«أنا أحبّ صدام حسين»! لا تقوم بأيّة إحتياطات حين تعبّر هدى العزّاوي عن موقف، »وهذا لا يعني انني لا أشارك في المقاومة وهذا أيضا أقل مما كنت أو حتى حين أكون إرهابيّة« متهمة بتمويل الانتفاضة المسلحة تمّ إيقاف هدى العزّاوي 7 أشهر في سجن أبو غريب وعن هذه التجربة بقيت تحتفظ بحقد شديد تجاه الأمريكان. كل هذا لم يمنعها من تنديدها »بالاعمال الإجراميّة« لمجموعة مثل التوحيد والجهاد لأبي مصعب الزرقاوي، ففي نفس الوقت الذي أشهرت فيه التوحيد والجهاد مختطفيها في ملابس برتقاليّة مقلدين تلك التي يظهر بها أسرى »غوانتانامو« وحينما قطعت رأس الامريكي »نيك يارڤ« بدت هذه المنظمة حاملة للواء الثأر للمساجين العراقيين، فالمجموعة قد اختطفت وقطعت رأسي مهندسين أمريكيين وكذلك فعلت بالبريطاني »كينيت بقلي« في 8 أكتوبر بعد ان اشترطت إطلاق سراح جميع الأسيرات العراقيات مقابل عملية الإفراج، ولكن هدى العزّاوي تستطيع أن تقدّم شهادة عن سجن أبو غريب وأشكال القصاص فيه ذلك انها آخر من غادر من السجينات في 19 جويلية 2004. ❊ إمرأة أعمال: ثروتها الشخصيّة جعلت منها أغنى إمرأة عراقيّة بعد ساجدة، الزوجة الأولى لصدّام حسين وكذلك موقعها كإمرأة أعمال في عمر 49 سنة، ومطلقة منذ مدّة قريبة سهّلا لها هذه الحرّية في ان تكون لهجتها غير اعتيادية اليوم تقوم على رأس »عشتار« شركتها لتوريد سيارات المرسيدس ملابس مسبوكة، قامة مستديرة، أظافر مذهبة في تناسق مع الحليّ المخشخش حول العنق والمعصمين، ماكياج جريء مع شعر أشقر كثيف وخشن. من نظرة واحدة تستطيع أن تفهم أن السيدة العزّاوي ليست »عراقية نموذجيّة« فحينما تعود إلى الوراء لتحكي قصّة أبو غريب تكون إحدى النساء القلائل اللواتي قدرن على الادلاء بشهادتهنّ (حول السجن). فمشاكلها بدأت خريف 2003، فطرق الوشاية المعتمدة زمن صدّام حسين أصبحت رياضة وطنيّة، فهدى وعائلتها الثريّة إحدى الاهداف المهمّة للوشاة، فرسائل مجهولة الهويّة تحذّرهم إذا لم يدفعوا ستتمّ الوشاية بهم الى الأمريكان، علي الابن الأكبر، تمّ اشعاله كالسجائر، نهلة البنت الوسطى اختطفت ثمّ حرّرت مقابل عشرة آلاف دولار أما بالنسبة لهدى فلا مجال لان تخضع لمساومة، وكأمرأة أعمال قرّرت ان تسوّي الوضع بنفسها ففي 22 ديسمبر 2003 قصدت القاعدة الأمريكية في قصر الذّاميّة لتحتج على »هذا الوضع غير المقبول« قالت: استمع الى أحد الضبّاط بكل أدب لمدّة 10 دقائق ثمّ تمّت مقاطعتنا من طرف عسكري جاء يوصل وثيقة قرأها الضابط وفي الثانية الموالية لم أعد ألقب بالسيدة »بل الإرهابيّة، ثلاثة مارينز قيدوا يديها وراء ظهرها بالسلاسل ووضعوا لها لثاما على رأسها، مرّت شهور عدّة وحينها عرفت هدى أنّّها متهمة بتمويل المقاومة المسلّحة، في ديسمبر تمّ إيقاف أخوتها الثلاثة علي، عيّاد ومعتز وأختها نهلة، ولا أحد منهم كان يعلم بوجود الآخر في مركز الحيازة (الإيقاف) بالذّاميّة، في الغرفة التي توجد بها وعيونها معصوبة ويديها مقيّدتين عرفت من خلال النّحيب انّ أختها نهلة تقبع بجانبها. عاشت بعد ذلك أسبوعا شاقّا: رفس بالأرجل أو ضرب بعقب السلاح على النّهدين والبطن، شتم، إجبار على الوقوف ساعات أو التّقرفص، حرمان من الأكل والنّوم، موسيقى »مزعجة« على دفعات في إحدى المعاملات السيّئة لاحد الحراس إنخلع أحد كتفيها وربّ ضارّة نافعة كان أجمل شيء حدث لي، غضب الطبيب وأمر الحارس بعدم تقييد يديّ وراء ظهري بل على بطني في وضع أقلّ ألم. ❊ صرخات أختي: الأسوأ هو ما سيأتي، في إحدى الأماسي سمعت صراخا يصمّ الآذان ونحيب أختي، فقد رموا عليها جثّة رجل عار، أصابها خوف شديد، فقد تحققت من أنّ الجسد هامد، وبيديّ المقيدتين إلى الأمام استطعت رفع جزء من عصابتي الرجل العاري كان عيّاد أخي وكان وجهه ملطّخا بالدم، طلبت من نهلة أن تنحني برأسها لترى أن كان قلبه يدقّ ولكن قلبه لا يدقّ، لقد قضّت الليلة مع جثة عياد على ركبتيها، والأب لم يسْتلم الجثمان إلاّ في شهر أفريل في بيت الموتى، على وثيقة الوفاة قرأنا: »عيّاد ذكر، عراقي مسلم، إبن حافر أحمد علي العزّاوي، سبب الوفاة الموضوع من طرف قوى التّحالف: سكتة قلبيّة، السبب مجهول، صورة الميّت إستلمها الأب بعد أن دفع رشوة بالدولار تُظهر شابّا في الثانية والثلاثين من العمر، رقمه 1640 وجهه مشوّه على مستوى الصدغ الأيسر وصدره مغشّى ببقع سوداء بعد ذلك تمت نقلتنا ، وصلت إلى أبو غريب في 4 جانفي 2004 أعطوني رقم 156283 وزنزانة بمترين قضيت فيها 197 يوما وثلاثين استجوابا حظي كان جيّدا لأني أحذق الانقليزية في ظرف ثلاثة أشهر طلب منّي مسؤول في السجن أن أكون مترجمة مع الطبيب، وفضيحة صور أبو غريب لم أسمع بها إلاّ حين خروجي، لم تؤخذ تلك الصور في نحايتنا ولكن كلّنا كنّا عرضة لمشاهد مماثلة أو أكثر فظاعة فقد شاهدت جنودا يُدخلون قوارير الماء بالقوّة في دُبر الرّجال، فهمت بعد خروجي أن وضعنا تحسّن نتيجة لفضيحة الصور. حسب هدى: النّساء يتحفظّن نسبيّا فلا تجد واحدة تحدّثك عن الاغتصاب، فالاغتصاب بالنسبة للرجل هو إهانة عظمى ولكن بالنسبة للمرأة فإنها طريق إلى القتل من قبل عائلتها، عندما كانت في السجن زوج هدى فرض عليها الطلاق تقول هدى: لا أدري ان كان بسبب الفضيحة ولكن استطيع القول أنّني معتزّة بنفسي وكل السّجناء يحترمونني. تمّ تحرير هدى نهائيّا في 19 جويلية بتدخّل من الشيخ هشام الدّليمي الذي أصبح المفاوض العنيد لتحرير السجناء السياسيين وكردّ للجميل أهدته عائلة العزّاوي هدى التي أصبحت زوجته التاسعة عشر. في هذا الوضع وجدت هدى نفسها أمرأة حرّة، وبخلاف تجارتها في المرسيدس فإنّها تخصص كل وقتها لاطلاق سراح أخويها الموقوفين والتعريف بعملية إغتيال أخيها عيّاد. مشروع آخر يشدّ وجدانها هو إقامة »رواق أبو غريب« تعرض فيه ما تبقى لها من السجن »السوار الذي يحمل الرقم« »التيشيرت« لأحد الجنود سرقه منه أحد المساجين وقدمه لها لانّ ملابسها تمزّقت مما أظهر حمّالة صدرها، الأقمصة أيضا وبعض قطع عن الأغطية. أحببت في تلك اللّحظة وأنا أغادر زنزانتي أن تكون لي فكرة جميلة أو أن أقول جملة عظيمة، كنت آخر إمرأة تغادر السجن، ولكن رأسي كان فارغا، بطريقة غريبة، الكلمات الوحيدة التي نطت الى دماغي كانت بالأنڤليزيّة »باي باي« ومع ذلك فإني أخشى إنّي لم أغادر نهائيا أبو غريب. النصّ ل : سيسيل هينيون على موقع جريدة لوموند www.le monde.fr