غيب الموت مساء يوم الجمعة الماضي 62 أوت 0102 مناضلا نقابيا ووطنيا عرف بمرافقته الدائمة للشهيد الخالد فرحات حشاد وكاتم أسراره ومنفذ خططه وتوجيهاته بجهة سوسةوتونس قاطبة، انه المغفور له عمر بن مصطفى شهر نملة الذي رحل عن سن تناهز السادسة والثمانين ، ومع ذلك فقد ظل رغم رحلته الطويلة مع المرض خصوصا في السنوات الأخيرة صامدا وشامخا ومرحبا بقضاء الله وقدره، فلم يمد يده، ولم يستعطف أحدا ، واثر مثل كل المناضلين الكبار ان يرحل في صمت ودون بهرجة تذكر تاركا وصية بليغة سبق ان صرح بها الينا في حوار نادر كنا أجريناه معه ونعيد نشره اليوم تقول: «أوصيكم بالاتحاد فهو رمز عزة هذه البلاد». المناضل عمر نملة أصيل مدينة قرقنة والمولود في 41 افريل 4291 جذبه العمل النقابي في سن مبكرة ولم يكن ذلك باختيار منه وإنما فراسة وانتباه الشهيد فرحات حشاد وعينه الثاقبة في الحكم على الرجال وتحديد معادنهم هي التي كان لها الكلمة الفصل وحكمت على المناضل عمر نملة بخوض رحلة الكفاح النقابي والوطني في سن مبكرة وذلك بعد ان أعطى الشهيد الخالد فرحات حشاد تعليماته وتوصياته للرموز النقابية والوطنية في جهة سوسة لاحتضان عمر نملة واستغلال إمكاناته وطاقاته الرهيبة بالفعل لم يخيب عمر نملة ظن فرحات حشاد وكان بالفعل نملة تخرج من حيث لا يتوقع احد لتضرب المستعمر وتعود إلى قواعدها سالمة معافاة ، أكثر من ذلك فالتاريخ النضالي الحافل لعمر نملة يشهد انه لم يفشل في تنفيذ أي مهمة خطط لها الشهيد حشاد، حتى انه لم يتوان ليلة عرسه في ترك زوجته متصدرة وحيدة والاختفاء لتنفيذ مهمة من هذه المهام النضالية الحشادية الكثيرة. المناضل المرحوم عمر نملة في كلمة قاموس نضالي متشعب الفصول، استأسد نقابيا، ودوخ المستعمر وساهم من موقعه في كنسه عن الأراضي التونسية ، وإذا كانت انجازاته ستظل محفورة في الذاكرة النقابية فان السؤال الذي يطرح في المقابل هو إلى متى ستظل الذاكرة الوطنية تحفل بشخوص تم تقليدها بمختلف الأوسمة الاستحقاقية وهي لم تناضل دقيقة واحدة في حياتها ، في حين تحجب هذه الأوسمة عن المناضلين الفاعلين والحقيقيين الذين جاهدوا واستشهدوا من اجل تونس حرة مستقلة وأبية والمناضل عمر نملة بالتأكيد واحد من هؤلاء الأبطال البررة.. المناضل عمر نملة: كما لم يتحدث من قبل هو عمر بن مصطفى شهر «النملة» مولود في 41 أفريل 4291 في قرقنة .درس في مدرسة الكلابين التي احتضنت أيضا فرحات حشاد والحبيب عاشور، ثم انتقل للدراسة في المدرسة الصناعية بتونس في أكتوبر 5391. وبعد مشاركته يوم 90 أفريل 8391 في مظاهرة من اجل برلمان تونسي سجن لمدة شهر وفرضت عليه خطية مالية، ويعد ذلك امتدادا لانخراطه في العمل الوطني منذ نعومة أظفاره فقد سبق ان شارك في 40 مارس 2391 في مظاهرة بقرقنة بقيادة الحبيب عاشور . لما كان في تونس اقبل «عم عمر نملة» انطلاقا من سنة 0491على المشاركة في الكشافة الفرنسية .وقد استمر في هذا النشاط بكل شغف بعد الاستقلال ضمن الكشافة التونسية التي تقلد في صلبها عديد المسؤوليات . وجد ضيفنا نفسه في خضم الحرب العالمية الثانية ملتزما في الجيش الفرنسي ضمن قطاع البحرية لكنه رفضا للإهانة والظلم قرر الفرار بعد دخول الألمان للبلاد. **رحلة «عم عمر المهنية» اشتغل وهو لم يتجاوز سن الرابعة عشر في مطعم وفي مقهى وعديد المهن الأخرى إلى ان عاد سنة 2491 إلى صفاقس ليعمل في الميناء ضمن الأشغال العامة .وانتقل في نطاق الإعارة في أكتوبر 4491 للعمل في ميناء سوسة .فاستقر بها نهائيا وتزوج من قرقنة وهو لم يتجاوز سن الواحد والعشرين .ويذكر «عم عمر نملة» في هذا الإطار كيف انه اضطر ليلة زواجه إلى ترك زوجته متصدرة بمفردها ليقوم بانجاز مهمة مستعجلة كلفه بها فرحات حشاد المحاصر والمراقب آنذاك ومتمثلة في نقل رسالة خطية . **اثر الزعيم حشاد كانت له صلة غير مباشرة به لما كان بصفاقس قريبا من الحركة النقابية لما كان حشاد بصدد تأسيس النقابات المستقلة في الجنوب في فترة كان فيها الحبيب عاشور كاتبا عاما في نقابة بلدية صفاقس التابعة لل (CGT). بعد ذلك كانت له لقاءات مباشرة بالشهيد حشاد بقيت راسخة في ذهنه حتى الآن لأنها شكلت نقاطا مضيئة في حياته .كان ذلك ثلاث مرات وفي نفس المكان وهو ساحة سيدي يحيى قرب الميناء أين كان البعض يأتي ألعابا ترفيهية بالثعابين. فحوى اللقاء الأول: في هذا اللقاء قدم الشهيد الخالد فرحات حشاد لعمر نملة رسالة موجهة للأخ جلول بن شريفة .تبين بعد سبعة أشهر وتردد مستمر عليه ان فرحات حشاد دعاه لاستقطابه في الحزب الحر الدستوري .وبالفعل أدى عمر نملة اليمين بعد تلك الفترة لينخرط بصفة فعلية في النضال السياسي وكان ذلك سنة 5491 . فحوى اللقاء الثاني: في سنة 5491 تجدد اللقاء بين الشهيد فرحات حشاد وعمر نملة ودار بينهما حوار كان خلاله حشاد صارما على عكس اللقاء الأول حيث طالب عمر نملة بمزيد من الجدية وترك اللهو والاعتناء بالأمر الوطني والالتحاق بالنشاط الكشفي ضمن الكشافة الإسلامية التونسية،ومثلما سنرى سيكون لذلك الأثر الطيب والكبير في تربية «عم عمر» على الانضباط والجدية والوطنية . فحوى اللقاء الثالث :في بداية سنة 6491 جدد الزعيم الخالد فرحات حشاد بأكثر إصرار طلبه لعمر نملة بعدم الإغراق في اللهو والاهتمام عوضا عن ذلك بالأمور الجدية في الكشافة ، فكون ا عم عمر ا فوجا من عشرة أشخاص وأصبح ناشطا في الإقليم وكون عشائر في أماكن مختلفة . هكذا تأسس الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة. في إطار استحضاره لأبرز الذكريات التي ترافقت مع تأسيس الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة يذكر المناضل عمر نملة قدوم حشاد في بداية سنة 6491 إلى سوسة واستقباله آنذاك في محطة القطار،وسؤاله منذ حلوله بسوسة عن محمد زهير الشلي الذي التقاه فيما بعد عن طريق فرج بوقديدة وكان ذلك بحفاوة .ثم تسارعت الأحداث بعد ذلك وتم بعث الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة في أفريل 6491 وكان أول مقر له قرب جبانة الغربة .كما يذكر «عم عمر نملة» النقابات التي أنبنى عليها التأسيس وهي :الأشغال العامة، المياه، السكك الحديدية، التعليم، الكهرباء، المقاهي، ولا ينسى ظروف الإعداد ودور كل من التهامي عمار ومحمد وناس وفرج العابد وغيرهم في ذلك.كما يستحضر تأكيد حشاد على ضرورة إرساء التكامل بين العمل السياسي الحزبي والعمل النقابي ، وقد كانت الاستجابة إلى ذلك كبيرة حيث كرسها عديد المناضلين مثل محمد زهير الشلي ومحمد قطاط ومحمد ايوب ومحمود قمحه وغيرهم .وقد تولى المناضل محمد زهير الشلي مسؤولية الكتابة العامة في أول مكتب تنفيذي جهوي .وفي هذا الإطار يذكر الأخ عمر بن مصطفى النملة جيدا أسماء كل الكتاب العامين للاتحاد الجهوي بسوسة من :محمد زهير الشلي إلى محمد بن شريفة ف :محمد قطاط ومحمد زهير الشلي مجددا ف :محمد ايوب ومحمد الهادي القارصي وصالح الفريقي وعلي المحضي ومنصف قمر وياسين سقير وعبد المجيد الصحراوي ف :محمد صالح الجديد. **نضالات في مختلف الاتجاهات هناك تواريخ محفورة في ذاكرة «عم عمر نملة» تكاد تشكل هويته النضالية .فهو لاينسى على سبيل المثال سجنه مدة شهر في ديسمبر 6491 ومضايقته بسبب تكوين نقابة البناء ومشاركته الفاعلة في كل التحركات النقابية وبسبب دعمه للمقاومة بالسلاح. كذلك يتذكر بكل فخر واعتزاز إضراب الميناء في سوسة 8491 من اجل المطالبة بمنحة القفة :ذلك الإضراب الذي وجد فيه دعما كاملا من فرحات حشاد. أيضا مازال «عم عمر نملة» يذكر دعم إضراب 50 أوت 7491 بصفاقس وكذلك التحركات الكبيرة التي عقبت اغتيال الزعيم فرحات حشاد في 50 ديسمبر .1952 ومن ابرز مسؤوليات المناضل عمر نملة تلك التي تحملها ضمن قطاع الأشغال العامة والتي تراوحت بين الكتابة العامة ومسؤوليات عديدة أخرى .كما تحمل المسؤولية النقابية ضمن نقابة المتقاعدين في السنوات الأخيرة قبل ان يمنعه المرض من مواصلة ذلك. وفي قراء سريعة استحضر من خلالها «عم عمر نملة» جملة من مواقفه الوطنية والنقابية بعد الاستقلال يذكر جيدا متابعته الفاعلة للعمل النقابي إلى جانب دعم مواقف صالح بن يوسف الوطنية مما تسبب له في مضايقات كثيرة .وعن الخلافات النقابية يقر عمر نملة باختلافه مع احمد بن صالح بسبب مساندته للحبيب عاشور. وهو يعتقد ان احمد التليلي هو من أحسن الزعامات وقبله طبعا الشهيد خالد الذكر فرحات حشاد الذي برز وطنيا وأشع دوليا وإفريقيا بدعمه للعمل النقابي والوطني في ليبيا والجزائر والسينغال مما جعله شخصية متفردة ولا مثيل لها .كما لم يخفي المناضل عمر نملة إعجابه الكبير بالحبيب عاشور لقوة شخصيته. الاتحاد ماضيا وحاضرا ومستقبلا الاتحاد ماضيا وفق تصور عمر نملة هو رمز للبلاد والوطن وقد اختزل حشاد قيمته بمقولته الشهيرة «الكرامة قبل الخبز» أما حاضرا ورغم التردد والتراجع لأسباب عديدة فالاتحاد يبقى مصدر قوة للعمال وتوازن للبلاد .أما مستقبلا فان الانتماء للاتحاد سيضل شرف لكل منتسب .وحشاد يقول في هذا المجال: «الاتحاد حصن منيع للعمال» ويقول أيضا «العمل النقابي يقوم على قوة الحجة والتضامن وليس السلاح ..والمحافظة عليه واجب وطني لأنه أساس من أسس استقرار البلاد». في خاتمة الحوار أبدى «عم عمر نملة» اعتزازه بالانتماء للاتحاد العام التونسي للشغل رغم الصعوبات والمحن ورضاه التام على تضحياته في مهنته في بناء الطرقات مدة أربعين عاما (الأمر الذي جعله يجري عملية على القلب) «عم عمر» أبدى أيضا تمسكه بصفات يعتبرها خصالا وهي عدم المجاملة والتصريح بالمواقف دون تردد .ويدعو في الختام إلى المحافظة على الاتحاد وذلك بدعم الانتماء وتجنب الصراعات والمحافظة على الوحدة النقابية.
تأبين المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة الذي نعى المناضل المرحوم «عمر نملة» كان باعضائه في الصفوف الامامية اثناء تشييع المرحوم الى مثواه الاخير، وقد ابنه بكلمات مؤثرة وصادقة الاخ محمد بن رمضان الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي الذي لم يخف حجم الخسارة التي لحقت بالحركة النقابية بعد رحيل «عمر نملة»