أنقذت الدانمارك الكاتب الآرتري أحمد أبوبكر كهال ورحل الكنعاني المغدور عبد الحفيظ المختومي وهو يحلم بطبعة أنيقة وكنت شاهدا على لقمة العيش التي انتزعها هذا الكاتب أو الشاعر من أجل اصدار كتاب أو مجموعة شعرية! قال لي أحدهم «آش لزّو»؟! قلت الآن قمنا بالخطوة الأولى في اتجاه الجهل والأميّة... «آش لزّو»؟ الحكاية ليست كأس افريقيا ولا شيشة «مجوركة» ولا سيارة شعبية ولا شقة في حي شعبي. الحكاية لها علاقة بالحياة، إن تكتب يعني أنك تحيا، ان تكتب يعني أنك تدّون تاريخ حضورك... ان تكتب يعني أنك تمهد لخلود حرفك... «آش لزو»؟ هذا أخطر أسئلة الأمية وهذا السؤال يجب أن تغتاله وزارة الثقافة وبعض المتمترسين وراء مكاتبها لأن كل شيء أمامهم مجرد أرقام وبيانات... مات المختومي وبعد رحيله أصدروا طبعة فاخرة أنيقة هي أعماله الكاملة التي تمناها حيا وأنفق كل ما لديه، لتصدر مجزأة بمعاناته ومكابدته. من يصدق أن «المجلة العربية» تختار المختومي ضمن أمواتها وتخصص له ص 159 من كتابها الشهري 183. نعشق الأموات ونحب المشي في الجنازات ونحترم الذي اصطفاهم عزرائيل، نحبهم لأننا سنقتات من أربعينياتهم ومائوياتهم وسنتخلص الى الأبد من منافستهم. فالموتى لا ينافسون ولا يعرضون «الميركاتو» ولا«الميركاضو» لذلك نحبهم ونجلهم ونخشى كل نبض حي. بالأمس كنت أمام سياج اتحاد الكتاب فرأيت عدّة لوحات شعرية لشعراء تونسيين... لم يكن واحد منهم على قيد الحياة. لم أجد مقولة لكاتب تونسي لم أجد آدم فتحي ولا سليم دولة ولا الصغير أولاد أحمد والمنصف المزغني وأي شاعر من الشعراء الشبان حتى وليد الزريبي الذي أرادوه «كاميكاز» واضطروه كي يكتب وصيته وهو في عمر الشباب وفي رصيده أكثر من 20 كتابا... ألم يقتلوا محجوب العياري؟ ورضا الجلالي؟ ألم يجوّعوا عشرات الشعراء والكتاب... قالوا «المجد للبلاد والدمار للكتاب». هذه العقلية هي التي جعلت الكنعاني المغدور يجد فرصة «للانتشار عربيا» بعد موته كي يتحدثوا عنه لماذا لم تنشر بعض المجلات العربية أعمال هذا الرجل بعد الاشادة بنضاله المسلح والكلمة؟ نحن قتلة الأنبياء والشعراء... آن الأوان كي ينتفض الشعراء... آن الأوان كي ننهي مهازل الأربعينيات والمائويات والنبش في الماضي... آن الأوان كي ننتبه إلى الجمال الساري الذي يتربص به الموت أن وقت تكريم الأحياء والاحتفاء بهم، فالسكر لا يرش إلاّ على الأحياء كما الياسمين.