رجال المخابرات في كل مكان في حيص بيص، عندما اخترعوا هاتفا ابن ناس، لا ينقل الكلام المسموع وبالتالي لا يورط من يستخدمونه، فهاتف سانيو الجديد لا يتطلب أكثر من تحريك الشفتين لتوصيل الرسالة إلى الطرف الآخر، وإذا كمشك رجال الأمن تستطيع أن تزعم أن هناك خطأ في ترجمة حركة شفتيك.. افرض مثلا أنك تعيش في أحد البلاد التي تطالب مواطنيها بالخروج في مظاهرات شعبية عفوية هاتفة "بالدم بالروح نفديك يا زعيم" وافرض أنك استبدلت "زعيم" ب "لئيم"، سيظل دفاعك أمام محكمة أمن الدولة أو القضاء العسكري قويا لأنك تستطيع أن تزعم أن هناك سوء ترجمة متكئا على حقيقة أن زعيم ولئيم قريبتان من حيث المخارج.. وبالمقابل فإن السلطات الأمنية قد تجعل من مجرد الهمس الهاتفي جريمة كما في تلك النكتة القديمة المتداولة في معظم الدول العربية عن الرجل الذي اعتقلته الشرطة لأنه كان يوزع منشورات، ولما دافع الرجل عن نفسه بقوله إنه كان يوزع أوراقا بيضاء ليس عليها أي كتابة قالت له الشرطة: أنت تقصد أن تقول إن الحال يغني عن الكلام يا ملعون. والهاتف الذي ابتكرته شركة سانيو خصيصا للصم والبكم يعمل على ترجمة الاهتزازات البسيطة الناجمة عن حركة الشفتين إلى لغة مفهومة، ولأن العرب مولعون ومهوسون باقتناء أدوات الاتصال، على الرغم من إدراكهم أنها جميعا موضوعة تحت المراقبة، فمن المؤكد أنهم سيكونون أكبر زبون للهاتف الصامت، ليتصل الواحد منهم برئيسه المباشر في العمل ليقول له "أنت مفتري" وفي لحظة الزنقة سيزعم أنه قال في واقع الأمر "أنت عبقري" وبدلا من الفصل من الخدمة أو إيقاف العلاوة سينال ترقية. وأكثر الناس سعادة بالهاتف الصامت سيكونون أولئك الشبان الذين لا صنعة لهم سوى التحدث مع حبيبات وهميات أو فعليات عبر الهاتف، لأن الواحد منهم يستطيع أن يقدم محاضرة في الحب وهو في سوق الحراج، ولكن سوء التفاهم وارد، وقد يترجم الهاتف عبارة "أنت أمل حياتي" إلى "أنت قمل حياتي"، وأنت وردة قد تصبح أنت قردة، وقد يتصل رجل بزوجته ويقول لها همسا هاتفيا: أنت مصدر سعادتي ويعود إلى البيت ليجد أنها نقلت كل الأثاث إلى بيت والدها بعد أن قطعت ملابسه فيسألها: مالك يا بنت الناس؟ عودي إلى بيتك فتقول بصوت متهدج غاضب: ليش ارجع وأنا مصدر تعاستك. وإذا أجريت مكالمة عبر ذلك الهاتف إلى قريب لك في أمريكا فلا تستخدم كلمات أو عبارات مثل المائدة (القاعدة)... هما "طالبان" في جامعة شيكاغو... أنا حائرة (طائرة)..يا دكتور أنا مدمن (مؤمن). جعفر عباس