لا شكّ بأنّ غياب مشروع ثقافيّ وطنيّ يعمل وفقا لاستراتيجيّات محدّدة في كلّ القطاعات الثّقافيّة له تأثير على الكتاب نشرا وتوزيعا وإقبالا. زد على ذلك إصلاح المنظومة التّربويّة، وكذلك تطوير مشروع مكافحة الأميّة، فهما عنصران مؤثّران وداعمان للكتاب. فضلا (...)
قال لي صاحبي المُبضْحِكُ: أما آن للفارس أن يترجّل؟ قلتُ: «يا أعزّك اللّه. كنّا وكانت لنا أحلامنا الجميلة، وما كنّا نحسب أنّا سنحيا إلى زمن كهذا. فلقد خضنا نضالا على أكثر من واجهة، وما تعب القلب يوما وما كلّت عزائمنا. أمّا الآن فسنحاول الاستمتاع بهذا (...)
كان لي صديق (وما يزال صديقا غائبا حاضرا في زحمة الحياة) حفظه اللّه، (واسمه جمال خليل) كلّما باغتُه برأي مخالف يبتسم ابتسامة ساخرة دون أن يتفوّه بكلمة، وكلّما قرأت له شعرا لي أو لغيري، ولم يعجبه، عبّر ببسمته المعهودة الّتي تنمّ عن التّجاهل والتّجاوز. (...)
بوسع المرء المهموم أن يختار العزلة حين يلفظه الأصدقاء والأهل، ويتحاشى العالم الّذي لم يعد له فيه نصيب يذكر. وهو المكتظّ بنفسه، بوسعه أن يدمّر الجسد الّذي لم يعد يحمله ويحتمله. لكن ماذا عنه إذا كان عقله موبوءا وهويّته كدرا عليه وعبئا ثقيلا؟ بمن (...)
إذا أمكن الحديث عن الثّورة، فلا شكّ بأنّ المضمون الاقتصاديّ والاجتماعيّ لأيّ ثورة في التّاريخ هو الجوهر الّذي يُختبر مدى نجاحها. ولعلّ الثّورات العربيّة، واستعمل المفردة هنا، على سبيل المجاز والتّجاوز، تصطدم بإشكاليّة حقيقيّة تحول دون تحقيق أهدافها. (...)
قال لي صاحبي المُبضْحِكُ (الجامع بين الضّحك والبكاء معا)، وقد اغرورقتْ عيناه بالدّموع، ثمّ تهلّلت أسارير وجهه، وانفجر بضحكة مدويّة كانفجار كأس: « قرأت منذ أيّام تدوينة تقول: يبلغ متوسّط قراءة الفرد في أوروبا نحو مائتيْ ساعة سنويّا. بينما لا يتعدّى (...)
أعتذر للشّاعر الخالد محمود درويش بأن أحوّر كلامه ليكون من قبيل مديح الظلّ الواطئ بدل الظلّ العالي. في شبابي درّسني أستاذ يدعى «محمّد إدريس» كثيرا ما كان يكرّر علينا: «الأديب إنسان قبل أن يكون أديبا». فكانت تسكنني تلك الرّهبة من لقب أديب الذي أضحى في (...)
تحضر في ذهني مقولة للزّعيم الصّينيّ ماو تسي تونغ مفادها أنّ من لم يبحث ليس له الحقّ في الكلام. ومع أنّ الكلام يجري مجّانا في عصرنا هذا. إذ تكثر الفتاوى في كلّ شيء ومن قبل الجميع من دون استثناء. فكلّ واحد يدلي بدلوه في ما لا أهليّة له ولا اختصاص (...)
إنّ سرديّة الوجع في نظري ليست فقط تلك الّتي تعرض وجعا خصوصيّا من جهة علاقة الإنسان بنفسه وبالآخر، وبالحياة وعلّاتها وشجونها، أو بالطّبيعة وكوارثها، أو أيضا بالتّجارب المؤلمة المحليّة، وبالأوطان واغتصابها، وسرقة ثرواتها وتفقير شعوبها، إنّما يقودني (...)
الأكثر تداولا والمتعارف عليه هو العمود الصّحفيّ الّذي هو عبارة عن مساحة محدودة في صحيفة يكتب فيها صحافيّ أو كاتب مشهور تحت عنوان ثابت، وبصفة منتظمة موضوعا يعبّر فيه عن أفكاره وانطباعاته وخواطره عن قضايا ومشاغل راهنة كحدث أو خبر أو ظاهرة مستجدّة (...)
للشّعر تاريخ مع الحروب، ومنها الحروب العربيّة منذ الجاهليّة إلى حروب الفتوحات الإسلاميّة مرورا بحروب أخرى خاضها العرب: حرب سنة 1948 وحرب العدوان الثّلاثيّ على مصر سنة 1956 وهزيمة 1967 وحرب سنة 1973 وغزو العراق سنة 2003. هذا دون أن ننسى جولات الحروب (...)
كشفت الحرب على قطاع غزّة الكثير للشّعوب العربيّة: منه زيف شعارات الدّيمقراطيّة والحريّة وحقوق الإنسان. ما يعني أنّ النّموذج الغربيّ والأمريكيّ أو الأطلسيّ عموما لم يعد المثال الذّي يُحتذى به في بناء الدّول والمجتمعات. فهو نموذج يكرّس الاستعمار (...)
في فلسطين المحتلّة أمر مطلوب بعيدا عن العاطفة والانفعالات وحرمة المقدّس. والنّقد الموضوعيّ يتعلّق بالضّرورة بما هو ايجابيّ وسلبيّ. ايجابيّ يحتاج إلى الدّعم والتّطوير، وسلبيّ وجب العمل على محاصرته وتجاوزه. فلقد خاضت فصائل المقاومة حروبا عديدة ضدّ (...)
التّطبيع في ظاهره نهج سياسيّ وممارسة وانخراط جزئيّ أو كليّ في المشروع الصّهيونيّ- الأمريكيّ. وفي باطنه استهلاك للمعارف والتّكنولوجيا ووسائل التّواصل واندماج عضويّ في النّظام الرّأسماليّ العالميّ الّذي تسيطر عليه الدّوائر الاستعماريّة والحركة (...)
يشهد العالم تحوّلات عميقة: منها تشكّل أقطاب دوليّة مناوئة للهيمنة الامبرياليّة الغربيّة ولسعي دول عديدة في أفريقيا وأمريكا اللاّتينيّة إلى استرجاع سيادتها والقطع نهائيّا مع الدّوائر الرّأسماليّة العالميّة. كما يجري فرز واضح بين قوى ناهضة تحاول بناء (...)
شهد التّاريخ أسطرة العاديّ أكان حدثا أو ظاهرة أو شخصا، وترقيته حتّى إلى منزلة المقدّس. كما شهد الحطّ من قيمة الأسطوريّ والمقدّس وتنزلته منزلة العاديّ. وفي مقام آخر صار بالإمكان تصديق ما هو وهم وكذب وزيف ليصبح حقيقة وسلوكا. ولم يأت ذلك من فراغ. فلقد (...)
عزيزي عبد اللّه المتّقي، قرأت مجموعتك القصصيّة القصيرة جدّا ‹يعطيك دودة›. ودعني أقل إنّني منذ أن عاشرت نصوصك الشّعريّة والقصصيّة الموجزة تبيّنت أشياء كثيرة منها ما هو عن البلاغة الجديدة، وعن اللّغة، والمزج بين القصّ والشّعر في نصّ أسمّيه أنا النّصّ (...)
رحلوا وما قالوا شيئا عن أسباب انتحارهم. في غياب الدّراسات حول ظاهرة الانتحار في تونس، والّتي ما فتئت تتزايد عددا ونسبا، يمكن للباحث أو المهتمّ بها أن ينطلق من الملاحظة البسيطة والدّالّة. ففي يوم الأربعاء الموافق ل07 جوان 2023 انتحر ثلاثة أشخاص في (...)
اخترتُ هذه المرّة أن أكتب مقالة مخالفة لما تعوّدت عليه من طرح لقضايا فكريّة وأدبيّة، والحقيقة أنّني دوّنتها بطلب من زميلة قالت لي: « اُكتُبْ عنّا أرجوك! أكتب إن شئت عن محاسننا وعن سيّئاتنا». لذلك جعلت هذا العنوان لمقالتي: الأخصّائيّون الاجتماعيّون (...)
أسئلة كبيرة وخطيرة تدور في ذهن المتأمّل في أحوال عالمنا المعاصر: منها الذّكاء الاصطناعيّ. فهل ستشهد البشريّة في المستقبل القريب مؤسّسات من دون عمّال، وحروبا من دون جيوش، وعمليّات جراحيّة من دون أطبّاء، وطلبة من دون مدرّسين، وأدبا من دون أدباء، (...)
من الأسئلة الّتي تبدو بسيطة: سؤال طرحه الأديب اللّبنانيّ والمفكّر شكيب أرسلان (1869 /1946) في بداية القرن العشرين في كتابه الموسوم ب› لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟› وسؤاله الفرعيّ هو: لماذا تخلّف العرب وتقدّم الغرب؟ إنّه سؤال عميق وراهن، ردّده (...)
أبهرتني مرّة في موقع للتّواصل الاجتماعيّ صورة أربع نساء: وزيرات التّعليم والاقتصاد والدّاخليّة ورئيسة الوزراء، وهنّ من دولة فنلندا. الصّورة تبعث البهجة في النّفوس: شابّات وزيرات مشرقات، مبتسمات وجميلات، بحضور بهيّ فتّان. ذكّرتني الصّورة تلك بصديق لي (...)
الخارج من قبوٍ عطن، الّذي على قلق وتلهو به الرّيح، الّذي يغيم حين يكون الصّحو، ويصحو حين هطول الغمام، الّذي لا ينتمي إلّا لنفسه، الأهوج، الماطر، العاطر، العاصف، المتشائل، الّذي يعطس ويسعل لحظة النّهوض، الإله الّذي بلا عرش ومتون. أعني الكاتب الّذي (...)
«يعمّ الفساد جميع البلاد». ليس من العسير على المرء تبنّي هذا الشّعار/ المقولة. فالفساد في تونس يستشري في كلّ المجالات والقطاعات، ولا تختصّ به فئة دون أخرى. فالشّعب بدوره ينخره الفساد. أتحدّث هنا عن ظاهرة اجتماعيّة، وأقاربها في صيرورتها التّاريخيّة، (...)