تحتفل دولة الكويت الشقيقة بعيدها الوطني وقد رأينا بالمناسب ان نعرض الى العلاقات الكويتية التونسية القائمة منذ أوائل الستينات باعتبارها مثالا يحتذى على صعيد التعاون الثنائي بين الدول العربية، والاكيد ان عراقة الصلات الممتدة بين الشعبين قد تعززت بتماثل التوجهات السياسية للقيادة الحكيمة في كلا البلدين، وكذلك بفعل القواسم المشتركة خاصة في الرؤية الواضحة حول المستقبل من ناحية وأهمية تطوير العنصر البشري من ناحية أخرى. والحقيقة ان التعاون الكويتي التونسي لم يترك مجالا يعود بالفائدة على شعبي البلدين الا وامتد اليه فأصبحت الحركية الاقتصادية الحثيثة الدائرة بين تونس والكويت دافعا لمزيد من التبادل الثقافي والاعلامي والاجتماعي، وقد نتج عن اجتماع اللجنة المشتركة التونسية الكويتية في دورتها الاخيرة توقيع سبع اتفاقيات تغطي مجالات الاقتصاد والعلوم والثقافة والشباب والبيئة وغيرها. كما يتوقع ان تعقد اللجنة دورتها الثانية في تونس في النصف الاول من العام الجاري، وسيواكبها توقيع مذكرات تفاهم تشمل نواحي تعاون اضافية. التعاون الاقتصادي منذ انطلاقها في الستينات لم تتوقف الاسثتمارات الكويتية في تونس ومست مجالات حيوية متنوعة، دعمت التنمية الاقتصادية فيها وخاصة في مجالات السياحة والبنى التحتية وإنشاء مواني صيد. وتساهم عدة مؤسسات كويتية، (حكومية وخاصة)، في جهود التنمية في البلاد التونسية منها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية وشركة الاستكشافات البترولية والمجموعة التونسية الكويتية للتنمية، فمثلا على امتداد أربعة عقود لعب الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية دورا هاما في المسيرة التنموية في تونس لا سيما من خلال القروض الميسرة التي منحها والتي بلغت نحو 31 قرضا بقيمة 143 مليون دينار كويتي أي ما يعادل قرابة 600 مليون دينار تونسي. ولم يقتصر التعاون الثنائي عن التدفق المالي والقروض بل عرف ومنذ أواخر السبعينات وبعد ان فتحت تونس أبوابها للاستثمار الخارجي تدفق الاستثمارات الكويتية عليها والتي لعبت دورا مهما في بعض القطاعات الانتاجية، وخاصة منها الاستثمارية، والمؤمل ان يتواصل هذا التدفق المالي والاستثماري بالصورة التي تجد فيها تونس المنفعة المشتركة وتبادل المصالح وتساهم فيها الكويت في المجهود التنموي التونسي وتعزيزه بوجود مصرفين بشراكة كويتية تونسية، هما البنك التونسي الكويتي وبنك تونس العالمي. التعاون الثقافي والاعلامي لا غرابة في ان تقابل كثافة حجم الاستثمارات التنموية الكويتية في تونس علاقات متميزة على الصعيد الثقافي والاعلامي بين البلدين الشقيقين وقد تجسم ذلك في كثافة الزيارات المتبادلة للمثقفين والمبدعين بين الكويت وتونس. وكان أول خيوط هذا الترابط الثقافي القوي قد نسجها الفن المسرحي، الذي شهد في كلا البلدين نهضة وحركية عاليتين وبالتالي كان المسرحيون والنقاد الكويتيون من أوائل العرب الذين شاركوا في أولى دورات »أيام قرطاج المسرحية« وبعدها اصبح الحضور الكويتي الثقافي بتونس ظاهرة مألوفة سوى من خلال معارض الكتاب او في المهرجانات الفنية الكبرى او الملتقيات الشعرية والفكرية وتتويجا للتبادل الثقافي بين البلدين، تم عام 1997 إبرام اتفاقية تعاون ثقافي وفني بينهما والتي تعد ثمرة جهود متضافرة وزيارات متعددة من الاتجاهين. وتفعيلا لهذا التوجه الثقافي لم يعد غريبا على الكويت حرصها الكبير على المشاركة بانتظام وفعالية في مختلف التظاهرات الثقافية والفنية والدولية المقامة في تونس، مثل معرض تونس الدولي للكتاب الذي اصبح فضاء مألوفا للعديد من المؤسسات الثقافية الكويتية، ومعرض صفاقس لكتاب الطفل، كما ان المشاركة الكويتية في »ملتقى المبدعات« بمدينة سوسة اصبحت تقليدا سنويا، كذلك يحرص الفنانون التشكيليون الكويتيون على المشاركة السنوية في المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس. كما اصبحت مشاركة الكويت في مهرجان الصحراء الدولي بدوز ومهرجانات الواحات الدولي بتوزر ومهرجان الزيتونة الدولي بالقلعة الكبرى أمرا تقليديا، ولا ننسى ايضا السهرات الفنية الكويتية التونسية المشتركة والتي شهدها المسرح البلدي بتونس العاصمة. وفي المقابل كثفت زيارات الوفود الاعلامية التونسية الى الكويت في السنوات الاخيرة كما كثفت بالخصوص زيارات الوفود النسائية التونسية المتكونة من برلمانيات وجامعيات وشاعرات وسيدات اعمال وفنانات بدعوة من وزارة الاعلام خاصة، بهدف مد جسور التعاون وربط الصلات مع الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية التونسية من جهة وكذلك بهدف ربط صلات شعبية اكبر مع مختلف مكونات الشعب التونسي من جهة أخرى، ومن المتوقع ان تشارك الكويت بوفد نسائي في مؤتمر منظمة المرأة العربية المقرر عقده بتونس في شهر اكتوبر القادم. هذا دون ان ننسى مشاركة عديد المثقفين والمفكرين والجامعيين التونسيين في عديد الأنشطة والفعاليات الثقافية التي تقيمها الكويت على امتداد العام سواء تحت اشراف وزارة الاعلام او المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومن ذلك المهرجانات الثقافية والفنية (مهرجان القرين، مهرجان المسرح، ومهرجان هلا فبراير)، والندوات الفكرية، والملتقيات العلمية، التي تنظم برعاية مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وجامعة الكويت وغيرها من المؤسسات المختصة. ايضا لا ننسى السهرات الموسيقية التي أحياها مطربون ومطربات من تونس في ضيافة تلفزيون دولة الكويت كما نشير الى الدور الهام الذي تقوم به الجالية التونسية المعتمدة في دولة الكويت في اطار برامج التعاون الفني القائمة بين البلدين. وفي غمرة الاحتفال بالذكرى 49 للعيد الوطني الكويتي ومن باب الوفاء بين الاشقاء لابد من التنويه بمواقف تونس الداعمة للكويت منذ استقلالها الى اليوم في المحافل الدولية وفي مختلف المجالات، وتثمين الرعاية الرئاسية السامية من لدى فخامة الرئيس زين العابدين بن علي، وحرصه على دعم علاقات التعاون بين البلدين الشقيقين تناغما مع حرص أخيه حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله والذي ما فتئ، يؤكد على عمق الروابط بين الكويت وتونس ويحرص على تدعيمها وإثرائها في مختلف المجالات وهو ما تجلى مرة أخرى من خلال المشاركة المتميزة لفخامة الرئيس زين العابدين بن علي في أشغال القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي احتضنتها دولة الكويت يومي 19 20 جانفي 2009.