أثار خطاب المرزوقي أثناء إنعقاد ثاني مؤتمر لحزب الرئيس وخاصة نقده الموجه ل«النهضة» عديد الردود ودفعت كلماته التي إعتبرها أغلب قياديي «النهضة»، «مستفزة» و«مسيئة» الكثير منه إلى مغادرة قصر المؤتمرات بإستثناء راشد الغنوشي زعيم الحركة. ولعل أبرز كلمات المرزوقي المثيرة للجدل «...قد يواجه البعض صعوبة في تحمّل تبعات خيارات حركة النهضة التي بيدها جلّ الوزارات وأهمّها، فالكثير منكم لا يقبلون من حكومة، الحزب طرف مؤسس فيها، كل هذا التأخير في بعث مشاريع التنمية في الجهات المحرومة ...كل هذا التردد في إطلاق عنان العدالة الانتقالية ومحاسبة الفاسدين وتسوية ملفات الجرحى وعائلات الشهداء...كما لا يفهمون تواصل عنف بعض الغلاة والحال أنه من حق ومن واجب الدولة انطلاقا من شرعيتها كف أذاهم عن الناس والتصدي بالقانون لمن يدمر صورة تونس ويشوه ثورتها...» وجاء أيضا : «مما زاد الطين بلة الشعور المتفاقم بأن إخواننا في «النهضة» يسعون للسيطرة على مفاصل الدولة الإدارية والسياسية عبر تسمية أنصارهم توفرت فيهم الكفاءة أم لم تتوفر وكلها ممارسات تذكر لدى البعض بالعهد البائد...». «التونسية» تحسسّت آراء بعض «الاحزاب» للوقوف على حقيقة وخفايا هذه التصريحات : قال «أزاد بادي» عضو المكتب التنفيذي لحركة «وفاء» ان هذه التصريحات تدخل في إطار الصراع الذي لاحت بوادره منذ فترة، خاصة بعد تسليم البغدادي المحمودي وإقالة محافظ البنك المركزي. وأشار إلى أن حزب «المؤتمر» يشهد أزمة بعد خروج العديد من القيادات والإنشقاقات التي جدت وبالتالي تأتي هذه التصريحات لإنقاذ سمعة المؤتمر خاصة بعد الإتهامات الموجهة للحزب بأنه موال وفي تبعية عمياء للسلطة . وأضاف: «يبدو ان الرئاسات الثلاث بدأت في حملة إنتخابية مبكرة وفي هذا الإطار يحاول المرزوقي الإنخراط في الحملة بصفة مبكرة خاصة إزاء شعوره أنه رئيس دون صلاحيات ولا يمكنه إتخاذ قرارات تذكر». وأضاف بادي: «هذا من حيث الشكل أما من حيث المضمون فيمكن مناقشة هذه الآراء إن كانت صحيحة أم لا»؟ وتساءل أزاد بادي: «لا يجب ان ينسى المرزوقي أنه عندما ينتقد الحكومة فهو ينتقد نفسه لأنه جزء من «الترويكا» لقد سبق وصرّح بأن القرارات تتخذ بالتشاور والتوافق بين الرئاسات الثلاث وبالتالي ما ينتقده هو في حد ذاته مسؤول عنه». وقال: «نلاحظ أن خطابه متناقض إذ انطلق بالحديث عن ضرورة الحفاظ على تماسك «الترويكا» ثم إنتقد «النهضة» وهو ما يدّل على ضبابية الرؤيا وبالتالي فإنّ الأحزاب داخل «الترويكا» لا تعرف موقعها داخل «الترويكا» . وإعتبر انه وبقطع النظر عن محاولات تلطيف الأجواء من طرف الأمين العام للحزب فإن «الترويكا» في طريقها نحو الاضمحلال والنهاية» . أما سمير بالطيب الناطق الرسمي بإسم المسار الإجتماعي الديمقراطي فقال «الترويكا إنتهت سياسيا منذ أزمة البغدادي المحمودي»، ولئن كان «راشد الغنوشي» يحاول في كل مرة المحافظة على تماسكها ...ولكن تصريحات المرزوقي أول أمس تأكيد على إنتهاء «الترويكا» . وأضاف «الأهم من تلك التصريحات هو الصدى الذي أحدثته تلك الكلمات داخل القاعة حيث قوبلت بالتصفيق وهو ما يوحي بأن نواب «المؤتمر» هم في صف المرزوقي». من ناحية أخرى يبدو ان المرزوقي انطلق في الحملة الرئاسية وهو ما يدل على أنه لا وجود ل«ترويكا» فالإنتخابات السابقة خاضها تحت جناح «النهضة» والآن هو يعتبر انه بإمكانه ان يعول على نفسه خاصة بعد ان لاحظ انه كلما دخل في أزمة مع «النهضة» صعد نجمه وهو ما بينته عمليات سبر الآراء الأخيرة وبالتالي هو «تكتيك» شخصي وسيحاول جرّ حزب «المؤتمر» معه. وقال: «من الواضح أن «النهضة» لن تدعم المرزوقي في الإنتخابات القادمة لذلك كان الخطاب مدروسا وأكيد أنه تمّ الإتفاق مع قيادات «المؤتمر» حوله». من جهته اعتبر الممثّل عن حزب العمّال «أحمد السافي» أنّ تصريحات المرزوقي تعدّ طبيعية لأنّه من الواضح ان هناك فعلا محاولات للسيطرة على مفاصل الدولة و رغبة في الهيمنة و الإستحواذ على الإدارات و المنظّمات و الهيئات من قبل حركة «النّهضة» وأكبر دليل على ذلك ما جدّ أخيرا في منطقة الحنشة و محاولة السيطرة على الجمعية التنموية . وقال «السافي» إنّ الدافع الذي جعل المرزوقي يقوم بتلك التصريحات هو أنّ هذا الأخير فهم لعبة «النهضة» ومحاولتها التفرد بالغنيمة و إزاحة حزبي المؤتمر و التكتّل من ذلك» . وأشار الى ان المرزوقي حاول ضخّ نفس جديد على الحزب ليثبت سيطرته عليه لإعادة قاعدته الجماهيرية و في ذات الوقت هو بصدد توجيه رسالة إلى أصدقائه المنشقين عن الحزب ليجمع شملهم من جديد ولكي يغازل الأطراف التقدّمية التي كانت حليفة له بالأمس. كما فسّر السافي عدم مغادرة «الغنوشي» للقاعة بفهمه واقتناعه بما اعتمده المرزوقي من مراوغة سياسية، موضّحا انّ المرزوقي اقتنع أنّه خسر العديد من الأوراق ويحاول اليوم الإلتفاف و إعادة أنصاره لذلك عاب الغنوشي على قياديي «النهضة» مغادرتهم القاعة قائلا: «أنهم لم يحسنوا الفصل بين الحزب و الدولة لأنّهم كانوا متواجدين في المؤتمر بصفتهم أعضاء الحكومة و ليسوا كممثّلي أحزاب». ويرى «محسن مرزوق» القيادي في حركة «نداء تونس» انّ تصريحات المنصف المرزوقي أكّدت ما ردده سابقا المتابعون للشأن السياسي سواء من نداء تونس او غيرها من الأحزاب 'مضيفا أنّ ما كان يفسّر على انّه «تجاذبات سياسية» هو كلام صحيح مؤكدا رغبة «النهضة» في الاستحواذ على مفاصل الدولة. كما أشار مرزوق إلى انّ هذه التصريحات كشفت تخوّفات المرزوقي من ان يتم الاستحواذ على المؤتمر ليشير إلى انّ الغنّوشي أثناء مداخلته والتي قال فيها ان تصريحات المرزوقي لا تلزم «حزب المؤتمر» تتنزّل في باب الإستحواذ على الحزب . وأضاف «مرزوق» أنّه يتمنّى لو تكون تصريحات المرزوقي بداية الوعي بالمسؤولية خاصة أنّ كلّ الأبواب باتت مفتوحة لإيجاد صيغ توقف هذا المنزلق الذي يهدّد مؤسّسات الدولة. وأشار إلى انّ هذه التصريحات أنهت وبصفة نهائية ما كان يقال عن «الاتفاق السياسي» بين مكوّنات «الترويكا» و بيّنت أنّ «النهضة» هي من تقرر داخل «الترويكا». وقال «مرزوق» إنّ المرزوقي يتهم «النهضة» بالسير على خطى «التجمّع» و «النهضة» تتهم «نداء تونس» و كلّ طرف يتّهم الطرف الآخر وبالتالي لا بد من التوقّف عن استعمال هذه التهم السخيفة. وقالت آمنة منيف ناشطة سياسية ورئيسة جمعية «كلنا تونس» إنّ المنصف المرزوقي وبحكم موقعه كحليف في «الترويكا» عوّد الجميع على التناقض في خطاباته، لكن إن كانت تصريحاته هذه تعبّر عن عدم رضاه فلماذا لا يعمل على حلّ التحالف و يتخذ مواقف تظهر انّ هذا التحالف يتّجه نحو الطريق الخطأ؟ و أضافت أيضا «منيف» أنّ الأحزاب بدأت المناورات الانتخابية و انّ الشخصيات السياسية بدأت تعمل على تموقعها أكثر من منطلق الحملة الانتخابية و أنّ التناقض في خطاب المرزوقي يؤكّد انّه في عملية كرّ و فرّ مع «النهضة» وذلك منذ أزمة «البغدادي المحمودي» مشيرة إلى أنّ عملية الكرّ و الفرّ لا تليق بمستوى الرئاسة رغم أنّه دون صلاحيات. وأضافت «منيف» أنّ المرزوقي يعمل على تقديم ضمان معنوي لأنصاره للبقاء في الرئاسة وقالت في رسالة للمرزوقي «إن كنت تعمل على ذلك فلا تقدّم تصريحات و إن كنت مقتنعا بما قلت وأنّ «النهضة» تعمل على خطى «التجمّع» فانفصل عن هذه المجموعة» .