منذ احرازنا على كأس افريقيا للأمم سنة 2004، ترشحنا للدورات الخمس الموالية لسنوات 2006، 2008، 2010، 2012 و2013. الحصيلة الجملية لم تكن طيبة عموما، ولم تكن كذلك كارثية، فانسحبنا من الدور الاول في مناسبتين (سنتي 2010 و2013) وانسحبنا بمرارة وبصعوبة في الدور الربع النهائي في ثلاث مناسبات، الاولى امام نيجيريا بضربات الجزاء سنة 2006، ثم امام الكامرون في الوقت الاضافي سنة 2008 واخيرا امام غانا في الوقت الاضافي سنة 2012. وفي المحصلة، بقيت كرة القدم التونسية بالكاد تراوح مكانها في احسن الحالات منذ سنة 2004 تاريخ احرازنا لأول مرة على كأس افريقيا للأمم. بقينا اذن تسع سنوات نعيش على الذكريات الحلوة لدورة 2004 وعلى نشوة الاحراز على اللقب، ولم نقتنع الى حد اليوم بأن هذا النجاح الظرفي المرحب به كان بمثابة الشجرة التي تغطي الغاب وانه حجب عنا كل النقائص والمشاكل التي تعاني منها كرة القدم التونسية وما اكثرها. بين دورتي 2004 و2013 لم يتغير شيء في ردودنا الآنية وفي تعاليقنا وفي تقديرنا وتقييمنا للأمور لا كجمهور رياضي ولا كإعلام ولا كجامعة ولا كأندية. ولم تخرج التحاليل والتعاليق عن طاحونة الشيء المعتاد من القدح والذم والتشكيك، وقلة فقط تألق منها اللاعب الدولي السابق حاتم الطرابلسي قاربت في تحاليلها الفنية العقلانية والموضوعية لتعود حليمة الى عادتها القديمة، عادة الدوران في حلقة مفرغة من جدل بيزنطي، فتسمع ما شاء الله من الجعجعة ولا ترى طحينا يؤسس لشيء ما على قاعدة صلبة وصحيحة للمستقبل. طبعا في مثل هذه الحالات لم نشذ عن العادة، ويبقى الممرن الوطني (مهما كان اسمه) هو «البهيم القصير» وهو المستهدف الاول والاخير وهو كبش الفداء لمنظومة متأزمة بالكامل من أسفل هرمها الى اعلاه. استياء وغضب و«كشاكش طالعة» في بلاتوهات الاذاعات والقنوات التلفزية وعلى أعمدة الصحف وتجييش بعضه مقصود وبعضه غير مقصود للجمهور الرياضي، وفي هذه الاجواء المفتعلة في جانب منها ندرك ان وراء استهداف الممرن سامي الطرابلسي فيلق من الاعلاميين ومن الفنيين ساءهم لأسباب أو لأخرى ان يروا سامي الطرابلسي ممرنا وطنيا. شخصيا ليس لديّ ما أعيبه على سامي الطرابلسي سوى انه استبق الاحداث نوعا ما وتسرّع في تحمل المسؤولية قبل أوانها إما بدافع الطموح او من منطلق الثقة المفرطة في النفس. وفي ما عدا ذلك، فان سامي الطرابلسي ليس افضل من مدربين تونسيين آخرين سعت بعض الاطراف الى تلميع صورتهم اليوم والى التسويق لهم لخلافته على رأس المنتخب الوطني، كما ان هؤلاء ليسوا افضل من سامي الطرابلسي في شيء. وما يعاب عموما على سامي الطرابلسي فنيا يعاب عليه كذلك خالد بن يحيى او نبيل معلول او ماهر الكنزاري، ودون الدخول في التفاصيل لم يتطور ولم يتألق كممرن، ونبيل معلول تسبب باختياراته الفنية في خسارة الترجي للقب بطل افريقيا للاندية البطلة وماهر الكنزاري أساء التصرف الفني في المرحلة الاخيرة من سباق بطولة الموسم المنقضي فحرم فريقه النادي البنزرتي من لقب البطولة، وحتى الممرن عمار السويح عاش تجربة فاشلة مع منتخبنا الوطني. وبصرف النظر عن الأسماء المتداولة لخلافة سامي الطرابلسي وعن الاعتبارات الشخصية فإن القاعدة وكذلك مبدإ التضامن يفترضان: إما تثبيت الممرن الحالي في مهامه وفق منطق الاستمرارية خاصة أنه لم تعد تفصلنا عن اول مباراة في تصفيات كأس العالم 2014 سوى بضعة أسابيع. أو استقالة جماعية للاطار الفني وللمكتب الجامعي برمته، وكذلك الرابطة الوطنية لكرة القدم المحترفة. لقد حان الوقت اكثر من أي وقت مضى لأن نقف على الحقيقة وعلى واقع رياضتنا عموما وكرة القدم خصوصا فنطرح على أنفسنا الكثير من التساؤلات ونسعى الى الاجابة عنها بكل تجرد ومسؤولية: لماذا تفشل المكاتب الجامعية المتعاقبة على جامعة كرة القدم في تحقيق أهم اهدافها المتمثل في تطوير وتنمية لعبة كرة القدم؟ أين نحن من منظومة الاحتراف ولماذا توقفنا عند خطوته الاولى؟ ماذا قدمت الأندية المحترفة من لاعبين من مستوى عال إلى المنتخب الوطني؟ وماهي الآفاق الحقيقية للمنتخبات الوطنية للشبان؟ لماذا في كل مناسبة نصمت ونغضّ الطرف عن تردّي مستوى البطولة التونسية؟ وأية مسؤولية يتحملها كل طرف من الاطراف المتدخلة بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة؟ ماذا عن الواقع البائس لنظام الهواية ولأنديتها في ظل غياب آليات التفاعل والتكامل والتضامن بين كرة القدم المحترفة وكرة القدم غير المحترفة؟ أية مقاربة نمتلكها للتكوين، لتكوين اللاعبين الشبان ولتكوين الممرنين ولتكوين المسيرين بدرجة أولى؟ الى متى يبقى «العزري أقوى من سيدو»؟، أي الى متى تبقى كرة القدم في حاضرها وفي مستقبلها رهينة اهواء الاندية الكبرى وأزماتها الداخلية الأزلية؟ لماذا نتخلف كلما دعت الضرورة ذلك الى وضع حد ادنى من الضوابط لتحصين «سوق» كرة القدم الداخلية من المزايدات المجانية ومن التضخم ومن الاستنزاف المجاني للقدرات المالية المتوفرة فيما لا يعني الى درجة ان هذه السوق اصبحت وحشية تنتج نجوما من ورق تفوق قيمتهم المتداولة أقل من مستواهم وقدراتهم الحقيقية؟ لماذا لا نحمي ما توفر لنا من بعض اللاعبين الموهوبين ممّن هم في بداية مسيرتهم الكروية او ممن هم في اوج العطاء من اغراءات السوق الخليجية للعب في بطولات يقلّ مستواها عن مستوى بطولتنا عوض الحرص على توجيههم الى بطولات أوروبية تفوقنا مستوى بما يعود بالفائدة الرياضية والفنية على هؤلاء اللاعبين كما بالفائدة على المنتخب الوطني؟ سيل التساؤلات هنا لا يتوقف، وهذا غيض من فيض، ومن هنا يبدأ الحديث، أما الممرن الوطني فيبقى ان كان سامي الطرابلسي او غيره الحلقة الأخيرة من سلسلة قيم كرة القدم وللحديث بقية.