لم يكن من الهين على هذه الأم إخفاء ألمها رغم مرور 14سنة على فراق ابنها الذي لم يكن لها يد في بعده عنها حيث افتك منها بعد أن ألم بها مرض عضال ولم تسعفها الظروف القاسية لترعاه لكن ورغم كل هذه السنوات الطويلة ظلت ملامحه في مخيلتها الى ان كانت اللحظة الحاسمة التي نسجت سيناريو اللقاء به بعد رحلة بحث مضنية. لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن إذ برزت مفاجآت جديدة حالت دون الجمع بين الأم وابنها. لمزيد الإلمام بحيثيات هذه القضية كان لنا حديث مع هذه الأمّ. فراق قهري حسب محدثتنا فإنها تزوجت ولكن طرأت مشاكل بينها وبين قرينها ووقع الطلاق عندما كانت حاملا في الشهر الثالث كانت تنتظر لحظة ولادتها بفارغ الصبر لتحضن مولودها وعندما ازدان فراشها به كانت شغوفة به إلى درجة الهوس لا تكاد تفارقه لحظة وكأنها تخشى بعده وعندما بلغ خمسة عشر شهرا أصيبت بأزمة كلى حادة استلزمت إقامتها بالمستشفى، في الأثناء لم يكن بالإمكان أن تترك ابنها معها وتم إيداعه بصفة وقتية لدى أحد الهياكل المشرفة على الطفولة -التي كانت تراقب وضعيته منذ البداية –ليقع اثر ذلك تبنيه من طرف إحدى العائلات وعندما استعادت الأم عافيتها طالبت باسترجاع ابنها لكن علمت بالخبر الذي أوجعها كثيرا فقد انقطعت أخبار ابنها ولم تعلم وجهته ورغم ذلك ظل الأمل يلازمها عسى الأيام ان تمن عليها برؤيته وعاشت بذلك الحلم تبحث في كل الأماكن إلى أن علمت من إحدى قريباتها أنها شاهدت طفلا يشبهها ويماثل سن ابنها يقطن على مقربة منها، هذا الخبر أسعدها فتوجهت إلى حيث يوجد الطفل واتصلت بوالده وحدثته عن حكايتها ورغبتها في لقاء ابنها ووعدته بأن لاتعلمه بصفتها وأنها ستكتفي بالنظر والتحدث إليه فقط لان ذلك كفيل بتعويضها عن سنين الحرمان منه. وإشفاقا عليها استجاب والده بالتبني لطلبها وتوطدت العلاقة بين الأسرتين وأصبحا يتزاوران غير أن ذكاء الطفل مكنه من ادراك هوية هذه المرأة التي تغدق عليه من حنانها للشبه الكبير بينهما إضافة إلى علمه مسبقا من الاجوار انه ابن بالتبني وكان يزورها أحيانا وتعرف على أشقائه وبات لايطيق البعد عن والدته فساءت حالته النفسية وأصبح يميل إلى الانعزال. تراه شارد الذهن غير مقبل على الحياة كغيره من الأطفال –يتلقى حصص علاج نفسي- وتدهورت نتائجه الدراسية الأمر الذي أسفر عن قطيعة بين العائلة المتبنية للطفل ووالدته وأصبحت العائلة تمنعه من الاتصال بها وإن صادف أن خرق ذلك فإنه يتعرض للتعنيف حسب ذكر محدثتنا التي ازدادت حيرتها منذ علمت بالحالة النفسية لابنها الذي يتحين الفرصة المناسبة للاتصال بها هاتفيا خلسة. كل هذه الملابسات جعلت الأم البيولوجية تفكر في التقدم بقضية للبحث في إمكانية استرجاع الطفل عبر إجبار العائلة في الرجوع على التبني بالاستناد الى رغبة الطفل اولا والى بعض المعطيات الموضوعية وبعض التقارير النفسية التي تفيد تعرض هذا الطفل لاهتزاز نفسي بسبب ميله لوالدته. فهل يعزز ذلك حظوظ الأم البيولوجية في استرجاع حضانة ابنها.