كنّا نتنسم كلماتها من بعيد لأن الصورة لم تصلنا كاملة في صلب الحراك الموسيقي باعتبار أن «الراب» شكل فنّي في ظاهره شدوّ وغناء وفي باطنه «ميساج» تعبيري يريد مؤديه أن يعبر به عن رسالة لها توجه سياسي أو اجتماعي برؤية الشباب وأحلامه في عالمه كما يتصوره ويريده ويحلم به في إطار مكاني وإطار زماني لهما خصوصياتهما اللذان ينفردان بها. واليوم وضمن هذا الهامش من حرية الرأي والتعبير فرضت أغنية الراب نفسها وتواجدت في الساحات والفضاءات المفتوحة والشوارع والقنوات التلفزية على غرار محمد علي بن جمعة من غنى مع «المهدي آرتو. آم» أغنية «غلطوني».. و«بلطي» بأغنيته «جاي من الريف للعاصمة» والجنرال لما غنّى «تحيا تونس الخضراء» والقائمة تطول لتصل الى «بسيكو. آم» و«الحمزاوي ماد. أمين» و«كلاي بي بي جي» ممّن دخلوا الى بيوتنا عبر الشاشة الصغيرة فحفظ الشبان والأطفال أغانيهم وصاروا يرددونها أمام المدارس والمعاهد وفي عربات المترو.. كلمات تتوهج سابقا بشباب «الحرقة» والبطالة والخصاصة والحرمان.. وتتفاعل اليوم مع شذى ثورة الياسمين فتتغنى بالحرية والبطولة وثورة الشباب من كره الدكتاتورية وعبر عن آلامه ومعاناته بمعان كلها أنين وألم ولوعة حتى ظهر مغنّي الراب صاحب رسالة وكأنه ناطق رسمي باسم فئة كبيرة من الشعب الذي عانى من الظلم والفقر والجوع... أما في خانة الإبداع الموسيقي فأغنية «الراب» اعتمدت على الإيقاع السريع وعلى كلمات «الشارع المفتوح» وزوايا الأحياء الشعبية المكابدة دون احترام البحور الشعرية بل ظل الكلام يقترب من شكل القصيد الحرّ وفي لهجة عامية تنبع من واقعنا المعيش ولكن أساتذة الموسيقى وأن يحترمون الأذواق لهم رأيهم في أغنية «الراب» إذ يرونها خارج خانة الإبداع الموسيقي لأنها تفتقر الى حلّة لحنية بما فيها من جمل موسيقية ومقامات وقواعد وفنيات... والموسيقي الأكاديمي لا تمسّه حسب رأيه أغنية «الراب» لأن أذنه الموسيقية لا تتقبلها اطلاقا وترفضها لضعفها الإبداعي عكس جمهور آخر يقبل عليها بنهم.. والناس في ما يعشقون مذاهب.