يبدو أنّ الجناح التونسي في القرية الدولية لمهرجان «كان» سيصبح أشبه بقصة «أم سيسي»، فالحكايات عنه وحوله تفوق بكثير محتوياته، وإيثارا للسلامة سننأى بأنفسنا عن حكايات الجناح، وندلكم لمن يهمه الأمر على السيد الأسعد بلغايب فهو أفضل من يترصد هذه الأيام إدارة السينما وعلى رأسها فتحي الخراط والغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام التي فوضت لها وزارة الثقافة منذ سنة 2007 تنظيم الجناح، وبلغايب أقدر من يدافع عن موقفه بالحجج والبراهين. يذكر المهتمون بالسينما في بلادنا أن وزير الثقافة مهدي مبروك قرّر السنة الماضية إلغاء المشاركة في القرية الدولية لمهرجان «كان»، وقد جاء القرار في نهاية المدة النيابية للمكتب السابق للغرفة برئاسة خالد العقربي ومهما كانت الملاحظات حول هذا الرجل (أي خالد العقربي) فلابد من التنويه بصدقه في خدمة السينما والمنتجين السينمائيين وشغفه بمتابعة الملفات وعدم ضجره من التردد على الوزارات والإدارات لتسوية ملف ما، وقد ترك الرجل في رصيد الغرفة البنكي مبلغا ماليا لا يستهان به يقارب 70 ألف دينار كما انه فوّض بمحض إرادته لنائبه لطفي العيوني التصرف في عديد الملفات التي أثبت العيوني جدارته بمسكها ومن بينها ملف الجناح التونسي في مهرجان «كان»... بل إن رئيس الغرفة خالد العقربي لم يسافر ولا مرة واحد لمهرجان «كان» لا على نفقة الغرفة ولا بدعم الوزارة وحين ترأس لجنة التشجيع السينمائي وافقت اللجنة على أكثر من أربعين ملفا بين أفلام قصيرة وطويلة بعيدا عن «الحسابات» الضيقة التي عصفت بأكثر من فيلم في السنوات الماضية... وفي إدارته لملف الجناح التونسي بمهرجان «كان» منذ سنة 2008 إلى غاية 2011 كان لطفي العيوني شفافا في معاملاته المالية وأشبه ما يكون ب«عطّار الحومة الجربي»، وحريصا على تيسير المهمة لزملائه من المنتجين وسائر السينمائيين من مختلف الحساسيات والأجيال وفتح الباب لمشاركة عشرات المخرجين الشبان ليتعرفوا على أكبر مهرجان سينمائي عالمي، وأحسن إدارة الخلاف الذي نشب بسبب «أولاد الحلال» مع الراحل نبيل كيلة. كان واضحا ان وزارة الثقافة لم تكن مرتاحة لبقاء لطفي العيوني الذي اصبح رقما في المعادلة السينمائية الهشة والتي لا تقبل بأي طرف قوي عدا وزارة الثقافة نفسها بإعتبارها الجهة المانحة والسماء التي لولاها لجفت حقول السينمائيين، كما أنّ مزاج كبار المنتجين السينمائيين كان مرجّحا قبل سنة من الآن في انتخابات الغرفة النقابية لكفة رضا التركي الذي يعتبر ترأسه لهذه الغرفة نوعا من إعادة الإعتبار بعد محن كثيرة مرّ بها في مسيرته. وكان واضحا ترحيب وزارة الثقافة به رئيسا فقد إستقبله وزير الثقافة 24 ساعة بعد فوزه برئاسة الغرفة، كما غيرت الوزارة بوصلتها ب180درجة فبعد ان كانت المشاركة في «كان» إهدارا للمال العام اصبحت بين لحظة وضحاها تعريفا بتونس الثورة، وواجبا وطنيا لا يمكن للوزارة أن تتخلى عن دعمه. تغيرت التشكيلة إذن، ولكنّ النقائص ظلت تراوح مكانها، فالجناح التونسي يفتقر إلى المواد الاتصالية البدائية التي تعرّف بصناعة السينما في بلادنا كمّا ونوعا، فلا تجد سوى مطوية أعدّت على عجل بألوان باهتة عن المركز الوطني للسينما والصورة، بعض بطاقات الزيارة لعدد محدود من المنتجين، بعض الأفيشات لآخر الأفلام ودليل للأفلام التي أنتجت في السنوات الثلاث الأخيرة... ثم ماذا؟ هل يصعب على الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام أن تنجز بوابة إلكترونية تتضمن مواقع المنتجين السينمائيين في تونس والتسهيلات التي تتيحها بلادنا لتصوير الأفلام الأجنبية؟ وبالمناسبة ما مصير بوابة الثقافة التونسية؟ ما الذي كان يحول دون إعداد دليل يتضمن أسماء شركات الإنتاج ووسائل التواصل معها بأكثر من لغة يتم توزيعه في القرية الدولية وفي سوق الفيلم وفي قصر المهرجان حيث يتجمع أربعة آلاف صحافي من كل أنحاء العالم؟ ماذا كان يمنع الجناح التونسي من دعوة محمد صالح هارون (سينمائي تشادي) المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان وتكريمه خاصة وأن بلادنا تحتضن مقر الصندوق الإفريقي للسينما والسمعي البصري كما أن هارون كان رئيسا لصندوق الجنوب قبل درة بوشوشة وسبق له أن زار الجناح عدد 108 قبل ثلاث سنوات؟ ماذا كان يخسر الجناح التونسي لو نظّم لقاء لصناع الفيلم العربي أو إستضاف الفلسطيني هاني أبو أسعد الحاضر في «نظرة ما» بفيلم «عمر» وإستغل وجود المسرحي الكبير محمد بكري صديق تونس لتكريم السينما الفلسطينية؟ ألف فكرة وفكرة يمكن أن تجدها على قارعة شاطئ الريفيرا كانت قادرة على أن تجعل من الجناح التونسي منصة إطلاق حقيقية للسينما وللسياحة في تونس.