين كاملة وما يمكن أن يصلنا من مطالب مراجعة فردية أو من جمعية القضاة أو من نقابة القضاة ونحن نؤكد أنه لا نية لنا في التشفي من أحد. هل مازالت هناك قائمة ثانية للقضاة المعفيين كما لوحتم بذلك؟ لقد قلنا إن هذه قائمة أعددناها بعد بحث دام أشهرا ولم نتعجل ولم نخضع للضغوط التي بلغت حد اتهامنا بالتستر على الفاسدين، فضلنا التريث حتى لا نظلم أحدا وكنا نراجع الملفات حالة بحالة. هل هذه القائمة مفتوحة؟ لا هي مفتوحة ولا مغلقة. ونحن نتمنى أن تكون الأخيرة ولكننا نتحمل مسؤوليتنا في إصلاح القضاء كما على الذين أخطؤوا أن يتحملوا مسؤولياتهم ونحن نأمل أن يتراجع القضاة عن تهديدهم بالإضراب لأن المواطن هو المتضرر الأكبر من مثل هذه الخطوة وأذكر السادة القضاة بأنهم هم الذين حموا المؤسسة القضائية أيام الثورة وهم الذين ضمنوا استمرار مرفق العدالة في أصعب فترات الانفلات الأمني وهم الذين نعول عليهم لتعميق الحوار والسعي إلى الوصول إلى حلول وصيغ وفاقية تستجيب لمطالب القضاة وتحفظ هيبة القضاء ومصالح المواطن ولا تحمي الفاسدين. هل حدث اتصال بينكم وبين نقابة القضاة وجمعية القضاة في اليومين الأخيرين؟ الاتصالات لم تنقطع وهي مستمرة بأشكال مختلفة، ونحن جادون في سعينا إلى حلول باعتماد الحوار. ماذا لو صمّم القضاة على شن الإضراب؟ أعتقد أن السادة القضاة متشبعون بروح وطنية عالية وهم يعون خطورة تعطيل مرفق العدالة ونحن نأمل أن يتجاوز الاخوة في نقابة القضاة ردة الفعل الآنية والعودة إلى طاولة الحوار للوصول إلى حلول تضمن سلامة القضاء واستمراره وهيبته ومحاسبة من أخطأ . ألا تخشون أن يتم الطعن من طرف المتقاضين في أحكام أصدرها القضاة الذين تم إعفاؤهم؟ حق مراجعة الأحكام مكفول في القانون سواء كان في ظل إعفاء القضاة أو غيره لذلك فقرار الإعفاء لن يغير شيئا ولن يزيد شيئا لأن القانون أعطى للمتقاضين حق التظلم . وأتمنى صادقا والسادة القضاة يعرفون كم أحترمهم وأقدر صمودهم سنوات النظام البائد ألا يفهم الرأي العام ردة الفعل هذه والتلويح بالإضراب على أنها حماية للفاسدين وتستر عليهم فنحن في غنى عن هذه الشبهة ومسعانا هو رفع الالتباس من أذهان الناس وصون هيبة القضاء لأن العدل هو أساس العمران ولكن للعدل شروط لا يمكننا أن نغض البصر عمن غفل عنها عمدا أو تلاعب بها أو خرقها لأن في ذلك إضاعة لحقوق المواطنين وضرب للقضاء ومس من شرف السادة القضاة.