على امتداد يومي 29 و30 مارس، نظّم الإتحاد الجهوي للشغل بتونس تظاهرة ضخمة إحياءً للذكرى 34 ليوم الأرض الفلسطيني 1976. وتضمّن برنامج التظاهرة في يومها الأول، الذي افتتحه الأمين العام للإتحاد الأخ عبد السلام جراد بدار الإتحاد، معرض صور وتنشيط موسيقي وعرض فيلم بعنوان «الحائط». أمّا اليوم الثاني، الذي انتظم بأحد النزل بالعاصمة، فتضمّن محاضرتين، ألقى الأولى الأستاذ محمد الصالح الهرماسي بعنوان «فلسطين والعرب« والثانية ألقاها الأكاديمي عبد اللطيف الحنّاشي بعنوان » من متاهة المفاوضات إلى إستعصاء البدائل». وقد تخلل ذلك مداخلة شعرية للشاعر المنصف الوهايبي ووصلات موسيقية لفرقة الحمائم البيض. خلال اليوم الثاني، غصّت قاعة النزل التي تم تزيينها بلوحات فنيّة أعدتها نقابة الفنون التشكيلية وشعارات داعية للتحرر غصّت بالنقابيين المنتمين لقطاعات عدة الى جانب الضيوف والطلبة، كما حضر بالمناسبة أعضاء المكتب التنفيذي الوطني الإخوة محمد سعد والمنصف اليعقوبي وعبيد البريكي. وبعد الترحيب، وضع الأخ نورالدين الطبّوبي الكاتب العام للإتحاد الجهوي بتونس التظاهرة في إطارها العام واستعرض الجرائم البشعة التي اقترفها الكيان الصهيوني في حقّ الشعب الفلسطيني وما قام به من إبادة جماعية مسّت الإنسان والارض والحيوان ومن تدنيس للمقدسات متحالفا في ذلك مع القوى الإمبريالية الاستعمارية. وعبّر الأخ الطبوبي، عن أسفه من معاناة الوطن العربي الهوان والتشتّت وغياب استراتيجا واضحة زادها تعمّقا نهب ثرواته وخيراته وغياب الديمقراطية فيه وعزلة شعوبه، ودعا إلى تكثيف وقفات المساندة للشعب الفلسطيني وتدعيم خيارات الوحدة والتضامن مع حركات التحرر وهي القيم التي ينادي بها دائما وأبدا الإتحاد العام التونسي للشغل، حتى تزداد القضية الفلسطينية قوّة وإشعاعا باعتبارها القضية المركزية لكل العرب. ❊ فلسطين والعرب والمفاوضات الضائعة المحاضرة الأولى للأستاذ محمد الصالح الهرماسي، استعرضت أهم خصائص المشهد السياسي الفلسطيني وجملة التناقضات التي يحملها بين طيّاته وانعكاس ذلك على مواقف الدول العربية في علاقة بالصراع العربي الصهيوني. وذكّر المحاضر بجملة التسويات المبرمة مع الصهاينة منذ 76 واعتبرها تسويات تُسيل دائما لُعاب »إسرائيل« لتنازلات أكثر إلى أن وصلنا المشهد الذي يعيشه الشعب الفلسطيني اليوم، هذا المشهد يتمثل في المحاصرة والخنق بعد مجزرة بشعة اقترفها الكيان الغاصب على الغزّاويين وجوع ومرض وفقر يعاني منها كل الشعب الفلسطيني واصفا السلطة القائمة بالبائسة وتورّطها مع أعداء القضية. والواقع الدامي الحالي، حسب المحاضر انعكس بقوّة على مختلف المواقف العربية التي تميّز جلّها بالتخاذل والإبتعاد عن إرادة رسم استراتيجيا واضحة من أجل ردّ الإعتبار للفلسطينيين وكل العرب، حتى غدت فلسطين محاصرة ليس بالجيوش الصهيونية فحسب بل بالجيوش العربيّة أيضا. ونادى الأستاذ الهرماسي بضرورة تقديم يد المساعدة للأشقاء الفلسطينيين ومقاطعة المنتوجات الصهيونية والإمبريالية ورسم خط نضالي يومي دائم ومتنوع يعتمد الرصاص والفدائية وأيضا لا ينسى الكلمة والشعر والأدب معتبرا أن المقاومة لا تقتصر على وقفات للتذكّر بل هي هاجس يومي ومُضن يؤمن بأن السلام العادل والحقيقي هو في اختفاء ما يُسمى دولة إسرائيل. في المحاضرة الثانية، لاحظ الأستاذ عبد اللطيف الحناشي أن الفكر السياسي الفلسطيني يعاني نوعا من الارتباك وعدم القدرة على تقديم المبادرات والحلول الناجعة، إلى جانب أنه يشهد تشرذما وانقساما (فتح وحماس) في ظلّ هجمة قويّة من اليمين المتطرف الصهيوني الذي زاد أكثر من أي وقت مضى في قضم الأرض وتدنيس المقدسات والقتل وهدم البيوت. وذكّر الممحاضر، أن هذا الاختلال ظهر في الحقيقة منذ قمة »كامب ديفيد« ثمّ انهيار الإتحاد السوفياتي وهذه العوامل زادها تردّيا تدخل العراق في الأراضي الكويتية وما أدّى إليه ذلك من اهتزاز للأنظمة الرسمية العربية. كل هذه العوامل، أثرت على سير المفاوضات وغاب فيها التوازن بين تكتيك التفاوض والضغط الميداني والدخول في منطق التنازل من قبل المفاوض (خارطة الطريق، محادثات اينابوليس...) وغياب مرجعية تفاوضية واضحة وهو ما جعل كل المفاوضات تفشل في التوصل الى اتفاق حول الدولة الفلسطينية. واستعرض المحاضر، جملة البدائل الموجودة، في ظلّ هذا الواقع، والمتمثلة في الأوجه العديدة للمقاومة والإختلافات الموجودة فيما بينها، أي بين من يعتمد الكفاح المسلّح المنظم وغيرالمنظّم أو من يعتمد الكفاح السلمي والمقاومة الشعبيّة، وانتهى المحاضر الى أن القضية الفلسطينية، كقضية فلسطينية مركزية محتاجة أولا للتوحد داخليا وأيضا ان تكتسب بعضا من الإستقلالية عن الدول العربية. الحضور كانت له بعض المداخلات، فقد ثمّن تنظيم هذا اللقاء ودعا البعض الى الإكثار من هذه المناسبات، بما أنّ ذلك يدخل دائما في إطار المقاومة والتوعية والتحسيس بالقضية الفلسطينية، كما عبّرت عديد المتدخلين عن أسفهم لغياب الديمقراطية والحريات في البلدان العربية ومنع الشعوب من شدّ أزر الشعب الفلسطيني مندّدين بتورّط عديد الانظمة العربية في عملية »قتل« المقاومة كخيار استراتيجي لتحرير الأراضي المحتلة. ❊ الوهايبي يُبدع كعادته دائما، وبأسلوبه الساخر، قدّم الشاعر المنصف الوهايبي، على إثر نقاش المحاضرتين، وصلات أطلقت العنان لوصف معاناة الشعب الفلسطيني في زمن التراجعات وتخلّف العرب، وقد مسّت قصيدة »الأمة« المشاعر واستفزّتها جاعلة من النفس تحتار في الإختيار: إما تبكي حال العرب او تضحك عليه... ❊ والحمائم البيض أيضا... كما خلقت فرقة الحمائم البيض، جوّا منعشا، بعد التحليل والتفسير والشعر، ورقص البعض على أنغام »إن شخت كالجذع يوما«، ولم يمنع التقدّم في السنّ أغلب أعضاء الفرقة، من القفز والجري والصراخ، لكأنهم بهذا النشاط وهذه الديناميكيّة، ديناميكية المسنّين، أرادوا إكساب الشباب الثقة والأمل في أن يوم الحرية ودحر المحتل، آت لا محالة. تظاهرة الإتحاد الجهوي بتونس لاحياء يوم الأرض، التي كان تنظيمها جيدا، مثلت لقاء جميلا، التقى فيه العديد للتذكير وإحياء الذكرى والأمل على حدّ السواء...