شهر رمضان... هو ذلك الضيف خفيف الظل الذي يحل بيننا سنويا لنحتفي ونحتفل بمقدمه ونشتاق للقائه مجددا بمجرد رحيله رغم ما أصاب جيوبنا وأبداننا من تعب ووهن وإنهاك. هو شهر وإلى جانب ما يُميّزه من الجانب الروحاني بما من شأنه أن يربط صلة وثيقة بيننا وبين الله سبحانه وتعالى، فإنه يتميّز أيضا بعديد العادات والتقاليد التي وإن اختلفت من منطقة إلى أخرى فإنها تشترك في بعض النقاط والتي من بينها «طبّال رمضان» أو «بو طبيلة» أو «الطّبابلي» كما يُسمّى في بعض المناطق. وإن اختلفت التّسميات، فإن المُسمّى واحد وهو ذلك الشخص الذي يتنقّل بين الأحياء في ساعة متأخرة من الليل ليُوقظ المتساكنين من أجل تناول وجبة السحور. ولكن مع تغيّر الزمان ومع ما يعيشه عصرنا الحالي من ثورة لتكنولوجيا المعلومات والاتصال وما سببّه من اندثار عديد العادات والتقاليد، لسائل أن يسأل هل تجاوز الزمن «بو طبيلة» خاصة وان السهرات تتواصل إلى السحور سواء في المقاهي أو أمام الحاسوب وهو ما ينفي الحاجة إلى إيقاظهم؟ أم أن الأمر بقي مرتبطا بعادة ملتصقة بشهر رمضان المعظم أو ربما باعتبارات مادية مرتبطة بالطّبابلية أنفسهم؟... «التونسية» انتقلت إلى حي الحبيب أحد الأحياء الشعبية بصفاقس الغربية فكان التحقيق التالي... التقينا أوّلا بأهل الميدان، فكان اللقاء مع العم مصطفى أو « زميم الطبّالة» كما يحلو لأهل المنطقة تسميته، وهو في الستينات من العمر احترف هذه المهنة منذ سنوات، ويقول في هذا الصدد: «هي ليست مهنة أو حرفة بقدر ما هي هواية، فأنا أعرف كل أهل المنطقة بأبنائهم وأحفادهم، لذا من الطبيعي أن أكون أنا «طبّال» رمضان، وأنا لا أحتاج في ذلك لإعداد قائمات إسمية أو غيرها، فالكل أعرفهم ويعرفونني... وما أقوم به من دعوتهم لتناول وجبة السحور أعتبره واجبا أو ربما ردا لجميلهم ولإحسانهم لي طوال السنة» وفي المقابل، أشار الطالب خالد ذو العشرين ربيعا، وأنه أيضا طبّال في منطقة مجاورة وهو يمارس هذا النشاط الموسمي حتى تُساهم الأموال المحترمة التي يجمعها يوم عيد الفطر في مجابهة مصاريف دراسته الجامعية الكثيرة خاصة وأن ظروف عائلته محدودة. وأردف قائلا: «قبل يومين أو أكثر من حلول رمضان، أقوم بجولة على المساكن حتى أعد القائمات الإسمية التي تتغير من عام إلى آخر نتيجة للولادات أو الوفيات التي تشهدها هذه المنطقة كثيرة السكان، إلى جانب التغيرّ الدّوري للمتساكنين الّذين يشغل أغلبهم محلاتهم على وجه الكراء» وأضاف قائلا: «رحلتي اليومية تنطلق في حدود منتصف الليل على الأكثر، فأنا في كُلفتي حوالي مائة وخمسين عائلة. كما أن موعد الفجر القريب جدا هذه السنة (في حدود الثالثة والنصف صباحا) يضطرني لأنطلق بجولتي باكرا» وعن أجواء يوم العيد، أشار خالد أنها مميزة وحميمية رغم ما يُعانيه من بعض نظرات الاحتقار أو الشفقة المبالغ فيها من قِبل بعض المتساكنين الذين التقينا بعضهم للحديث عن علاقتهم ب «الطبابلي» وعن امكانية التخلي عن خدماته ربما. وفي هذا السياق، أفادتنا السيدة مريم (ربّة بيت، 48 سنة): «مستحيل أن أتصور رمضان دون بو طبيلة، صحيح أننا نكاد لا نحتاج خدماته، ولكن لا أدري، وجوده يضفي رونقا خاصا لهذا الشهر. ولا يُمكنك أن تتخيّل مدى انزعاجنا حين تمرّ ليلة دونه بسبب مرضه أو غيره» وهو ما أكدته حماتها الحاجّة منوبية التي تحدثت إلينا في حسرة قائلة: «يا حسرة على رمضان وأيامات رمضان وسهريّات رمضان... أين تلك اللمّات العائلية والسهرات الفنية... أين مدفع رمضان؟ وأين طبال زمان؟ نحن لم يكن لدينا منبها أو هاتف جوال أو ما يُوقظنا للسحور، لذا فبو طبيلة هو من كان يوقظنا... وحتى إن لم نعد في حاجة له الآن، فلن نستغني عنه، ومرحبا به بيننا كل رمضان... الله لا تقطعلنا عادة» تحولنا إلى المقهى، لنلتقي عددا من الشباب، وإن كان أغلبهم محايدا ولا يرى فرقا بين تواجد الطبّال وغيابه بتعلّة تطوّر العصر وتوفّر وسائل الإيقاظ الحديثة، فإن البعض الآخر ومنهم حسام (28 سنة، مُجاز ومُعطّل عن العمل) يرى أنها ما هي إلا عادة من عادات رمضان والتي لا مانع من احيائها، إلى جانب عادات أخرى.