ر م ع ديوان الحبوب: الاستهلاك المحلي بلغ معدل 36 مليون قنطار من القمح الصلب والقمح اللين والشعير    الرائد الرسمي.. صدور تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    الرئيس الايراني.. دماء أطفال غزة ستغير النظام العالمي الراهن    "حماس" ترد على تصريحات نتنياهو حول "الاستسلام وإلقاء السلاح"    ماذا في لقاء وزير السياحة بوفد من المستثمرين من الكويت؟    القيروان: حجز حوالي 08 طن من السميد المدعم    تصفيات كأس العالم 2026.. الكشف عن طاقم تحكيم مباراة تونس وغينيا الإستوائية    6 علامات تشير إلى الشخص الغبي    هام/ مجلس وزاري مضيّق حول مشروع قانون يتعلق بعطل الأمومة والأبوة    البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي محور جلسة عمل    ذبح المواشي خارج المسالخ البلدية ممنوع منعًا باتًا بهذه الولاية    عاجل/ قتلى وجرحى من جنود الاحتلال في عمليتين نوعيتين نفّذتهما القسّام    اختفى منذ 1996: العثور على كهل داخل حفرة في منزل جاره!!    شوقي الطبيب يُعلّق اعتصامه بدار المحامي    وزير الفلاحة يفتتح واجهة ترويجية لزيت الزيتون    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    عاجل : مطار القاهرة يمنع هذه الفنانة من السفر الى دبي    دراسة : المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    العجز التجاري يتقلص بنسبة 23,5 بالمائة    تعرّف على أكبر حاجّة تونسية لهذا الموسم    عاجل/ السيطرة على حريق بمصنع طماطم في هذه الجهة    نبيل عمار يشارك في الاجتماع التحضيري للقمة العربية بالبحرين    الإعداد لتركيز نقاط بيع نموذجية للمواد الاستهلاكية المدعمة بكافة معتمديات ولاية تونس    منطقة سدّ نبهانة تلقت 17 ملميترا من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    أعوان أمن ملثمين و سيارة غير أمنية بدار المحامي : الداخلية توضح    تفاصيل القبض على تكفيري مفتش عنه في سليانة..    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    الخميس القادم.. اضراب عام للمحامين ووقفة احتجاجية امام قصر العدالة    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    كأس تونس: تحديد عدد تذاكر مواجهة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى    فتح تحقيق ضد خلية تنشط في تهريب المخدرات على الحدود الغربية مالقصة ؟    مطار قرطاج: الإطاحة بوفاق إجرامي ينشط في تهريب المهاجرين الأفارقة    الرابطة الأولى: الكشف عن الموعد الجديد لدربي العاصمة    منحة استثنائية ب ''ثلاثة ملاين'' للنواب مجلس الشعب ...ما القصة ؟    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    باجة: خلال مشادة كلامية يطعنه بسكين ويرديه قتيلا    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    معهد الاستهلاك: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويا في تونس    مع الشروق ..صفعة جديدة لنتنياهو    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عشرات القتلى والجرحى جراء سقوط لوحة إعلانية ضخمة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انخرطت في الاتحاد منذ تأسيسه ولم انقطع
لقاء غير مسبوق مع سعيد الحداد كاتب عام جامعة المتقاعدين: الفاضل بن عاشور وعبد العزيز بوراوي جاءانا الى مدنين للتعريف بالاتحاد
نشر في الشعب يوم 23 - 01 - 2010

في اطار الاحتفال بذكرى تأسيس الاتحاد، ارتأينا اللقاء بالاخ سعيد الحداد كاتب عام الجامعة العامة للمتقاعدين والكاتب العام سابقا للجامعة العامة للكهرباء والغاز للحديث معه حول ذكرياته في العمل النقابي.
سعيد الحداد انخرط في الاتحاد سنة 1946 وشارك في تنفيذ اضراب 5 اوت 1947 وعاش كل الازمات والاحداث التي شهدها الاتحاد منذ تأسيسه.
تعرّف على فرحات حشاد وعمل معه مباشرة كما عمل مع احمد التليلي والحبيب عاشور اضافة الى عدد كبير من المناضلين النقابيين من مختلف القطاعات.
يشهد له النقابيون بدماثة الاخلاق وحسن المعاشرة وبالتفاني في خدمة الشغالين وقضاء حاجاتهم وشؤونهم.
معه كان هذا الحديث الشيّق والمثير.
بدأت الحديث مع عم سعيد الحداد بسؤاله عن ظروف التحاقه بالاتحاد لأول مرة.
قال: كان ذلك خلال سنة 1946 حيث كنت اعمل قابضا في شركة النقل »سطاس« المملوكة لفرنسيين مقيمين في تونس، على الخط الرابط بين جربة وصفاقس فقد جاءنا ذات يوم الى مكتب فرع الشركة بمدنين الاخ الكاتب العام للاتحاد المحلي للشغل بمدنين ودعانا بالحاج وحماس لحضور اجتماع ينظم بحضور الاخوين محمد الفاضل بن عاشور وعبد العزيز بوراوي رحمهما الله، وفعلا انعقد الاجتماع بحضور عدد غفير من الشغالين من كل القطاعات وتحدث فيه الضيفان باطناب عن مزايا الاتحاد ومبادئه وفوائد الانخراط فيه.
ومن يومها انخرطت مع زملائي في الاتحاد عبر نقابة أساسية تكونت في شركة »سطاس« وتولى كتابتها العامة الاخ محمد قديش، ونو اصيل جزيرة قرقنة.
ابن مؤسستي
سألته هنا، كيف ومتى تعرف على الزعيم فرحات حشاد فقال:
كان الزعيم فرحات هو نفسه موظفا في نفس الشركة وقد تعرفت عليه بصفة مباشرة سنة 1947 قبل ان ينتقل الى الاشغال العامة، ثم زادت معرفتي به عند تنفيذ اضراب 5 اوت 1947.
كنت أعمل قابضا لحافلة الشركة الرابطة بين جربة وصفاقس، وقد بلغني كغيري من النقابيين قرار هياكل الاتحاد بشن اضراب عام من اجل عدة مطالب واحتجاجا على غلاء المعيشة وكذلك على تعسف الاستعمار، وقد تلقيت في هذا الشأن أمرين، الاول ان أكون أنا حارس اضراب (piquet de grève) والثاني أن أنشر قرار الاضراب بين الشغالين وعموم الناس حال اتصالي بكلمة السر التي كانت قد بلغتني من حشاد نفسه.
لذلك وتحضيرا للاضراب، عقدنا سلسلة من الاجتماعات مع العمال في عدة قطاعات وخاصة مع عمال »البطّاح« العامل الى حد اليوم والرابط بين الجرف وأجيم.
واستعدادا للاضراب بقيت في أجيم حتى وصلتنا الاشارة ببدء تنفيذ الاضراب وفعلا انطلق بمشاركة واسعة من العمال وحرص شديد مني كحارس اضراب.
وفيما كنا كذلك، حضرت الى نقطة العبور سيارة عسكرية فرنسية تقل عددا من اعوان »الجندرمة« وطلب مني رئيسهم تمكينهم من الوصول الى الضفة المقابلة فرفضت طبعا متمسكا بتعليمات الاتحاد، قال لي الضابط، ان معه تسخيرا، وانه عليّ ان أنفذ له طلبه فتمسكت بالرفض مما اضطره ورفاقه الى الرجوع من حيث أتوا.
لمّا حصل ما حصل في صفاقس يوم 5 اوت 1947، جاءنا الامر بوقف الاضراب والعودة لاستئناف العمل فكان ان سافرت صباح يوم 6 اوت الى صفاقس على متن الحافلة حيث قضيت الليلة هناك لأعود صباح اليوم الموالي الى جربة. وهناك وجدت أعوان »الجندرمة« الفرنسيين في انتظاري طبعا أخذوني مع عدد من الزملاء وأذاقونا من العذاب ألوانا، ومنها وقد كان الصيف انذاك حارا، قائضا أنهم رموا بنا، بملابسنا، في حوض ماء ساخن.
بعد مدة قصيرة نقلوني الى صفاقس حتى يقدموني للمحكمة المدنية التي كانت منتصبة هناك حيث وجدت النقابيين والمواطنين بالمئات ينتظرون الحكم عليهم.
رافع عنا انذاك محام مشهور في صفاقس، أظنه الاستاذ محمد مقني، وقد بنى مرافعته على معطى مهم جدا وهو ان المحكمة ليست مؤهلة للحكم على تونسيين بما انها محكمة مدنية فرنسية.
المهم، انه حكم عليّ بشهرين سجنا نافذا وخطية مالية بعشرة الاف فرنك وبالطبع كان ذلك المبلغ يعدّ ثروة في ذلك الوقت علما خاصة وان أجورنا بضع مئات من الفرنكات فقط.
لهذا السبب ولغيره، قام الاتحاد باستئناف الاحكام، ومنها حكمي، ولذلك اضطررت للانتقال للعاصمة حتى أتابع القضية.
محامينا في القضية كان هو الاستاذ صالح بن يوسف رحمه الله، لكن يوم النظر فيها اضطر للتغيب حيث كان قد ذهب الى باجة للترافع في قضية اخرى، لذلك كلف زميله الاستاذ فتحي زهير رحمه الله بتعويضه، وبالفعل أبلى الرجل البلاء الحسن فأبدلت المحكمة الحكم من السجن النافذ الى السجن المؤجل وحطت من مقدار الخطية الى 3500 فرنك عوض 000.10.
والذي حصل بعد هذا، ان الشركة أطردتني من العمل، عندئذ ذهبت الى مقر الاتحاد بنهج سيدي علي عزوز وهناك قابلت الزعيم فرحات حشاد ومعه المرحوم النوري البودالي والطاهر البرصالي الذي كان حينها كاتبا عاما لجامعة النقل فأمره حشاد بأن يجد لي عملا في شركة »التراموي«.
وزاد الزعيم حشاد فخاطب أحدا من معارفه يدعى فنيش يعمل في المصالح العدلية وطلب منه ان يسلمني بطاقة عدد 3 نظيفة حتى أستطيع تقديم ملفي.
القسط الاول من الخطية
باختصار، انضممت الى الشركة، لكن ما ان باشرت حتى جاءني إشعار بضرورة دفع القسط الاول من الخطية وهو يزيد عن 1000 فرنك فيما أجرتي متواضعة فضلا عن أنني لم أقبضها بعد.
احترت في الامر ولم أجد لي مخرجا غير العودة مرة اخرى الى الزعيم فرحات حشاد وطلب مساعدته، لكن أنّى له ذلك والاتحاد برمته في وضع متدهور للغاية، لا فقط لانه مازال حديث العهد، لكن أيضا وبالخصوص، لأنه كان واقعا تحت طائلة العقوبة او بالاحرى نوع من الحصار بعد اضراب 5 اوت.
ولعلمكم، فإن الاتحاد كان مهددا بأن يحل نهائيا وتغلق مقراته بقرار من المقيم العام الفرنسي، لكن فكرة من حشاد أوحى بها للباي هي التي حالت دون ذلك وخلاصتها »إذا كان لابد من إلغاء الاتحاد العام التونسي للشغل، فإنه يجب ايضا إلغاء الاتحاد النقابي لعمال القطر التونسي وهي النقابة القريبة من السلطات الفرنسية«.
ولأنه لم يكن بوسع المقيم العام طلب أو قبول الغاء النقابة الثانية، فقد تراجع عن طلب الغاء الاتحاد العام التونسي للشغل من الباي. وبذلك بقي اتحادنا على قيد الوجود.
يعود عم سعيد الحداد للحديث، بعد هذا القوس، عن وضعه ليقول لما اعلمت حشاد بالخطية، اعتذر لي في البداية لضيق الحال، ثم ونظرا لإلحاحي كتب ورقة صغيرة أعطانيها لأسلمها للنوري البودالي وفيها طلب بالمساعدة، فاعتذر هو الاخر وأحالني على الطاهر البرصالي باعتباره في ذلك الوقت كاتبا عاما لجامعة النقل التي أعود اليها بالنظر نقابيا بما انني كنت عاملا في »التراموي«.
فكّر قليلا ثم قال لي ان الحل الوحيد هو ان نستغل فرصة دفع الاجور اخر الشهر ونجمع لك مساعدات من بقية العمال.
عدت الى حشاد لأعلمه بالاقتراح وأستشيره في الامر، فرفضه رفضا باتا، لسببين، الاول أنني حديث العهد بالشركة، والثاني ان ادارة الشركة قد تكتشف السر فتطردني والثالث ان العملية، قد تكشف البطاقة عدد 3 غير المطابقة للواقع.
عندها، يقول عم سعيد بتأثر بالغ وصل حد البكاء سحب حشاد محفظة نقوده الخاصة وقلبها رأسا على عقب وأفرع كل ما فيها من نقود ومدني بها كمساهمة منه في توفير المبلغ المطلوب مني، الشيء الذي اضطرني الى الاستنجاد بالعاملين في المتاجر من ابناء جربة في العاصمة ليساعدوني على دفع ذلك القسط المشؤوم من الخطية، وقد فعلت ذلك دفاعا عن فرصة العمل التي توفرت لي ودفاعا عن الاطراف التي ساعدتني في الحصول عليه، والغريب في الامر ان القسط الثاني قد حان أجله بعد وقت قصير من دفع الاول فاضطررت عندئذ لبيع جزء من أدباشي لخلاصه.
ورغم كل الظروف، فقد تواصلت علاقتي متينة قوية بالاتحاد وبالزعيم فرحات حشاد الذي قابلته اخر مرة يوم 25 نوفمبر 1952 لما صادفته راكبا »التراموي« في رحلة قصيرة تعوّد القيام بها من حين لآخر للاطلاع على أوضاع الناس عن كثب.
وكانت قد حصلت حادثة اثناء تلك الرحلة حيث شتم بعض الاجانب من الركاب العاملين في عربة »الترام«، وهنا نبهنا الزعيم الى ضرورة الدفاع عن أنفسنا بما أننا في بلادنا.
كما قال لنا بالمناسبة انه يجب علينا ان نستمر في المقاومة وان لا نتراجع خاصة، وهو على وشك الغياب عن تونس لمدة عدة ايام، حيث كان في ذلك الوقت ينتظر الحصول على التأشيرة قصد الذهاب الى الولايات المتحدة الامريكية.
هكذا بلغني الخبر
سألت عم سعيد، كيف علمت بخبر اغتيال فرحات حشاد؟
قال، كنت صباح ذلك اليوم البارد جدا في محطة بيع الوقود »شال« التي كانت منتصبة في »باردو« حيث توجد اليوم نافورة المياه، وهي على ملك أحد أقاربي، لما حضر الى المحطة أحد المعمرين لاقتناء البنزين.
نزل متباهيا من سيارته ليقول في وجهنا (كان معي الاخ الاخضر الجليدي): »لقد تخلص التونسيون من فرحات حشاد وأراحونا«.
ماذا تقول؟
لقد قتله التونسيون.
عندها قفز الأخضر الجليدي امامه ليقول له: بل إنّ الفرنسيين هم الذين قتلوه.
فما كان من المعمر الا ان سحب مسدسه من نطاقه وصوّبه في اتجاهنا ولولا تدخل صاحب المحطة للحيلولة دوننا وإياه، لكان قتلنا على عين المكان.
تركنا المحطة والعمل وأصابتنا صدمة لا أستطيع وصفها طالما ان وقعها كان علينا كبيرا وعلى كل البلاد، فدخلت في اضراب عام وشامل كامل يوم 5 ديسمبر وكذلك يوم 6.
في اليوم الثالث، ذهبت الى مقر الاتحاد لأستطلع الامر، فوجدت فيه الاخ كريّم مرفوقا بالاخ عز الدين العباسي وقد أمسكا بالامور، بعد ان أبعد بقية القياديين الى المنافي، واستمر الوضع صعبا للغاية على الاتحاد وعلى النقابيين ولم تأخذ الامور في العودة الى نصابها الا بداية من صيف 1953 حيث بدأ التفكير في كيفية الخروج من ذلك الوضع وقد أدّى الى دعوة الاخ أحمد بن صالح للعودة من »بروكسيل« وتكليفه بالترشح للكتابة العامة للاتحاد من خلال مؤتمر انعقد سنة 1954.
وحينئذ، يقول عم سعيد، كانت هذه هي ثاني أزمة عاشها الاتحاد (اغتيال حشاد) بعد اضراب 5 اوت 1947، وكاد يقضى فيها على الاتحاد حيث ان الزعيم فرحات حشاد ترك فراغا رهيبا يصعب ملؤه.
لكن أزمة جديدة، هي الثالثة، أخذت تطرق الابواب منذ مطلع سنة 1956، والسبب فيها حسب رأيي، البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي أعدّه الاتحاد استعدادا لاستقلال البلاد الذي كان قد بدأ الحديث عنه بجدية، خاصة بموجب خطاب »منداس فرانس« في جويلية 1954 وقدمه الاخ احمد بن صالح الى مؤتمر الحزب الدستوري المنعقد بصفاقس في نوفمبر 1955، واعتقادي ان الزعيم الحبيب بورقيبة لم يقبل بأن يكون اي كان أفضل منه في علاقة بالشعب وبالمستقبل، ولربما ساعده في ذلك، انه تخلص من خصمه اللدود في الحزب المرحوم صالح بن يوسف، فتسبب في خلاف بين الاخوة احمد بن صالح والحبيب عاشور واحمد التليلي، بل انه دفع أخيرين الى الانشقاق عن الاتحاد العام وتكوين الاتحاد التونسي للشغل وسلمهما مقرا جاهزا كان يشغله الاتحاد النقابي لعمال القطر التونسي (نهج اليونان حاليا).
ويجب ان أشير الى ان الامور في الاتحاد العام من الداخل، لم تكن على ما يرام حيث ان الاخ احمد بن صالح الامين العام كان يمارس أسلوبا دكتاتوريا في ادارة الاتحاد وأذكر هنا أنه ذات اجتماع لعمال »التراموي« عقدناه في قصر الجمعيات الفرنسية (ابن رشيق حاليا) انتقد الاخ الأخضر الجليدي تصرفات الكاتب العام لجامعة النقل الاخ الطاهر البرصالي، وطال الحديث في هذا الشأن، وفيما كنا كذلك، حضر الى قصر الجمعيات حيث الاجتماع الاخ احمد بن صالح، وهو كاتب عام للاتحاد وبادر بنزع جمّازته وكأنه يستعد للعراك قائلا »آش تحبو، اشكون مازال عندو ما يقول«.
ويضيف سعيد:
المهم ان الاخ احمد بن صالح خرج من الاتحاد بالشكل الذي يعرفه الجميع ثم انضم للحكومة واصبح وزيرا قويا.
أما في الاتحاد فقد انعقد مؤتمر توحيدي بين الاتحاد العام والاتحاد التونسي وآلت الأمانة العامة للمرحوم الاخ احمد التليلي فيما كان رقم 2 المرحوم الاخ الحبيب عاشور.
واستمرت تلك الفترة من 1957 الى 1963 وكانت ثرية جدا بالمكاسب والاستقرار خصوصا وان التليلي كان في نفس الوقت أمين مال الحزب الدستوري.
ثم انعقد مؤتمر الاتحاد سنة 1963 بتأخير طفيف ناتج أساسا عن حرب بنزرت ومعركة الجلاء وأسفر عن انتخاب الاخ الحبيب عاشور أمينا عاما للاتحاد، ورقم 2 الاخ احمد التليلي ولربما كان هناك اتفاق بينهما في الغرض، اما انا فكنت شخصيا قد اصبحت كاتبا عاما لجامعة الكهرباء والغاز.
أزمة جديدة
مضت سنة 1963 وأطلت سنة 1964 ومعها اشارات ازمة جديدة اعلنت في مؤتمر الحزب الذي انعقد في اكتوبر 1964 وقرر وصاية الحزب على المنظمات الوطنية وفي مقدمتها النقابات، ورغم معارضة عاشور والتليلي وبقية النقابيين للأمر، فإن الحزب والدولة أصرّا على تنفيذ قرار مؤتمر بنزرت.
وتشاء الصدف ان تبدأ محاولة فرض الوصاية بالنسبة للحزب، ومعركة الدفاع عن الاستقلالية بالنسبة للنقابيين والاتحاد من مؤتمر النقابة الاساسية للشركة التونسية للكهرباء والغاز، والذي انعقد ثلاث مرات كاملة.
فازت قائمتنا بكامل عناصرها في المرة الاولى فاعترض الجماعة على بعض الاشكاليات فأعيد المؤتمر، في المرة الثانية وفازت قائمتنا بكامل عناصرها فعاد الجماعة للاعتراض لأسباب اخرى.
المؤتمر للمرة الثالثة واثناء الاشغال حصلت فوضى وشغب حتّم من جهتنا حضور الاخ احمد التليلي الى مقر المؤتمر ومن جهة الادارة والحزب حضور الوالي البشير بلاغة (وهو نقابي ومن مؤسسي الاتحاد لكنه اختار الانضمام للسلطة) ولما رآه احمد التليلي قال له بالفرنسية »ماذا تفعل هنا، اخرج أنت ومن معك من هنا) (qu'est-ce que tu fais là, allez, tous, foutez le camp d'ici).
وبالفعل خرج وانعقد المؤتمر وفازت قائمتنا بكافة المقاعد.
بعد مدة قصيرة، حصلت حكاية الباخرة وأبعد الاخ الحبيب عاشور وكذلك الاخ احمد التليلي ثم انعقد مؤتمر استثنائي اسفر عن تعيين الوالي البشير بلاغة أمينا عاما للاتحاد، لكن الذي حصل من بعد هو ان الاتحاد اصبح هيكلا بلا روح، فلا مؤتمرات ولا انتخابات ولا مكاسب ولا شيء من المكاسب والحركية المعهودة في الاتحاد وفي كل النقابات المستقلة.
وقد دعاني بلاغة لأنضم اليه لكنني رفضت مثلما رفض بقية الاخوان، بل اننا زدنا تمسكا بالاتحاد وبقياداته الشرعية ودافعنا عنها طيلة تلك الفترة.
وأذكر ان الحزب قرر في احدى السنوات إقامة احتفال ضخم بمناسبة غرة ماي في ساحة القصبة حيث البلدية الان، للتدليل على ان الامور، بخير وقد دعا للاشراف عليه الرئيس الحبيب بورقيبة.
في تلك المناسبة وحال علمنا بالموضوع، خطرت لنا فكرة الحضور والجلوس في الصف الامامي المقابل مباشرة للرئيس بورقيبة. كنا نحو ثلاثين شخصا، وفيما كان الرئيس يتحدث، كنا ننادي : »عاشور... عاشور« الشيء الذي اضطر بورقيبة الى ان يقطع حديثه ويقول في اتجاهنا »باهي... باهي« ولما أعدنا الكرّة عاد ليقول »ما هو قلنا باهي«.
لم يأت ليل ذلك اليوم الا وقد وقع جمعنا لنلتقي في محلات الداخلية المعروفة ب »Géole« حيث قضينا 25 يوما وأذكر للأمانة انه معي سعيد ڤاڤي، والحبيب بن غزيّة، والحاج الدامي وعبد الله الخروبي وغيرهم ممن لم أعد أذكر. وأذكر انه وقع سؤالنا حول عمليات جمع الاموال التي كنا نقوم بها لتمويل نشاطنا ولدعم الاخ الحبيب عاشور. ويجب ان أوضح هنا انه وقع اطلاق سراح الاخ الحبيب عاشور بعد اسبوع فقط من تلك الحادثة.
رغم ذلك استمررنا في تمسكنا بالهياكل الشرعية للاتحاد، علما وان الامور تدهورت في البلاد نتيجة سياسة التعاضد، الامر الذي أدى الى التراجع الذي أعلنه المرحوم الباهي الأدغم خلال اجتماع انعقد بصفاقس.
ويذكر ان البشير بلاغة الكاتب العام للاتحاد كان من بين الحاضرين لما اعلن الباهي الادغم دعوة الاخ الحبيب عاشور للعودة على رأس الاتحاد فكان ان أغمي عليه على عين المكان.
طبعا عدنا بعد ذلك للاتحاد عبر مؤتمر وطني انتخب الاخ الحبيب عاشور أمينا عاما وتواصل العمل مستقرا، لفترة نسبية لست في حاجة الى بيانها طالما انها معروفة من الجميع.
لكن الازمة أطلّت مرة اخرى مما اضطر قيادة الاتحاد الى اعلان الاضراب العام في 26 جانفي 1978. وقد كنا اتفقنا في الهيئة الادارية على ان بعض القطاعات ومنها الكهرباء والغاز لا تشارك في الاضراب وكنت لهذا الغرض في مقر الاتحاد كامل يوم 25 جانفي لتحضير الاضراب، وغادرت مع بعض الاخوان من الباب الخلفي للمقر، وما كدنا نفعل حتى سمعنا طلقا ناريا كثيفا عرفنا فيما بعد انه كان مقدمة لهجوم قوات الامن على المقر لإخلائه واعتقال من كان داخله.
في اليوم الموالي، اي يوم 26 ذهبت لزيارة الاخ الحبيب عاشور في بيته الذي وجدته واقعا تحت حراسة أمنية متخفية، فكان أول ما بادرني به هو قوله »الامور ما هياش باهية« تداولنا في الموضوع وافترقنا حيث واصلت جولتي خارجا لمتابعة الأوضاع ولا سيما في الكهرباء والغاز.
هجوم 12 شخصا
في اخر اليوم، عدت الى بيتي وما ان حل الليل حتى هجم عليّ وعائلتي نحو 12 شخصا تبين فيما بعد انهم من »الميليشيا« التي ظهرت آنذاك وقاموا بترويعنا، انتبه لهم الجيران فعملوا على صدّهم وكادت تنشأ معركة بين الطرفين، أمّا من جانبي، فبادرت بالاتصال بالشرطة مرة أولى، ثم ثانية، طلبا للحماية.
يوم 31 جانفي حضرت الى بيتي سيارة شرطة أخذني أعوانها مباشرة الى مقر وزارة الداخلية وما ان مثلت امام المحقق حتى عرض أمامي حزمة من البرقيات قال انها صادرة عن نقابيين يستنكرون ما فعله عاشور ويتبرأون منه.
ثم قال: »امض في هذه البرقية واخرج حرّا طليقا«.
قلت: »لا أمضي«
قال: إذن، انزع حزامك ورباط حذائك واشياءك الخاصة ومرّ الى الايقاف«.
وفعلا حوّلت الى غرفة الايقاف حيث بقيت 3 اشهر كاملة تعرضت خلالها الى ألوان من التعذيب مثلي مثل العديد من الزملاء وخاصة منهم سعيد ڤاڤي وصالح برور واسماعيل السحباني.
ثم مرت الاطوار متلاحقة ومنها اطلاق سراح النقابيين في مارس 1980 وعودتهم الى الاتحاد بداية من غرة ماي من نفس السنة وعقد مؤتمر قفصة في افريل 1981 الذي اسفر عن انتخاب الاخ الطيب البكوش امينا عاما للاتحاد بعد حديث مطوّل عن ترشح الاخوين عبد العزيز بوراوي وحسين بن قدور لنفس المنصب.
ومن الاطوار ايضا مشاركة الاتحاد في الانتخابات التشريعية لسنة 1981 في جبهة موحدة مع الحزب الدستوري وترشيح 27 من قياداته الوطنية والوسطى لعضوية مجلس النواب (ومنهم محدثنا الاخ سعيد الحداد كاتب عام جامعة الكهرباء والغاز).
ومنها ايضا عودة الاخ الحبيب عاشور على رأس الاتحاد بقرار من المجلس الوطني المنعقد اخر نوفمبر 1981.
وهنا قال الاخ سعيد الحداد بكثير من المرارة ما ان استعاد الاتحاد عافيته بعد ازمة 26 جانفي ومختلف تبعاتها، حتى بدأت تنشأ بوادر أزمة جديدة تمثلت في اقصاء الكتاب العامين للجامعات والاتحادات الجهوية وحتى اعضاء المكتب التنفيذي الذين انتخبوا اعضاء في البرلمان.
فكان ان انعقدت العديد من المجالس القطاعية للجامعات والتي كان دورها مقتصرا على الاطاحة بكاتبها العام وهذا ما حصل لي شخصيا حيث كنت كاتبا عاما لجامعة الكهرباء والغاز وعضوا في البرلمان وقد بذل المرحوم الحبيب عاشور جهودا كبيرة للاطاحة بي وقد ترأس شخصيا المجلس القطاعي للجامعة الذي أبعدني، حيث وقعت استمالة الكثير من الاعضاء صوّتوا ضدي دون اقتناع.
وأضاف عم سعيد »ان الازمة تفاقمت الى ابعد حد بطرد سبعة اعضاء من المكتب التنفيذي بسبب خلاف بسيط نشأ بين الحبيب عاشور والاخ ناجي الشعري«.
مما اضطرهم مع العديد من النقابيين الذين اطردوا او اقصوا وأنا من بينهم الى تأسيس الاتحاد الوطني التونسي للشغل في مطلع سنة 1984.
الى هذا الحد، كان الحديث قد طال بنا وأخذ منا وقتا طويلا خاصة وانه تفرّع الى قصص اخرى شارك في اثرائها اخونا وصديقنا الصادق الحنشي ومنها ازمة الخبز وعلاقة الاتحاد بالسلطة وازمة 85 بين الاتحاد والسلطة والمؤتمرات التوحيدية وغيرها.
كنت سأبتعد بعم سعيد عن ذكريات الازمات لكنه أبى الا ان يتحدث عن واحدة قال انها جديدة.
قلت: ما هي؟
قال: انها ازمة جامعة المتقاعدين وخاصة من خلال المنشور عدد 31/97 الذي حرم على الادارات التعامل معنا والحال اننا في حاجة أكيدة الى الاتصال بالادارات لحل العديد من الاشكالات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.