مع الشروق .. قمّة بكين ... وبداية تشكّل نظام دولي جديد    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    رئيس الحكومة يستقبل المدير العام للمجمع السعودي "أكوا باور"    توقيع مذكرة تفاهم تونسية سعودية لتطوير مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس    شهداء وجرحى في قصف لقوات الاحتلال على مدينة غزة..    بطاقتا إيداع بالسجن ضد أجنبيين تورّطا في تنظيم عمليات دخول أفارقة لتونس بطرق غير نظامية    بداية من اليوم: خدمة جديدة للمنخرطين بال'كنام' والحاصلين على الهوية الرقمية    صفاقس: إيقاف 21 افريقيا وصاحب منزل أثر معركة بالاسلحة البيضاء    جنيف: وزير الصحة يؤكد أهمية تعزيز قدرات الدول الإفريقية في مجال تصنيع اللّقاحات    عاجل/ هذا ما قرّرته 'الفيفا' بشأن المكتب الجامعي الحالي    وزارة الصناعة: توقيع اتفاقية تعاون بين أعضاء شبكة المؤسسات الأوروبية "EEN Tunisie"    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    كلاسيكو شوط بشوط وهدف قاتل    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    بالفيديو: بطل عالم تونسي ''يحرق'' من اليونان الى إيطاليا    مراسم استقبال رسمية على شرف رئيس الجمهورية وحرمه بمناسبة زيارة الدولة التي يؤديها إلى الصين (فيديو)    عاجل/ فرنسا: إحباط مخطّط لمهاجمة فعاليات كرة قدم خلال الأولمبياد    وزارة المرأة تحذّر مؤسسات الطفولة من استغلال الأطفال في 'الشعوذة الثقافية'    بن عروس: حجز أجهزة اتصالات الكترونيّة تستعمل في الغشّ في الامتحانات    بطاقة إيداع بالسجن ضدّ منذر الونيسي    مجلس نواب الشعب: جلسة استماع حول مقترح قانون الفنان والمهن الفنية    رئيس لجنة الفلاحة يؤكد إمكانية زراعة 100 ألف هكتار في الجنوب التونسي    المنتخب الوطني يشرع اليوم في التحضيرات إستعدادا لتصفيات كأس العالم 2026    النادي الصفاقسي في ضيافة الاتحاد الرياضي المنستيري    الرئيس الصيني يقيم استقبالا خاصا للرئيس قيس سعيّد    قبلي : تنظيم اجتماع تشاوري حول مستجدات القطاع الثقافي وآفاق المرحلة القادمة    وزير التعليم العالي: نحو التقليص من الشعب ذات الآفاق التشغيلية المحدودة    عاجل/ حريق ثاني في حقل قمح بجندوبة    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    منظمة الصحة العالمية تمنح وزير التعليم العالي التونسي ميدالية جائزة مكافحة التدخين لسنة 2024    صفاقس: وفاة امرأتين وإصابة 11 راكبا في اصطدام حافلة ليبية بشاحنة    تطاوين: البنك التونسي للتضامن يقرّ جملة من التمويلات الخصوصية لفائدة فلاحي الجهة    بمشاركة اكثر من 300 مؤسسة:تونس وتركيا تنظمان بإسطنبول أول منتدى للتعاون.    رولان غاروس: إسكندر المنصوري يتأهل الى الدور الثاني لمسابقة الزوجي    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    آخر مستجدات قضية عمر العبيدي..    الانتقال الطاقي: مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انتخاب التونسي صالح الهمامي عضوا بلجنة المعايير الصحية لحيوانات اليابسة بالمنظمة العالمية للصحة الحيوانية    رولان غاروس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 34 عالميا    حادث مروع بين حافلة ليبية وشاحنة في صفاقس..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    بعد الظهر: أمطار ستشمل هذه المناطق    جبنيانة: الإطاحة بعصابة تساعد الأجانب على الإقامة غير الشرعية    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الأوروغوياني كافاني يعلن اعتزاله اللعب دوليا    عاجل/بعد سوسة: رجة أرضية ثانية بهذه المنطقة..    إلغاء بقية برنامج زيارة الصحفي وائل الدحدوح إلى تونس    تونس والجزائر توقعان اتفاقية للتهيئة السياحية في ظلّ مشاركة تونسية هامّة في صالون السياحة والأسفار بالجزائر    بنزرت: الرواية الحقيقية لوفاة طبيب على يدي ابنه    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    منبر الجمعة .. لا يدخل الجنة قاطع صلة الرحم !    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    شقيقة كيم: "بالونات القمامة" هدايا صادقة للكوريين الجنوبيين    محكمة موسكو تصدر قرارا بشأن المتهمين بهجوم "كروكوس" الإرهابي    مدينة الثقافة.. بيت الرواية يحتفي ب "أحبها بلا ذاكرة"    الدورة السابعة للمهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع .. فنانون من 11 بلدا يجوبون 10 ولايات    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النص الكامل لحديث القائد معمر القذافي أمام حشد الفاعليات الفكرية والثقافية في تونس
نشر في باب نات يوم 05 - 08 - 2008

تحدث القائد معمر القذافي في اللقاء الفكري بقصر السعادة بالمرسى مع حشد الفاعليات الفكرية والثقافية والأكاديمية التونسية .
ولفت في مستهل حديثه إلى الإشكالية الكبيرة في الإطار العام الذي يفترض أن يحتوي كل التساؤلات الحائرة التي طرحتها هذه الفاعليات بهذا اللقاء ، حول التأخر العربي في عصر ثورة التقنية والمعلومات وتأثير العولمة على العالم العربي والوحدة العربية والثقافة العربية ، وتعريج هذه التساؤلات على الوحدة المغاربية داخل هذا الإطار وصولا إلى الوحدة الإفريقية .
وأوضح الأخ القائد أن هذه التساؤلات تنصب كلها في شيئين أولهما معنوي عن الثقافة والتنمية الثقافية والشراكة الثقافية والإهتمام بالثقافة العربية وما إليه ، والثاني هوالقالب المادي لهذا الوسط أو التجمع العربي .
وفيما يلي نص هذا الحديث :
( أولا لو تكلمنا عن الإطار العام الذي يفترض أن يحتوي كل هذه التساؤلات الحائرة ، نجد إشكالية كبيرة في الإطار ذاته .
فكلكم تكلمتم من البداية حتى آخر واحد عن التأخر العربي وعصر ثورة التقنية والمعلومات وتأثير العولمة على العالم العربي والوحدة العربية والثقافة العربية .
وعرجتم على الوحدة المغاربية داخل هذا ، وأبعد الوحدة الإفريقية .
وهي كلها تنصب في شيئين : شيء مادي وشيء معنوي .
المعنوي نتكلم فيه عن الثقافة والتنمية الثقافية والشراكة الثقافية والإهتمام بالثقافة العربية وما إليه .
ثم القالب المادي لهذا الوسط أو التجمع العربي ، حيث يتوحد ما يتوحد .. ومنقسم ما منقسم .. متخلف وغير متخلف ..مستعمر وغير
مستعمر إلى آخره
للأسف الآن ما يسمى بالبلدان العربية بالتسمية الرسمية لايجمعها إلا الإسم وأحيانا حتى الإسم مختلف ، فواحد يقول الجمهورية العربية السورية ، وواحد يقول الجمهورية العراقية ، وواحد يقول جمهرية مصر العربية ، وواحد يقول الجمهورية التونسية ، وواحد يقول الجماهيرية العربية الليبية ، وواحد يقول المملكة المغربية مثلا ، والجمهورية اليمنية .
حتى الإسم مختلفون فيه كأن واحدا عربيا وواحدا ليس عربيا .
ولو أن أحدا يأتي ليحلل سيقول ما هذه التسميات ؟ ، هؤلاء يبدون أنهم أناس ليسوا أمة واحدة ، ولا ينتمون لجنس واحد أو لأمة واحدة أو لعالم واحد ، فكيف واحد يسمي الجمهورية العربية ، وواحد الجمهورية الفلانية بدون كلمة عربية ، وواحد يقول المملكة المغربية ، وواحد يقول المملكة العربية السعودية ، ماهذا ؟ هل هناك واحد عربي وواحد ليس عربيا ؟ .
هكذا يظهر عندما تقرأ الخريطة تقول يبدو أنهم ليسوا أمة واحدة ، يعني حتى الإسم مختلفون فيه .
نأتي للغة وهي التي تجمعنا ، عندما نقول لغة عربية هي فعلا لغة عربية ، ولو أنها الآن تواجه تحديا قاتلا وإنهيارا حقيقيا ، فأنا تأتيني رسائل رسمية من رؤساء دول عرب مغلوطة من ناحية الإعراب والنحو .. وهو شيء يؤسف له حيث قواعد اللغة العربية ضاعت .
سابقا عندما يحصل شك في أن شيئا غير صحيح من ناحية اللغة العربية ، يُلجأ للكتاب للنظر في كيف مكتوبة فيه ، والآن فإن الكتاب نفسه مكتوب خطأ ولم يعد مرجعية .
وأحيانا نقول لنرى كيف كتبتها الجريدة لأن الجريدة أكيد أنها تكتب بلغة صحيحة ،لكن الجريدة نفسها أصبحت مقالاتها خطأ لا تتماشى مع اللغة العربية .
وأحيانا نقول لنرى الإذاعة ، فنجد النشرة هي أيضا مغلوطة .
وللأسف كان معي واحد يناقشني قال لي أصبحت عندما أرى أن هناك حاجة مغلوطة أو غير مغلوطة التجيء لإذاعة لندن بالعربي "البي بي سي " لأني أرى أنهم هم الذين ينطقون باللغة العربية الصحيحة ، وذلك حتى أرى هل هذه الكلمة صحيحة أو لا .
أما عربيا فلا تجد أي مرجعية عربية تصحح لك اللغة ، طبعا هجمت علينا المصطلحات التقنية الجديدة ولم يعد هناك مجمع عربي مثل أيام طه حسين يُعرّب أي شيء جديد ، فأصبحنا نأخذ كل كلمة جديدة مثلما نطقها الذين صنعوها ،وبمرور الزمن ستختفي الكلمات العربية وتحل محلها كلمات أجنبية .
إذا قلنا "فيديو، وتلفزيون، وراديو، وتليفون ،وترانسيستور، وكمبيوتر " إلى غير هذه المصطلحات التي نتكلم بها ، قد لا يعرفونها عندما نقولها بالعربي .
والآن الأطفال كلهم يتكلمون عن ال " دي في دي" و" وسي دي" وأشياء حتى نحن لا نعرفها .
وهذه في السابق لم تكن موجودة ، فعندما صنعوا السيارة ، لم يسمها الذين صنعوها ، سيارة .. قالوا مثلاً " أوتو مبيل" أو " كار" رغم أن كار كلمة عربية أصلاً مشتقة من الكر ، كار ، لكنهم قالوا "كار" ، ولم نقل "كار" رغم أن أصل الكلمة عربية ، بل على طول حفظنا أنها سيارة وأصبحنا نقول سيارة .
ولما صنعوا الصاروخ ، لم نقل " مسايل" أو "روكت " .. هم قالوا هكذا ولم يقولوا من البداية صاروخ ، لقد قالوه بلغتهم .. لكن نحن لم نقل " مسايل أو "روكت " بل قلنا صاروخ لأن من البداية عربوه لنا وقالوا هذا معناه صاروخ .
كذلك الطائرة التي صنعوها لم يسموها طائرة ، بل سموها " أيروبلين ، ايركرافت، الخ " ، لكن عربت لنا وقالوا لنا هذه إسمها بالعربي "الطائرة "، فبقينا إلى عند الآن نقول الطائرة .
نفس الشيء بالنسبة للقطار الذين صنعوه قالوا " ترين " ، لكن نحن لم نأخذ هذه الكلمة ، وأول ما وصل وإستعمل عندنا ، تم تعريب هذه الكلمة وأصبحنا نقول "قطار" .
الآن هذا غير موجود ، فنحن نتلقى كل الكلمات الجديدة بالافرنجي ونتكلم بها ، وتصبح اللغة غريبة .
قد يكون هذا شيئا طبيعيا .. يعني من طبيعة الأشياء الحية أنها تموت ، واللغة كائن حي وقد يموت ويشيخ .
حتى القرآن الآن عدد كبير من كلماته غير مفهومة بالنسبة لنا نحن ، لأن جاءت فترة - ولا أفهم متى بدأت هذه الفترة هل من بعد نزول القرآن أو في عصر الإنحطاط أو في عصر الاستعمار - لم يحصل تواصل بلغة القرآن ، وتختلف الأجيال اللاحقة بعد ذلك في تفسير كم كلمة من القرآن .. وفي معناها ، وكل واحد يفسرها بنفسه .
" وقالوا ربنا عجّل لنا قطنا قبل يوم الحساب" .. يقول لك ما معنى قطنا .. هذه لا نعرفها ؟ ماذا تعني ؟ نختلف في تفسيرها . كذلك " نقير" التي يقولون لا نعرفها ؟ ماذا تعني ؟..و كذلك " ضيزى" .. " تلك إذًا قسمة ضيزى ".. هذه يقولون غير عادلة وقسمة ظالمة الخ ، لكن معناها الحقيقي غير معروف .
هذه مجرد أمثلة وكثير منها غير معروف ، وسببها ضعف حصل في يوم ما جعل هناك قطيعة حصلت ، أو عدم تواصل بين اللغة التي كانت حية وقت القرآن ، وبين الفترة التي بعد ذلك .
ونحن نتكلم بصدد اللغة التي تجمعنا ، ممكن نقول توجد لغة عربية ، ولكن قلت لكم أن اللغة العربية تواجه تحديا خطيرا .. وقد تموت ، وقد نصبح كل قطر عربي يتكلم بلغة غير لغة القطر الآخر .
الآن نسمع نشرة في لبنان باللهجة اللبنانية ، لا تُفهم بالنسبة لنا .. ونسمع نشرة في المغرب بلهجة محلية لا نفهمها ، وبمرور الزمن قد تتكرس هذه اللهجات وتصبح لغات .
ويوجد مثل تاريخي واضح جداً أمامنا ، هو اللغة اللاتينية التي كانت لغة تتكلمها أوروبا ، لكن الآن لا توجد اللغة اللاتينية إلا في الكنائس ، وقد حلت اللهجات محل اللغة ، وأصبحت اللغة الفرنسية وهي لهجة ، لغة .. والإيطالية لهجة أصبحت لغة.. والإنجليزية والإسبانية كلها في الأصل ، كانت لهجة ، ورغم أن هناك تشابه تجده الآن في بعض الكلمات ، ولكن كل واحد منهم ينطقها بطريقته .
وقد تصبح اللغة العربية هكذا.
على العموم هناك لغة عربية مثلاً تجمعنا أو ثقافة عربية ممكن تجمعنا .
والوطن العربي عندما تقول وطن فعلاً يوجد وطن يكاد يكون متصلا ، ولو أنه الآن غير متصل ، فبإحتلال فلسطين من البحر إلى البحر ، أصبح هذا الوطن مقسوما .
بعد ذلك ماذا يجمع العرب حتى تقول السياسة العربية .. التنمية العربية .. الأمن العربي .. الدفاع العربي ؟!.
هذه أشياء مفهوم بدون ماصدق .. ليس لديها ماصدق على الطبيعة .. ليس لديها شيء مادي على الطبيعة .
فمثلا علاقة تونس بألمانيا ، أكيد أكثر بكثير من علاقتها بالجزائر .. وعلاقة الجزائر بفرنسا أكثر بكثير من علاقتها بالمغرب .. بل العلاقة بين المغرب والجزائر الآن الحدود مقفلة ، وعلاقة ليبيا بإيطاليا مثلاً أقوى بكثير من علاقتها بمصر .
فعلاقة أي دولة عربية بدول أجنبية أفضل كم مرة من علاقتها بدولة عربية جارة لها .
وواحد عملته الليرة ، وواحد عملته الريال ، وواحد الدينار ، وواحد الجنيه .. إلى آخره .
والأمر الأخطر والأسوأ هو أن عدو هذا العربي ، صديق لهذا العربي الآخر .. وأحيانا يكون حليفا له .
وبالنسبة للأمن .. فإن واحدا منا يربط أمنه مع أمريكا ، وواحد يرى أن أمريكا تهدد أمنه .. إذن لم يعد هناك أمن عربي مشترك .
فواحد عربي يؤمن وجوده بأمريكا ، وواحد عربي يرى وجوده مهددا من طرف أمريكا .. إذن ليس هناك أمن عربي مشترك .
نفس الشيء بالنسبة للدفاع .. فعندما نقول الدفاع العربي .. الدفاع عن الوطن العربي ، نجد أن واحدا يدافع بالتحالف مع إسرائيل ، وواحد يدافع بالتحالف مع الأمريكان ، وواحد يدافع بالتحالف مع إيران ، وواحد يدافع بالتحالف مع فرنسا .. فأين الدفاع المشترك ؟ .
الآن تسمعون بكلمة العمل العربي المشترك .. وتسمعون بكلمة اللجان العليا ، يقول لك اجتمعت اللجنة العليا التونسية الليبية التي هي على مستوى الوزير الأول ومعه وزراء من الطرفين .. اجتمعت اللجنة العليا المشتركة اليمنية السودانية مثلا .. اللجنة العليا المشتركة الليبية المغاربية .. اللجنة الجزائرية المصرية مثلا .
وفي الفترة التي تكلمتم عنها والتي كان عندي فيها أمل أن تتحقق الوحدة العربية ، وجربنا إعلان جربة.. وجربنا ميثاق حاسي مسعود .. وجربنا ميثاق طرابلس ودمشق والوحدة الثلاثية والوحدة الاندماجية وإتحاد وجدة العربي الإفريقي .. وجدة ليبيا والمغرب إلى آخره ، كل هذه التجارب فشلت .
ففكرت بعد ذلك في طريقة أخرى ممكنة ، أي لم أيأس من أن يتحد العرب ، ولأن المحاولات السابقة فشلت ، فرأيت أن يمكن أن نجرب محاولة أخرى ، فإقترحت فكرة اللجنة العليا المشتركة ، وكنت أقصد بها أن عندما يجتمع مجلس الوزراء التونسي واللجنة الشعبية العامة الليبية التي هي تناظر مجلس الوزراء ، يجتمعون كمجلس وزراء واحد للبلدين ، ويعتبرون البلدين كأنهما بلد واحد ، وأن هذه الجهات التنفيذية العليا في ليبيا وفي تونس ، يجتمعون معا كهيئة تنفيذية واحدة ، ويناقشون مشاكل البلدين ، وما يلزم من بنية تحتية ومن ربط ومن إقتصاد ومن تنمية إلى آخره .
وكذلك عندما تجتمع اللجنة العليا الليبية المصرية أي مجلس الوزراء المصري واللجنة الشعبية العامة في ليبيا مثلا ، نفس الشيء يجتمعون كهيئة تنفيذية .. كهيئة إدارية واحدة تنظر لمصر وليبيا كأنهما دولة واحدة ، وما يلزم من عمل .
بعد ذلك تتوسع إلى غاية إدماج اللجنة العليا المغربية واللجنة العليا الجزائرية واللجنة العليا التونسية واللجنة العليا المصرية واللجنة العليا السودانية واللجنة العليا السورية مثلا .
كنت آمل أن هذا هو الذي يتحقق بأن تجتمع كلجنة عليا عربية ، إما كل الوزراء أو على الأقل رؤساء الوزراء .. أي رئيس وزراء مصر مع رئيس وزراء سوريا ورئيس وزراء العراق واليمن وتونس وليبيا والجزائر والمغرب ، يجتمعون كمجلس وزراء .. كأنهم مجلس وزراء ويترأسهم واحد منهم للوطن العربي كله ، ويبدؤون في مناقشة ما يلزم لهذا الوطن ، وما يواجههم من تحديات ، وما يلزم من تنمية ومن تحول .
لكن كما هو واقع الوهن الذي فيه العرب الآن ، فقد أصبحت توجد لجان عليا فعلا لكن ثنائية ، ولم تصل إلى الصورة التي رسمتها من البداية وهي أن تكون لجنة عليا وبعد ذلك تصبح لجنة عليا للوطن كله وهذه عملية لا فيها انقلابات .. لا فيها ثورات ولا اغتيالات .. ولا فيها سلاح ولا تآمر ولا عمل سري ولا مظاهرات ولا أي شيء .
المفروض أن يقبل بها العرب ، وتتحقق الوحدة بطريقة لينة جدا وسلمية وبعمل إداري تنفيذي ، وهذا إنقاذ لهذا الوطن لو نفكر في هذا .
العمل العربي المشترك ، كان إسمه منذ زمن "التضامن العربي ".
وقلت لهم كم مرة في الجامعة العربية أن لا داعي لهذا الأسم ، ودعنا نقول العمل العربي المشترك لكي نصل إلى هذه اللجان العليا .
الآن لم تعد تسمع التضامن ، تسمعون العمل العربي المشترك ، لكن إسم بدون مسمى ، واللجنة العليا بقيت ثنائية بين بلدين فقط ، وحتى بين بلدين ليست بالتصور الذي أريده وهوأنها تكون مجلس وزراء لدولة واحدة .
أنا قصدي عندما تتكلمون عن ما هو مصير العرب أمام العولمة .. مصير العرب أمام التقنية وثورة المعلومات والثورة التكنولوجية .. التقنية .. وما هو مصير العرب أمام التحديات ، عندما تقول العرب .. من هم العرب ؟!.
فعلا يوجد عرب من ناحية الجنس .. يوجد جنس عربي ، لكنه من النواحي الأخرى غير موجود ، فعلاقة كل دولة عربية بدولة عربية هي مثل علاقة أي دولة بدولة أجنبية .. دولتان متجاورتان مصالحهما مربوطة مع دول أجنبية أكثر من مربوطة فيما بينهما .
رأيت الغاز الليبي يضخ إلى أوروبا عبر إيطاليا ، وإلى عند الآن لم يصل إلى تونس ، معنى هذا أن ليبيا مربوطة بإيطاليا أكثر مما هي مربوطة بتونس التي هي بلد عربي وشقيق وجار وقريب خطوتان .
طبعا يوجد الآن مشروع سيمد إن شاء الله ، أنبوب غاز من ليبيا إلى البر التونسي ، لكن لماذا يتأخر ؟ لماذا الآن الخط الكبير الضخم أنجز إلى عند أوروبا ، بينما الذي لتونس وهو عمل ليس بهذه الضخامة ، لم يعمل منذ البداية ؟! .
عندما فرض الحظر الجائر الجوي على ليبيا من قبل أمريكا التي فرضته على ما يسمى بمجلس الأمن ، صدر القرار بالليل والركاب والناس المسافرون والخطوط الجوية والمطارات ليس لديها علم بما يطبخ في مجلس الأمن في تلك الليلة .. الناس جهزوا أنفسهم أنهم في الصباح سيركبون الطائرات وتتحرك بين هذه الأقطار ، واحد ذاهب من ليبيا إلى تونس ، وواحد ذاهب من ليبيا إلى مصر في الصباح ، وواحد ذاهب للعلاج ، وواحد مستعجل ، وواحد في إجازة وسيرجع في الصباح لابد أن يكون في عمله ، وواحد من تونس قادم إلى ليبيا ، وواحد سيزور أهله ، وواحد إجازة .
صدر القرار في الليل ، وفي الصباح طبق في البلاد العربية كلها ضد ليبيا .. قلنا لهم فقط قولوا لمجلس الأمن أو قولوا إلى أمريكا نحن لا نستطيع أن نطبقه فورا فعندنا ناس عاديون وناس مساكين ليس لهم علم بهذا القرار .. كيف يأتون للمطار في الصباح ونقول لهم لا .. هناك حظر جوي ممنوع أن تذهب إلى ليبيا أو ممنوع تأتي من ليبيا .. قولوا لهم على الأقل كل الرحلات خلال هذا الأسبوع ندعها تذهب.
أبدا ، حرفيا الطائرات أقلعت في الصباح ، في الجو قالوا لهم ارجعوا لأن هناك حظرا جويا على ليبيا من كل البلاد العربية ، إلا سوريا لأن لا توجد طائرات في ذلك اليوم ، ولكن سوريا قالت أنا لا أعترف بهذا القرار إذا جاءت طائرة ليبية أنا استقبلها .
هذا ليس خيانة عربية وأن العرب ليست قلوبهم مع ليبيا في تلك الساعات الصعبة ، ولكن وهن عربي وضعف لأنهم خائفون ؛ لأن إذا واحد يخرق هذا القرار تعاقبه أمريكا .. يعاقبه مجلس الأمن ، لأن هذا تحت ما يسمى بالفصل السابع السيف المسلط على الشعوب الصغيرة .
الفصل السابع إذا خرقته تنطبق عليك نفس العقوبة ، لو أن تونس قالت أنا سأطيّر طائراتي إلى ليبيا واستقبل طائرات من ليبيا ، يقول لها حسنا ينطبق عليك ما ينطبق على ليبيا ، فكيف تونس ستتحمل هذه الخسارة وهذه المسؤولية ..صحيح ؟!.
لو كان العرب كلهم أو على الأقل إذا كان اتحاد المغرب العربي في الصباح خاطب مجلس الأمن وقال له يا مجلس الأمن نحن اتحاد المغرب العربي فضاء واحد .. منطقة واحدة .. اتحاد واحد ، لانقبل هذا القرار ولا ينطبق علينا ، ونحن لازم يكون الطيران حرا بين أقطارنا لأن نحن إتحاد واحد .
ياليت حصلت حاجة مثل هذه ، وبعدها ننظر كيف يتصرفون .
لو جاؤوا وقالوا الجامعة العربية لا تقبل هذا القرار ، وأن الطيران حر داخل الجامعة العربية من ليبيا وإلى ليبيا .. طبقوه على الحج .. قلنا لهم الحجاج يذهبون وسيؤجرون طائرات بلغارية .. قالوا ممنوع الطائرة تطلع من ليبيا تذهب للحج .
غيّر الليبيون وجهتهم للأسف في حالة غضب وتحد ، وراحوا للقدس .. قالوا ما دمتم منعتمونا من مكة يالله نذهب إلى القدس الذي محتل وتعرفون موقف الليبيين من القدس ومن الفلسطينيين ، نكاية في العرب إذ كيف طبقوا الحظر على الحج ؟.
بعد ذلك إفتكرنا أن هذا الإستفزاز ممكن يجعل العرب يقولون صحيح غير معقولة نترك العربي يحج للقدس ونحن نمنع عليه مكة ، إفتكرنا أن ممكن يعاد النظر في هذا ، أو أن الجامعة العربية تجتمع ، أو القمة العربية تجتمع ، أو وزراء الخارجية العرب يجتمعون ، أو وزراء الطيران أو وزراء حتى الدين ، لكن لا فائدة .
فقام الليبيون بتحد آخر وقالوا نحن سنحج على الإبل .. ألم يمنعوا الطائرات تمشي لجدة إذن نحن سنحج على الإبل ؟.. ورأيتموهم حجوا على الإبل .. قافلة من الإبل عليها حجاج ليبيون لغاية مكة ، ولا حرك ذلك ساكنا من ضمير العرب ، ولا قالوا يا أخواننا عيب أمام العالم ..ما هذا في القرن العشرين أهلنا يحجون على الإبل ومنعوا عليهم الطائرات .. الذي سيحصل يحصل .. يالله الطائرات ، لكن ذلك لم يحدث .
وبعد أن وصل الأمر إلى هذه الدرجة ، أنا تحملت المسؤولية وكنت في عيد جلاء القوات البريطانية عن قاعدة طبرق التي يطلق عليها الآن إسم " قاعدة جمال عبد الناصر " ، وأقسمت للناس الموجودين أن في موسم الحج القادم ستقلع الطائرات الليبية من هذه القاعدة إلى جدة ، والذي سيحصل يحصل ، وفعلاً عندما جاء موسم الحج ، هاهو "أحمد" هذا كان ضابطا في القاعدة - وكنت في زيارة لعائلة من الناس في الجزائر ، واتصلت به بالهاتف وقلت له الطائرات الليبية تشرف عليها بنفسك والآن تُملأ بالحجاج من قاعدة طبرق لأنني أقسمت منها ، ويطلعون وطلعوا فعلا .
طبعا في الطريق كل المطارات العربية تسأل أنت أين ذاهب ؟ لايوجد لديك إذن ، قال لا أعرف إذنا .. أنا ذاهب إلى مكة ،قالوا" ممكن تتعرض لخطر ، ما فيه " .. يعني إرهاب ومكالمات في الطريق من الدول العربية التي مرت عليها الطائرة من طبرق إلى غاية مكة ، وقالوا له "انت تتحمل المسؤولية ، ولا أعرف ماذا ، كيف ، فيه حظر جوي على البلد الذي خرجت منه ، لا يوجد طيران من ليبيا يطلع " .
ذهبت الطائرة وعلى متنها الحجاج وهبطت ، كان أمرا واقعا .. طبعا عندما هبطت هناك في جدة ، تم قبولها ، ونزل الحجاج ، وعادت الطائرة ، وجاءت بهم بعد ذلك .
ومن باب التحدي ذهبنا في الرحلة الأولى والثانية بالطائرات الليبية ، لكن بعد ذلك لأن عدد الحجاج كثير فدائما نؤجر طائرات من دول أخرى ، أجرنا طائرات من دول أخرى لكن تطلع من ليبيا
بعد ذلك كنت سنعمل صلاة جامعة في كانو في نيجيريا بمناسبة المولد النبوي الشريف ، رتبنا للصلاة مع المسلمين هناك بالملايين طبعا ، وذهبت بالجو .. رهط من الطائرات ، طبعا أمريكا إحتجت على النيجر وعلى نيجيريا وعلى الجزائر لأنها مرت عبر أجواء الجزائر والنيجر ونيجيريا .
أمريكا تحتج ، نحن طائرون وهي تحتج " إحجزوا الطائرات الليبية التي جاءتكم ، هذه خرقت الحظر الجوي ، الفصل السابع ، الفصل الثامن "، قلنا لهم "طز" ، ونزلت في نيامي عاصمة النيجر ، وصلينا العصر ، وطلعنا بالطائرات من النيجر إلى كانو ، وصلينا صلاة الجمعة جماعة ، وطلعنا أيضا وكان معي رؤساء النيجر " إبراهيم مناصره " الله يرحمه ونيجيريا "أباشا" الله يرحمه ، وطلعنا من كانو إلى أبوجا بالجو طبعا ومعي رؤساء هذه الدول في وسط إحتجاجات قوية من أمريكا " أين ذاهبون ، وأين سائرون ، حظر جوي ، كيف أنتم الرؤساء " ، وعزمنا على عشاء رسمي في أبوجا ، ومنحني رئيس نيجيريا ، وساما ، وأمريكا مغتاظة .. والعالم الغربي مغتاظ " ما هذا التحدي " .
ياليت العرب عملوا هكذا .
حصلت قمة عربية في القاهرة وذهبت بالجو في وقت الحظر ، والحقيقة أن مصر لم تقل لا تأتي ولا أنك تخلق لنا مشكلة أبدا ، واستقبلني الرئيس "حسني مبارك " في المطار ، ورجعت بالجو ، وكنت سأزور تونس في وقت الحظر تقريبا ، وقال لي الرئيس " الزين " " مثلما تحب تجيء بالطائرة أهلا وسهلا أو تجيء بالبر تفضل أهلا وسهلا فهذا حق من حقوقك ".. وحتى لا نسبب إحراجا للرئيس " الزين " بعد أن أبدى هذا الاستعداد ، فقد جئت بالبر .
أعني أن عندما نقول العرب ، من هم العرب ؟!.
فالحقيقة أن الذي رفع الحظر هي إفريقيا ، عندما اجتمعت القمة الإفريقية في واغادوغو وقرروا أن اعتبارا من اليوم لا حظر على الرحلات السياسية والإنسانية من ليبيا وإليها ، وأن بعد شهرين تقريبا لن تتمسك إفريقيا لن بالحظر إذا لم توافق الدول الغربية على الاقتراح الليبي وهو محاكمة الليبيين في بلد ثالث .
فأضطرت أمريكا والدول الغربية كلها وأصدروا قرارا من مجلس الأمن بأن يقبل الإقتراح الليبي وهو محاكمة الليبيين في بلد ثالث ليس بريطانيا وليس أمريكا لأنهم كانوا يصرون على المحاكمة في بريطانيا أو في أمريكا .. والإنجليز أصدروا قانونا لأول مرة - مجلس النواب التابع لهم أصدر قانونا -يسمح بنقل محكمة إنجليزية خارج بريطانيا إلى أوروبا وجاءت إلى هولندا ، وتمت المحاكمة في هولندا بدلا من بريطانيا .
فعندما نتكلم أين هذا من الثقافة العربية ، وماذا تفعل في العرب العولمة وثورة المعلومات والثورة التقنية .. في النهاية أنت تتكلم عن من ؟.. العرب الذين هم بهذا الشكل .
ياليت يوجد إطار عام يخلق قواسم مشتركة أمام العالم الآخر ، لكن هذا لا يوجد للأسف ، كأنك تقول ماهو مستقبل الثقافة التونسية ؟.. ويصبح سؤال بائس الحقيقة لأن تونس جزء من الكل ، وكأنك تقول ما هو تأثير العولمة على ليبيا .. من هي ليبيا حتى نقول تؤثر عليها العولمة التي تؤثر على كيان كبير .
الآن البحر المتوسط ، هذا في نظري بكل بساطة محاولة إستعمارية جديدة .. هذه خريطة روما سيفرشونها من جديد أمامكم .. يسمونها برشلونة .. يسمونها إتحادا من أجل المتوسط .. سموها كيفما تسمونها ، حتى هم لما جاؤوا ما قالوا إستعمار بغيض وسوف يعمل ويعمل ، لا .. لقد قالوا نحن أتينا لإنقاذكم .
ف "نابليون" لم يقل سنستعمر مصر بل جاء وقال أنا إسمي محمد نابليون وصلى معهم في الأزهر بحيث يخدعنا أكثر ، والطليان عندما جاؤوا لنا نحن وذبحونا وبهدلونا وشردونا وقتلوا منا سبعمائة ألف ودمروا أرضنا ولغموها إلى عند الآن ، ماجاؤوا وقالوا سنعمل هذه "العمايل" .. عندما جاؤوا إلينا قالوا نحن أتينا لإنقاذكم من الاستعمار التركي الذي عمل فيكم البهادل وعمل لكم وعمل لكم ونحن جئنا لإنقاذكم ، وطلعت مجموعة من المساكين السذج المخدوعين الليبيين الفقهاء والشيوخ وعلى رأسهم مفتي ليبيا، واستقبلوا " موسوليني " وهم يقولون "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ".. يحسبون فعلاً موسوليني هو بدر طالع لهم من ثنيات الوداع ، بينما هو واحد سفاح قتل منهم ما قتل .
فهم عندما يأتون لا يقولون نحن سندمركم ونستعمركم ، بل يأتون بأشياء معسولة وأشياء نقبلها .. يقول لك إتحاد من أجل المتوسط والتنمية ومساعدتكم .
لا .. لا ، كيف مساعدتنا ؟.. هذه خريطة روما ، هذه الإمبراطورية الرومانية تحاول أن تعيد أملاكها بالطريقة التي تراها .. فرنسا ستعيد ممتلكاتها ومستعمراتها .. إيطاليا ستعيد مستعمرتها ليبيا .. بريطانيا ستعيد مستعمراتها مصر والأردن وفلسطين .
هذه نفس الدول المشتركة في "الاتحاد من أجل المتوسط "، بسطت نفوذها من جديد على هذه المنطقة .
لكن الدول التي اشتركت في هذا العمل هي أيضاً مضطرة ، ونحن تناقشنا في طرابلس الرئيس " زين" و" بوتفليقة "وموريتانيا والرئيس السوري ، وتناقشنا مع الرئيس "حسني مبارك" على حده .
لكن نحن الأربعة أو الخمسة إجتمعنا وتناقشنا ، يقولون لو كان هناك موقف واحد من كل العرب المعنيين في الضفة الجنوبية ، أهلاً وسهلاً نتحمل مسؤوليتنا و"حط رأسك بين الروس وقل يا قطاع الروس تعال ".. و"موتك بين العشرة كرامة " ، لكن قالوا أنا أكون معكم وجارك الذي في جنبك يذهب .. طيب ليبيا وتونس لا يذهبون مثلا ، وإذا كان ذهبت الجزائر والمغرب ومصر .. في النهاية الله غالب ، قالوا دعونا نجرب نذهب ونرى التي تعجبنا نأخذها والتي لا تعجبنا لا نأخذها .
وموقف مثل هذا ، أملاه الضعف العربي .. الوهن العربي .
الآن في هذا العصر الأمر خطير جدا ، ومن الصعب أن تتكلم عن القومية .. قومية أي أمة ، من الصعب أن تتكلم عن الرابط الديني أو الرابط القومي أو الرابط الثقافي .
الآن شيء ثان ، الروابط المادية الديموغرافيا .. الناس التي تعيش في بقعة واحدة بغض النظر عن دياناتها وقومياتها ولغاتها وألوانها ، أصبحت صاحبة مصلحة مشتركة مثل إفريقيا فيها السود وفيها البيض وفيها الملونون وفيها كل شيء ، وفيها المسلم والوثني والمسيحي والعربي والبانتو والزنجي ، لكن هي منطقة ديموغرافية واحدة .. سوق إفريقي واحد ، ممكن تكون عمله إفريقية واحدة ، ومصرفا مركزيا إفريقيا واحدا ، وقمرا صناعيا إفريقيا واحد ، ولاتستطيع أنت في قلب إفريقيا تقول أنا أخي في العراق .. يقول لك "أخوك ما أخوك لا يوجد .. ما هو الذي يربط بينك وبينه ؟ هو في آسيا وأنت في إفريقيا ؟!".
في السابق كنا نقول من المحيط إلى الخليج .. ومن المحيط الهاديء إلى الخليج الهادر ، لكن الآن لا تستطيع أن تقولها ، فواحد مربوط مع إيران .. وواحد مربوط مع الإسرائيليين .. وواحد مربوط مع الأمريكان .
مصالح مادية فرضت نفسها بهذا الشكل .
سوريا إذا كان ستؤمن نفسها الآن رأت نفسها معزولة .. ستؤمن نفسها .. ستعمل تحالفات ، هاهم يلومونها مع إيران الله غالب عليها ؛ لأن لاأحد الآن سيتحالف معها إلا إيران مثلا أو حزب الله ، هي مضطرة أن تعمل هكذا .
أبومازن يعانق رئيس اليهود - لا أعرف ما إسمه أولمرت وإلا !!- يعانقه كأنه أخوه شقيقه .. لا يحبه .. لا يحبه أبداً ، لكن لأنه أجبر على هذا .. الوضع العربي هكذا ، لا مفر منه إلا إليه .. العدو الذي فار منه تعانقه لأن الله غالب ليس عندي أحد إلا عدوي نذهب نعانقه .. العرب جعلوه هكذا ، وفي السابق هذا لا يحصل عندما كانت هناك القومية العربية والوحدة العربية والثورة والتحرير والكبرياء والكرامة .. لا يستطيع أحد أن يمد يده لواحد إسرائيلي ، غير ممكن .. وكان التحرير من النهر إلى البحر .
أما الآن فإن الفلسطيني يعانق الإسرائيلي ، ونلوم الإفريقي نقول له لماذا تصافح الإسرائيلي ؟ فيقول " كيف وأنتم تصافحونه وتعترفون به وتعانقونه ، وتريدونني أنا لا أعمل علاقة معه ، كيف ؟ " .. خلاص أصبحت حجتنا ضعيفة جداً أمام الأفارقة الذين سيعملون علاقات مع الإسرائيليين ، أو مع أي واحد آخر .
الأمازيغ الذين أحد ممكن تكلم عنهم .. أولاً شمال إفريقيا لا توجد فيه أقليات إطلاقاً .. شمال إفريقيا عربي .
قلنا الكلام الذي على العرب ، لكن من الناحية العرقية أو من الناحية التاريخية شمال إفريقيا عربي 100% لا توجد فيه أي أقلية أبداً ، إلا إذا كان اليهود ممكن إذا هناك أقليات يهودية ، أما سكان شمال إفريقيا فهم سكان عرب ، بل الذين الآن يقولون إنهم أمازيغ هم العرب الأقحاح الأنقياء .. هم العرب الأصليون .
وحكاية أن هذا بربري وليس عربيا ، وأن العربي غير بربري والبربري غير عربي ، فهذه مؤامرة إستعمارية أوروبية .. فرق تسد من أجل إحداث خلخلة في شمال إفريقيا كي يدخلوا من هذه الثغرات ويستعمروننا مثلما أستعمرونا في الماضي .. مثلما عمل فرعون الذي قسم أهله شيعا ويضرب واحدة بواحدة ويستبد بهم ويتغلب على واحدة بواحدة .
الاستعمار هكذا "فرق تسد ".. يخلق أشياء أن هذا عربي وهذا بربري ليس عربيا ، وخلق أشياء أكثر من هكذا .. فقد ألّب قبائل على بعضها ، وزعماء على بعضهم ، ومذاهب على بعضها .
والآن ها قد رأيتم الأمريكاني يتكلم عن الشيعة وعن السنة ، وهو ماذا يعرف عن الشيعة أو عن السنة ؟ هل هو فقيه في الإسلام ؟ نحن العرب ومسلمون الآن لا نعرف ما هو المذهب الشيعي والسني وفقهه ، والأمريكان الآن يتكلمون عن الشيعة وعن السنة ، ومازال سيتكلم عن الحنبلي والشافعي والمالكي إذا فشلوا على ذلك المستوى حيث سيبحثون عن أشياء أخرى ويقول لك أنت مالكي .. أنت شافعي .
الأمريكاني يصبح يقسم فينا بهذا الشكل : أنتم ضد بعضكم ، يقول أنتم مالكية .. وهؤلاء حنابلة ، وأنت أباظي ، وهذا يسمونه شافعي .
نعم ستحصل ، فما بالك عندما يقولون عربا وليسوا عربا في شمال إفريقيا ، لأن هناك فجوة استغلوها .. هناك عرب جاؤوا من خمسة آلاف سنة الذين هم عرب البربر وعرب جاؤوا من ألف سنة بعد ذلك ، إذن هناك فجوة كبيرة بينهم .. أيام جالوت أحضر القبائل العربية البربرية إلى شمال إفريقيا ، وواحد إسمه أمازيغ أحضر قبيلته .. ليس كل البربر أمازيغ ، فقبيلة واحدة هي قبيلة واحد إسمه أمازيغ .
إذا كانت هذه الهجرات من ذلك الزمن السحيق هجرة بعد هجرة وصلت إلى شمال إفريقيا وبعدها مرت فترة حتى جاء العرب بعد الإسلام وهجرة بني هلال وبني سليم ، هذه خلقت فعلا فوارق ، فأولا الذين جاؤوا في ذلك الزمن السحيق إلى شمال إفريقيا من العرب الذين يسمونهم العرب البربر احتفظوا بلهجاتهم التي جاؤوا بها من ذلك الوقت من جنوب الجزيرة العربية ، وعندما جاء العرب الآخرون بعد الإسلام أحضروا معهم لهجة قريش التي هي اللغة الفصحى وهي عبارة عن لهجة قريش التي نزل بها القرآن .
إذن لم يكونوا يفهمون بعضهم ، فقال لهم الاستعمار "أنظروا أنتم تتكلمون بلغة ، وهم بلغة" ، بينما حتى الجزيرة العربية في ذلك الوقت كل واحد يتكلم بلغة لأنها لهجات .
وعندما يتكلم أمامك واحد يمني من الجنوب اليمني لن تفهمه رغم أنه عربي .
أنا كنت أسكن مع ضابطين إثنين في حجرة واحدة في دورة عسكرية في بريطانيا من جنوب اليمن وعندما كانا هما الإثنان يتكلمان مع بعضهما ، لم أكن أفهم منهما ولا كلمة ، فهل يأتي واحد يقول إذن أنتم لستم عربا عندما يتكلمون بلهجتهم ؟!.
حتى الآن عندما نرى لبنان - رغم أنه هناك تقارب كبير أراه بين اللهجة التونسية واللبنانية- عندما يتحدث واحد باللهجة اللبنانية المغلقة ، من الصعب أن تفهمه .
واللهجة الوحيدة المفهومة هي اللهجة المصرية لأنها انتشرت عن طريق المدرسين والإذاعات المصرية والصحف المصرية والسينما في ذلك الوقت الذي لم يكن هناك الخليج ولا البترول ولا حاجة ، وكان كل شيء يأتي من مصر ، فسادت اللهجة المصرية ، وربما كادت أن تكون لغة .
ويخشى أن تصبح هذه اللهجات ، لغة .
وعقب هذه الإستيضاحات ،تحدث الأخ القائد في هذا اللقاء الفكري لافتا إلى الإشكالية الكبيرة في الإطار العام الذي يفترض أن يحتوي كل هذه التساؤلات الحائرة التي تم طرحها حول التأخر العربي في عصر ثورة التقنية والمعلومات وتأثير العولمة على العالم العربي والوحدة العربية والثقافة العربية ، وتعريج هذه التساؤلات على الوحدة المغاربية داخل هذا الإطار وصولا إلى الوحدة الإفريقية .
وأوضح الأخ القائد أن هذه التساؤلات تنصب كلها في شيئين أولهما معنوي عن الثقافة والتنمية الثقافية والشراكة الثقافية والإهتمام بالثقافة العربية وما إليه ، والثاني هوالقالب المادي لهذا الوسط أو التجمع العربي .
وقد حلل الأخ القائد في حديثه عوامل الوهن العربي الراهن وإنعكاساته على وضع العرب سياسيا أمنيا ودفاعيا وإقتصاديا ، ملاحظا أن عندما تتم قراءة خريطة العرب الحالية يبدون أنهم ليسوا أمة واحدة حيث أنهم مختلفون حتى في التسميات الرسمية لدولهم.
وتطرق الأخ القائد في هذا التحليل إلى التحدي القاتل والإنهيار الحقيقي الذي تواجهه حاليا اللغة العربية التي تجمع العرب ، والتي هجمت عليها المصطلحات التقنية الجديدة .. منبها إلى أن مصيرها قد يكون مثل مصير اللغة اللاتينية التي كانت تتحدث بها أوروبا .
وأكد الأخ القائد في تحليله عدم وجود إطارعام للعرب يخلق قواسم مشتركة للعرب حاليا أمام العالم الآخر ليتمكنوا من مواجهة العولمة وثورة المعلومات والثورة التقنية .
وجدد الأخ القائد التأكيد على أن مشروع " الإتحاد من أجل المتوسط" هو محاولة إستعمارية جديدة لإعادة إحياء خريطة الإمبراطورية الرومانية وإستعادة الدول الإستعمارية لمستعمراتها القديمة بإستعمال نفس الأساليب التي إستعملها نابليون في إستعماره لمصر والطليان في إستعمارهم لليبيا .
وأوضح الأخ القائد في تحليله تغير المعطيات في عصر الفضاءات الكبرى الذي حلت فيه الروابط المادية المتمثلة في عوامل المصالح المشتركة للسكان في بقعة كبيرة واحدة ، محل الروابط الدينية والقومية والثقافية .
وتناول الأخ القائد في تحليله حقائق عروبة البربر الذين هم عرب هاجروا في موجات منذ الآف السنين برا من الجزيرة العربية إلى شمال إفريقيا.
وإقترح الأخ القائد في هذا اللقاء على الذين إندمجوا في مشروع "الإتحاد من أجل المتوسط" أن يشترطوا على الجانب الأوروبي أن يتم التعويض عن مرحلة الإستعمار الأوروبي لتثبت أوروبا حسن نواياها وحتى لايتكرر الإستعمار .
وجدد الأخ القائد التأكيد على دعوته لإقامة الدولة الفاطمية الثانية كمحاولة أخرى لإحتواء كل المشاكل الموجودة في شمال إفريقيا من مصر إلى مراكش ، حيث تنصهر في هذه المظلة كل الإختلافات ويتم عمل هوية واحدة وجمع كل الشتات المبعثر ، ويعود الإعتبار للفئات المضطهدة الآن التي هي من بقايا الدولة الفاطمية الأولى وهي الدولة الشيعية الوحيدة التي قامت في التاريخ وكان قيامها على الأرض العربية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.