من هو وزير الشؤون الاجتماعية الجديد كمال المدوري؟    كرة اليد: الترجي يتوج بالبطولة للمرة 36    صفاقس تحقيق حول القرية السياحية الشفار : تجاوزات وخروقات للقانون..قرارات هدم لم تنفذ…وائل الرميلي    نابل : الإحتفاظ بمنظم عمليات إجتياز للحدود البحرية خلسة    حي التضامن: الكشف عن شبكة مختصة في ترويج المواد المخدرة    العميد حسام الدين الجبابلي : خطر الارهاب لا يزال قائما    القبض على عنصر تكفيري في باجة    فرنسا: إصابة 3 أشخاص بهجوم نفذه رجل بسكين    الحرس الوطني : ضبط شركات تتعامل مع منظمي عمليات الحرقة    النجم الساحلي يسحب ثقته من المشرف العام على التحكيم    عاجل/ من هو وزير الداخلية الجديد خالد النوري..    عاجل/ إعتداءات خطيرة على شبان النجم الساحلي في المنستير خلال هذه المباراة    ارتفاع أسعار الخرفان وحيرة المواطن بين تحمل اعباء شراء الاضاحي او التخلى عن احياء عيد الاضحى    الأولى لرئيس فرنسي منذ 24 عاما.. ماكرون في زيارة رسمية إلى ألمانيا    نبيل عمار: تونس تعمل على ضمان العودة الطوعية للمهاجرين غير الشرعيين    صافرات الإنذار تدوي في تل أبيب لأول مرة منذ بضعة أشهر    تونس: نسبة امتلاء كافة السدود بلغت 33،5 بالمائة الى غاية يوم 24 ماي 2024    بينها الترجي الرياضي التونسي: خمسة أندية عربية تسجل حضورها في كأس العالم للأندية    المكتب الموحد التونسي للسيارات يطلق منصّة 'ميكارد' للإصدار الإلكتروني لبطاقات التأمين الدولية    الرابطة الافريقية لكرة السلة - الاتحاد المنستيري يواجه غدا ريفرز هوبرز النيجيري في الدور ربع النهائي    بلدية تونس قامت خلال شهر أفريل بمداواة حوالي 42 هكتار من الأراضي والمناطق المناسبة لتكاثر الناموس ( مدير حفظ الصحة ببلدية تونس)    المراحل التعليمية الانتقالية تصاحبها اضطرابات نفسية وسلوكية قد تؤدي إلى الانقطاع المدرسي (مختص نفسي)    جامعة وكالات الأسفار: 30 بالمائة من النزل ما تزال مغلقة    توزر: طائرة حجيج ولايتي توزر وقبلي تغادر مطار توزر نفطة الدولي في اتجاه المدينة المنورة    طقس اليوم: استقرار في درجات الحرارة    إسبانيا تتحدى إسرائيل بجواز سفر فلسطيني    رئيس وزراء جورجيا يتهم رئيسة البلاد بالخيانة    الإستعدادات لتنظيم الامتحانات الوطنية محور جلسة عمل لوزيرة التربية    الهند: مقتل 7 رضّع بحريق في مركز لرعاية الأطفال    كأس فرنسا.. باريس سان جيرمان يحرز اللقب للمرة ال 15 في تاريخه    نفّذوا «براكاجات» وسطْوًا مسلّحًا بين الكرم والمرسى وقرطاج: حملات أمنية والقبض على عصابات إجرامية خطيرة    بعد حادثة ضربها من متعهّد حفلات منذ سنتين: أماني السويسي في المهرجانات الصيفية مع الناصر القرواشي    قريبا على منصة «شاهد» هند صبري «زوجة صالحة» في «مفترق طرق»    المهرجان الدولي للفيلم القصير بمصر في نسخته الثالثة ...شريط «القلاّلين» لحسام صفر يُتوّج بجائزتي الصّورة والموسيقى    موكب تسليم المهام بين خالد النوري وسلفه كمال الفقي    أخبار المال والأعمال    مع الشروق .. استدامة المؤشرات الإيجابية    رابطة الابطال الافريقية لكرة القدم - الاهلي المصري يفوز على الترجي الرياضي 1-0 ويحرز اللقب    " وزارة الشؤون الثقافية ستواصل ككل سنة دعم المهرجانات لكن دون اجحاف وفي حدود المعقول مع الحرص على ضمان التوازنات المالية للمهرجانات" (بوكثير في تصريح خاص بوات)    ندوة علمية حول ابن خلدون والأبعاد الكونية لكتاب "المقدّمة": ابن خلدون هو الأب العلمي والعقلي لعلم الاجتماع    "تونس مهد الفسيفساء والملتقى الدولي للفسيفساء بالحمامات تظاهرة ثقافية متميزة نحرص على ضمان استمراريتها ومزيد اثرائها وتطويرها" (المنصف بوكثير)    البنك المركزي :العائدات السياحية و عائدات العمل تغطي 68 بالمائة من خدمة الدين الخارجي إلى يوم 20 ماي 2024    تخصيص ميزانيات ضخمة للمهرجانات لجلب فنانين باسعار قياسية..المنصف بوكثير يوضّح    اتصالات تونس تتوج لمجهوداتها في مجال الالتزام البيئي    بسبب التدافع : اصابة محب للترجي في ساقه وتم نقله للمستشفى    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    لأول مرة في تونس: عملية استئصال ورم في قاعدة الدماغ بالمنظار، عن طريق الأنف    من بينها البطاطا المقلية: عادات غذائية تسرع من الشيخوخة..اخذروها..    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك توحه نداء عاجل لرئيس الدولة..    معهد الفلك المصري يحدّد موعد أول أيام عيد الأضحى    ما علاقة استخدام الهواتف الذكية ومشاهدة التلفزيون بمرض السمنة لدى الأطفال؟    الطقس يوم السبت 25 ماي 2024    نجاح طبي جديد/ لأوّل مرّة في تونس: استئصال ورم في قاعدة الدماغ بالمنظار عن طريق الأنف    رئيس قسم الأعصاب بمستشفى الرازي يوجّه هذه النصائح للتونسيين    تسع مدراس ابتدائية تشارك في الملتقى الجهوي للكورال بسيدي بوزيد    حُبّ أبي بكر للرّسول صلى الله عليه وسلم    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في ماهية حزب 'نداء تونس' وتفاعله مع التطورات الأخيرة
نشر في وكالة بناء للأنباء يوم 23 - 02 - 2013

يمكن تلخيص ما حصل بعد 14 جانفي 2011 إلى حد يومنا هذا بأنه تعبير عن عجز كامل للمنظومة السياسية السائدة في تونس بكل أطيافها سواء في السلطة (أحزاب الترويكا) أو في المعارضة (أي التى تُرشح نفسها للتناوب على السلطة) فجميع الأطراف ولو بأقدار متفاوتة لم تفلح في الاستجابة لما تتطلبه الثورة من تجاوز ممنهج للتصورات السياسية الموروثة عن فترة ما قبل الثورة والمعتمدة للواقعية المغلوطة. كل ذلك جعل الأولويات تتداخل باعتبار أزمة النخبة وفسحها المجال للثورة المضادة أن تأخذ مساحات هامة ولعل ظهور حزب نداء تونس هو تعبير حي عن ذلك، ولكن كيف تجسد ذلك من خلال تفاعله مع التطورات الأخيرة منذ اغتيال السياسي شكري بلعيد في 06 فيفري الحالي.
1- أي ماهية لحزب نداء تونس؟
إذا ما أردنا تلخيصا مختصرا لطبيعة تركيبة الهيئة المُوسّعة لنداء تونس فإنّه يُمكن القول بأنّها تركيبة ووصفة تهجين إيديولوجي بين مُكوّنات لا يمكن لها الالتقاء إلاّ في حلبة مُلاكمة أو مُصارعة، حيث ضمّت التجمّعي والدستوري والشُيوعي ومُشتقّاته والوزير السابق والمُنشق عن حزبه غضبًا ونائب المجلس التأسيسي الّذي خان من انتخبه ومن اختاره لتمثيله فأصبح نائبًا رحّالة والّذي فاته قطار التَموقع. وخلاصة ذلك ان الحزب وتحديدا تركيبته هي عبارة عن عملية تهجينية تقودها ماكينة خفية وغير واضحة المعالم، فأغلب الذين التحقوا به ومنذ الإعلان عن الحزب منذ أشهر سواء اكانوا أفرادا أو أحزابا، يعتقدون أنّها ماكينة انتخابية ستُوصلهم إلى سدّة الحُكم كما أنّه من الواضح أنّ قيادة الحزب حاولت من خلال التركيبة القيادية التوفيق بين مختلف المُتغيّرات وسعت بقدر الإمكان إلى تجنب المُواجهة الإقصائية لعديد الأطراف حتى لا تفتح على نفسها جبهات ومعارك. ولكنها ما لم تنجح في ذلك حيث بدأ الصراع بمجرد الانتقال فعليا إلى تشكيل الهياكل الوظيفية (الصراع على المواقع الواجهية بين البعض على غرار الصراع الظاهر بين البكوش ومرزوق أو بين العكرمي ورضا بلحاج) أو ما حدث بمجرد البدء في تشكيل الهياكل الجهوية حيث بدأت معركة بسط النفوذ مركزيا و جهويا ( نابلاريانةالمنستير...).
2- هل الحزب بعيد أصلا عمّا حدث قبل وبعد الاغتيال؟
ارتبط الاغتيال بيوم عرض قانون تحصين الثورةوذهب الجميع في اتجاه تصريح السياسي العجوز "سيغادرون الحكم قبل أن يمرروه" في حين ذهبت ذاكرة الجميع أيضا إلى تصريح أحد التجمعيين المعروفين في 2011 أمام المبنى الحالي لوزارة حقوق الإنسان (مجلس المستشارين سابقا) بأنّه سيكون هناك حمام دم إذا حاولتم إقصاء التجمعيين، خاصة وان المرحوم بلعيد كان واضحا وجليا في موقفه من التجمعيين والنداء وبقي أهم عقبة في اقتراب مكونات الجبهة من "الاتحاد من أجل تونس" أي تحالف "نداء تونس" والمُلتحقين به من أحزاب العود والاشتراكي والمسار والجمهوري، وبالتالي وبشكل عملي مثل الحزب أحد أهم أسباب تأزم الحياة السياسية باعتباره مرفوض شعبيا وثوريا وباعتبار مواقفه وموقف زعيمه و ارثه التاريخي والمتمثل أساسا:
- جامع لسلاح المقاومة سنة 1955 في القصرين وسبيطلة، وهو جلّاد الستينات والمنقلب على بورقيبة في الثمانينات، بل أنّ بورقيبة ذاته اتّهمه بذلك في خطاب باردو 1974 واتهمه بسرقة أموال.
- تعدّد ضحاياه وعلى رأسهم أهالي الوردانين (في الستينات) الذين أمر بإطلاق النار عليهم، أو باعتباره المسؤول المباشر على أحداث "برج علي الرايس" وهو أيضا من دبّر مؤامرة كبرى ضد المناضل علي الزليطني في آخر الستينات.
- هو أهم رجال الرئيس المخلوع، بل و ترأس برلمانه المغشوش والمُمرّر لقوانين تعسفية ضد الشعب، وبقي مُساندا له حتى آخر أيّامه ( كتابه المعروف والتصريح "الفضيحة" الذي أدلى به للشروق سنة 2008).
لذلك فالحزب ظل موضوعيا ليس بعيدا عما حدث وهو عامل توتر وما وصلت إليه البلاد فالشعب ثار ضد التجمعيين وتجاربهم المريرة طوال خمسين سنة.
3- تطورات مواقف الحزب وتحالفاته حتّى 9 فيفري
كان حزب السياسي العجوز عمليا في مأزق سياسي كبير قبل حادثة الاغتيال واهم مؤشرات ذلك هي:
أ‌- تجاذبات بين أطراف القيادة حيث كشفت إحدى عمليات القرصنة لموقع احد القياديين على الشبكة الاجتماعية طبيعة التكالب على المواقع القيادية ولاح ذلك من خلال التصريحات وزادته قيادة الاجتماعات في الجهات وضوحا.
ب‌- ابتعاد البعض من القياديين على غرار ابتعاد "بشرى بلحاج حميدة" نظرا لطريقة التعامل معها داخل الحزب ومع بعض الأفراد فيه بتعامل إقصائي، أو المؤامرة المحبوكة التي يريد البعض أن ينسج خيوطها لطرد خميس كسيلة عبر الترويج بأنه التحق بالجبهة الشعبية.
ت‌- انفراد الحزب بالإعلان عن تحالف "الاتحاد من أجل تونس" قبل اكتمال المشاورات بين مُكوّناته مستغلا أحداث "سليانة" وأحداث "ساحة محمد علي" وإعلان الاتحاد عن الإضراب العام ليوم 13 ديسمبر 2012، وهو ما أربك بعث التحالف، بل أن السبسي أهان بعض المكونات، ثم اضطرّ للاعتذار وزيارة مقرّي "المسار" و"الجمهوري" ليتمكّن أخيرا من عقد اتفاق سياسي معهما وليُعلن عن تكوين التحالف بتركيبته الخماسية السالفة الذكر.
ث‌- فشل الحزب في استغلال كلّ محطّات الاحتجاج والمحطّات السياسية في دفع جميع الأطراف في حشره وسط المشهد السياسي (مؤتمر "الحوار الوطني" للاتحاد مثالا لا حصرا).
ج‌- فشل الحزب في زحزحة موقف الجبهة الشعبية بسبب موقف حزب بلعيد وتحديدا جناح بلعيد ذاته والقياديين القريبين منه داخل "حزب الوطنيين الديمقراطيين المُوحّد".
وبناء على ذلك لاح الحزب أكبر المُستفيدين من غياب بلعيد عن الساحة السياسية وبالتالي عمل السبسي على توظيف دم المرحوم منذ الساعات الأولى من يوم 06 فيفري وبان أول الكسب من خلال نسق الاتهامات المباشرة لأكبر الخصوم السياسيين أي "حركة النهضة" و التيّار الإسلامي بشكل مُكثّف و مدروس وكأنّ هناك خطة تنفيذية كاملة مدروسة اتصاليا وسياسيا ولوجستيا. وبدا الخطاب الموجه واضحا وتماهي العناصر القيادية وحتى الأعضاء في الجهات (أي سب النهضة والحكومة والسلفيين ولا أحد غيرهم)، وفعلا وجد الحزب نفسه يقف في نفس الخندق ونفس الندوة الصحفية مع الجبهة الشعبية ومطالب مُشتركة معها بما يعني تحويل حادثة الاغتيال إلى انقلاب موضوعي وواضح المعالم، خاصة وأن كل ذلك سبق بزيارات مكوكية إلى الخارج من طرف "الباجي قائد السبسي" و"محسن مرزوق" في حين كانت اغلب وسائل الإعلام الفرنسية ووزير الداخلية الفرنسي و عديد وسائل الإعلام التونسية خادمة لخطة السياسي العجوز الذي مارس سياسة الكسب مُوظّفا حضور حوالي "40 ألف شخص للجنازة"، مُعلنا جملة من الاستنتاجات والتي بدأت بالتبخر من الغد.
4- الانقلاب يسقط في الماء
كان السيناريو يقوم على ضرب الروح النضالية لأطراف أساسية في المجتمع والدولة (المؤسسة العسكرية – المؤسسة الأمنية – الحكومة – قاعدة أنصار الحكومة وجماهير الشعب) أي عمليا ضرب الشرعية في مقاتلها. وقد وقع التركيز على هذه الأطراف و توظيف ذلك بعد أن يحدث استسلامها تحت الضغط وبذلك تكون الساحة جاهزة لمراحل وسيناريوهات لاحقة ومُعدّة سلفا، إلا أن تطورات دراماتيكية شعبيا ومدنيا وميدانيا سفهت أحلام البعض، حيث وظف بعض السياسيين قدراتهم وتجاربهم وأمكن لهم التفاعل مع مجريات الأحداث مما أربك حسابات البعض ومنهم "نداء السبسي" فتغيّر الخطاب، حيث قال السبسي متراجعا عما سبق أن أدلى به "اتّهام النهضة حكاية فارغة"، وهو إعلان صريح منه بان ما خُطّط له قد سقط عمليا في الماء، وبالتالي تم بناء إستراتيجية جديدة للحزب تقوم على الانصهار في المُشاورات و جاء ذلك تماهيا مع اعتذار وزير الخارجية الفرنسي عن تصريحات زميله ونجاح "الجبالي" في امتصاص حرارة تطورات الأحداث عبر مبادرته المعلن عنها. إلّا أن ما يجب ذكره هنا أن عوامل أخرى عديدة ساهمت في ذلك جرت في كواليس الحزب، و نُقل أن البعض من أصدقاء الحزب الخارجيين شجعوه على التراجع لطبيعة انفراده بمناداة حل التأسيسي مؤكدين له أنه سينعزل سياسيا إضافة إلى ظهور بوادر انشقاق للعديدين من قياداته على غرار استقالة القيادية سُهى بن عثمان.
ومع ذلك كسب الحزب موضوعيا بعض النقاط مقارنة بوضعيته قبل حاثة الاغتيال باعتبار أن المشاورات الجارية مع الأحزاب شملته أيضا يوم السبت الماضي، وبالتالي فهو وان فشل في الوصول إلى أهدافه، فانه جعل العديد من الأحزاب والأطراف تُدافع عليه وعلى تشريكه كما نجح في تأخير عرض قانون تحصين الثورة الذي كان مبرمجا يوم 6 فيفري الماضي، و لكن الحزب يعتبر من الخاسرين تنظيميا ولوجستيا وميدانيا وهذا حديث اخر، سنعود اليه لاحقا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.