قدّم، امس، مصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي السابق في ندوة حضرها بمؤسسّة التميمي حصيلة للوضع الإقتصادي في تونس بعد سنتين من الثورة وأكّد أنّ ما تشهده البلاد من انزلاقات وصفها بالخطيرة على ارتباط وثيق بالسياسة الأمنية للبلاد. وأشار النابلي في بداية مداخلته إلى انّه لن يحمّل المسؤوليّة لأيّ كان وأنّه يريد توضيح المآل الذي تسير نحوه البلاد مؤكّدا أنّ المسائل الإقتصادية غائبة عن النقاش العام ومرتبطة فقط بالإحصائيات التي تقدّم كمعطيات دون تفسير ممّا يجعل فهمها لدى المواطن البسيط عسيرا وتتولّد عنه لخبطة ليطالب بجعل المعهد الوطني للإحصاء مسؤولا عن إعداد التوقّعات الجارية بإحالة الملف من وزارة التخطيط والتنمية إليه مؤكّدا على ضرورة تحييده ليصبح مرجعيّة لا يقع التشكيك فيها ومطالبا بدعمه من ناحية القدرات البشرية والمادية لتحسين منهجيّته وطرق عمله. الوضع الإقتصادي بعد سنتين من الثورة وأكّد النابلي أن الحالة الإقتصادية مقلقة خاصّة في ما يتعلّق بالمجال المالي رغم انّ السياسات الإقتصادية والمالية والمالية العمومية والنقدية قد ساهمت بنسبة هامّة في التقليص من التأثير السلبي للإضطرابات التي عرفتها البلاد. وأضاف النابلي في تقييمه لواقع التنمية والإستثمار والتشغيل أنّ البلاد خسرت 8 بالمائة من الناتج الداخلي الخام السنوي على المدى المتوسّط بما يساوي 5.7 مليار دينار لسنة 2012 موضّحا انّ انكماشا هامّا شهدته بعض «القطاعات المنكوبة» (الفسفاط والبترول والسياحة) في السنتين الأخيرتين قدّر ب19 بالمائة. وأكّد أنّه لولا تطوّر محرّك الإستهلاك الخاص والعمومي أمام تراجع محرّكي التصدير والإستثمار لكانت نتيجة التنمية التي تعدّ سلبية بنسبة 2بالمائة في سنة 2011 أقل بكثير ممّا هي عليه مشيرا إلى انّ سبب تحسّن الإستهلاك هو السياسة التوسّعية المالية العمومية ودعم الزيادات في الأجور. وأشار النابلي إلى أنّه في سنة 2012 استرجعت القطاعات المذكورة نسبيّا تطوّرها حسب تقديرات وزارة التخطيط ليتطوّر الإستثمار إيجابيا بنسبة 8 بالمائة والتصدير بنسبة 3.9 بالمائة أمام مواصلة الإستهلاك لتطوّره ب4.4 لتقدّر نتيجة النمو لسنة 2012 ب3.5 بالمائة ليعتبره رقما سياسيا وليس اقتصاديا لأنّه لم يتغيّر منذ بداية السنة ولم يحيّن ممّا يغيّب عنه المصداقية على حدّ قوله. وأكّد النابلي أنّ الاضطرابات الاجتماعية والسياسيّة والأمنية أثّرت سلبيّا على «القطاعات المنكوبة» التي شهدت خسائر وانّه رغم الإسترجاع النسبي لتطوّرها فإنّ التأثير مازال متواصلا وانها لن تتحسّن في الفترة القادمة وقال إنّ السياسات التي وقع اتباعها من طرف الحكومات المتتالية بإنعاش الاقتصاد عن طريق دعم المصاريف والزيادات في الأجور قد وصلت حدودها ولم تعد ممكنة بما يعني أن التحسّن الذي شهدته سنة 2012 لن يكون متوفّرا في السنوات القادمة موضّحا أن الوضع الاقتصادي المتردي قد أثّر على سوق الشغل وتفاقم البطالة رغم تحسّنها سنة 2012. مغالطات في الأرقام والتقديرات وقال النابلي إنّ تقييم الجوانب الماليّة في الأرقام التي قدّمت إلى التأسيسي في تقرير الحكومة نهاية 2012 تعتبر وقتية وغير واقعيّة لأنّها لم تحيّن منذ بداية السنة وتضمّنت كذلك مداخيل المصادرة التي لا يمكن احتسابها لأنّها استثنائية مؤكّدا انّ العجز الذي حدّد ب6.6 بعيد كلّ البعد عن الرقم الحقيقي الذي حدّده بنسبة 8.2 من الناتج الداخلي الخام ممّا ساهم في تفاقم المديونية مضيفا أن المالية الخارجية والقطاع البنكي يشهدان مشاكل أيضا. توقّعات وأكّد النابلي انّ الوضع الإقتصادي الحالي للبلاد ينتظره سيناريوان إثنان الأوّل يتمثّل في تواصل الوضعية بتواصل الإضطرابات والإنقسامات والتجاذبات ممّا يتسبّب في تواصل الأزمة الاقتصادية وتفاقمها بما يؤدّي إلى مخاطر حقيقيّة لا بدّ من أخذها مأخذ الجد. وسيناريو ثان يتمثّل في نجاح برنامج الحكومة واسترجاع نسبة نمو ب4.5 سنة 2013 الذي اعتبره ممكنا رغم عدم واقعيّته مشيرا إلى انّ ذلك سيؤدّي إلى عكس الحركية الاقتصادية بالتحكّم في المصاريف العمومية والسياسة المعيشية التي وقع اتباعها لتحريك الإستثمار والتصدير المرتبط بالوضع السياسي ليطالب بضرورة قيام إجراءات وإصلاحات كبيرة في ما يخصّ المالية العمومية والأجور والتحكّم في وضع الحماية وإصلاح القطاع البنكي والقطاع السياحي ليرجع بذلك الإستثمار والتنمية. استقدام الدعاة وصندوق الزكاة وأشار النابلي إلى انّ استقدام الدعاة وما يخلفه من فوضى يساهم بشكل كبير في خلق مناخ من عدم الإستقرار وعدم وضوح الرؤية المستقبلية ممّا ينقص الثقة بين المستثمر والأفراد مضيفا أنّ نظرة الخارج لتونس قد تقلّصت بنسبة كبيرة ولم تعد تحظى بالإهتمام الذي حظيت به في السابق. أمّا بخصوص صندوق الزكاة فقد قال إنه لا يعتبره حلا للإقتصاد التونسي وإنّ الحديث عن هذه المسألة يبقى من قبيل المزايدات لا غير.