غنى أبو القاسم الشابي شاعر الشعوب الحيّة نشيده العظيم ثلاث مرات حتى الان ، مرة عندما كتبه ببقايا من جسده ودمه وأطلقه نشيدا للشعوب الحيّة في عام 1933 م ، ومرة عندما انتزع الشعب التونسي العظيم حريته من المستعمر الأجنبي في عام 1956 م ، ومرة ثالثة عندما انتزع الشعب التونسي العظيم حريته من يد ظالم من ذوي القربى كان أولى به أن يعدل وينصف مع أبناء جلدته التوانسة. إن النار التي اشتعلت في المرحوم بو عزيزي كانت تحرق في الوقت نفسه امبراطورية الطغيان التي بناها الطغاة من عرق البسطاء ومن تعبهم وعلى انقاض الرحمة والعدل التي كان الشعب التونسي أولى بها وأحق ، فهو شعب صادق مع نفسه ومع تاريخه مخلص لصبره محتفٍ بمعاناته ضمن سياق الحياة اليومية . اليوم تحتفل الشعوب الحيّة في كل مكان بالذكرى الأولى لميلاد ثورة الياسمين ، وهي الثورة التي حظيت باحترام الناس أجمعين وأنقذت الياسمين من أكف لا تعرف الياسمين حتى وإن تجملت بباقاته ظلما وعدوانا ، وحتى ولو تسترت خلف لونه الجميل وتحت أريجه النفاذ . لقد حضرت قوى الدنيا وسعت لتطل برأسها من خلال أكتاف الشعب التونسي العظيم ، لكن قامات التوانسة كانت أعلى وهدير الشعب الحي كان أقوى ، وحضور الشعب التونسي الحي كان هو الأوحد في كل شير من تونس وفي كل ميدان من ميادينها وفي كل حي من أحيائها . لسنا في خارج تونس بأدرى من التوانسة بما ينفعهم أو يضرهم ، لكنا نترقب ثورتهم الياسمينية بكل إجلال وتقدير ونتمنى لهم الاستمرار في مسار الصدق والحكمة الذي اختاروه سلفا ليكون مسارا دائما لثورتهم المباركة، ونتمنى بقاء ثورتهم هديرا مستمرا من أجل الحياة وأنموذجا حيا على إرادة الشعوب للحياة . محمد بن ربيع الغامدي ( قاص ومسرحي سعودي )