نتهجت حكومة الجبالي منذ صعودها إلى سدّة الحكم سياسة الضغط على الأسعار آخذة على عاتقها مهمة محاربة النزيف الذي طال أغلب المواد الاستهلاكية حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن الذي أنهكه الصراع اليومي مع القفة وما تبعها. حكومة الجبالي التي كوّنت لجنة للتحكم في الأسعار وضمت كل الوزارات المتدخلة امتنعت منذ أكتوبر الماضي عن القيام بأي تعديل في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية والمحروقات رغم الضغط المسلط على صندوق الدعم الذي بلغت نفقاته خلال العام الجاري 3067 مليون دينار أي ما يقارب ال4,4 بالمائة من الناتج المحلي . لكن يبدو أن الحكومة استعاضت في المدّة الأخيرة عن تعديل أسعار المواد الأساسية المدعمة والمحروقات بالزيادة في أسعار مواد أخرى قد تصنّف ضمن الكماليات ولكنها تدخل ضمن النفقات الأساسية للطبقة المتوسطة على الأقل ، بحثا منها عن موارد إضافية لميزانية الدولة في ظل اقتصاد هش لن تتجاوز فيه نسبة النمو ال2 بالمائة وغياب التنمية في العديد من مناطق الجمهورية مقابل ارتفاع سقف المطلبية الاجتماعية. فبعد الترفيع في أسعار السجائر (أحد أبرز مصادر الجباية المباشرة للدولة) بنحو 500 مليم فوجئ مشتركو «اتصالات تونس» ودون أي سابق إنذار بالترفيع في معلوم الاشتراك الأساسي لفاتورة الهاتف القار الشهرية بقيمة 4 دنانير حيث قام مزود الهاتف بتغيير معلوم الاشتراك في خدمات الهاتف القار للحرفاء العاديين لتصبح قيمته 4 دنانير كل شهر، عوضا عن 8 دنانير في الثلاثية الواحدة، لتستقر الزيادة في حدود ال40 بالمائة. كما شملت الزيادة معلوم الاشتراك بالنسبة إلى المؤسسات بجميع أصنافها حيث أصبحت قيمة معلوم الاشتراك الأساسي لفاتورة الهاتف القار 6 دنانير شهريا، بدلا عن 8 دنانير في الثلاثية الواحدة، أي بزيادة نسبتها تفوق 50 بالمائة ، كما قامت «اتصالات تونس» بالترفيع في اشتراكات الأنترنات ب5 دنانير لتنضاف هذه الزيادة إلى المعاليم القارة وهي الآداء على القيمة المضافة ب18 بالمائة والإتاوة على الاتصالات 5 بالمائة من المبلغ الجملي للفاتورة. قائمة الزيادات مرجحّة للارتفاع لتشمل كذلك فاتورة استهلاك الماء حيث لمّح وزير الفلاحة في أكثر من مناسبة إلى أن تعريفة المياه في تونس هي الأرخص في دول المتوسط ومن غير المعقول أن يتواصل العمل بالتعريفات الحالية، خاصّة أن خسائر «الصوناد» بلغت 38 مليارا خلال العام الجاري مما أثر سلبا على نوعية الخدمات التي تسديها الشركة وأدى إلى الانقطاعات المتكررة للماء الصالح للشرب على العديد من المناطق، بعد عجز هذه الأخيرة عن تعهد شبكاتها بالصيانة حيث لا يستبعد أن تأتي فاتورة استهلاك الماء القادمة محملة ببشرى الزيادة في التعريفة. كما لا يستبعد حسب بعض المؤشرات أن تشمل الزيادة كذلك معلوم الكهرباء وبعض الخدمات البلدية في صورة اللجوء إلى تخصيصها، هذا إلى جانب الزيادات التي أقرها قانون المالية بالترفيع في الضغط الجبائي من خلال الأداء على القيمة المضافة بحوالي 2 %. . على ضوء هذه المؤشرات يتضح جليا أن الحكومة انتهجت سياسة الابتعاد قدر الإمكان عن الزيادة في أسعار المواد التي قد يثير تعديلها جدلا أو احتجاجا مقابل الترفيع في أسعار ما يسمى بالكماليات لتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد فمن جهة تحافظ على مصداقيتها كحكومة ثورة تدافع عن القدرة الشرائية للطبقات الضعيفة والمتوسطة ومن جانب آخر تعزز خزينة الدولة بموارد إضافية قد تكون أضعاف ما قد توفره الزيادة في أسعار الخبز أو غيره خاصّة وأن المسار التاريخي أثبت أن التونسي لا يثور إلا من أجل الخبز وما عدا ذلك مسموح ... «أي ابعد على الخبز وأعمل للي تحب».