لبنى الجريبي أستاذة جامعية مختصة في المسائل الاعلامية، دخلت عالم الأعمال ونفذت العديد من المشاريع... حاليا هي مقررة لجنة المالية والتخطيط والتنمية بالمجلس التأسيسي عن حزب «التكتل»، وهي كذلك نائبة رئيس التوطئة. «التونسية» التقتها على هامش المؤتمر الدوري العام لحزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» المنعقد مؤخرا بمدينة سوسة فكان الحوار التالي: ما حقيقة تيار الإصلاح داخل حزب «التكتل»؟ وجود تيارات إصلاحية داخل اي حزب أمر عادي وظاهرة ايجابية ومؤشر على ديمقراطية الهيكل وتيارات الإصلاح موجودة في كل الأحزاب الديمقراطية في العالم وليس في تونس فحسب، لكن هناك ضوابط اخلاقية للمناداة بالإصلاح داخل أي هيكل. فما يقلقنا في خصوص ما يسمى تيار الإصلاح اليوم داخل حزب «التكتل» هو الخروج عن الأطر الاعتيادية للحزب من أجل الدعوة للإصلاح فليس من المعقول التحرك خارج الحزب واستعمال وسائل الاعلام للإعلان عن المواقف خاصة عندما تصدر هذه التصرفات من وجوه تعتبر من القيادات. فلقد كان من باب أحرى أن يعبر كل واحد عن رأيه بكل حرية لكن داخل الحزب لا خارجه. فبالنسبة لي التعبير عن الرأي خارج هياكل الحزب يتقاطع مع الأخلاق السياسية ويتعارض مع الديمقراطية التي نطمح إليها. ربما غياب آلية واضحة للحوار أو غياب التواصل هو ما دفع بالمطالبين بالإصلاح أو المستقيلين للتكلم في وسائل الإعلام وخارج إطار حزب «التكتل»؟ أولا لابد من التفريق بين المستقيلين وبين المطالبين بالإصلاح فلكل توجهه، فبالنسبة للذين ينادون بالإصلاح كان عليهم الانتظار قليلا للتعبير عن آرائهم خلال الاجتماع الذي نحن بصدد معايشة فعالياته (ملاحظة: الاجتماع هو انعقاد المؤتمر الدوري العام ل «التكتل» بسوسة نهاية الأسبوع الماضي) فنحن داخل «التكتل» إلى جانب طرق التواصل العادية نعقد هذه المجالس الوطنية بصفة دورية من اجل تقييم العمل داخل الحزب واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة تداعيات المرحلة وهي مناسبة لكي يدلي كل قيادي او منتسب للحزب برأيه بكل حرية ووضوح والقيادة موجودة هنا لكي تستمع وتناقش كل المقترحات. اما بالنسبة للذين بادروا بالاستقالة فانا شخصيا أستطيع ان أتفهم موقفهم، على خلفية اننا نعيش من خلال التحالف الذي نحن بصدده وضعية صعبة نوعا ما على خلفية اختلاف الرؤى والمرجعيات والمواقف بيننا وبين حلفائنا في «الترويكا». لكن ما أود التأكيد عليه مجددا بكل وضوح اليوم ان «الترويكا» القائمة هي عبارة عن تحالف حكومي وليس تحالفا في المواقف والرؤى والأدوار فنحن مع تمسكنا بالتحالف مع شركائنا في الحكم متمسكون بالمبادئ الأساسية ومرجعيات الحزب المعلومة لدى الجميع. واكبر دليل على ذلك انه ثمة من خلال اداء كتلتنا النيابية في المجلس التأسيسي او مواقفنا من بعض المسائل في الدستور ما يثبت بوضوح وفاءنا للمبادئ الديمقراطية لحزب «التكتل» ونحن متمسكون بموقفنا في العديد من المسائل ذات العلاقة بالحريات أو بمدنية الدولة او بحقوق الانسان بصفة عامة و بحقوق المرأة بصفة خاصة كما أنه لنا مواقف واضحة وجلية حول متطلبات المرحلة القادمة المتعلقة بالقانون الانتخابي والهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئة القضاء وغيرها. فما على المستقيلين إلا ان يتثبتوا ويقوموا مردودنا كحزب لا ان يحكموا علينا من خلال الحكم على «الترويكا» ككل. ف «التكتل» اتخذ قرارا صعبا كحزب اشتراكي ديمقراطي وسطي وتحالف مع احزاب اخرى ليست لها نفس الرؤى في بعض المسائل وليست لنا نفس المرجعية فنحن في تناقض مع حلفائنا في «الترويكا» في النمط المجتمعي ومسائل عديدة اخرى. حول هذه النقطة بالذات طغى على أشغال المؤتمر العام نوع من التوجسات لمسناها لدى اكثر من طرف صلب مناضلي الحزب من تبعات التحالف مع حركة «النهضة» بالذات؟ هذا كلام يقال في كل مكان ويردد بكثرة على اكثر من مستوى وفيه كثير من الخلط بين مفهوم التحالف ومفهوم الإتلاف الحكومي والفرق بين المفهومين واضح فالتحالف يفترض تشاركا في الرؤى . فوجهة النظر بالنسبة لمناضلينا سببها ضعف في سياسة التواصل والإعلام داخل الحزب وخارجه ف «التكتل» لم يقم للأسف بخطة اتصال لإعلام التونسيين عموما بمواقفه من مجمل القضايا المحورية التي تطغى من حين لآخر على الساحة السياسية. فتواجد «التكتل» في مجلس الوزراء بأربعة وزراء جعله غير قادر على ابراز موقفه من بعض القضايا لاعتبارات اخلاقية لا غير لكن وجب اليوم إبراز موقف وزراء «التكتل» وحزب «التكتل» ككل إزاء العديد من المسائل فاليوم هناك فشل على مستوى الحكومة في التعاطي مع العديد من المسائل والملفات الهامة ووزراء «التكتل» لا يمكن ان يقولوا هذا بناء على احترام مبدإ التوافق في العمل الحكومي فوزراء «التكتل» دافعوا من خلال عملهم على العديد من المسائل ومواقفهم لم تكن في العديد من المرات متوافقة مع مواقف بقية اعضاء الحكومة لكنهم لم يعلنوا عن ذلك حفاظا عن مبدإ السرية داخل مجلس الوزراء كما ان «التكتل» كحزب لم ينل ما يستحقه كحزب له وزنه الانتخابي من حقائب وزارية تجعله مؤثرا في مركز القرار صلب مجلس الوزراء ولذا وجب اليوم التعديل في السياسة الإعلامية للحزب حتى نُبلغ بوضوح موقف الحزب بكافة مكوناته من أية مسألة تطرأ أو تطرح للنقاش. فنحن في «التكتل» نقر بفشل الحكومة في التعاطي مع العديد من الملفات على غرار الملف الأمني ومسألة التعاطي مع الظاهرة السلفية وكذلك ملف العفو التشريعي العام. فاليوم ليس من المعقول مع ما يوجد من فقر في البلاد ومشاكل بطالة أن يقع التفكير في إعطاء الأولوية في التعويض للمساجين السياسيين كما أن «التكتل» لم يكن موافقا يوما على التعيينات والتسميات في بعض المراكز الإدارية والوظيفية. فما يجب ان يفعله «التكتل» اليوم هو تحسين خطته الاتصالية من اجل إبراز هذه المواقف الثابتة للحزب وقياداته من العديد من الملفات المحورية المطروحة على الساحة. لنأتي إلى المجلس الوطني التأسيسي، الانطباع السائد الآن على أكثر من مستوى هو ان هذا المجلس تحول اليوم من سلطة اصلية منتخبة إلى سلطة ثانوية بحكم عجزه عن التأثير في أي قرار أو في تصويب أداء الحكومة. هذه اتهامات خطيرة جدا وفيها الكثير من المغالطة ولا ادري على أي أساس بنى أصحاب هذا الرأي مواقفهم؟ فالمجلس التأسيسي قام منذ انطلاقه في العمل بالعديد من المسائل الهامة بداية من المصادقة على قانون المالية التكميلي بعد ان شاركت لجان المجلس التأسيسي المختصة في تعديل العديد من المسائل التي وقع طرحها من طرف الحكومة كما قام على إثر ذلك رئيس المجلس بضبط رزنامة واضحة لأعمال المجلس بما في ذلك تحديد تاريخ الانتهاء من كتابة الدستور وتشكيل اللجان وغير ذلك، فمرة اخرى استغرب على اي اساس بنى اصحاب هذا الرأي من الإعلاميين او الرأي العام هذا الموقف؟ ربما استند هذا الرأي إلى فشل المجلس في محاسبة الحكومة على الأخطاء الكثيرة التي اقترفتها الحكومة؟ قمنا كمجلس تأسيسي بمساءلة الحكومة في العديد من المرات وخصوصا بعد احداث 9 أفريل وكذلك أحداث الاعتداء على السفارة الأمريكية ولعلكم لاحظتم أنه لم تكن هناك ضوابط أو توصيات لأعضاء المجلس لتوجيه انتقادهم للحكومة بل تمكن كل نائب تقريبا من مخاطبة الحكومة وفق وجهة نظره. والقانون الأساسي للمجلس يخول الكثير من الحرية للنواب لإعداد لائحة لوم ضد الحكومة بمبادرة من عشرة نواب فحسب مع بقاء التصويت الآلية الوحيدة لتمرير هذه اللائحة من عدمه مع التأكيد على ضرورة تعديل القانون الداخلي للمجلس ليتلاءم اكثر مع متطلبات النجاعة على مستوى العمل داخل المجلس وبالخصوص كل ما يتعلق بنقطة نظام مثلا ومسائل أخرى من أجل تكريس أداء النواب. في تصريح لإحدى وسائل الإعلام طالبت بالخروج من الائتلاف الحكومي مع تسجيل معارضة الأمين العام للحزب لذلك. ما مدى تأكيدك على هذا الموقف؟ هذه النقطة لم تكن محور حواري في احدى الصحف بل كان الموضوع هو جدول أعمال المجلس الوطني. ففي صلب المجلس اليوم نقاط مهمة لتحديد خارطة طريق من اجل تكريس الحوار مع جميع الأطراف حول العديد من المواقف التي لابد ان تشكل خطوطا حمراء في الدستور لا يمكن تجاوزها ولابد ان نكون متشبثين جميعا بعدم تجاوز هذه الخطوط التي اؤكد انها خطوطا حمراء. فلا سبيل إلى ان تكون الحريات مقيدة ومسألة التنصيص على كونية حقوق الانسان في الدستور وغيرها من النقاط المصيرية التي لابد ان تكون فوق طاولة المفاوضات وفي هذه المفاوضات الحادة لابد ان يكون هناك تجاوب وإن لم يحصل ذلك فلابد من مغادرة طاولة المفاوضات فالتجاوب مع وجهة نظر حزب «التكتل» أصبح اليوم مطلبا مؤكدا للخروج من المأزق. هل هو موقف السيدة لبنى الجريبي او موقف الحزب ككلّ؟ هو صراحة موقفي الشخصي وبالتأكيد فإنّ عديد الأطراف داخل الحزب تتبنى هذا التوجه وفق مبادئ الحزب فاليوم لابد من توسيع الإئتلاف الحكومي لتحسين أداء الحكومة رغم قصر المدة المتبقية لها والتي قد لا تتجاوز الستة اشهر ربما. والأهم من اداء الحكومة اليوم هو الاتفاق على المسائل المحورية على غرار القانون الانتخابي وتركيز هيئة مستقلة للانتخابات وهيئة مستقلة تشرف على القضاء وهيئة الإعلام والدستور وغيره. هذه المطالب لم يتحقق منها شيء إلى غاية اليوم وتاريخ 23 اكتوبر لم يتبق عليه سوى أيام فهل من الممكن تحقيق كل هذا خلال أيام؟ مشاريع القوانين المخصصة لكل هذه المسائل كلها جاهزة وبين يدي لجان المجلس التأسيسي لكن العامل المعطل اليوم هو الإرادة السياسية ومواقف بعض السياسيين. فالمطلوب اليوم هو التوافق للتسريع بوضع هذه القوانين والأطر المنظمة التي ستكون خارطة الطريق للمرحلة القادمة. فلابد من وفاق للتعجيل بهذه المسائل وهذا لن يتحقق إلا بتوسيع دائرة الحوار لتشمل كل الأطراف. الوفاق المنشود يبدو انه مازال بعيد المنال. فإلى غاية اليوم مازال هناك تباين كبير حتى على مستوى كيفية إدارة الحوار ومن سيشارك فيه وهذا برز في اكثر من مستوى فأية واقعية لهذا الطرح؟ أنا لست متشائمة، طالما ان الحاجز الذي مازال يفصلنا عن تحقيق هذه الخطوة الهامة نحو تجاوز النقاط الخلافية هو حصول وفاق سياسي بين جميع الأطراف وانا مع توسيع طاولة الحوار لتشمل كل الأطراف أما من الناحية العملية فكل شيء جاهز شرط تجاوز النقاط الخلافية بين الفرقاء السياسيين. ورغم ان المجلس التأسيسي هو السلطة الشرعية الأولى في البلاد فلابد أن يسمح بتوسيع مجال الحوار بالسماح لأطراف أخرى لها وزنها بالمشاركة في الحوار الوطني من اجل التوصل إلى وفاق في أسرع وقت. فالدستور هو دستور لكل التونسيين ولابد من تفادي التوظيف السياسي لأي طرف من الأطراف وانا كنائبة المجلس الوطني التأسيسي وعضوة لجنة التشريع أريد ان يواكب الشعب كل ما يدور في رحاب المجلس الوطني التأسيسي. ولابد ان يدرك الجميع أن هناك صراعا حول مسائل جوهرية في الدستور ولابد ان ننادي ليس كنواب فحسب بل كشعب بدولة تحترم وتضمن حقوق الانسان الكونية ننادي بالحريات وننادي بأن تكون دولتنا مدنية سيما ان وجود بعض المجالس الإسلامية يشكل خطرا على مدنية الدولة وننادي بعدالة اجتماعية وفاء لمبادئ واهداف الثورة الثورة. السيدة لبنى الجريبي من أبرز المدافعات عن المساواة هل مازلت ثابتة على موقفك؟ أنا أعارض بشدة ألاّ ينصص الدستور صراحة على المساواة بين المرأة والرجل وذلك على الرغم من تنصيص التوطئة على المساواة بين المواطنين والمواطنات لابد من ان يخصص فصل صريح للتنصيص على المساواة التامة بين المرأة والرجل وعلى التناصف وذلك وفق ما يوصي به جل الخبراء في القانون الدستوري. كما أود ان أشير إلى أنه على عكس ما يعتقده البعض فإن العديد من النساء التابعات لحركة «النهضة» صلب المجلس الوطني التأسيسي ساندت التنصيص على المساواة التامة بين المرأة والرجل ونحن بعد تجاوز إشكالية الفصل 28 ومسألة التكامل سنقدم خلال هذا الأسبوع مشروع نص يقر بمبدإ المساواة التامة بين المرأة والرجل وكذلك مبدأ المناصفة تطابقا مع القانون الانتخابي وحفاظا على ما تميزت به تونس على هذا المستوى حتى بين اعرق الديمقراطيات.