49 هزة أرضية تثير ذعر السكان بجنوب إيطاليا    استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة 9 خلال اقتحام جيش الاحتلال لجنين    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    طقس الثلاثاء: الحرارة في انخفاض طفيف    ليفربول يعلن رسميا خليفة كلوب    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    الدّورة الثّالثة لمؤتمر مستقبل الطّيران المدني: وزيرة التّجهيز تقدّم رؤية تونس في مجال الطّيران المدني في أفق 2040    سليانة: 10 إصابات في انقلاب شاحنة تقل عمالا في الفلاحة    دعما لأهالي غزة : مهرجان جربة تونس للسينما العربية يقدّم برمجة خاصة للجمهور    رقم مفزع/ من 27 جنسية: هذا عدد الأفارقة المتواجدين في تونس..    رئيس الحكومة في زيارة ميدانية للشمال الغربي للبلاد التونسية    تنبيه/ تحويل ظرفي لحركة المرور ليلا لمدة أسبوع بهذه الطريق..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    فقدان 23 تونسيا في'حَرْقة': ايقاف 5 متهمين من بينهم والدة المنظّم واحد المفقودين    التضامن.. الإحتفاظ ب3 اشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    عاجل: وسائل إعلام رسمية: انتخابات الرئاسة في إيران ستجرى في 28 جوان    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    والي بن عروس: فخور ب"دخلة" جماهير الترجي وأحييهم ب"عاطفة جيّاشة"    النادي الصفاقسي : اصابة وضّاح الزّايدي تتطلب راحة باسبوعين    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    التوقعات الجوية لهذه الليلة    بنزرت تستعد لاستقبال أبناء الجالية المقيمين بالخارج    عروض ثريّة للإبداعات التلمذيّة.. وتكريم لنُجوم الدراما التلفزيّة    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    الميزان التجاري يستعيد عافيته...رصيد المبادلات الخارجية يتطور ب %24    وزارة التربية: هذه هي الانشطة المسموح بها بالمؤسسات التربوية خارج أوقات التدريس    بودربالة يوجه إلى نظيره الإيراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    رفض الافراج عن سنية الدهماني    إضراب عن العمل بإقليم شركة فسفاط قفصة بالمظيلة    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    عاجل : المحكمة الجنائية الدولية تطلب اصدار مذكرة اعتقال لرئيس وزراء و رئيس حركة    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكال الديني والسياسي والبحث عن مرجعية ناظمة
نشر في أوتار يوم 29 - 11 - 2017

مع أن علاقة الديني بالسياسي في العالم الإسلامي قضية ليست بالجديدة بل تندرج في سياق المواضيع التي قُتِلت بحثا كما يقولون إلا أن الإشكالات الفكرية الفقهية المرتبطة بهذا الموضوع ك : تعدد المرجعيات الدينية وعلاقتها بالتشريعات الوضعية الوطنية ، معنى الافتاء والاجتهاد ؟ولمن يرجع التكليف ؟ … لم يتم حلها وما زالت حاضرة بقوة ،ولم يستطع المسلمون وطِوال أكثر من ألف وأربعمائة سنة على حسم هذه الإشكالات .
فما أن يستقر الحال على توافقات محددة بهذا الشأن إلا وتنتكس الأمور وتعود لنقطة الصفر ، وكأن الله يريد أن يعاقب (المسلمون) بمثل عقاب كبير الآلهة زيوس للفيلسوف سيزيف بجعله يحمل صخرة إلى قمة جبل وما أن يصل للقمة حتى تتدحرج الصخرة للقاع ليُعيد المحاولة مرة أخرى وهكذا يستمر عذابه ، كما جاء في الميثولوجية الإغريقية .
هذه التساؤلات والإشكالات ليست بجديدة على المشهد الفكري والفقهي الإسلامي ، فتساؤلات القرن الواحد والعشرين هي نفسها تساؤلات القرن السابع ! بحيث يمكن القول بأن الفكر السياسي الإسلامي ما زال يبحث عن مستقر والأسئلة الإشكالية حول علاقة الديني بالدنيوي ما زالت تحتل حيزا كبيرا من انشغالات العقل السياسي العربي والإسلامي ، والأمر لا يقتصر على فقهاء الدين بل تجاوزهم لمفكرين ومثقفين من مدارس فكرية متعددة بما فيهم يساريين وقوميين وحداثيين .
الخطورة أن هذه التساؤلات لا تنحصر في مجال الفكر والتنظير والتمذهُب بل أنتجت استقطابات حزبية وسياسية ، هذه الاستقطابات إن كانت بعناوين دينية إلا أن غايتها السلطة الدنيوية ،وكانت أساسا لحروب دموية وصراعات سياسية بين المسلمين أنفسهم منذ الفتنة الكبرى وحروب علي ومعاوية إلى الحروب الدائرة اليوم في سوريا والعراق وأفغانستان الخ .
التساؤلات حول العلاقة بين الدين والسياسة ، الدين والعقل ،المقدس وغير المقدس ، ومن يحق له الإفتاء والاجتهاد ، معنى الحاكمية أو الحكميّة … طرحها الأولون وحاولوا الاجتهاد فيها : المعتزلة ، الخوارج ،الأشاعرة ، أبن تيمية ، إخوان الصفا ،ابن أبي الربيع ، الفارابي ، الماوردي ، ابن رشد ، ابن خلدون ،الطرطوشي ، الشيرازي ، وآخرون عالجوا الموضوع وتركوا لنا كتابات متباينة في مخرجاتها .
صحيح أنهم لم يحسموا فيها بشكل قاطع ،إلا أن بعضهم كابن رشد لامس تخوم الإشكالية وحاول إعادة موضعة العلاقة أو التساؤل حول العلاقة بين الديني والسياسي وبين الدين والعقل إلا أنه تعرض لمحنته المعروفة ، كما أنه بالممارسة العملية تم ممارسة السياسة والحكم ما بعد الخلفاء الراشدين بالتحايل على النصوص المقدسة وتجاوزها أحيانا .
نفس التساؤلات وأخرى فرضتها متغيرات الواقع والزمان واجهت علماء نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أو ما يسمى عصر النهضة أو التنوير العربي : الأفغاني ، الكواكبي ،محمد عبده ،رفاعة الطهطاوي ، سلامة موسى ،شكيب أرسلان ،طه حسين ،علي عبد الرازق وآخرون ،كما تم فتح الملف مرة أخرى في الربع الأخير من القرن العشرين مع كتابات جلال صادق العظم ونصر حامد أبو زيد وفرج فوده وغيرهم وكانت لهم اجتهادات قيَّمة بالرغم من اتهام أصحاب هذا الفكر بالردة والتجديف وتم محاكمة البعض واغتيال آخرين .
رياح النهضة الفكرية التي أسس لها أصحاب الفكر التنويري أصيبت بانتكاسة وتم كبحها بقوة حضور الفكر الوهابي المسلح بالمال النفطي أولا ، ثم موجة الإسلاموية السياسية مع القاعدة والجماعات الأخرى كالتكفير والهجرة والجماعة الإسلامية وظهور الثورة الإيرانية ،كما أن الغرب شجع ودعم كثيرا من هذه الجماعات والتوجهات الدينية إما لتواجه الخطر الشيوعي ونفوذ الاتحاد السوفييتي ،أو لمواجهة الحركة القومية التحررية العربية المعادية للنفوذ الغربي ولنشر الفوضى في المنطقة كما جرى ويجري فيما يسمى الربيع العربي ، دون تجاهل أن واقع الممارسة السياسية وآلية اشتغال الدولة والثقافة السائدة في العالم العربي لم يكونوا حاسمين في مواجهة الإسلام السياسي ولم يشجعوا الفكر التنويري .
موجة الإسلاموية السياسية الأخيرة والتي عنوانها داعش –دولة الخلافة – وما يتفرع منها ويدور في فلكها ،وممارستهم فيما أُتيح لهم من سلطة في أفغانستان والعراق وسوريا ،وانتكاسة الدولة الوطنية وما وفرته من حد أدنى للتعايش بين مواطنين متعددي المذاهب والطوائف ، كل ذلك فتح ملف العلاقة بين الديني والسياسي مجددا ، ويظهر ذلك من خلال ما نسمعه ونشاهده اليوم من دعوة لإعادة تنقيح كل التراث الفقهي الإسلامي سواء داخل الجماعات الإسلاموية نفسها أو في الأزهر الشريف في مصر وحتى داخل العربية السعودية التي روجت واحتضنت الفكر الوهابي على مدار قرن من الزمن .
حسم كل هذه الإشكالات وحتى لا يكون حالنا حال سيزيف مع صخرته يستوجب الخروج من فوضى تعدد المرجعيات الدينية من جانب والتداخل بين الديني والسياسي من جانب آخر ، حتى يتم قطع الطريق على موجة جديدة من الإسلاموية السياسية المدَمِرة وفوضى الافتاء . الأمر الذي يتطلب تحرير الإسلام من هيمنة الجماعات الإسلاموية وتجريد هذه الأخيرة من تنصيب نفسها مرجعية فقهية وسياسية للمسلمين ، ولكن وفي نفس الوقت يجب الحذر من تسليم ملف الدين للأنظمة السياسية والمرجعيات الدينية التابعة لها .
احتكار الأنظمة السياسية والمرجعيات الدينية الرسمية لمجال المراجعات الفقهية وصياغة العلاقة بين الدين والدولة واحتكار الحق في الفتوى والاجتهاد لن يحل المشكلة ،خصوصا في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي وغياب الديمقراطية المُفضية للشراكة السياسية لكل مكونات المجتمع . والمطلوب إشراك المفكرين والعلماء من كل الاتجاهات الفكرية الوسطية وغير المنخرطين في الصراعات السياسية الدائرة في هذه العملية ،لأجل التأسيس لمشروع نهضة فكرية ثقافية تُعيد موضعة العلاقة بين الديني والسياسي بما يؤسس لدولة مدنية علمانية تستطيع أن تواجه تحديات العصر مع الحفاظ على روح الإسلام كدين صالح لكل زمان ومكان .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.