لا مجال للمناورات الرخيصة على حساب التوافقات الكبرى الاقتراض اعتراف ضمني بفشل الحكومة في استنباط الحلول حاوره: منتصر الأسودي ضيف حوار اليوم هو «لزهر بالي» رئيس «حزب الأمان» , التقته «التونسية» في المنتدى العالمي للاختراع و الابتكار الذي نظمه مؤخرا مركز الامان للبحوث والدراسات في دورته الاولى , بجزيرة قرقنة . رئيس«حزب الامان» اعتبر تصريحات «علي العريض» رئيس الحكومة بخصوص التيارات السلفية التي تتبنى العنف بمثابة «صب الزيت على النار» , داعيا اياه الى وضع اصبعه على مكمن الداء و التكلم بلغة أوضح و أدق. كما رأى ان تصريحات المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية عمقت الأزمة و زادت الطين بلة خاصة عند تطرقه الى موضوع الطالبات المنقبات , و في موضوع آخر ثمن بالي الدور الذي لعبه الاتحاد العام التونسي للشغل في المرحلة الاخيرة و تحديدا اثر اشرافه على مؤتمر الحوار الوطني , لكنه توجه باللوم الى حركة «النهضة» وبعض قياداتها متهما اياها بالتراجع على تعهداتها و التزاماتها. هل يمكن اعتبار السلفيين «دولة داخل الدولة» خاصة بعد الاحداث الاخيرة التي وصلت الى حد التمرد على القوانين و المؤسسات؟ أولا هم ليسوا دولة داخل الدولة و لكن دعنا نقول , «يا هم... يا الدولة» و ان العملية عملية وجود , فهؤلاء لا يؤمنون بالدولة و لا بالديمقراطية و يفكرون في تنفيذ ما يرونه صالحا غير آبهين بالقانون و يسعون الى تركيع الشعب التونسي , فاينما وجدوا تنتفي الدولة و السلطة, لانهم لا يؤمنون باخذ التراخيص من الدولة معتبرين ان ترخيصهم من الله و يعتبرون ان التراخيص و القوانين و التنظيمات و السلطة وضعية و لا يعترفون بها و يقولون انهم لا يعترفون الا بالشريعة وهي الشريعة حسب فهمهم الخاص و لا يعترفون بحدود المواطنة و لا بتونس و لا بالاعراف و يسعون الى تنفيذ أجنداتهم الفكرية الخاصة التي تتنافى مع مقومات الدولة وتنفي كل سلطة وضعية و هنا إمّا ان يتواجدوا هم او ان تتواجد دولة مدنية فيها دساتير و أعراف و انتخابات لايؤمنون بها اطلاقا . ولكن هناك شق من السلفيين يعترف بالدولة و يحترم القوانين ؟ نجد نوعين من السلفيين , فهناك شق تبقى افكاره على المستوى الايديولوجي و العقائدي و آخر يمر من هذا المستوى الى التنفيذ عن طريق الالتجاء الى العنف وترهيب الناس لفرض نمط و فكر معين , فالله سبحانه و تعالى قال: « فمن شاء منكم فليؤمن ومن شاء منكم فليكفر», و هذا ما نادينا به في الدستور من خلال التنصيص على حرية المعتقد و الضمير ...و على هذه التيارات العنيفة الاختيار بين التعايش في ظل دولة المؤسسات و الرضوخ للقوانين كغيرهم والعيش في مجتمع له نواميسه و اعرافه , او التشريع لقانون الغاب و هذا لا سبيل اليه . ماهي الاجراءات التي تقترحها للتعامل مع هذه الظاهرة ؟ بالنسبة للسلفيين المسالمين المنضوين تحت لواء السلفية العلمية ليس لنا معهم اي اشكال لانهم يعتمدون على المنطق في دعوتهم و يرتكزون على قوة المنطق و ليس منطق القوة , أمّا بالنسبة للذين يتخذون العنف وسيلة فلا يجب تمكينهم من الفضاء العام كما يشتهون , فهم يجتمعون للترويج للعنف و الفتنة و هذا غير ممكن ... فلا يمكن ان نتفاعل معهم الا بطرق و برنامج مركّب ذي أبعاد شاملة فيه التوعوي والتثقيفي والتعليمي و التنموي و الامني و لا بد من استراتيجية تجمع كل هذه الابعاد فمن المعلوم ان العملية لن تتم بين عشية و ضحاها وهي طويلة المدى , و ما ضرب في عشرات عقود و حالة التصحر على امتداد 50 سنة قابله ظهور بارز للتنظيمات السلفية منها من يتبنى العنف , نظرا لما تميزت به السنوات الماضية من ظلم و استبداد و انعدام العدالة الاجتماعية و التهميش و الفقر و القمع العقائدي و الديني و هذا ما يولد الا إفرازات سامة و اليوم لا بد ان نعالجها . ماهي الطرق التي تراها ناجعة لمعالجة الافرازات السامة؟ لا يجب قطع قنوات الحوار و حزبنا يشارك في اي ملتقى حواري , لكن الاشكال المطروح هو كيف ستحاور شخصا يرفع في وجهك السلاح ؟ يجب عليه اولا ان يتبنى العملية السلمية حتى نستطيع محاورته , فكل من يرفع السلاح لا حوار معه , لان الدولة هي الوحيدة التي يمكن لها احتكار العنف المشرع و على الجميع الالتزام بالقانون و الالتزام بالاعراف فهم ليسوا فوق القانون. و أقترح في هذا الخصوص بعث مشاريع تنموية لفائدة المقصيين و المهمشين لتلبية احتياجاتهم الحقيقية , دون ان ننسى الجانب التوعوي عن طريق المتابعة التي تنطلق في سنوات مبكرة وتحديدا في الحضانة لغرس قيم الدين السمحة و على المجتمع ان يقوم بدوره هو الاخر , و كذلك الشأن بالنسبة للاعلام من خلال المشاركة في عمليات التثقيف , فاليوم نرى بعض وسائل الاعلام تعطي فسحة للتحريض و هذا مشكل كبير يمكن ان يتضرر منه الاعلام نفسه , كما اقترح خطة أمنية لردع كل المارقين عن القانون و هي عملية طويلة المدى هي الاخرى و على الشعب التونسي التهيؤ لذلك , فوحدها الوحدة الوطنية قادرة على التصدى لهذا , و بمجرد تفككها و انتفائها ستخدم هذه التيارات التي ستعمل على استغلال الثغرات المجتمعية و التجاذبات الحزبية . هل فعلا اصبحت الوحدة الوطنية مهددة اكثر من ذي قبل , نتيجة التجاذبات السياسية و المحاصصة الحزبية ؟ ان اخطر ما وقع في الايام القليلة الماضية و تحديدا بعد الانتهاء من الحوار الوطني الذي رعاه الاتحاد العام التونسي للشغل و تمخضت عنه عديد التوافقات الجيدة خاصة بعد التحاق شق من الاحزاب التي قاطعت حوار قصر قرطاج , هو ان حركة «النهضة» تراجعت عن التوافقات المنبثقة عن مؤتمر الحوار عبر نوابها في المجلس التاسيسي ... نحن نقول ان العهد كان مسؤولا وأخلاقيات العمل السياسي شيء أساسي و اذا انتفت الاخلاق «موش ممكن نعملو السياسة», واذا لم تلتزم كافة الاطراف بتعهداتها و تحترم وعودها فمن غير الممكن التواصل معها . ما هو تقييمك لدور اتحاد الشغل في هذه المرحلة خاصة بعد اشرافه على مؤتمر الحوار؟ وهل ساهمت مبادرته في حل بعض الازمات السياسية و الاجتماعية؟ لعب اتحاد الشغل دورا ايجابيا و تقمص دور الراعي و الجامع للفرقاء السياسيين وبدا ذلك جليا في المبادرة الاخيرة التي انطلقت في قصر قرطاج ب 7 احزاب ... ثم اكتمل النصاب بعد التحاق الاحزاب التي قاطعت مشاورات قرطاج و جمّعهما الاتحاد . لقد كان التوافق واسعا وجديا في مبادرة الاتحاد و قرطاج , و الدور الذي لعبه الاتحاد ايجابي بعد التحاق «المسار» و «الجبهة الشعبية» و «حركة نداء تونس»... لكن مشكلتنا الآن داخل «النهضة» , فمن غير المعقول ان تقوم مجموعة من الحركة خاصة الحبيب خضر بالتراجع عن بعض الاتفاقيات و الفصول , وهذا لا سبيل اليه لانها امضت على التوافقات , و نحن لا يهمنا المشاكل الداخلية ل «النهضة» وقياداتها . و ما فعله خضر رسالة نابعة من مصالح حزبية و ضيقة للمتشددين في «النهضة» ورابطات حماية الثورة التي نصرّ على حلها. نقول اليوم انه لا مجال للمناورات الرخيصة على حساب التوافقات الكبرى للبلاد التي يمكنها ان تؤخر عملية صياغة الدستور و تشتت اللحمة الوطنية التي نحن في امس الحاجة اليها لمواجهة الارهاب و العنف , و من هذا المنطلق لا بد ان تفي «النهضة» بالتزامها و لم يعد لها اي امكانية للتراجع ( تراجعت عن بعض التزامات قرطاج في ما يخص حرية الضمير و المعتقد و الحق النقابي و حق الاضراب ...) فنحن نعتبر ان كل من لم يف بالعهد غير مسؤول , و على جميع الاحزاب تسوية مشاكلها الداخلية حتى لا تؤثر على الوحدة الوطنية و الدستور و على المرحلة الانتقالية بصفة عامة التي نريد انهاءها في أقرب الآجال . حسب رأيك ماهي أهم المخاطر التي تهدد المرحلة الانتقالية ؟ هناك امكانية ان يعرض الدستور على الاستفتاء , و في صورة حصول هذا لن يكون دستورا معتدلا ولا وسطيا باعتبار أن كل طرف سيعود الى قياداته المتشددة لاخذ آرائها ... وما قامت به «النهضة» غير مقبول و لابد ان تراجع نفسها وتفي بتعهداتها لانه اذا لم يتم هذا ستكون تبعاته كارثية على المجتمع و ستؤثر سلبا على بعض القضايا على غرار العنف و الارهاب و المرحلة الانتقالية. هل تعتبر تصريح رئيس الحكومة الذي قال فيه ان «انصار الشريعة» تنظيم غير قانوني وقياداته متورطة في الارهاب, مقدمة لتطويق العنف و الارهاب ؟ الارتجاف في المواقف و الكلام بأنصاف المفردات «ما عندو فين يهزنا» , ما معنى ان «قياداته متورطة في الارهاب»؟ عليه التاكيد هل هو تنظيم ارهابي ام لا؟ فهو تنظيم غير قانوني و ارهابي لأن التنظيم هو قيادات و لا يجوز ان تتورط قياداته في الارهاب وهو ليس ارهابيا ولا بد من مقاومته بجميع الوسائل و لا بد ان نتكلم بمفردات كاملة , ان الارتجال و التذبذب في الرسائل هو بمثابة رسائل طمأنة الى قواعد التنظيم , باعتبار ان رئيس الحكومة فصل بين القواعد و القيادات المتورطة في الارهاب , الذين وصل بهم الحد الى التحذير من تفجير قصر العدالة بتونس وهذا من اخطر صيغ الارهاب التي لم تشهده تونس . فتصريحات العريض عمقت حالة التفكك و التذبذب و تعطي رسائل خاطئة مفادها ان الحكومة لم تتخذ موقفا صريحا من هذا التنظيم و لهذا لا بد من الكف على مثل هذه التصريحات , لان هذا التنظيم خلق بواسطة الرسائل الخاطئة وهو مثل ما وقع مع رابطات حماية الثورة ( هؤلاء اولادنا و موش جايين من المريخ ) التصريح يجب ان يكون واضحا و صريحا و سدا منيعا لتسلل مثل هؤلاء الذين يستغلون الثغرات . هل تعتبر ان التراخي الحكومي اعطى الضوء الاخضر الى التنظيمات المتبنية للعنف بتنفيذ اجنداتها ؟ اليوم تغيرت الامور و الحمد لله و تحديدا بعد وصول وزير الداخلية الجديد «لطفي بن جدو» وهي الفرصة الاخيرة للتعاطي معها بهذا الوضوح و الصرامة , لكن هذا الوضوح غاب عن خطاب رئيس الحكومة , و زير الداخلية يبذل مجهودا كبيرا لفرض القانون . لكن نتمنى من رئيس الحكومة و اخوتنا في «النهضة» مساعدتنا من خلال الكف عن بعث رسائل مزدوجة , اذ يجب تصنيف هذا التنظيم ارهابيا مادام يمارس العنف و قياداته متورطة في الارهاب و تستنزف مجهودات القوة الامنية و تنذر الشعب ...و لا بد للقضاء من الحسم في امرهم . لكن القضاء تولى أمر المعتقلين في احداث «الاحد الاسود» و اطلق سراح بعضهم و من بينهم عدد من القيادات ؟ لا يجب ان نطلب من القضاء ان يكون مستقلا و محايدا ثم نأتي فيما بعد للضغط على قراراته. فالعملية معقدة و اطلاق سراح عدد من المعتقلين نابع من رغبة في تفادي التصعيد , و هذا ما نتمناه ايضا , و رسالة لامتصاص الاحتقان و لتهدئة الخواطر و الاجواء , لان العملية ليست قضائية بحتة و انما يتداخل فيها الجانب الاجتماعي و السياسي و العقائدي . القضاء يقوم في بعض الاحيان ببعث رسائل تخدم المصلحة العامة و تمتص الاحتقان , فالقاضي يجتهد و لا ينظر الى الموضوع من زاوية واحدة . كنت قد ثمنت دور بن جدو و في المقابل هناك احزاب غير راضية عن ادائه , وصلت الى حد المطالبة باستقالته , حسب رايك ما مرد هذا الاستياء ؟ هم المتشددون الذين يقلقهم اليوم التعاطي معهم بالجدية و الصرامة اللازمتين , فالاحتكاك بوزير الداخلية لا يكون الا في حالة مخالفة القانون. وأضيف ان التنظيمات و الاحزاب التي تقوم بدورها الحقيقي الذي بعثت من اجله ليس لها اشكال امني مع وزارة الداخلية , أما الاحزاب الاخرى التي نادت باقالة بن جدو فلا تسعى الى تاطير الفضاء العام و تهيئته بل لديها مشاكل اخرى و لها موقف اخر من وزارة الداخلية , و نعتبر ان السياسة هي حوكمة ادارة الشأن العام و تأطير الشعب لما فيه خير هذه البلاد , وهو الدور الحقيقي للاحزاب اما المشاكل التي تسبب حروبا عقائدية فنحن في غنى عنها و «عندها ناسها» و هم من يقلقهم وزير الداخلية . هل امضى حزبكم على لائحة اللوم في شان رئيس الجمهورية ؟ و كيف تقيم تصريحات وأداء المرزوقي؟ رئيس الجمهورية دائما ما يفوّت على نفسه الفرصة بأن يسكت و جل تدخلاته تشق صفوف الوحدة الوطنية و تخلق سجالا في الاوساط السياسية , فهو يتصرف عكس ما كان بامكان رئيس الجمهورية فعله من خلال التاكيد على الوحدة الوطنية ولمّ شمل التونسيين وهي من الصلاحيات الاساسية لرئيس جميع الصلاحيات . حزبنا كان من المنادين بلائحة اللوم هذه و نعتبر ان الوقت قد حان للم الشمل وتضميد الجراح لاكمال هذه المرحلة الانتقالية والذهاب الى انتخابات في اسرع وقت ممكن , لكن هشاشة الوضع الذي تمر به بلادنا لا يتحمل تنحية رئيس دولة او رئيس حكومة و نحبذ ان ننتقل الى انتخابات بهذه المجموعة و نتغاضى عن بعض الخلافات و علينا استيعاب الدرس في الفترة القادمة و اختيار رئيس مسؤول و يمثل كل التونسيين و قادر على القيام بدوره على اكمل و ليس كما حدث مع المرزوقي الذي وضع نفسه فوق المؤسسات عند حديثه عن حق المنتقبات في اجتياز الامتحانات و الحال ان المجالس العلمية قررت عدم السماح لهن بذلك . فاذا كان الشخص المخول للدعوة الى احترام القانون يتمرد على المؤسسات فمن سنلوم اذا . هناك من اعتبر خطاب المرزوقي حملة انتخابية مبكرة و لنيل رضاء فئة معينة من الشعب؟ الرسائل التي تصدر خاصة عن متشددي «النهضة» و «حزب المؤتمر من اجل الجمهورية» أو من بعض الاحزاب الاخرى هدفها الاول المتشددون و الصندوق لاغراض انتخابية , لكن هناك اشكالية هي ان رسائل الطمأنة الصادرة من بعض الشخصيات و الاحزاب تكون على حساب مصلحة البلاد و الوحدة الوطنية و لهذا انا اعتبر ان باستطاعتهم ربح بعض الاصوات بهذه الطريقة لكنهم سيخسرون مصداقيتهم حتى امام انفسهم فصورتهم في الميزان و يجب التفريق بين الرسائل الانتخابية و القرارات التي يمكنها انقاذ البلاد , و هناك بعض الاطراف تحيد عن دورها لخدمة مصالحها الشخصية . ماهي آخر مشاريعكم التحالفية ؟ هذا الحديث سابق لاوانه و الاكيد اننا لا نستطيع دخول الانتخابات فرادى و نحن في تنسيق مع بعض الاحزاب التي تقاسمنا نفس الاهداف و الرؤى و المبادئ لكن هذا الحديث سابق لاوانه , و سنترك هذا الموضوع لمؤتمرنا في اواخر سبتمبر , فنحن ملتزمون بما تقرره المؤسسات . كيف ينظر حزبكم الى مسالة الاقتراض من البنوك الدولية؟ الاقتراض هو اعتراف ضمني بان هؤلاء غير قادرين على استنباط الحلول , لقد تصرفوا في الاخير كما كان يفعل الاولون ففي الثلاث سنوات التالية اقترضت تونس 10 مليارات دينار و الكل مخصص للاستهلاك وهذا كارثة على الاقتصاد و يدل على انهم غير قادرين على ايجاد حلول و لهذا يلتجئون لأيسر الحلول. فالاقتراض يشرف عليه مسؤولو اليوم لكن سيدفع ثمنه صغارنا , فاذا لم نفكر في صغارنا فلا خير فينا , فلننظر الى البلدان السكندنافية تخصص نصف عائدات البترول لاجيالها القادمة بينما نحن نترك لابنائها الديون .